أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - ما أنا إلا أبي















المزيد.....

ما أنا إلا أبي


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5020 - 2015 / 12 / 21 - 15:52
المحور: الادب والفن
    


أنا ما أنا إلا هو في زمن آخر. أدرك هذا الأمر تمام الإدراك، مثـلما أدرك كوننا حلـقـات في سلسلة ممتـدة أصلها انبثـق في الوجود كـفيض شأن كل عملية خلق، أصلها الفكروي الصوري الالاهي. لم اكتـشف هذا الأمر مؤخرا و إنما منذ سنوات عـديدة.
برغم تـشكل عـديد الاختـلافـات الظاهرية بـينـنا، فإنها تباينات الظرف المتغير و البيئة الاجتماعية المخـتـلفة، و لون بشرتي البيضاء مقارنة بسمرته، و عيناي الخضراوان مقارنة بعينيه اللوزيتين، و طول قامتي مقارنة بتـوسط قامته، و تـنـشئـتي على تموجات روحيته و هو ذو الثـقافة و الفكر، بينما نشأ هو في بيئة المزارعين غير المتعـلمة.
ما تـأكـدت منه ذات يـوم بعيد أني في نهاية الأمر، رغم شطحاتي التي تعـسفـت فيها على نـفـسي و قـدري و لـوحي لأقـوم ببعض الأعمال الشريرة و إيماني بالقوة و العنف في صباي و تهافتي على بعض اللـذة الحـسية، إلا أن وخـز أناي الباطني كان يؤلمني و يـبث بين أرجاء وجداني المتطاير بين الأرض و السماء عـدم الثـقـة في النـفس برغم استماتـتي للظهور بمظهر الواثـق المعتـد بنـفـسه بل المتغـطرس أحيانا وسط لجج الكبرياء الذي يخالطه الإحساس بالدونية.
كان أناي يتجه بي إلى الالتـقـاء بجوهره الخير الطيب الذي يحترم الآخرين و يحبهم في حبه للحياة و نعمة الفيض الرباني في إيجاد ما وُجـد من وجود و (ما لم يُوجد بعـد، زمانيا إنسانيا بحكم زمكانية العـقـل البشري و ليس كحالة وجود معـقـولة هي بالضرورة موجودة ماديا بحكم الكـونية الربانية، أليس ربك إن قال للشيء كن فيكن مثـلما ذكر في قرآنه و بالتالي فخلـقه كـلمات و أفكار متصلة بالمعقولات فتكون موجودات بمجرد فعل قولها من ربك العـظيم سبحانه لا الاه إلا هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة و لا نوم).
و بما أن اكـتـشافـك للأشياء لا يكـون إلا بضدها، فعنـدما توجهت إلى دراسة الحـقـوق في الجامعة وجـدت نـفـسي كارها نـفـسي و حلم المحاماة و الرفاه المادي و العيش على سطح الحقوق و الأفكار و الوجود. اكتـشـفـت أني اعشق مادة الفلسفة التي يشتغـلها أبي كمدرس. اعشق الغوص في المجهول لإحالته إلى معلوم. اعشق الرشف الانهائي لأعظم نعمة انعم بها الله الإنسان و هي التـفكير المنطقي العقلاني..
أنا ما أنا إلا أبي في جسد آخر ممتد لجسده و مكملا له بمفهوم رغبته في جسده الأجمل الذي أوجده فيا (فالإنسان يشارك الله بإرادته و تصوراته و نـزعاته في خلـقه و ربما لأجل ذلك قال ربك في قرآنه أن الإنسان خليفة الله في الأرض). رغبته في تحرر أكثر من التـقـاليد أوجدها فيا. رغبته في التطابق أكثر بين المادي و الروحي أوجـدها فيا. نعم. أنا ما أنا إلا أبي في تـطوره و كماله الذاتي حسبما أراده هو و بطرق ربما لم يـردها هو انـدفـعت لما هو متصور و مأمول منه فيه و فيا..
و كم عشقـت سيجارته الحية باستمرار بين اصابعه و هو يحاكي أسطورة سارق نار الآلهة. و كم عشقت استهانته بالقول أن السيجارة سبب جميع الأمراض و أنها قاتلة بقوله أن الأمر إيديولوجية رأسمالية للتغـطية على جرائمها في تلويث الأرض بالغازات السامة المنبعثة من المصانع و السيارات. انه يردد دوما كلمات الشاعر التركي الشيوعي القائل أن الرجعية ذكية جدا و يجب على التـقـدميـين عدم الاستهانة بهم أو استغبائهم كي ينـتصروا عـليها. دعاية السيجارة القاتـلة تحميل الفرد لمسئولية موته للتغـطية على المسئولية الحـقيقية للمنظومة الصناعية الامبريالية المتوحشة الغرائـزية المنـفـلتة من كل قيمة إنسانية وجودية.
