|
إبن المجنونة .
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4901 - 2015 / 8 / 19 - 10:48
المحور:
الادب والفن
إبن المجنونة . -يي عليكي يا شهيرة ..!! بدك تتجوزي ابن رئيفة ؟؟!! وفي دواخلها فشهيرة لم تكن ترغبُ بهذا الزواج ، عاندت وكابرت ، بكت واستغاثت ، لكن والدها كان قد اتخذ قراره منذ زمن بعيد وقبل أن يَشُبّ الإثنان على الطوق . مُوفق لشهيرة وشهيرة لموفق !! كانت لشهيرة اسبابها الخاصة ، ولم يكن من بينها حالة أم موفق بتاتا ، فهي زوجة عمها وترثي للحالة التي وصلت إليها . لكن المشكلة عندها وفي دواخلها . فموفق هو بمثابة أخٍ توأم ، ربّاهُ والدها معهم في بيتهم الطيني المُقام على أرض مخيم للاجئين ، كبرا معاً كأخوين ، تخاصما كما يتخاصم الأُخوة ، لكنها لم تشعر نحوه بإنجذاب من أي نوع ، اللهم إلّا مشاعر الأُخوة الصادقة .. ورغم أنهُ ترّبى في بيت عمه ، فقد كان يزور أمه يوميا ، يتفقد أحوالها ، يطمئن إلى أنها قد تناولت شيئاً من طعام ، يطلب منها برجاء ألّا تجول في حارات المخيم وشوارعه المتربة في الحر والقيظ . يغضب منها إذا طلبت من أحدهم لقمةً أو قرشا . لكن كل هذا "الرجاء " لا يُجدي مع رئيفة شيئا ، فما ان يبزغ الفجر حتى تخرج الى الازقة ، تهيم على وجهها دونما وجهة محددة ، يلاحقها الصغار بالصراخ مشيرين اليها : -رئيفة المجنونة .. رئيفة المجنونة .! يزجرهم بالغٌ ، لكنهم يعاودون سيرتهم .. وتستمر دورة حياتها على هذا المنوال ، منفصلة عن حياة الآخرين ، لكنها معهم أيضا . تُحدثُ نفسها أحيانا ، تصرخ احيان أُخرى ، ملابسها رثة ممزقة ، لا تعرف الماء والصابون . لقد كان موفق يشعر وكأن خنجرا قد غُرسَ في صدره ، لرؤية أُمه الهائمة على وجهها من غير هُدى ، المُلاحقة بسخرية الصغار ، ونظرات الشفقة من الكبار . تزوجها والده وهي فتاة صغيرة بعد ..الذي لم يكن ، وحتى في أحلامه الوردية ، يجرؤ على خطبتها في السابق . فهي إبنة أحد زعماء العشائر الكبرى ، والتي بلغ تعداد افرادها ألافا كثيرة ، كان سيداً مُطاعا في أهله وعشيرته ، مشهورا بين جيرانه من أبناء القرى الأُخرى بالكرم وصواب الرأي . كل هذا تلاشى في لمحة بصر ، واصبح كغيره من اللاجئين الباحثين عن لقمتهم لدى وكالة الغوث . كانت رئيفة ، الإبنة المدللة لأبيها ، تقلبت في النعيم والدلال ، كل رغباتها مُجابة وليس عليها إلّا أن تُشير بإصبعها حتى تصبح رغبتها واقعا . لم يحتمل عقلها ولا سَنّها ، هذا الإنهيار المفاجيء لوالدها وتبعا لذلك إنهيار أحلامها هي أيضا . فبعد العِز أصبحوا جميعا على باب الله . زوَجَها والدها من أول طارق ، آملا أن تستعيد حيويتها ومرحها .. لكن الذي حدث هو العكس ، فقد ازداد سرحانها وانفصالها عن حياتها . لم يستمر زواجها طويلا ، فقد تركها زوجها مع الرضيع ، ووجد لنفسه زوجة أُخرى . لقد كانت تلك الخطوة ضربة قاضية لها ، أرسلتها الى عالم الهلوسات وغادرت حياتها اليومية ، إلى حياة أُخرى ، أبطالها اشخاص وهميون .. سوى موفق الذي كان بمثابة قشتها التي تتشبث بها ، قبل الغرق في محيط الهلوسات العظيم . ورغم أن موفق لم يعد ، ذلك الفتى الصغير التائه بين أمه وبيت عمه ، فقد ثابر ، درس وحصل على منصب كبير ، وجمع ثروة لا بأس بها ، فهو ما زال يحن إلى أمه رئيفة بل ويتفاخر بها ، واكراما لذكراها فإنه يتصدق سنويا بمال كثير للفقراء والمساكين . وعلى ذمة شهيرة ، فإن صويحباتها وبالتحديد تلك التي سخرت منها على زواجها من إبن رئيفة ، قال لها بعد سنوات .. -نيالك يا شهيرة على "ابو سامي " !! وهذه كنية موفق ، بعد أن أصبح مشهورا وثريا ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألكرافة (ربطة العُنق )
-
ألتعدد واْلتَعديد .
-
إنتقام ..
-
بين العبرانية واليهودية ..
-
الأول من جوشي للعام 104 ..!!
-
أيُها ألأصدقاء ، تَحَتْلَنُوا ..
-
بين طفولتين ..
-
ألمُجاهدون أليهود ..
-
تَأَسْرَلُوا أو إِرْحَلُوا ..!!
-
-ألضباع- ..تنتشي -بالنصر- ..!!
-
خراب الهيكل
-
خَرابُ حَلَب ..
-
عنصرية -مشروعة ولطيفة - ..
-
قهوة وعنصرية ..
-
-نقاشٌ- مع حمار .
-
دولة أم دولتان ؟!
-
-مجاهدو - المنابر
-
- الترجمة - على أُصولها ..!!
-
-لائحة طعام - ألثورات ..!!
-
الأشرار يكسبون ..
المزيد.....
-
مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم -
...
-
أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل
...
-
مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
-
دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي
...
-
بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي
...
-
رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم
...
-
إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا
...
-
أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202
...
-
الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا
...
-
متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|