مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5036 - 2016 / 1 / 6 - 08:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة بسيطة "لتاريخنا" ستكشف فورا أنه لم و لن يوجد أبدا ذاك الذي يسمونه : "نحن" , كان هناك على الدوام اثنان , "نحن" و "هم" , "هم" : سلطة غاشمة مطلقة ادعت حقها المطلق غير القابل للطعن و للنقاش في استعبادنا و قتلنا إن شاءت أو إذا تمردنا و في استعباد كل من تستطيع استعبادهم من جيراننا باسم السماء , و "نحن" : الثوار , الذين نؤمن بحقنا غير القابل للطعن و النقاش بالعيش بحرية , دون أية قيود أو سجون , دون سادة , و هناك أيضا : "نحن" الناس العاديين , الذين سجلت تغريباتهم و سيرهم يوتوبياهم الساذجة عن "الحاكم العادل" , و قصص حبهم , العذري تارة و الماجن تارة , و عن "أبطال" يأتون بالعدل و الوفرة للجميع دون أن يفهموا كيف .. إن محاولة الحديث عن "نحن" فقط , عن "تاريخنا" , ليست فقط محاولة مستحيلة لدمجنا نحن الاثنين في واحد , إنها محاولة واعية تماما لقتل"نا" , لصالح"هم" , لإلغاء "تاريخنا" , لإثبات "تاريخهم" .. ليس الحجاج و ابن الأشعث و قطري بن الفجاءة واحد , و مساواة تاريخنا بالحجاج و قراقوش و إلغاء الأشعث و ابن الفجاءة منه باتهامهم بالكفر أو بأنهم خوارج تعبر عن رغبة بإنكار و إدانة و استبعاد كل ما فعله الفقراء و الحالمون و المجانين لينتزعوا حياتهم من أيدي سادتهم , من "تاريخنا" , أن "تاريخنا" لم يعرف الثورات يوما , أنه لم يوجد على هذه الأرض , طوال هذا "التاريخ" , سوى قطيع من العبيد السعداء .. القول بأن الحجاج و قراقوش هما "نحن" و أن تاريخ استبدادهم هو "تاريخنا" هي محاولة لقتل ابن الأشعث و ابن الفجاءة مرة أخرى و أخيرة , و معهما أبو حنيفة النعمان الحقيقي و سفيان الثوري الحقيقي و غيرهم ممن قاوموا الاستبداد حتى الموت , لقتل الثورة و الحرية من حاضرنا , من قلوبنا و أرواحنا , محاولة لتزييف نصر سهل للطاغية و جلاوزته على أجدادنا , الذين قاوموا الطغيان في كل يوم و كل لحظة من تاريخنا الطويل , تاريخ استبدادنا الطويل ... "لهم" "تاريخهم" و "لنا" "تاريخنا" .. "نحن" , "أجدادنا" الثوار , مازالوا يرعبون الجميع حتى و هم في قبورهم الداثرة , لدرجة أن من يردد كلامهم اليوم يخشى حتى من ذكر اسمهم و يفعل كل شيء ليتبرأ منهم و من ثورتهم : داعش و السلفيون , حتى الجهاديين منهم , و غيرهم ممن يستخدم نفس أفكار الخوارج كالحاكمية و غيرها يفعلون كل شيء لينفوا عن أنفسهم تهمة "الخوارج" ... لم يساوم الخوارج مع الاستبداد أبدا , لم يقبلوا بأي طاغية , لا صحابي و لا من آل البيت , لا ابن عم الرسول و لا كاتب الوحي , و لا حتى الرسول نفسه إذا صدقنا الحديث المتواتر عن ابن الخويصرة و مطالبته الرسول نفسه بالعدل , كان العدل مع المساواة القيمة الأولى عندهم , القيمة الوحيدة تقريبا , كان هذا هو تأويلهم و ممارستهم للمقدس .. يرفض البغدادي التشبه بالخوارج , ليس فقط فزعا من أحكام التكفير التي تزخر بها كتب الفقه ( السلطاني ) ضدهم , بل لأنهم اشترطوا العدل على ولي الأمر و قالوا بوجوب خلعه إذا لم يقم بالعدل , و أجمعوا على وجوب الخروج على أئمة الجور , يجب عندهم الخروج على الحاكم الجائر إذا بلغ عدد المنكرين أربعين شخصا و يسمون هذا حد الشراء أي شراء الجنة بأرواحهم , و لا يجوز عندهم قعود الثائرين عن الخروج إلا إذا