ليل وضباب 1955:عن الن رينيه واستباحة الذاكرة

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 14:55
المحور: الادب والفن
    

ليل وضباب 1955:عن الن رينيه واستباحة الذاكرة
ألن رينيه أحد المخرجين الكبار والعظام في مسيرة السينما الفرنسية،وهي السينما التي انجبت أعظم الأفلام واعظم المخرجين وليس من الممكن ابدا،بل من المستحيل اهمال مكانتها في السينما العالمية،وهي ان كانت يجب ان تحتل مكانا في الاهمية،فهي تأتي بعد السينما الايطالية مباشرة..
امتدت مسيرة رينيه لستة عقود،حيث بدأ بصناعة الأفلام الوثائقية التي كان اشهرها على الاطلاق(ليل وضباب-عام1955) واكثرها اهمية وتأثيرا،على ان هذا الشاب الذي ولد عام 1922 كابن وحيد لصيدلاني حقق افلاما كانت ملفتة للنظر حتى قبل فيلم ليل وضباب.
رينيه الذي ولد في مدينة(فان)الفرنسية أعتل لاحقا بالربو في طفولته،الأمر الذي جعل منه ينسحب من المدرسة ليدرس في المنزل مع ولعه الشديد بالقراءة،ليقوده هذا الولع والحب الشديد للقراءة المكثفة ألى ولع من نوع آخر ألا وهو حب الكاميرا،ومن ثم السوريالية واعمال اندريه بريتون تحديدا،والتحق عام 1945 بالخدمة العسكرية التي قادته الى المانيا وفرنسا في خضم مآسي الحرب.
بعد الكثير من الاعمال القصيرة الوثائقية التي كانت على قصرها وقدومها من شاب مغمور حققت نجاحا تجاريا ملحوظا،وعلى اثر هذا النجاح تلقى رينيه دعوة لعمل فيلم قائم عن رسومات الهولندي فان جوخ الذي عمل رينيه على تصويره بكاميرا 16 مم،ولكن عندما شاهد المنتج(Pierre Braun Berger) النتيجه،طلب من رينيه اعادة انتاج فيلمه مستدخما كاميرا 35 مم ليحصل على جائزة مهرجان فينيسيا عام 1948 وعلى جائزة اوسكار صغيرة ايضا.
تابع رينيه على هذا المنوال حيث حقق لاحقا فيلما عن لوحة(جرينيكا)الشهيرة للرسام بابلو بيكاسو ومن ثم ليحقق فيلمه الوثائقي الأشهر ليل وضباب.
الفيلم الطويل الأول لرينيه كان هيروشيما ياحبي،بل ان رينيه اكتسب شهرته كصانع افلام وسينمائي مميز من خلال هذا الفيلم ،وافلام على شاكلة (العام الماضي في مارينباد)و(مورييل) وهي افلام حققها رينيه تباعا بعد هيروشيما يا حبي،عملت على زيادة وتعميق هذه المكانة،بل ان هذه الافلام الثلاثة المذكورة هي اشهر وربما افضل ما حققه رينيه خلال تاريخه الفني الذي احتوى على عشرين فيلما طويلا.
هذه الأفلام الثلاثة كانت مرافقة ومزامنة لإنبثاق ما يدعى بالموجة الجديدة،بل أن هيروشيما يا حبي عرض جنبا الى جنب في مهرجان كان ،مع الفيلم المؤسس الأبوي لهذه الموجة ألا وهو ال400 ضربة لمواطن رينيه فرانسوا تروفو،والسؤال الذي يبرز هنا هل من الممكن اعتبار رينيه مخرجا تابعا لهذه الموجة؟
في الحقيقة،ومع اعتبار بعض النقاد أن رينيه كان عضوا في الموجة الجديدة(New Wave)،إلا ان هذا الكلام ربما كانت تعوزه الدقة ان لم يكن خاطئا من اساسه ومن عدة نواحي.
أولها ان افلام رينيه انبثقت قبل الزمن الأساسي لانبثاق الموجة الجديدة،وعرض هيروشيما يا حبي مع400 ضربة ليس الا دليلا واضحا على استقلاية رينيه عن هذه الحركة،كما أن رينيه اعتبر نفسه شخصيا ليس عضوا فعالا ولا كاملا في هذه الحركة،على انه لم ينكر الصداقة التي جمعته مع اعضاء هذه الجماعة ذاكر بالاسم (فرانسوا تروفو وجان لوك غودار)،بل وعلى ذمة الراوي ان رينيه كان يعتبر احد الاسباب الهامة لعدم انضمامه لهذه الحركة(تاريخيا) هو معيار العمر،فرينيه كان يعتبر نفسه أكبر عمرا واكثر تجربة من هذه الحركة الذي كان روادها ملتفين حول الناقد الفرنسي (أندريه بازان) كما نعلم جميعا.
كما ان مواضيع رينيه كانت بعيدة عن اسليب الموجة الجديدة التي كانت تطالب بشيء واقعي واكثر ثوريه واكثر احتجاجا،وعلى الثورية التي ابتكرها رينيه وعمل على تحقيقها من خلال ابتادع اساليب خاصة لمناقشة موضوع الزمن وطرح الذاكرة واسترجاع الماضي وكسره الواضح لقواعد السرد،إلا ان اسلوب رينيه كان يعبق بشيء من الخيال والفردية،بل والتكثيف الذاتي البعيد عن الواقعية التي طالبت الموجة الجديدة الفرنسية النكوص اليها.
وعللى سبيل المثال فهيروشيما يا حبي يعرض ماساة القنبلة النووية من خلال هم ذاتي خاص ومنفصل احيانا عن الواقع.
الخلط يحدث في الزمن،لأن رينيه أرادت الصدفة أن يبدأ ويظهر مع بداية الموجة الجديدة وان تترافق نجاحاته مع نجاحاتها،فمع اصطدامه مرة مع تروفو،اصطدم مرة اخرى مع غودار،ولكنه كان في الحقيقة منفصلا مستقلا عن هذه الموجة في معطياته ومضمونه الفني...عند رينيه هناك شيء واضح من فردية واستقلالية ذاتية.
في ليل وضباب 1955 يستعيد الن رينيه الذكريات وهو في تلك الفترة كان مغرما بالاسترجاع،ومن المعروف ان فيلم ليل وضباب هو من اهم الأفلام المبكرة التي حققها الن رينيه.
يستعيد رينيه ذكريات المذبحة المعروفة ب(الهولوكست) وهو يبدأ الحكاية من الحاضر ولكن الكائن هو الأرض،أو ربما الزمن الذي يحيك بالأرض،وكأن رينيه يطبق نظريات تاركوفسكي في النحت في الزمن...المكان والزمان هنا عبارة عن وحدة واحدة...رينيه يسترجع المكان والزمان مستبيحا الذاكرة وليس المخيلة...
مضمنا فيلمه لقطات من الأرشيف النازي عن المذبحة بالأبيض والأسود،متمسكا بالألوان عندما يسرد الذكريات كحاجز واضح بين الماضي والحاضر وبين الذكريات المنقولة ذهنيا الواقعة على ارض في الماضي،والماضي الحقيقي الارشيفي...
الفيلم يبدو وكأنه وثائقية عن الذكريات لأن الزائر الوحيد هو الكاميرا...
في مقابلة مع رينيه عام 1992 قال رينيه عن الفيلم:
الفيلم كان المقصود منه ان يكون استعارة رمزية لما تفعله فرنسا في الجزائر...والفيلم كتب من قبل (Jean Cayrol) أحد الناجيين من المذبحة...
بلال سمير الصدّر 11/10/2014

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات