أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - هل تنجح خطة فرض تركيا وصيا اميركيا على البلاد العربية انطلاقا من سوريا؟!ـ















المزيد.....



هل تنجح خطة فرض تركيا وصيا اميركيا على البلاد العربية انطلاقا من سوريا؟!ـ


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1268 - 2005 / 7 / 27 - 11:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مضى اكثر من سنتين على الاحتلال الاميركي للعراق. وخلال هذه الفترة القصيرة انفضحت تماما اكذوبة اسلحة الدمار الشامل. وبفضيحة تعذيب السجناء العراقيين انفضحت ايضا اكذوبة ادخال الدمقراطية الى العراق. وبعد مهزلة ما سمي تسليم السلطة للعراقيين في 30 حزيران 2004 انفضحت كذلك الاكذوبة الثالثة حول اعادة السيادة للعراق.
وبنتيجة انكشاف هذه الحجج "الشرعية" و"المشروعة" التي استند اليها العدوان على العراق، يقف الاحتلال الاميركي الان عاريا حتى من ورقة التوت. وفشلت خطة تحويل العراق الى نموذج او مختبر لـ"الاصلاح الدمقراطي" على الطريقة الاميركية، وبالتالي قاعدة انطلاق للسيطرة على "الشرق الاوسط الكبير".
وقد اخذت الادارة الاميركية تختنق في ازمة تضيق عليها كحلقة شبه مغلقة: فلا هي قادرة على تبرير الاحتلال؛ ولا هي قادرة على ايجاد بدائل للاحتلال، والانسحاب مع حفظ ماء الوجه؛ ولا هي قادرة على الاستمرار المريح في الاحتلال بوجه المقاومة المتصاعدة.
ومع ذلك، فإن الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية الاميركية لا تستطيع (دون ان تنهار الستراتيجية الاميركية الدولية برمتها) ان تتخلى عن الخطة التي بموجبها شنت الحرب على العراق، والاهداف التي تتضمنها تلك الخطة، والتي تتمحورحول فرض هيمنتها الدولية الاحادية على العالم اجمع، انطلاقا من السيطرة المطلقة على ما سمته "الشرق الاوسط
الكبير"، ضمن مشروعها "الاصلاحي" المزيف، الذي لا يعدو
كونه كذبة كبيرة اخرى لتغطية مؤامرة اكبر.
وقبل العراق، كانت الحرب على افغانستان، وما سماه الرئيس بوش "حربا صليبية على الارهاب الدولي"، بمثابة مرحلة او حلقة في سلسلة تلك الخطة. وهناك بعض المحللين يذهبون حتى الى القول إن احداث 11 ايلول/سبتمبر 2001 ذاتها لم تكن سوى عملية مفتعلة ومدبرة من قبل الاوساط الامبريالية ـ الصهيونية الاميركية ذاتها، لايجاد "المبررات المقبولة" لتنفيذ تلك الخطة، وشن الهجمة الاميركية الراهنة على
العالمين العربي والاسلامي، التي كانت مهيأة مسبقا منذ زمن طويل.
ويستشهد هؤلاء المحللون بالغموض الذي يكتنف حتى الان
احداث 11ايلول/سبتمبر، ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ ما كشفته بعض وسائل الاعلام الاميركية نفسها، بأن الشركات المالية الصهيونية قد باعت اسهمها في الشركات الاميركية عشية تلك الاحداث، فتجنبت كليا الخسارة الناشئة عن الانخفاض المريع لاسهم تلك الشركات، ثم عادت الشركات الصهيونية فاشترت ما تريد شراءه من الاسهم، بارخص
الاسعار، بعد 11 ايلول/سبتمبر. وهذا يدل على ان الطغمة المالية الصهيونية كانت، قبل ايلول/سبتمبر2001،"على علم مسبق (؟؟!!)" بأن "شيئا ما" كبيرا سيحدث.
