أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - ارض للبيع














المزيد.....

ارض للبيع


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 4714 - 2015 / 2 / 8 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


ارض للبيع
محمد الذهبي
لم يمت احد ، فعرض قطعة الارض التي اشتراها في مقبرة وادي السلام في النجف للبيع، امه ذات التسعين عاما، وابوه الذي تجاوز المئة عام، سابيعها غدا، وليمت من يموت، حزم امره وذهب الى النجف ليساوم السمسار على قطعة الارض، لو كنا مثل الهنود نحرق الميت لما تعرضنا الى هذا المأزق، ترى الى اين ستصل مقبرة النجف بعد مئتي عام، ربما سيزاحم الموتى الاحياء، او يزاحم الاحياء الموتى، حتما ستصل الى اطراف بغداد، وستذهب مقولة ابو العلاء المعري ادراج الريح: رب لحدٍ صار لحدا مرارا، انه ذنب الكونكريت، فهو الذي يحافظ على القبور شاخصة، واللوحات المرمرية ماثلة للعيان، اعطى لخياله العنان وراح يحتمل الامر من وجوه عديدة، ماذا لو صار الاحياء يبيعون بيوتهم قبورا للاموات؟.
تخيل ان في جوار بيته قبرا، وربما احاطت القبور البيت من كل جانب، ماذا يفعل، ستختلط الشواهد بيافطات المحال التجارية، ربما يحدث هذا بعد 300 او 400 عام، لاغرابة في الامر، لن تتفسخ الاجساد وتذوب مع التراب، ولن يكون عمر الخيام شاهدا على كوز ماء لانه يمثل ساقا لفتاة جميلة، تبقى قضية الهنود ماثلة امامه، وسيكتب وصية لابنائه ان يحرقوا جثمانه بعد موته، مدن كاملة ميتة ، احرقت بالنار، منذ الفتوحات الاولى، بقيت هامدة تحت الارض، لكنها استعمرت من جديد، قبور المشهورين تملأ الافاق منذ آلاف السنين، سابيعها وانهي الامر.
حدث نفسه كثيرا، حتى انه انتبه الى بعض الراكبين يطالعه، خفض عينيه الى الارض، واخرج سيكارة من علبة سكائرة التي يضعها دائما بيده اليمنى، لايريد ان يدعها وحيدة هناك في جيبه، تنفس الصعداء وغرق في حلم بعيد، اختفى بين طيات ايامه المشاكسة، لم يكن الامر مرتبطا بمقابر المسلمين وحدهم، الاديان السماوية تدفن جثامين اتباعها، اليهود والمسيح، اما قدامى المصريون فكانوا مشغولين بالتحنيط، اكتشفوا هذا عندما تركو الجثة على الرمال الحارة، فلاحظوا انها لاتتحلل، ومن ثم تطورت طريقة التحنيط لديهم، فصاروا يستخرجون المخ والاحشاء، ويتركون القلب بمفرده، فهو مركز الروح والعاطفة، ثم يسدون مسامات الجلد بدهان خاص، ومع هذا فقد استهلك الفراعنة الكثير من الاراضي لمقابرهم، وهي شاخصة حتى الآن.
لست فرعونا ولاهندوسيا، انا مسلم وعليّ الاحتفاظ بقطعة الارض، كلا سانفذ ما قلت واترك وصيتي بحرق جثماني، حتى التحنيط لايفي بالغرض، لست فيلسوفا ولاكاتبا، انا انسان عادي لكنني اكره الزحام، ومن المؤكد ان زحام الموتى ثقيل، لن اكون عالة على احد، ولن اسبب المضايقة لاي انسان، سامضي بهذا الامر الى نهايته، ربما هناك بورصة لقطع الاراضي في المقابر، سارى السعر الذي يناسبني وليمت من يموت، هرع على اصوات الباعة المتجولين، ومنبهات السيارات، لقد وصل الى النجف، هبط واستقل سيارة اجرة الى المقبرة، وهناك بدأت المساومات وسط حشود القبور المتزاحمة، لم يوافق في بداية الامر على السعر، لكن السمسار اقنعه، وضع سيكارة في فمه والحقها بالثانية والثالثة ، تناول قدح الشاي، وشعر بتوعك مفاجىء، لقد نصحني الطبيب بالاقلاع عن التدخين، ولكن ماذا نقول، تمدد على الاريكة بعد ان اخذ الاذن من السمسار، لم يتسلم دينارا واحدا من ثمن الارض، اغمض عينيه وغط في سبات نهائي، بعد مرور نصف ساعة، ايقظه السمسار، لم يستيقظ، لقد وقع العقد، اتصل باهله من تلفونه الجوال، رد اخوه الاصغر، فاخبره بموت اخيه، جاء من جاء وتزاحمت الناس، وضعوا الجثة في التابوت وراحوا يبحثون عن ارض خالية ليدفنوه.



#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الآلية
- قطار الثورة
- الزوج الثاني
- نفايات
- الشيوعي الاخير في محاكم التفتيش
- ضيعت قلبي في الديار
- من يوميات قوّادة بغدادية
- بائع الهوى
- السباق
- طائر الغرنوق
- لوحة لم تكتمل حتى الآن
- لم اكن اعلم ان لله لصوصا
- الاله في محنته
- ارضيتا
- العم المقدس
- الجدار
- النص المفقود
- طيور في نينوى
- هذا الصليب
- انتِ معي في الفردوس


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - ارض للبيع