أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الهِجْرَة مَرّة ثانية يا مَنْتورة














المزيد.....

الهِجْرَة مَرّة ثانية يا مَنْتورة


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4839 - 2015 / 6 / 16 - 13:26
المحور: الادب والفن
    


تَذَكَّرَتْ بَغْتَةً .. وكأنّها تَنَاستْ ذاك الحدث الهام في حياتها كما كانت تَصِفه .. أنّه قد سافر إليها قبل بضعة سنوات من مدينة درسدن حيث كان يعيش ويعمل من أجل حضور حفل دفاعها عن شهادة الدكتوراه في باريس .. في ذاك المساء الربيعي لَثَمَ شَفَتيها بشَفَتيهِ خُلْسَةً لإظهار شّوقه إليها .. وأهداها باقة ورد أكبر من قرص شمس وقلم حبر نسائي أنيق ماركة "مونت بلانك" ..

أحضرت القلم من غرفة مكتبها ودفتر رسائل وجلست إلى طاولة الطعام في المطبخ .. بعد أن كتبت على صفحةٍ بيضاء لمرات متكررة عنوانها في سوريا .. توقيعها .. الأحرف الأولى من اسمها "م. د." .. عنوان أهلها في الجوار .. عنوان عمها الذي تحب .. بعد هذا كله صَارَت ترسمُ خُطُوطاً دائرية وأخرى مُلْتَوِيَة وحَلَزونيَّة لاَ مَعْنَى لَهَا ..

بعد كل خَرْبشاتها هذه تناولت من دفتر رسائلها صفحةً جديدة زهرية اللَّوْنِ تَفُوحُ مِنْها رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ .. طوتها بعناية وكتبت عليها:
"بَرَدَ الجَوُّ .. البَرْدُ قَارِسٌ في هذا البلد"
"البرد انْغَلَّ في عظامي"
ثُمَّ كتبتْ:
"سأهاجر إلى ألمانيا"
وَسَرَحتْ بِأفْكَارِهِا بَعِيداً ..

وَضَعتْ الغطاء برفق على رأس القلم وأدارته نصف دورة .. وراقبت كيف راحَ الحبرُ على الورقة المطَوّية يَجَفّ .. ليَتَحَوَّلَ لّونه ليصير غامقاً مَائِلاً إِلَى السَّوَادِ ..
أَمسَكَت القَلَم من جديد حلّت عنه الغطاء وبِرَّزانَةِ إمرأة تَخَافُ من الإِفراط في الحُبِّ .. كتبت باللغة العربية المُحَبَّبة إلى قلبها .. هناك تحت الجملة الأخيرة تماماً:
"مَنْتورة".
ثُمَّ أضافت:
"آهاتٌ لا تُحْتَمَلُ" ..

نَهَضَت كالمسرنّمة باتجاه الكَنَبَة لترخي عليها جسدها الرَهيف مثل "الفجر" .. على طاولة الكَنَبَة الزجاجية ثَمَّة جرائد ومجلات قديمة مُبَعْثَرة .. أزاحتها جانباً .. رَتَّبَتها فوق بعضها البعض .. رفعتها بيديها الإثنتين ووضعتها بصمت على اللوح الزجاجي أسفل سطح الطاولة.
سألت نفسها لِمَ لا يوجد سينما وبرنامج إسبوعي للأفلام في بلدي؟

تَسَرَّبَت إلى إنفها بقايا رائحة التبغ البلدي قادمة من المَطْبَخِ .. تلك التي تركها عمها خلفه بعد زيارته الصبّاحية لها لتناول القهوة .. نَهَضَت وسارت باتجاه طاولة المَطْبَخِ .. أزاحت منفضة السكائر عنها وَرَمت الأَعْقَابَ والرَّمادَ في سلة المهملات .. لَمَحَت الورقة ذات الخطوط .. مزَّقَتها وتَمزَّقَت الخطوط الحَلَزونيَّة والمُلْتَوِيَة معها .. تناولت القلم وأفرغته من بقايا الحبر ثُمَّ ملأته من جديد ..

رَمَّقَت النَّظَرَ إلَى سَاعَةِ معصمها .. لا فائدة .. لقد تأخر الوقت .. بدأ المسلسل التلفزيوني .. دقائق معدودات ويموت التيار الكهربائي .. إنّهم يُقَنِّنُونه منذ عشرات السنين ..
في العاشرة والنصف سيعود إلى البيت ..
انتبهت فجأةً أنّ موسيقى خفيفة تصلها من جهاز "الراديو" الأحمر المتوضّع على الرف الجانبي قرب نافذة المَطْبَخِ .. فيروز تغني:
"لمَ لا أحيا وظلّ الوردِ يحيا في الشـِّـفاه" ..
"لمَ لا أحيا وفي قلبي وفي عيني الحياه" .. سوف أحيا .. سوف أحيا ..
أطفأتْ "الراديو".