ولكن بالرغم من اتساع وتعمق المأزق الاميركي في العراق، والمأزق الاسرائيلي في فلسطين، فإنه من السذاجة الاعتقاد ان الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية الاميركية يمكن ان تتخلى عن خطتها العدوانية المرسومة، للسيطرة على المنطقة والعالم. بل ان العكس هو المنطقي: اي ان تلك الدوائر، التي تأتمر الادارة الاميركية بأوامرها، سواء الجمهورية الحالية او الدمقراطية التي يمكن ان تحل محلها، ستتابع هجمتها. ومأزقها الراهن سيدفعها الى توسيع نطاق تلك الهجمة. ولكن هذا لا يعني
أنها ستلجأ الى الاشكال والاساليب العدوانية ذاتها، التي انتهجتها في افغانستان والعراق، بل انها ستستفيد من "ثغرات" خطط العدوان على افغانستان، وخاصة على العراق، لتجنب مثلها في خطواتها اللاحقة.
ومن خلال مراقبة التعامل الستراتيجي الاميركي ـ الصهيوني المعقد والمتناقض، مع سوريا، الذي يتراوح بين الضغط الشديد والتراخي، التهديدات والاغراءات، الترهيب والترغيب، يمكن الاستنتاج ان الستراتيجيون الامبرياليون الاميركيون والصهاينة يخططون لاستبدال العراق بسوريا، ولتحويل سوريا الى قاعدة انطلاق للهيمنة على المنطقة العربية. فقد سبق واستخدم النظام الدكتاتوري ـ الديماغوجي السوري للسيطرة على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولمدة ثلاثين سنة تقريبا تم "بنجاح" تركيب "نظام لتقاسم النفوذ والسيطرة على الارض" بين سوريا واسرائيل في لبنان. انطلاقا من هذه "التجربة الناجحة"، التي تضطلع فيها الدبلوماسية السرية والديماغوجية الشعبوية دورا رئيسيا، يأمل الستراتيجيون الامبرياليو الاميركيون والصهاينة بـ"اقناع" النظام الدكتاتوري السوري و"تطويره" بالشكل الملائم، كي يضطلع بدور مشابه لدوره السابق في لبنان، على النطاق العربي بأسره، بدءا من النقاط الساخنة: لبنان وفلسطين والعراق.
فيما مضى، غداة هزيمة 5 حزيران 1967 المخجلة، وقف عبدالناصر نفسه يعلن الافلاس الستراتيجي، السياسي والعسكري، للانظمة الوطنية والتقليدية العربية، قائلا عبارته الشهيرة: "انتظرناهم من الشرق، فأتونا من الغرب"، كأنما العدو ـ على مستوى الستراتيجية العليا ـ كان موجودا (بالنسبة لمصر) فقط في "الشرق" (اسرائيل) دون "الغرب" (البحر واوروبا واميركا الاستعماريتين)؛ وكأنما العدو ـ على مستوى الستراتيجية الدنيا ـ كان سيوجه ضربته في الزمان والمكان وبالطريقة التي نتصورها ونتهيأ لها.
والآن فإن التصور الشائع ان سوريا (ولبنان!) هي مهددة بهجوم جديد، في ما يشبه الهجوم الاميركي على العراق. والدوائر الامبريالية ـ الصهيونية، بشخص المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين على السواء، وعلى ارفع المستويات، لا تخفي الان بتاتا نواياها العدوانية ضد سوريا ولبنان. والتهديدات الموجهة ضد هذين البلدين، كدولتين او كقوى مقاومة وطنية واسلامية فيهما، تكاد تكون من الاخبار الصحفية اليومية.
ولكن هذا لا يعني حتما شن حرب واسعة النطاق، على طريقة الحرب الاسرائيلية على لبنان في 1982، او الحرب الاميركية على العراق في 2003. الا اننا لا نستطيع ان نستثني العمليات العسكرية المحدودة، ضد سوريا ولبنان معا، او ضد اي منهما على حدة.