كان عددهم أقل من ثلاثة .. قد يكون في هذا نزعة انتحارية ما , لكن من قال أن الثورة يجب أن تنتصر بالضرورة , إلا السذج أو المخادعين , أن الثورة ليست بشكل من الأشكال فعلا انتحاريا أو نصف انتحاري على الأقل , أن السادة و حراسهم سيستسلمون بكل سهولة دون مقاومة لتمرد عبيدهم , و أن العدل سينتصر بالضرورة , العكس هو الصحيح غالبا , أو دائما , حتى اليوم .. ليس الخوارج وحدهم و القرامطة و الزنج من يسجل لنا "تاريخهم" كيف ماتوا و هم يقاتلون مستعبديهم , لقد أبيد جيش سبارتاكوس في معركته الأخيرة , و بعد أن انجلى غبار المعركة الأخيرة عن أشلاء آلاف العبيد لم يجد جنود روما المنتصرون بينها جثة سبارتاكوس , أما الستة آلاف عبد ( حر ) الذين قهروهم فصلبوا على الطريق من كابوا , حيث بدأ سبارتاكوس تمرده قبل عامين , حتى روما .. في 15 مايو أيار 1525 وصل توماس مونتزر , القس الألماني الراديكالي المتطرف الذي سماه خصمه مؤسس الإصلاح البروتستانتي لوثر بالشيطان المتعطش للدماء , إلى بلدة فرانكينهاوسين لينضم إلى آلاف الفلاحين قبل وقت قصير من هجوم جيش الأمراء الألمان عليهم , دامت المعركة دقائق معدودات قتل خلالها ستة آلاف فلاح مقابل جندي واحد فقط , كان هؤلاء جزءا فقط من قرابة مائة ألف فلاح ألماني قتلهم أمراءهم فيما يسمى اليوم بحرب الفلاحين في ألمانيا .. سيلقى القبض على مونتزر حيا , و يعذب ثم يقطع رأسه و سيترك معلقا لسنين حيث سقط رفاقه .. في الأسبوع الأخير من حياة كومونة باريس حمل آلاف الرجال و النساء و العجائز و الأطفال السلاح دفاعا عن كومونتهم ضد جيوش فرساي , يسمى ذلك الأسبوع الآن بالأسبوع الدامي , كان جنود فرساي يقتلون فورا كل من يلقون القبض عليه و على يديه آثار البارود , كل من حمل بندقية .. لأسبوع كامل , قاتل الآلاف حتى الموت على المتاريس التي سقطت واحدة تلو الأخرى , أما لويس , الثائر السبعيني الذي بدأ حياته بثورة 1830 و شارك في انتفاضة عمال باريس في يوليو تموز 1848 و عرف سجون نابليون الثالث و غيره , الذي كان عمليا القائد العسكري لكومونة باريس , فإنه سيتجه في مساء 27 مايو أيار 1871 إلى أقرب متراس و سيصعد فوقه أعزلا من السلاح ليقتله جنود فرساي على الفور .. ليس الموت جميلا , أو سهلا , رغم أنه "طبيعي" و "إلزامي" للجميع , لكن الثورة ليست نزهة إلا للأغبياء و المنافقين , إن كلمة لا في هذا العالم مكلفة جدا , جدا , الثوار الحقيقيون يعرفون ذلك جيدا .. كان من الممكن جدا ألا يموت كل هؤلاء و آلاف غيرهم "قبل الأوان" , و لا أن يذكروا في "تاريخهم" ككفار و مارقين أو مجانين لو أنهم لم يفكروا يوما , لحظة , بالحرية ...... كان من بين "أجدادنا" أولئك الصعاليك , الذين كانوا من أوائل الثوار الفرديين أو الفردانيين في "التاريخ" , أفراد ثاروا لوحدهم ضد كل شيء , ضد المال و الجشع و قوانينهما , ضد مجتمعاتهم التي كانت ديمقراطيتها المشاعية العشائرية البدائية تتفسخ لصالح الثروة و أصحابها الذين سيملكون قريبا كل شيء , حتى البشر , و الخلاص , عاش هؤلاء و ماتوا , صعاليكا و ثوارا , حتى النهاية .. ليس الحجاج و ابن الأشعث واحد , و لا أبو حنيفة و عبد الله بن عمر نفس الشخص , ليس السجان و المسجون شخصا واحدا , إنهما شخصان , مختلفان , مختلفان كلية , جدا , حتى العداء , و الثورة , حتى الموت
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