على سطح الطاولةِ في المَطْبَخِ .. تماماً في منتصفها .. أخذت الورقة المطَوّية مكانها .. تنتظر من يقرأها .. عليها وبخط أسود مائل للزرقة "الغامضة" .. استلقى اسمّها:
"مَنْتورة" ..
وفوقه مباشرة تلك الكلمات .. كلمات الحزم:
"سأهاجر إلى ألمانيا" ..
شارفت الساعة على العاشرة تماماً ..
في العاشرة والنصف سيصل البيت ..
لعلّه سينظر إلى الرسالة التي تنتظره على سطح الطاولة .. لعلّه يقرأ الكلمات المكتوبة .. لعلّه سيقلق ويخاف عليها .. سوف لن يصدق أنّها تنوي الهِجْرَةَ حقاً إلى بلاد الألمان .. سيذهب حتماً إلى خزانة ملابسها .. سَيَتفقَّد قمصانها وملابسها الداخلية المُلَوَّنة .. سيَشُمّ رائحة ملابسها بالتأكيد .. لعلّه يحصي أحذيتها .. ويَشُمّها أيضاً .. شيءٌ ما من هذا القبيل ينبغي أن يحصل معه !.

لعلّه يهاتف أسرة عمّها في المنزل .. لكنه سيَتَذَكَّر أنّ عمّها وأسرته يسافرون أيام الجُمُعَات إلى بيت الضيعة ولا رغبة لهم بالتواصل التلفوني مع الناس .. بل ليس لديهم جهاز تلفون في بيت الضيعة ..
لعلّه سيبتسم وييأس مستسلماً للأمر الواقع ويتصالح مع ذاته .. لعلّه سَيُسْوي شعره الطويل بيديه ويبعده عن نظارته .. سَيَفرِك صُّدْغَيْهِ مرات عدة جيئة وذهاباً .. لعلّه يستشعر طقطقة عظم صُّدْغَيْهِ من تضارب الأفكار وتزاحمها .. سيضرب كفاً بكف ثُمَّ يفك أزرار قميصه الأبيض ..

ثَمَّ جلست هناك على كرسي في غرفة المَطْبَخِ .. تساءلت في سرها بشكٍّ وحَيْرَة .. أتمنى أن أكتب رسالة .. لمن ينبغي أن أكتب؟
القلم مزين بشعار ماركة "مونت بلانك" باللون الذهبي .. قرأت تعليمات الاستخدام باللغة الفرنسية .. أدارت القلم نصف دورة إلى اليمين .. وقرأت النص المكتوب بخط ناعم باللغة الإنكلبزية للمقارنة .. حركت القلم بين أصابعها لتقرأ التعليمات باللغة الألمانية .. فلم تستطع .. أَنَّبَها ضَميرُها .. لقد قطعت عهداً على نفسها بالاجتهاد وبالمثابرة على حضور دروس اللغة الألمانية عند السيدة "بربارة" .. دون أن تفي بوعدها .. نظرت إلى ورقتها المطَوّية .. وفكرت به .. شعرت بلذة العناق .. لقد اشتاقت إليه ..

إنّها العاشرة والنصف ..
إنّه موعد وصوله .. إنّه موعد انقطاع التيار الكهربائي .. أدارت بطارية الإضاءة الخافتة ..
فُتِحَ الباب .. دخل بقامته المنتصبة .. عدّلَ تسريحة شعره بيده اليسرى .. حرّك إطار نظارته .. ناداها باسمها "مَنْتورة" .. داعب صُّدْغَيْهِ بأصابع يديه مرات .. ثَمَّ هَمَسَ: حبيبتي "المَنْتورة" .. أين أنتِ؟ .. أين الأولاد؟ .. هل ناموا؟ أنا جائع.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سينما في بسنادا
- صباحك جميل أيها الرجل الأسود
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -25-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -24-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -23-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -22-
- جميلة هي أمي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -21-
- موعد مع السيد الرئيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -20-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -19-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -18-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -17-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -16-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -15-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -13-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -12-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -11-


المزيد.....




- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الهِجْرَة مَرّة ثانية يا مَنْتورة