وهذا لا يعني ايضا ان الخطة الامبريالية ـ الصهيونية الاميركية المعادية ستتوقف عند هذا الحد. بل ان كل الدلائل تشير الى ان هذه الخطة تسيرعلى قدم وساق، وتتخذ اشكالا تآمرية مختلفة، تهدف الى شل الارادة الوطنية الموحدة والمستقلة لدى الشعبين الشقيقين، والى فرض التسلط على هذين البلدين "المارقين"، كهدف رئيسي بحد ذاته، وكهدف ثانوي هو تسهيل خروج الادارة الاميركية واسرائيل من دوامة الازمة العراقية والفلسطينية.
ومن خلال متابعة مجريات الامور على الارض يمكننا الاستنتاج ان الخطط التآمرية للدوائر الامبريالية ـ الصهيونية سترتكز، كأسلوب رئيسي في الهجمة ضد سوريا ولبنان، على "المبدأ" الاستعماري القديم والمجرب، ونعني به "مبدأ" "فرق تسد"، وهو "المبدأ" الذي يستجيب تطبيقه تماما لطبيعة وجود الدولة الاسرائيلية، الدينية ـ العنصرية، التي تعتبر الرمز والركيزة الاولى للوجود الامبريالي في المنطقة، والتي لا تستطيع الاستمرار في الوجود، الا عن طريق تفتيت المنطقة ودولها وشعوبها على اساس الانتماءات الدينية، الطائفية، الاتنية والقومية. وهذه حقيقة معروفة تماما منذ ايام التقسيم الذي قام على الاساس "الشرعي" لـ"وعد بلفور" و"اتفاقية سايكس ـ بيكو". ولكن لكثرة تكرار هذه الحقيقة تصبح كالمخدر الذي تستسلم له ضحيته بملء "ارادتها".
وحتى الآن كانت الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية تلجأ الى وسيلتين لفرض مشيئتها ومصالحها على بلدان المنطقة:
1- وسيلة القوة والعدوان المباشر، التي كانت تتمثل بشكل خاص في الحروب الدورية لاسرائيل على البلدان العربية، لتحطيم الجيوش العربية وتوسيع رقعة الاحتلال الاسرائيلي وكسر ارادة المقاومة لدى الشعوب والدول العربية. كما كانت تتمثل في اقامة القواعد العسكرية ونشر الاساطيل البحرية والجوية والقوات البرية الاميركية والاطلسية على الارض العربية. وقد توجت هذه السياسة بالحرب الاخيرة على العراق واحتلاله. ولكن مع دحر الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان بفضل
تضحيات المقاومة الوطنية والاسلامية، ومع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية، واخيرا مع اشتداد المقاومة العراقية للاحتلال، وصلت هذه السياسة الى"ساعة الحقيقة". واصبح الاعتماد العسكري الرئيسي وشبه الوحيد على اسرائيل خاصة، وعلى التدخل العسكريالامبريالي المباشر عامة، عاجزا عن استمرار تأمين المصالح العليا للامبريالية والصهيونية.
2- وسيلة الدعم المباشر وغير المباشر للانظمة العربية الرجعية والدكتاتورية، بهدف لجم الجماهير والحركات الوطنية والدمقراطية العربية. ومع تصاعد وتيرة المواجهة المباشرة مع الامبريالية الاميركية واسرائيل، فإن هذه السياسة ايضا قد استنفدت "ايجابياتها" المطلقة، واصبحت تلك الانظمة مهددة بأن تفلت الامور من يدها، وتشكل عبئا على الامبريالية الدولية لا عونا لها. وهذا ما يدفع الامبريالية للتخلص من اشكال علاقتها القديمة مع تلك الانظمة، وطرح الشعارات الديماغوجية حول "الاصلاح" و"التغيير" على تلك الانظمة التي استنفدت كل اشكال الدعم الامبريالي لها. وطريقة التعامل الامبريالي المتناقض مع النظام العراقي البائد، كما ومع النظام الدكتاتوري السوري، هو مثال نموذجي على هذا الصعيد. فقد استخد النظام العراقي البائد لضرب وتصفية وتطويع قوى المعارضة الوطنية العراقية، ودفعها نحو الارتماء في احضان اميركا، كما استخدم للوقوف ضد الموجة الثورية التي اطلقتها الثورة الاسلامية في ايران، واستخدم اخيرا لترهيب الانظمة النفطية الخليجية ووأد النزعات الاستقلالية لديها في المهد. وقد تمت تصفية هذا النظام بعد ان استنفدت الاغراض منه، وبعد ان "عجز" عن التكيف مع السياسات الدولية الجديدة للامبريالية. اما بالنسبة للنظام الدكتاتوري السوري، فقد تم دعمه من قبل الغرب الاميركي، ولا سيما بعد مجزرة ايلول الاسود في الاردن، بهدف قطع الطريق على احتمالات التلاحم الشعبي السوري مع المقاومة الفلسطينية، وعلى افق التطور الوطني الدمقراطي في سوريا، وقد استخدم لضرب وتحجيم المقاومة الفلسطينية وخاصة لضرب الحركة الوطنية اللبنانية وسد افق التطور الوطني الدمقراطي في لبنان. والان، بعد ان اصبحت عاجزة عن تحمل ارتكاباته الفظيعة في لبنان، وبعد ان اصبح لديها "بدائل" لبنانية لتمشية سياستها، فإن الدوائر الامبريالية، من اجل مصالحها وسياستها العدوانية، لن تتوانى عن التضحية بالنظام السوري كذلك، كما فعلت بنظام صدام حسين. ولهذه الغاية فهي تثير ضجة كاذبة حول ضرورة الاصلاح واشاعة الدمقراطية في سوريا، وهو ما كانت هي ـ اي الامبريالية الاميركية ذاتها ـ تمثل العائق الرئيسي امامه، من خلال منحها "كارت بلانش" للنظام السوري مدة عقود كاملة. والغاية الحقيقية للحملة الامبريالية الحالية على سوريا هي على وجه التحديد قطع الطريق على امكانية قيام نظام وطني دمقراطي في سوريا، معاد للامبريالية والصهيونية قولا وفعلا.
وبصدور القرار 1559، ألزمت الادارة الاميركية نفسها بتطبيق الاجندة التي يفرضها هذا القرار، والا فقدت كل "مصداقيتها"، وبدأت عملية "عد عكسي" سريع للنفوذ الاميركي في المنطقة العربية والعالم، مما يجعل الوجود الاسرائيلي ذاته في مهب الريح. وبدون اجراء "التغيير" في سوريا لا يمكن تطبيق هذا القرار.
فما هي الخيارات الاميركية لاجراء "التغيير" المطلوب؟
ـ ان تطبيق "السيناريو العراقي" (هجمة عسكرية، احتلال، تركيب حكم "وطني مستقل!" عميل) في سوريا هو، اولا، اصعب مما كان في العراق. وثانيا، لم يثبت بعد جدواه النهائية في العراق بالذات.
ـ كما ان دعم قيام نظام دكتاتوري جديد في سوريا (عن طريق انقلاب عسكري، او "انتفاضة شعبية" "سلمية" او مسلحة، مدعومة خارجيا) هو احتمال ضعيف جدا. اولا، نظرا لهزال المعارضة السورية، ولأن قسما كبيرا من هذه المعارضة يرفض "الاحتراق" مع اميركا على طريقة المعارضة (السابقة) العراقية العميلة. وثانيا، لان اي حكم دكتاتوري جديد في سوريا لن يستطيع الصمود بوجه مقاومة فلول النظام الحالي و"معارضته" معا. وثالثا، لان دعم نظام دكتاتوري جديد في سوريا، سيخلق مشكلة كبرى لمصداقية السياسة الدولية الاميركية وتشدقاتها الفارغة حول الدمقراطية. ورابعا، لأن مثل هذا "التغيير" لن يحظى بأي تأييد اقليمي ودولي.
