أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 53















المزيد.....

سيرَة حارَة 53


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4733 - 2015 / 2 / 27 - 01:57
المحور: الادب والفن
    


1
" أبو شير وانلي "، ارتبط اسمه بواقعتين متواشجتين مع مسجد سعيد باشا، الأثري، الذي تعود عمارته لفترة العهد العثماني. ففي أحد أيام انتخابات مجلس الشعب ببداية الثمانينات، كان صديقنا يراقب ذات مساء " أبو الفتوح " وهوَ يرتقي سلماً خشبياً، مسنوداً على جدار المسجد. هذا الشاب ( المنتمي لجماعة المفتي كفتارو )، كان قد أبدى منذ قليل سخطه على إلصاق صور المرشحة الشيوعية وصال فرحة على واجهة المسجد، وها هو يهمّ بإزالتها. لحظات أخرى، وكانت رشقة رصاص من مسدس " أبو الشير " قد جعلت ذلك الشاب المتحمّس يقع أرضاً: " دخليك ابن العم، لا تقوّصني "، هتف المسكين وهو تحت قدميّ صاحب المسدس الغاضب.
قبل هذه الحادثة بعقد كامل من الأعوام، كان ثمة مرشحان للمجلس العتيد يحظيان بدعم أهالي الحيّ؛ هما مروان شيخو وخالد بكداش. إلى حزب هذا الأخير، كان صديقنا " أبو الشير " ينتمي منذ أيام الوحدة المصرية، حينما كان سجيناً في " القلعة " بتهمة جنائية، حيث ما لبث أن تعرف هناك على بعض شيوعيي الحارة وأفكارهم الجديدة عليه. وإذاً، صَدفَ ذات ظهيرة انتخابية، أن كان هذا الرفيق خارجاً من منزله، المركون قبالة مسجد سعيد باشا، لما رأى شابين غريبين وهما يخططان جملة " صوّتوا لمرشحكم المؤمن مروان شيخو " على جدار منزله. فما كان من " أبو شير "، المُثار، سوى انتزاع سطل الدهان الأسود من يد أحد هذين الشابين، ليرشّ من ثمّ محتوياته على اسم المرشح المؤمن، غير المكتمل الأحرف بعدُ.
غير أن الواقعة لم تنتهِ عند ذلك الحدّ. فما أن حل الليل، حتى حضرت سيارة بيكآب صغيرة، فكمنت بالقرب من المسجد. ما أن خرج " أبو الشير " من منزله، حتى بوغت برشقة من رشاش كلاشينكوف، فرمى نفسه إلى الداخل في اللحظة المناسبة. ثمّ أشهر المسدسَ بدَوره، وبدأ بإطلاق النار على المهاجمين. على الأثر، فرّ هؤلاء الأغراب بسيارتهم ملهوجين، بعدما راعهم خروج عدة شباب من الحارة وبأيديهم الأسلحة المختلفة الأشكال والذخيرة..

2
في مثل هذه الأيام من عام 1958، كانت القوات التركية مستمرة بالتحشد على الحدود الشمالية. وكانت قد تشكلت منذ فترة لجان " المقاومة الشعبية " في معظم المحافظات السورية.
في حي الأكراد بدمشق ( ركن الدين )، كان والدي هو مسئول هذه اللجنة. وبهذه الصفة، اجتمع بعد ذلك بفترة مع رفاقه من الأحياء الأخرى وتباحثوا في موضوع عدم وصول الذخيرة. على الأثر، أرسلوا مذكرة للحكومة بأنهم سيقومون بحل اللجان إذا لم تصلهم الذخيرة خلال 24 ساعة. وإذا بحاكم الاقليم الشمالي، عبد الحكيم عامر، يحضر إلى مكان الاجتماع لكي يتناقش مع أولئك المسئولين الشعبيين. فقام الوالد وتكلم بالنيابة عن رفاقه، مشدداً على موضوع الذخيرة. عند ذلك، قال له عامر ساخراً: " باين انت يا شايب ( كان شعر أبي أبيض منذ فترة شبابه ) خايف أوي على نفسك! ". فأجابه الوالد على الفور: " نحن هنا نخاف على أعراضنا وأولادنا! .. فما فائدة السلاح بدون ذخيرة؟! ".
في ساعة متأخرة من تلك الليلة، إذا بشاحنات عسكرية تصل للحيّ، وكانت محملة بالذخيرة. خلال بضع ساعات، كانت الحمولة فد افرغت في مخزن المقاومة الشعبية في موقف بكَاري ( أصبح اسمه منذ ذلك الوقت: موقف المقاومة )، ومن ثم وزعت على المتطوعين. وكما يؤكّد والدي، أن سرعة توزيع السلاح في الحي ( الذي كان تحت سيطرة الشيوعيين ) مقارنةً بالأحياء الأخرى، هي التي جعلت الوساوس تنخس صدر عبد الحكيم عامر..

3
" عدنان بوبو "، كان من أشهر قبضايات الحارة. ولعل شهرته قد ذاعت أولاً بعد واقعة طريفة ومأسوية في آن.
ذات يوم، مرّت جنازة من أمام مقهى " أبو رياح "، القائم في مدخل حارة الكيكية، فلفتت أنظار من يتسامرون هناك من الرواد بغرابة طقوسها. إذ لم يكن يرافقها سوى ثلة من الأشخاص، الغرباء الملامح. عدنان بوبو، كان ثمّة مع صديقه " أبو طلال بيزكي ". فما لبثا أن علما بكون الجنازة تخصّ غرباء الحارة العليا، المترامية في أسفل صخور قاسيون. فما كان منهما سوى ارسال صبيّ المقهى خلف الجنازة، لكي يحاول معرفة عنوان صاحبها ومكان دفنه.
في تلك الليلة، كان الصديقان يتعاطيان الخمرة كالعادة، وبلغ فيهما السّكرُ حدّ أن يهذيا بعبارات تفيد بالسخط والاستنكار: " غريب يدفن في التربة بالقرب من أجداث آبائنا وأجدادنا، الطاهرة؟!، كانا يجدّفان على هذا المنوال. فما أن انتصفت الليلة، حتى كانا في الطريق إلى المقبرة. ويبدو أنهما استدلا على القبر دونما صعوبة كبيرة، كون تربته طرية بعد. فأخرجا عدّة التنقيب من كيس خيش، ثمّ راحا يحفران بهمّة.
ثمّة، في منزل الميّت، كان السكون مخيّماً تماماً، عندما اقتحمته فجأة طرقات شديدة على الباب الخارجيّ. فما هيَ إلا دقائق قليلة، حتى عمّ الصراخ والعويل بعدما صُدِمَ أهل البيت بمرآى ميّتهم العائد إليهم: كان الراحلُ جالساً بإزاء الباب، متكوّماً على نفسه ومنكّسَ الرأس..

4
" ريسور "، كان من رجال الحارة الظرفاء، المعروفين بالاسراف في الشرب والمجون. تزوّج الرجل متأخراً، إلا أنه لم يكف عن حياته السابقة. عمّي، كان صديق عُمْر ريسور وكان آنذاك قد تابَ وحجّ.
في ظهيرة أحد الأيام، كان العمّ قد في منزل صديقه، الكائن في طلعة آدم. ثمّ انضم إليهما لاحقاً " الشيخ عيد "؛ مؤذن مسجد ملا قاسم. جلسوا في شرفة المنزل، وهم بين منادم للعرَق و الأركيلة. فما لبث أن تصاعدَ من الزقاق صوتٌ أنثويّ، رخيمٌ. عندئذٍ، تلاقت نظرات ريسور مع فضيلة الشيخ: " أهيَ بائعة أوراق اليانصيب..؟ ". هذه الفتاة، الغجرية، ما أسرَع أن لبّتْ نداءَ صاحب البيت. بُعيدَ مساومة قصيرَة، قبلتْ البنتُ عرضَ المُضيف. توجّه هذا من ثمّ بالبنت إلى الحمام، لَجعل فتنتها مُورّدة بالنظافة والرائحة الطيّبة. وما عتمَ أن نادى على الشيخ، كي يجلبَ منشفة من حجرة النوم. أمّا العمّ، المغلوب على أمره، فإنه لزم مكانه على الشرفة. برهة أخرى، وإذا بأحدهم يُنادي من الأسفل مستأذناً في الدخول. كان القادم والدَ امرأة ريسور، فما أن سألَ الضيفَ عنه حتى تلعثم في الإجابَة: " لا أدري! أعني، ربما هوَ في الحمّام! ". وبما أنّ الحما على دراية بخلق صهره، فإنه شكّ بالأمر. وإذاً، اتفقَ أنّ الصهرَ هوَ من فتح باب الحمّام. فما كان من الشيخ، المرتبك، سوى أن رمى المنشفة على الفتاة الغجريّة مُخفياً هيئتها عن عينيّ الرجل الدّخيل، المُقتحم على غرّة.
" من هيَ هذه المرأة، يا وَل؟ "
" إنها.. إنها امرأتي! "، أجاب ريسور في لهوجة. فأشار حموه إلى الشيخ، متسائلاُ بسخط وإنكار: " يا عديم الناموس! إذا كانت هذه زوجتكَ؛ فماذا يفعل هذا الرجل الغريب هنا؟!! "..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 52
- سيرَة حارَة 51
- سيرَة حارَة 50
- سيرَة حارَة 49
- أربع حكايات
- سيرَة حارَة 48
- سيرَة حارَة 47
- سيرَة حارَة 46
- سيرَة حارَة 45
- سيرَة حارَة 44
- سيرَة حارَة 43
- سيرَة حارَة 42
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34


المزيد.....




- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 53