أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفونسو














المزيد.....

الفونسو


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4738 - 2015 / 3 / 4 - 14:21
المحور: الادب والفن
    


وصلتُ إلى أمستردام في الطائرة القادمة من أثينا، وكان ذلك عشية عيد الفصح من عام 1988. جواز سفري السوريّ، المحترم، عليه كان مهمّة تأخيري لمدة أربع ساعات في المطار. صدّقَ المسؤولون هناك، أخيراً، أنني قادمٌ لقضاء عطلة العيد في عاصمة الربيع الأوروبي. بطبيعة الحال، ما جاز لهؤلاء أن يعلموا بأنّ ثمّة جواز سفر آخر معي؛ جواز سفر يونانيّ مزيّف، من المفترض أن ينقلني بأمان إلى السويد!
وإذاً، ركبتُ حالاً إلى محطة القطارات الرئيسة، المتشامخُ بناؤها الغوطيّ في قلب المدينة. في دورة المياه، قمتُ باخراج جواز السفر اليونانيّ، الذي كان مخفياً بعناية طيّ غلاف مجلّد تاريخيّ باللعة العربية. وكان من الواجب عليّ، بحسَب توصية المهرّب، أن أمزق جواز سفري السوري جيداً وأرميه في فتحة المرحاض. إلا أنني لسببٍ ما، اكتفيتُ بتمزيق الكتاب ووضعه في سلة قمامة. ما أن توجهتُ نحوَ صالة بيع التذاكر، حتى تذكّرتُ توصية أحد الأصدقاء في أثينا: " أفضل وقت للسفر بالقطار هو النهار، ففي الليل تكون مراقبة شرطة الحدود أكثر دقة وحرصاً! ". على ذلك، رحتُ أبحث عن مكان هاتف عمومي في المحطة كي أخابر شقيقتي الكبيرة، التي ستكون باستقبالي في كوبنهاغن.
كان طويلاً ومملاً، طابور الدور على الهاتف العمومي. الأنكى، أن أحد الشبان الايرانيين كان قد استلم السماعة وراحَ يثرثر دونما توقف. وإذا شتيمة، باللغة الكردية، تصدرُ من خلفي مباشرةً. كانوا شباناً ثلاثة يتكلمون فيما بينهم بالتركية، وها هوَ أحدهم يبادر الى مخاطبة ذاك الثرثار الايراني باللغة الهولندية. لما احتدم الجدل، فإنني تدخلت لأقول للشبان بالكردية: " تفضلوا وخذوا دوري. يبدو أنكم على عجلة من أمركم ". هكذا تعارفنا، قبل أن يمضي كلّ منا إلى سبيله. خارج مبنى المحطة، كان الجوّ بارداً. كنتُ أهمّ بمغادرة موقفي، لكي أبحث عن فندق مناسب، حينما تقدّم مني شاب في العشرينات من عمره: " الأخ عربي؟! "، سألني ثمّ أضاف معرّفاً بنفسه " أنا من لبنان، ويدعونني الفونسو..! ".
لا أدري، كيف تمكن هذا الشخص من أن يجعلني أثق به. كان قد زعم بمعرفته لصاحب فندق جيد، مصريّ، يقع في مركز المدينة. توجهنا إلى المكان المطلوب، ولكن الرجل اعتذر بأن "الاوتيل كومبليت " نظراً لأنها ليلة الفصح. شعرتُ عندئذٍ بالجوع، فدَعوتُ صاحبنا " الدليل " إلى أحد المطاعم التركية. بعد ذلك، قال " الفونسو " أنّ الوقتَ أضحى متأخراً ودعاني بدَوره للمبيت في منزله، الكائن في ضواحي المدينة. هنا، أفاقت حاسّة الحذر لديّ. شكرتُ دعوته فيما أنا أهمّ بتوديعه، فما كان منه سوى تنكّب ذراعي بودّ: " لا عليك. سأبقى معك فترة أخرى حتى تجدَ فندقاً ". بعد ساعةٍ من البحث، عبثاً، رأيتني أتبع صاحبَ المروءة إلى كافيتريا. إذاك، كنتُ في غاية النعاس. بعد قليل، نهضتُ إلى الحمّام. ما أن عدّتُ، حتى رأيتُ أنّ صاحبنا الفونسو قد اختفى مع محفظتي الصغيرة، التي سبقَ أن تركتها على الطاولة. لم آبه كثيراً بحركة الغدر هذه، طالما أنّ حقيبة يدي كانت تحتوي على جواز سفري السوري وبعض الأوراق المالية الزهيدة. هكذا خرجتُ من الكافتيريا، وأخذتُ بالتجوّل في دروبٍ تتراصف فيها الملاهي والبارات. على غرّة، لاحتْ سحنة شخص أعرفه: لقد كان " كمال "؛ وهوَ أحد أولئك الشبان الكرد، الذين صادفتهم في محطة القطار. ما أن اتجهت نحوه فرآني، حتى نهض من مكانه خلف سدّة البارمان، فصافحني بودّ كبير ثمّ قدّم لي صديقاً يجلس بقربه: " هذا باشا، وهوَ يقيم في النرويج ".
في اليوم التالي، تركتُ " بيت الشباب " الذي قضيتُ فيه ليلتي ( وكان كمال قد دلّني عليه )، واتجهتُ لمحطة القطار كي أحجز تذكرة. ثمّة، وعلى غير توقع، قابلتُ ذلك السافل، المدعو الفونسو. حياني دونما أن يرف له جفن، ولم ينسَ تبرير فعلته: " أنا مفلس! وكنت بحاجة لثمن تذكرة قطار أعود فيها الى ألمانية حيث أقيم! ". بل وبلغت به الوقاحة أن يساومني على جواز سفري، مطالباً لقاءه مبلغَ ألف دولار لا غير. اتفقتُ معه على موعد خارج تلك الكافتيريا، المعلومة، عند الساعة الثانية ظهراً. ثمّ اتجهتُ فوراً إلى مطعم يديره كمال، غير بعيدٍ عن محطة القطار، سبقَ أن دعاني إليه صباحاً وعرّفني فيه على زوجته الانكليزية الأصل. ما أن التقيتُ بالرجل، وعرف مني تفاصيل القصة، حتى بادر إلى الهاتف وهوَ ينظر في ساعته. وهيَ ذي الساعة الثانية تدنو، بينما كنتُ أقترب من مكان لقائي مع الفونسو. حينما رآني عن بعد، تهللت أسارير سحنته الذئبية: " هل أحضرتَ المبلغ كاملاً؟ حسناً، سلّم واستلم! ". ثوانٍ على الأثر، ثمّ خرجَ كمال من مكمنه صُحبة رفيقه باشا. هذا الأخير، وكان فارع القوام وقويّ البنية كالمصارع الرومانيّ، ما عتمَ أن أمسك بالفونسو فرفعه بيد واحدة وأطاحه بالأرض ثم ثنى عليه بركلة شديدة على أم بطنه. كان جواز سفري بيدي آنئذٍ. أما اللص الصفيق، فكان قد اختفى وكما لو أن الأرض قد ابتلعته..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 53
- سيرَة حارَة 52
- سيرَة حارَة 51
- سيرَة حارَة 50
- سيرَة حارَة 49
- أربع حكايات
- سيرَة حارَة 48
- سيرَة حارَة 47
- سيرَة حارَة 46
- سيرَة حارَة 45
- سيرَة حارَة 44
- سيرَة حارَة 43
- سيرَة حارَة 42
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفونسو