أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الشاعر والبرلمان... الطيارة والقطار















المزيد.....

الشاعر والبرلمان... الطيارة والقطار


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 6 - 10:59
المحور: المجتمع المدني
    


الشاعرُ لا ينبغي له أن يكون سياسيًّا. والسياسيُّ لا يمكن أن يكون شاعرًا. قاعدة أزلية معروفة منذ عرف الإنسانُ الشعرَ، ومنذ امتهن الإنسانُ السياسة. الشاعرُ حالمٌ، طوباويٌّ مثاليٌّ لا يعرف الحسابات ولا يحُدُّه سقفُ المصالح والنفعيات، بل يُلقي حجرًا في بركة راكدة، ويمضي إلى حال سبيله قبل حتى أن يشاهد دوامات الماء تفور في وجه الحياة ولا يعبأ بالأحجار التي تضرب ظهره. الشاعرُ يحلّق خارج القفص، ويفكر خارج الصندوق. أما السياسيُّ فهو نقيضُ كل ما سبق، السياسيُّ برجماتيٌّ ميكياڤ-;-يلليٌّ مقيّد بفن الممكن، مكبّلٌ بقانون المصالح ويسير كالقطار على قضيبي الحسابات، يحسب لقدمه قبل الخطو موضعها، ويعمل عقلُه ألف دراسة جدوى قبل كل موقف يتخذه وكل كلمة ينطقها، ليحصي المكاسب والخسائر. الشاعرُ "طيارة ورق" لا يحدُّ تحليقَها قانونٌ إلا قانون الحرية والبهجة والجمال، والسياسيُّ قطارٌ صلب يسير على قضبان، إن فكّر أن "يبدع" ويخرج عن مساره المرسوم له سلفًا، أحدث كارثة مروعة.
كان السير ونستون تشرشل يتفقد بعض الأضرحة مع ابنته، فتوقفا أمام شاهد قبر مكتوب عليه: “هنا يرقد السياسي الكبير، الرجل المثالي الصادق"، فهتف تشرشل: “أول مرة أشاهد قبرًا يحمل جثمانين.” المعنى واضح. وفي المقابل، تقدم الفيلسوف التنويري العظيم "أحمد لطفي السيد" للترشح لمجلس النواب المصري القرن الماضي، وكان ينادي بالديمقراطية والعدالة والمساواة، فأشاع خصمه أمام عامة الناس أن الديمقراطية هي أن تتزوج المرأة أربعة رجال. فخسر لطفي السيد مقعد البرلمان، وفاز به خصمه الكاذب. المثالان السابقان يوضحان الفارق بين الشاعر وبين السياسي.
وإذن، لماذا وافقتِ على الترشّح لمجلس النواب، وأنت شاعرة؟ سؤالٌ أعلنتُ الإجابة عنه في عدة لقاءات تليفزيونية على نحو مقتضب. وبما أن "المعركة" الانتخابية، كما يسمونها قد حطّت أوزارها وانتهى "الماراثون"، وخمد "الصراع"، وجميعها مصطلحات لا تروق لي، فقد آن الآوان لأشرح ما استغلق، وأُفنّد ما اقتضب.
لم أفكّر دخول البرلمان كسياسية، بل كشاعرة. في مقالاتي هنا، وفي كافة أعمدتي بالصحف والمجلات، ماذا أكتب؟ أكتبُ: "الحلم". كافة أفكاري التي تصبو نحو مجتمع راق عادل ومتحضر، هي أحلامٌ تنتظر لحظة أكثر جمالا واكتمالا لكي تتحقق. أكتب أحلامي حول مصر النظيفة الراقية العادلة المتحضرة لأنني مؤمنة بأن الإنجازات تبدأ دائما بالأحلام. الطائرةُ كانت مجرد حلم في ذهن الأخوين رايت، وأبي القاسم عباس بن فرناس، ثم أصبحت واقعًا مستقرًا. الهاتف والتليفزيون كانت أحلامًا في ذهن زرقاء اليمامة، ثم أصبحت حقائقَ مستقرة. وغيرها من الأحلام. والحقُّ أنني حين أحلم بمصر راقية، فإنني لا أحلم بما لم يأت بعد كما فعل رايت واليمامة، إنما أحلم بما "كان" واختفى من بين أصابعنا. فقد كانت مصرُ راقيةً متحضرةً مثقفةً عادلة، حتى الستينيات الماضية، ثم غاب التحضر واندثر الرقي وماتت العدالة والمساواة مع منتصف السبعينيات الماضية. وإذن أنا أحلم "بما كان"، علّه يعود. وناقشني الناسُ وقالوا لي: ادخلي البرلمان عساك "تشرعني" الحلمَ فيغدو واقعًا وقانونًا. فكرتُ في دخول البرلمان لأفتح ملفات المرأة والمسنين والطائفيات والنظافة والمرور والعمارة الخضراء، فأُخرج بهذا أفكاري التنويرية من خانة "الحلم" إلى خانة "التشريع والواقع".