كم عشقـت مسكه للجريدة و انهماكه بين أحرف المجلات و الكـتب بكل ما فيه، و تعليقـاته التي يصرح لي بها بين الحين و الآخر ليشغـلني بما يشغله و ليوقـد فيا نار الاهتمام بالأبعد فالأبعد من الوجود المباشر تحت قـدمي.
كم أحبـبت أصدقائه اللذين ترسم ملامح وجوههم بعض خطوطه في التـفكير و العيش و تجربة الحياة. كان العالم الأكبر مني و لكنه الذي يحيطني و يرسم أفق مساراتي.
و ها هي أجواء إقامة اربعينيته تـلتـقي فيها الروح الهائمة بين الذكريات و الكلمات التي ذكرتها و التي لم اذكرها، بوجهين بارزين من وجوه أصدقـائه. احدهما الأستاذ "محمد الفـقيه" و هو عبارة عن أخ له لم تـلـده أمه. صداقـتهما تمتـد إلى الستينات من القرن الماضي حيث كانا يدرسان سوية في جامعة دمشق. الوجه الثاني لأستاذي الذي درسني بعـشق لمادة اللغة العربية لسنـتين في الثانوية و هو صديق مقرب لأبي بعـدما كان تـلميذا له في الباكالوريا في أوائل السبعينات، و الذي أشعر بلذة كبرى في القول انه صديقي و هو الأستاذ محمد الشريف.
كانت مداخلته مطولة بعض الشيء و لكنها كانت شيقة. كلمات "سي محمد" تـنضح حبا لأبي من وراء الأحداث القـليلة التي ذكـرها. فـقـد قال أن "الشيخ شطورو" كان الوجه الأكثر فاعـلية في ولادة نـقـابة أساتـذة التعـليم الثانوي، و انه شرفه و هو لا يزال شابا بترؤس هذه النقابة. ذكر كذلك أن "الشيخ شطورو" و هو متحصل على شهادة الثانوية من جامع الزيتونة في نهاية الخمسينات كان بإمكانه أن يكون مسؤلا في الدولة و كان بإمكانه أن يشق طريقه نحو الرفاهية المادية بسرعة، لكنه ذو أفق ممتد إلى الأبعد فالأبعد و قرر السفر إلى مصر ثم إلى سوريا لدراسة الفلسفة، و هناك اكتسب إيمانا بقضية كبرى هي نهضة الأمة العربية بانـتمائه إلى حـزب البعث و تـلـقيه لأفكار البعث مباشرة من "ميشيل عفلق" و "الياس فرح"، و شهد انه ذو فكر منفـتح و لديه مرونة في الحوار و النقاش و قد أنقـذنا من الانبتات الحضاري الذي عمل بورقيبة على تكريسه.
و بين الوجوه المتكلمة المحتـفية بسيرة الرجل النضالية في مجال التعليم الذي مارسه بعشق و غيرة و إيمان بالقيم الإنسانية التحررية، وجـدت نـفـسي مثـقـلا بأبي و تراجعت إلى الإحساس بدل التـفكير العقلاني و سألت الموت لماذا؟ أهي دائرة عبثية؟ لماذا نعيش و لماذا نـقـوم بما نـقـوم به و نعتـقـد فيما نعتـقـد فيه؟ لماذا هذا الخواء؟ ما الذي يدفعنا إلى الحياة؟ هل يجب تعليق كل شيء أم أن الأمر بكل بساطة أننا نـقوم بما وجدنا أنفـسنا نـريده؟ إذن العـود إلى سؤال الإرادة كسؤال حياة...



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمالي السياسي التونسي
- من رعود -شكري بالعيد- الى سيدني
- بين الدائرة الجهنمية و المائية عالميا و عربيا
- القيامة السعودية
- برامجنا تعليمية ام تجهيلية
- لمن تبكي سيدي الرئيس؟
- في مواجهة اوكار الارهاب الممتدة
- اسقاط المقاتلة الروسية في تونس
- ما وراء احداث باريس
- عمال صفاقس يؤكدون الثورة
- اتحد يا يسار العالم
- الاحتمال المفقود في هجمات باريس
- - حمه الهمامي- ، الزعيم النبيل
- اللحظات الحتفية على عتبات المطلق
- العنف و العاطفية
- بؤس الغد على وجوه الأطفال
- ورطة اسرائيل
- حكمة الزعيم بورقيبة
- العداء التركي للعرب
- حلم العراق


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - ما أنا إلا أبي