أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - الفساد بين عهدين .. عهد صدام والذي بعده (1)















المزيد.....

الفساد بين عهدين .. عهد صدام والذي بعده (1)


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 13 - 15:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفساد بين عهدين .. عهد صدام والذي بعده (1)
جعفر المظفر
تهتم هذه المقالة تحديدا بدراسة البنى التي تؤسس للفساد بنوعه المالي, والذي له علاقة بكوادر السلطة وليس بالعامة التي تضطر نتيجة لسوء الحالة الإقتصادية إلى إستحصال ما يسد رمقها بطرق مخالفة لقانون المحظورات. تحاول المقالة أن تجيب أيضا على سؤال هل أن الفساد الحالي هو فساد موروث عن عهد صدام أم أن لكل نوع بنيته الذاتية بما يجعله خاصا بكل نظام على حدة. والمسألة بالتالي هي دراسة على الطبيعة للإجابة عن اسئلة بعيدا عن الإسقاطات السياسية وتلك التي ترى الأمر من خلال عين الود أو عين الكراهية بما يجعل الحقيقة بينهما غامضة وتائهة.
للدكتاتورية هنا فضلها, فهي ليست كلها نواقص. سلطة الفرد الواحد, بمستوى القمع والتخويف الذي بلغته في عهد صدام, لم تترك للفساد حرية ان يتجول دون رقيب.
لم نسمع يوما أن رجالات صدام, كانت لديهم صلاحية منح العاملين معهم أو أقاربهم مبالغ مالية أو إمتيازات. لا أحد من هؤلاء, حتى على مستوى الوزراء والقادة العسكريين, كانت لديهم حرية التصرف بأموال الدولة التي أصبحت لفرط مركزيتها دولة لصدام وحده, وصار من الطبيعي أن يكون مفتاح خزنتها في جيبه, وأن تكون معاطف رجالاته بلا جيوب غير تلك التي يملك أقفالها هو شخصيا.
منذ أن حسم صدام معركة الهيمنة على السلطة, بعد أن ذبح القطة في ليلة دخلته الرئاسية على الحزب والدولة, وذلك في مؤتمر قاعدة الخلد الذي إنعقد في تموز من عام 1979, صارت الدولة ملكا صرفا له.
لقد صرنا أمام دكتاتورية من نوع مختلف. عبدالناصر كان دكتاتورا وكذلك عبدالكريم قاسم لأنهما كانا يقودان نظاما طغت على قراراته سلطة الفرد ومفهوم البطل الوطني والقومي, لكنهما كانا يختلفان عن صدام كون هذا الأخير, كان حاكما للدولة ومالكا لها في نفس الوقت. قاسم وناصر كانا يتسلمان مرتباتهما الشهرية من محاسب مجلس الوزراء شأنهم في ذلك شأن جميع موظفي الدولة الآخرين, وكانا حاكمين فرديين في غياب مؤسسات ديمقراطية لها صلاحيات التشريع والمراقبة والمحاسبة, لكنهما لم يتصرفا مع الدولة كملك صرف.
مع صدام الأمر إختلف. نجد أن هناك أمرين رئيسيين كانا أثرا بشكل رئيسي واضافا على الطبيعة التفردية الدكتاتورية للحكم : أولهما البيئة البدوية التي ترعرع صدام فيها ونحتت معالم لسلوكيات لم تستطع حياة المدينة أن تغيرها, وثانيهما تأثير مرارة الإضطهاد الإجتماعي العام والخاص الذي عانى منه صدام في طفولته ومطلع شبابه والتي فعَّلت إلى حد كبير قيم البداوة العامة المتغلبة وأضافت عليها بعدا شخصيا ذا طبائع إنفجارية وإنتقامية.