ودخلتُ هذا الدرب بحسّ الشاعرة المثالي. أعيدُ الأشياءَ إلى أسمائها الأولى. فلم أرها معركة، ولا سباقًا، ولا صراعًا، لأن العراك والصراع لا يكون إلا على غنيمة ومكسب، وليس على خدمة وطن. ولم أفهم لماذا يمزق المنافسون لوحات دعاياي الورقية القليلة من الشوارع، بينما لوحاتهم المضيئة تناطح السحاب في الميادين والشوارع! ولم أفهم لماذا ينفقون الملايين، بينما يزعمون أنهم نوابُ الشعب للمطالبة بحق الفقراء! ولم أفهم لماذا يطلقون الشائعات الكذوب حول منافسيهم ليفقد منافسوهم شعبيتهم ويخسروا أصواتًا كسبوها في الانتخابات! ولم أفهم كيف يهينون الناخب الفقير الجائع بشراء صوته، بدلا من أن يأخذوا بيده عبر تشريع محترم ينقذه من الفقر والجوع! لكنني شاهدتُ كل ما سبق، ليس فقط لأنه كان يحدث أمام عيني، بل لتأكيد الدرس، كان يحدث معي أنا. شُوه تاريخي وقيل عني ما لا يقبله عقلُ طفل، ووضع على لساني ما لا يقوله خائنُ وطن، وصدّق مَن لم يقرأني، ولم يصدق من يقرأني منذ بدأتُ الكتابة قبل خمسة عشر عامًا، وحتى اليوم بقلم لم يداهن حاكمًا ولم يرتزق ولم يفجر في خصومة ولم يكذب ولم ينتصر إلا لمظلوم أو مُستضعف. نزل من أجلي للتصويت لي اثنان وأربعون ألف مواطن مصري، أحمل كل صوت منهم فوق رأسي إكيل فخر وفرح، وفي الجولة الثانية تناقص العدد إلى اثنين وثلاثين ألف مواطن مصري محترم، أحمل كل صوت منهم فوق رأسي إكليل فخر وفرح. وخرجتُ من التجربة وأنا محاطة بحب الناس لمسته في الشوارع أثناء جولاتي، وعلى صفحات فيس بوك وتويتر، فتيقنتُ أن ما نكتبه في أراشيف الصحف لا يذهب هباء، لأنه يُحفر في قلوب الناس وعقولهم. أبهجني الشعبُ، وأحزنتني النخبة والمنافسون.
أفخر أنني قدمتُ تجربة انتخابية شديدة الاحترام، ناصعة المثالية. لم أنفق فيها ملايين كما فعل غيري، ولم أشتر صوتًا كما فعل غيري، ولم أستجدِ صوتًا كما فعل غيري، ولم أذكر منافسًا بسوء كما فعل غيري، ولم أطلق شائعة كذوبًا كما فعل غيري، وكنتُ حين أٌسأل: “ننتخب مين معاكِ، أقول: كلهم محترمون ولهم برامجُ محترمة، فاستفتِ قلبك.”
سأحكي لأطفالي وأطفال أطفالي أنني فخورة بما أنجزتُ لأن قدمي لم تزلّ في لعبة السياسة البرجماتية، وأشكر كل من دعمني بالفعل وبالقول، وأقول لمن حزن لعدم دخولي البرلمان: أولى لك أن تفرح لأنني ظللتُ "طيارة ورقية"، ولم أغدُ قطارًا مأسورًا بقضبان حديدية. مادام قلمي معي لم ينكسر ويعمل في كفاءة، فلا خوفٌ عليّ، ولا على رسالتي. والخلاصة: لم يَحِنْ بعدُ أن يدخل شاعرٌ في حقل الألغام.
كل احترامي لكل عضو من أعضاء مجلس النواب الحالي، فهم الأنسب والأصلح لهذه اللحظة العسرة التي تمرُّ بها مصر. سدد اللهُ خطاهم نحو غدٍ أقل عتمة من اليوم. وعاشت مصر عظيمة بشعبها الجميل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهداتٌ من دفتر الانتخابات
- الشارع لنا... يا مسز نظيفة!
- خيط رفيع بين الضحية والإرهابي
- سقطة الكردوسي
- صوتُ الرئيس ونفيرُ البارجة
- طفلٌ أصمّ في الجوار
- هَدْرُه علَّمَ الجشَع
- أصل الحدوته
- مصر زعلانة منك
- شاهدْ الهرم... ثم مُتْ
- مَن كان منكم بلا إرهاب، فليضربنا بحجر
- محاضرة من القرون الوسطى
- تعليم خفيف الظل
- أيوا مصر بتحبك
- السيسي وحده لا يكفي!
- رحلة جمال الغيطاني الأخيرة
- لماذا تسمونها: معركة انتخابية؟
- المُغنّي والزعيم... وشعبٌ مثقف
- عسل أسود
- المال مقابل الكرسي


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الشاعر والبرلمان... الطيارة والقطار