|
نشوء فكرة الالهة(4)..نظرة شاملة
يوسف شوقى مجدى
الحوار المتمدن-العدد: 4844 - 2015 / 6 / 21 - 22:37
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يوجد اعتقاد عام يفسر نشوء فكرة الالهة و هو عبادة الاموات بشكل عام و تقديسهم سواء كانوا هؤلاء الاموات اشرارا و جبابرة متسلطين كما زعم فرويد او طيبين و مضحين كما قال القمنى ، فلذلك كنت أود ان تكون تلك المقالة فى بداية السلسة، فالموت كان اعظم سر يُخيف الانسان القديم و يقلقه سواء كان هذا الخوف على نفسه او على اقربائه ، و لأن الانسان لم يفهم ماهيته الحقيقية فى البداية فكان يظن ان المتوفى نائم او فى اغمائة طويلة فكان يجعله مقيما معه فى منزله كأنه حى و عندما لاحظ التعفن و الفساد الذى يلحق بالاموات حاول الحفاظ عليه باستبدال ما يمكن استبداله من جسده باشياء لا تفسد فأستبدل العيون بالاحجار على سبيل المثال و عندما لاحظ ان ذلك لن يحمى الجثة تماما فقرر الاكتفاء برسم صورة للمتوفى او صنع تمثال له او تمثيله فى حيوان طوطمى !.. و لان الانسان القديم لم يصل عقله الى فكرة ان الاموات يصبحون ارواحا لا تأكل او تشرب، فكان يقدم له الطعام باستمرار و يختلف بالطبع الطعام حسب البيئة اى المجتمع الزراعى كان يقدم طعامه من الارض اما الرعوى فكان بالتأكيد يقدم طعامه من الاغنام و نستنتج من ذلك بالتأكيد ان الهة المجتمعات الزراعية كانت تسر بالنشاط الرائج فى تلك البيئات ألا و هو الزراعة و جمع الغلال كما نرى فى الاساطير المصرية و كذلك أيضا المجتمعات الرعوية.. وكان ذلك هو بداية تقديم القرابين و الاضحيات بشكل عام و كان الدافع الذى يقف وراء تقديم القربان الى المتوفى ليس فقط حبا فى المتوفى او حرصا على غذائه و لكن كان أيضا الخوف من ان يغضب المتوفى فيقوم بأذية اهله و اقربائه و عندما كان يموت احد من الملوك او الامراء كان لزاما على كل افراد القرية او القبيلة بتقديم القرابين و ليس الاسرة فقط و وصل مستوى القرابين الى التضحية بالابناء البكر و التضحية بعذرية المرأة فى المعابد (لو كانت المتوفية انثى).. و مقابل تلك الاعطية السخية كان المتوفين الذين اصبحوا مع مرور الوقت الهة ، يلبون للاحياء مطالبهم و يحافظون على توازن الطبيعة كنزول المطر و خصوبة التربة ، فكان هناك احتياجا كبيرا عند الانسان القديم الى شخص متوفى ليبارك اعماله و صنائعه و كل ما كانت مكانة الشخص كبيرة كلما كانت بركته عظيمة و وفيرة فنرى انه فى سالف الزمان كان يقتل بعض الافراد عند صنع بناء جديد و عند انشاء مدن جديدة كان يفعل نفس الامر و كانت ترتبط مكانة العمل المصنوع بمكانة الشخص المحدد قتله و لم تكن عادة القتل غرضها الكراهية او ما شابه بل كان المقتول يتحول معبودا للقرية او للمدينة و هناك قصة تاريخية شهيرة تؤكد ذلك الرأى فيقول لنا فريزر ان معركة شهيرة قد قامت بين القرطاجيين و الاغريق و كانت معركة طاحنة استمرت وقتا طويلا (معركة هيرا) و كان (هملقار) ملك قرطاجة يقوم بالقاء الكثير من الضحايا البشرية فى محرقة كبيرة و عندما رأى ان جنوده يُهزمون فقرر القاء نفسه فى تلك المحرقة فخلد اسمه بين القرطاجيين فصنعوا له الكثير من النصب التذكارية و كانوا يقدمون له الذبائح(1)..و من الممكن ان نقول قصة اخرى و لكنها خالية من التضحيات فيقول لنا سلامة موسى ان الاله المصرى اوزوريس كان فى البداية الها محليا لبلدة "أبيدوس" و ما نعرفه عن هذه البلدة انها كانت عاصمة مصر الاولى ، فيرجح ان الاله أوزوريس كان ملكا او اميرا قيدما فى تلك البلدة و بعد مماته تم تأليهه و انتشرت عبادته لان ابيدوس "كما قلنا" كانت اول عاصمة مصرية بعد الاتحاد الثانى و يقول لنا المؤرخ الشهير "فلوطرخس" ان قبر اوزوريس موجود فى أبيدوس(2)..و نجد أسطورة فى التاريخ المصري القديم تقول ان اله الشمس "رع" كان يعيش مع البشر على الارض و لكنهم أغضبوه فكاد ان يفنيهم و لكنه ترك الارض و أعتزل السماء(3).. من هذا نستخلص ان الفكرة الالهة بشكل عام قد تولدت من عبادة الموتى و لنا أن نتخيل هذا الفارق التاريخى العظيم بين مجموعة من المتوحشين الافارقة و هم يعبدون موتاهم و بين مجموعة من رجال اللاهوت يجلسون على منضدة و يناقشون تصورات و أفكار عن الله بلغةٍ أكاديمية رصينة !.
(1)..كتاب أدونيس او تموز لفريزر (2)..كتاب نشوء فكرة الله لسلامة موسى (3)..كتاب فجر الضمير لجيمس هنرى بريستيد
#يوسف_شوقى_مجدى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشوء فكرة الالهة(3)..اطروحة د.سيد القمنى
-
نشوء الالهة(2)..نقد الاستنتاج الفرويدى
-
نشوء فكرة الالهة(1)..الاستنتاج الفرويدى
-
الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم
-
الحقيقة المطلقة و نحن
-
المبدع مُتطرف بالضرورة
-
سيكولوجية الشك
-
طائفة انجيلية ضائعة
-
سيكولوجية الاعتقاد(2)..دور الوعى
-
سيكولوجية الاعتقاد(1)..دور اللاوعى
-
تحليلات سايكولوجية مُتفرقة (2)
-
تحليلات سايكولوجية مُتفرقة(1)...اسطورتا التنين و الفردوس الم
...
-
الخلاص على مستوى الفرد و الجماعة
-
سيكولوجية التحكم بالعقول
-
قيمة الانسان فى الكون
-
التحليل السيكولوجى للأساطير القديمة
-
الاثار الاتونية فى الديانة اليهودية
-
الحياه مع الله و قيود العقيدة المسيحية
-
ريتشل و الريتشلية
-
مأزق المحافظين !!
المزيد.....
-
كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم
...
-
طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة
...
-
مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
-
الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
-
ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا
...
-
بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
-
انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج
...
-
مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
-
غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
-
ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|