قيم البداوة التي ظلت مرافقة لصدام لم تستطع حياة المدينة أن تمسحها فبقيت هي الأقوى وأعلنت عن نفسها في مراس شديد وعناد وصبر وتحمل لقسوة المحيط وإستعداد دائم للمواجهة والجمع ما بين حكمة شيخ القبيله وبين سيفه المستعد في أية لحظة لحالة إستباق مكنته من القضاء على الخصوم والمنافسين, ومن جهة أخرى عمقت هذه القيم, إضافة إلى واقع الحرمان الذي عاناه في طفولته من قيم التعامل مع الدولة والمال العام وفق ثقافة غنائم الحروب والغزوات.
نحن هنا لا نتحدث عن الأمر بمقاييس أخلاقية ولا نريد أن نفتش عنه من خلال الموروث التاريخي. مسألة كهذه سوف تجعلنا تستعرض أثر الموروث الأخلاقي العراقي في صياغة السلوك الجمعي أو الفردي مما يتطلب إسهابا في إستعراض حكايات الأمانة والحرص على المال العام التي توارثها جمع من النقائض السياسييين المختلفين في طبيعة العقائد لكنهم كانوا قد تماثلوا جميعا في النزاهة والحرص على المال العام. وقائمة هؤلاء تضم زعماء من أمثال ملوك العراق وحشد من سياسي العهد الملكي مثلما تضم مجموعة رجالات العهود الجمهورية المتعاقبة وصولا إلى صدام حسين.
حكايتنا مع صدام وقضايا الفساد المالي في عهده لا بد من تقسيمها على المراحل الأساسية الثلاثة التي مر بها ذلك العهد, على أن تكون مرحلة الحصار هي الفاصلة بين السابقة واللاحقة. بداية أجد أن من العدل الإشارة إلى أن النظام البعثي الذي تحققت له عملية الإستيلاء على السلطة في عام 1968 وحتى تاريخ هيمنة صدام عليها في عام 1979 كان على صعيد النزاهة المالية إمتدادا للسلوكيات الأخلاقية المتوارثة التي رسخها في البداية العهد الملكي.
في تلك العهود, على إختلافها, كان الحكم على المتلاعب بالمال العام يتم من خلال مواد قانونية بحتة. أما في عهد صدام صار المتلاعب بالمال العام, من قبل موظفي الدولة الكبار, يحاسب وكأنه خارج على إرادة الرئيس ومتآمر على سلطته وليس مجرد سارق من المال العام لأن الدولة صارت دولة للرئيس .
إن الجنحة لم تعد أخلاقية بحتة, وإنما صارت سياسية أيضا, بمعنى سرقة صاحبها من مال دولة الرئيس بما يعني التجاوز عليه وتحدي إرادته, لذلك رأيناه يحكم بالإعدام على أمين عاصمته, وبالمؤبد على البعض من المدراء العامين في دولته, ويضع وزير كهربائه (صلاح كزير) في السجن لمدة ست سنوات لإكتشافه أن أحد أقاربه قد إستلم عمولة من شركة تعاقدت مع الوزارة, ويحكم على إبن خالته (فاضل صلفيج) بالسجن سنتين لصلته بشركة وهمية لتوظيف الأموال, وكان الأخير قد شغل موقع مدير جهاز المخابرات قبل إزاحته. هنا كان الأخلاقي والسياسي قد تداخلا معا لكن المؤكد أن السياسي كان طغى على الأخلاقي ووظفه لصالحه.
الرجوع إلى جريدة الوقائع العراقية يوفر لنا فرصة للتعرف على طبيعة التعامل المالي لصدام مع معاونيه. هناك قرارات كان اصدرها (مجلس قيادة الثورة) بمنح عزت الدوري وطارق عزيز مبلغ خمسين ألف دولار لكل منهما لغرض تحسين ظروفه المالية, وهذا يكشف أن الرصيد المصرفي لهؤلاء كان متواضعا جدا. الثابت من ناحية أخرى إن اقرب معاوني صدام لم يكونوا على سعة مالية غير تلك التي يوفرها راتبهم الشهري المحدد بقانون, أما النشاط التجاري لأي مسؤول في الدولة فقد كان محرما بقانون أيضا.
وكان من المحرمات, التي تصل عقوبتها إلى الإعدام, وجود حسابات للموظفين العراقيين في المصارف الأجنبية. ومُنعت الهجرة وجرت متابعة المهاجرين من خلال أهاليهم . ووضعت الملكيات العقارية لموظفي الدولة خارج العراق في خانة المحرمات.
وبما أن العيش في دولة أجنبية كان معدوما ومحرما على قيادات الحزب والدولة لذلك لم يكن هناك معنى لتهريب مال الدولة او سرقته ووضعه في مصارف أجنبية أو إستخدامه في شراء العقارات أو تدويره عبر اي نشاط تجاري في الأسواق الأجنبية.
الأمر نفسه إنطبق على العائلة الحاكمة أيضا. عدي مثلا كان أكثر العائلة مالا, لكن النسبة الكبيرة من أمواله كان جمعها من نشاط تجاري لشركات عرف عنها فعاليتها في سوق اللحوم وفي تجارة السكائر, وبإمكاننا أن نتحدث عن طبيعة ذلك النشاط بميزان الممارسات المحرمة كإستعمال السلطة أو التخويف أو الإحتكار أو المشاركة التجارية القسرية, لكن كان واضحا أنها لم تمتد لتشمل السرقة من خزينة الدولة, فلم يثبت عليه مثلا أنه إستولى على إنبوب نفط وقام بالتصدير منه لحسابه الخاص, أو أسس ميليشيا لغرض الإستيلاء على خزائن البنوك .
ولأن عدي كان على سر أبيه فقد لجأ إلى تحجيم كثير من النشاطات التجارية المشبوهة التي قد يقوم به أقرانه من أبناء العشيرة أو المسؤولين, وكان على إستعداد مثل والده لضرب المخالف وتأديبه بشدة إذا ما تهيأ له أنه من ناحية المال أو السطوة قد صار منافسا له أو حتى قرين. ومن المشاهد التي يمكن إستدعاءها هنا هي تلك التي تتحدث عن ميل عدي للإستيلاء على السيارات الفارهة وتعويض اصحابها بأخرى من نوع الفوكس واكن برازيلي للمزيد من الإنتقاص الشخصي وردع الآخرين من التجاوز على هيبة العائلة الحاكمة.
كل ذلك لن يتعارض مع أو ينفي وجود سلوك مدان ومشين, لعدي وللعديد من عائلته, والذي له علاقة بطريقة حياة البذخ والميل للسكن في القصور الباذخة, لكنه سيعيد تفسير ذلك السلوك بمستوى إقتصاره على تلك الدائرة وحدها, مع وجود ما يفسره كونه خاص بابناء العائلة المقربين ومحرم إمتداده خارج دائرتهم الخاصة إلا بما يعتبر منحة من الرئيس ذاته, وهذا سيعود لكي يصب في خانة العوامل الكابحة لإنتشار الفساد المالي وإنفلاته كسلوك عام.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتب السياسي والسياسي الكاتب
- وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم
- القرآن والإعجاز العلمي
- حوار حول الدولة الكردية وتقسيم العراق
- الإستفتاء على تأسيس الدولة الكردية
- خذوها مني
- الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه
- وساطة مطلوبة ووسيط غير مطلوب
- مشاريع تقسيم العراق
- ظاهرة الحرشة في ألمانيا وما قاله شيخ المفكرين العراقيين عنها
- إعدام الشيخ نمر النمر في السعودية
- الناسخ والمنسوخ بين التراتبية الأخلاقية والتراتبية الزمنية
- غسان أبو المولدة
- لكي لا نموت في الأرض الحرام
- صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (2)
- صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (1)
- أرقام حنا بطاطو ... الرقم سمكة
- سوريا والعراق .. الثابت المبدئي والمتغير السياسي
- هل يتحول القيصر إلى شيخ قبيلة كذلك الذي كان عندنا في بغداد
- قضية المهاجرين المسلمين إلى الغرب


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - الفساد بين عهدين .. عهد صدام والذي بعده (1)