أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - العنصريّ في سلة القمامة














المزيد.....

العنصريّ في سلة القمامة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4628 - 2014 / 11 / 9 - 19:47
المحور: المجتمع المدني
    



سيدةٌ بيضاء تبحث عن مقعدها في الدرجة السياحية على متن طائرة. حين وجدته، اكتشفت أن الجالس جواراها شابٌّ ملّون (أسود) منشغلٌ بقراءة كتاب. بدت سيماءُ الاستياء والنفور على وجه السيدة، فاستدعت المضيفة وقالت: “من فضلك جِدي لي مقعدًا آخر، فكما ترين لا يمكنني الجلوس هنا"، وهي تشيرُ بطرف أنفها لجارها الملون. قالت المضيفة: “أخشى أن لا مقاعد شاغرة في هذه الرحلة، لكن دعيني أسأل الطيار وأعود إليكِ.” وعادت بعد برهة تقول: “يقول الكابتن إن هناك مقعدًا شاغرًا بالدرجة الأولى.” فابتسمت السيدة البيضاء وهمّت بالقيام للذهاب إلى مقعدها "المدلّل" بالدرجة الأولى، واعدةً نفسَها بالرفاه الذي يناله ركّابُ هذه الدرجة المميزة. لكن المضيفة، بكل رقّة وهدوء، أشارت للشاب الأسمر بأن يتكّرم بقبول المقعد المميز، فابتسم وقام معها. ونلمح الاندهاش والغضب، أو بالأحرى الخجل والشعور بالضِعة، الذي كسا وجه السيدة الجاهلة. ورد هذا في ڤ-;-يديو قصير (خمسون ثانية)، يلّخص حراك التحضر الإنساني ضدّ التخلف والجهالة. الڤ-;-يديو الذكي يحمل عنوان Put Racism in the Right Place أو "ضع العنصريَّ في مكانِه الصحيح".
وأتساءلُ: "تُرى ما المكانُ الصحيح للشخص العنصري؟"
الحق أن مكانه ليس الدرجة الاقتصادية بطائرة ما، بل مكانه خارج هذا الكوكب الذي مرّ بحقب متوالية استغرقت ملايين السنين حتى وصل، المفترض، إلى مرحلة النضوج الإنساني، بعدما قطع مراحل عدة، بدأت بمرحلة الطفولة الإنسانية الفوضوية (الهمجية)، ثم المراهقة العمياء (تسلّط رجال الدين على البسطاء في القرون الوسطى)، ثم مرحلة الشباب الأنانية التسلطية (الإقطاعية)، والمفترض أن تكون قد وسلطت الآن بعد سلسال من الثورات التحررية والفكرية إلى مرحلة النضوج المحترم الذي يتساوى فيه البشر وتتساوى حقوقهم أمام القانون مهما كان اللون، والعِرق، والدين، والطبقة الاجتماعية، والنوع (ذكر أو أنثى).
وقد تكلّم هيجل عن ذلك المنحنى التصاعدي لتطور تاريخ الفلسفة الإنسانية في كتابه (تجسّد الروح). فقال إن الإنسان مرّ بمراحل أولية عبر التاريخ الإنساني بدءًا بخضوعه لنزعة (الرغبة)، حيث كان يستسلم للنزعات التي تجلب له الممتعة الجسدية مثل الطعام والجنس والتناسل، ثم انتقل إلى مرحلة (النفي أو الموت) باستسلامه لمنزع "نفي الآخر" أو "قتله" لكي يستحوذ وحده على المغانم، ثم انتقل إلى المرحلة الثالثة (السيد والعبد ) حيث استغلّ القويُّ الضعيفَ لخدمته، بدلا من قتله ونفيه وإفنائه، فسخّره ليصبح القويّ (السيد) ويصبح المُسخَّر للخدمة هو (العبد)، ثم ينتقل الإنسانُ في رحلته الشاقة حتى وصل إلى مرحلة الإنسان (الرواقيّ) وهو الحكيم المثقف المتقشف المنعزل عن العالم المتقوقع على ذاته مثل الفلاسفة الرواقيين المعروفين، ثم دخل الإنسان في المرحلة الخامسة حيث (الشكّ) في كل شيء الرافض لكل ما حوله، ثم تأتي مرحلة الديانات التي حاولت تهذيب أخلاق الإنسان وإحياء الضمير وربط الإنسان بقوة الله العليا العادلة المراقب لكل ما نفعل، وهنا دخل الإنسانُ في مرحلة جديدة من الفكر جعلته يطمع في جنّة أبدية ويرتعب من عقاب جهنم المروّع، على أن رجال الدين أفسدوا تلك المرحلة بمطامعهم كما شهدنا تاريخ أوروبا في القرون الوسطى حيث صكوك الغفران ومحاكم التفتيش وأدوات التعذيب الرهيبة من مناشر ومقاصل أودت بحياة علماء وفلاسفة، وكما شاهدنا أيضًا في تاريخ الحضارة الإسلامية التي تناحر فيها القادة والخلفاء على كراسي السلطان فنُحرت رقابٌ وبُترت أطرافٌ وطُيرت رؤوس، إلى أن يدخل الإنسان، وفق هيجل، في المرحلة الأخيرة، مرحلة (تجسّد الروح) حين يكتمل وعي الإنسان بالقيم السامية للعدالة والمساواة ويعيش البشر فوق الأرض في تحضّر وسمو.
لكن الشاهد أن تطور النضوج الإنساني لا يشبه تطور نمو الإنسان. فقد تراه بعدما وصل إلى مرحلة النضوج، يعود كالطفل الأرعن فيقتل أخاه من أجل حفنة مال، أو يستعبد امرأة لكي يستمتع بها، أو يتاجر بالدين فيخدع البسطاء، كما نرى كل يوم وكل ساعة حولنا في شتى بقاع الأرض.
ولكن الله يحنو على خلقه فيمده بين الحين والآخر ببعض النور والإشارات التي تُصلح طريقه وتأخذ بيده نحو التحضر. ففي كل عصر لا تبخل السماءُ على أبناء الأرض التعساء ببعض المُصلحين الذين ينثرون النورَ والوعي في فضاء الظلام. صحيح أن أولئك المصلحين عادةً ما يتم قتلهم، لكن أفكارهم لا تموت لأن للأفكار أجنحة تطير حتى ولو مات قائلها.
حتى منتصف القرن الماضي كان ممنوعًا على السود في أمريكا ركوب الحافلات العامة إلا في الأماكن الخلفية حيث يحتلّ البِيضُ المقاعد الأمامية. وفي شهر ديسمبر 1955، ركبت سيدة سوداء اسمها "روزا باركس" حافلة وجلست على مقعد أمامي، في مخالفة صريحة للقانون. فجاء أحد البيض وأمرها بالنهوض والذهاب إلى مؤخرة الباص ليجلس مكانها، حسب القانون. لكنها رفضت، فطردها السائق وقدمها للشرطة، فامتنع السودُ جميعًا عن ركوب الحافلات لمدة طويلة ما سبب خسائر مادية لمؤسسات النقل، ثم أعقب ذلك ثورة هائلة قادها المثقف الملون "مارتن لوثر كينج"، قائلا: “لا يستطيع أحدٌ امتطاء ظهرك إلا إذا كنتَ منحنيًا.” وانتهت الثورة بتغيير الدستور والقانون فنال الملونون حقوقهم، حتى وصل أحدُهم إلى البيت الأبيض رئيسًا لأمريكا، وربما للعالم أجمع بحكم تحكم أمريكا في مقاليد العالم.
العنصريةُ ليست بين البيض والسود، فتلك انتهت من العالم، إنما العنصرية بكل ألوانها البغيضة تعشش في رأس كل متخلف يظن أن الله قد خلق الكون من أجله وحده. ومكانه، ليس في الدرجة السياحية على متن إحدى الطائرات، إنما في سلة القمامة خارج هذا العالم، وقبل أن نركله، أهدي له مقولة كينج العبقرية: “"علينــا أن نتعلم العيش معًا كإخوة أو الفناء معًا كأغبياء".



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رانيا وصاحبتها
- فتاوى تكسيح الأطفال
- كأننا نتعلّم (1)
- فاطمة ناعوت -كاتبةٌ صحفية وشاعرة ومترجمة مصرية - في حوار مفت ...
- أنا ابن مصر العظيم
- استلهموا هجرة الرسول
- أنا أعلق إذن أنا موجود
- ماذا نفعل بالإخوان؟
- أنا عاوزة ورد يا إبراهيم!
- عيد ميلاد دولة الفرح
- قرد فاطمة ناعوت
- لا تقربوا الصلاة!
- اطفئوا مشاعلَهم، نورُها يُعمينا
- هل لدينا محمد يونس؟ 2-2
- القطة التي كسرت عنقي
- قرّاء العناوين والصحف الصفراء
- رصاصة في رأس يفكر
- والدليل: قالولووو
- هذا قلمي بريءٌ من الدم
- محمود عزب، أزهرىٌّ من السوربون


المزيد.....




- الأونروا: الجوع الكارثي بغزة سيزداد سوءا حال استمرار استمرار ...
- رأي.. محمد خير دقامسة يكتب لـCNN عن خطابات السياسيين بشأن حق ...
- إسرائيل: واشنطن ستوقف تمويل الأمم المتحدة إذا منحت فلسطين ال ...
- الصين تدعو إلى وقف إطلاق نار فوري ومستدام في غزة وتدعم العضو ...
- -هيومن رايتس ووتش-: الغارة الإسرائيلية على مركز إسعاف في جنو ...
- مخيّمات المهاجرين في تونس: صفاقس.. -كاليه- التونسية؟
- منظمات إغاثة: عملية إسرائيل في رفح تعطل الخدمات الطبية
- منظمات إغاثة دولية: تعطل الخدمات الطبية بعد بدء إسرائيل عملي ...
- الأمم المتحدة تنتقد قرار إخلاء مدينة رفح وتعتبره -غير إنساني ...
- الجيش الأمريكي يعلق على اعتقال جندي أمريكي في روسيا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - العنصريّ في سلة القمامة