امام هذا المأزق المزدوج، هل تقف الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية مكتوفة الايدي؟
بالتأكيد كلا! فأمام الادارة الاميركية، غير خيار "تغيير النظام" في سوريا، خيار آخر هو "التغيير في النظام"، عن طريق الضغوطات المناسبة: الداخلية، الاقليمية والدولية؛ المترافقة مع "الحوار" و"الرسائل الايجابية". وهذا خيار "مفتوح" وتمتلك الدوائر الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية اوراقا كثيرة لتطبيقه، اهمها "جاهزية" النظام الدكتاتوري السوري الحالي لتطوير اشكال واساليب "التفاهم" مع اميركا (واسرائيل!)، عملا بقول السفير السوري في اميركا ان سوريا لن تفعل شيئا "يغضب اميركا"!
وعلى هذا الصعيد تمتلك الدوائر الاميركية ـ الصهيونية العالمية معطى ستراتيجي في منتهى الاهمية هو "العامل التركي". وهي تتجه الان لاعطاء دور استراتيجي اكبر: اقليمي، وحتى دولي، للنظام التركي "الجديد".
فيما مضى كانت اسطنبول، وباسم "الاسلام!"، تقوم بدور "الباب العالي" المرجعي للولايات "العربية". وكان السماسرة المتنفذون من اليهود ـ اساسا الخزر ، ابناء عمومة الطورانيين الاتراك ـ يعششون في اسطنبول ويضطلعون بجدارة بدور "المفتاح الذهبي" للباب العالي، فيبيعون "البكويات" و"الباشاويات" بالاصفر الرنان لمن يرضون عنه، ويتحكمون عن هذا الطريق بمصائر البلاد العربية، كما تشاء مصالح الطغمة المالية اليهودية العليا، التي كانت ترتبط عضويا بالرأسمالية الاوروبية الصاعدة، وفي الوقت ذاته ترفع عاليا رايات "الخلافة الاسلامية!" التركية. وتحت رايات "الاسلام!" التركي و"الطورانية" التركية، وبمباركة ودعم كاملين من الامبريالية والصهيونية العالمية، جرت ابادة وسحق وتجويع الشعوب والاتنيات "العثمانية!" المسيحية: الارمن، والسريان والكلدان والاشوريين، والمسيحيين اللبنانيين، والبلغار، واليونان، لان تلك الجماعات كانت تمثل عقبة كأداء امام مخططات استعمار الشرق، اولا، بسبب صفتها المسيحية، وثانيا، لما كانت تحمله من براعم الوعي والتقدم الثقافي والاجتماعي.
وحينما بدأت الشعوب العربية المظلومة تتململ ضد السلطنة و"الخلافة الاسلامية!" التركية، واصبح ـ لهذا السبب الجوهري ـ سقوط تلك السلطنة محتما، خشيت الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية ان تخسر اداتها التركية، فقلبت الاسطوانة، وتحولت بها من "الاسلام!" الكاذب الى "العلمانية!" الاكذب. ولمدة ثلاثة ارباع القرن تقريبا، اعتمدت الصهيونية والامبريالية العالمية، ولا سيما الاميركية، سياسة سلخ تركيا عن العالم الاسلامي و"تغريبها"، "ثقافيا" وسياسيا وعسكريا، وادخالها في حلف "الناتو" وتوحيد مواقفها الى جانب اسرائيل، وهو ما كان يحققه "العلمانيون!" المزيفون ـ الاتاتوركيون و"عسكرهم"، الذين كانوا، بقوة الارهاب وابشع اشكال الدكتاتورية، وبالدعم الكلي من قبل الغرب "الدمقراطي"، يقبضون بشدة على زمام الامور ضد الشعب التركي المغلوب على امره.
ولكن منذ سنوات، وخاصة بعد الهزيمة السوفياتية في
افغانستان، واستنفاد الدوائر الامبريالية اغراضها المباشرة من التعاون مع "الجهاد الاسلامي!" ضد السوفيات، واتجاهها لرمي التيار "الاسلامي" خلف ظهرها، اخذ هذا التيار، بغالبية جماعاته، يتحول الى مشكلة للامبريالية الاميركية ـ الحليفة الستراتيجية الرئيسية للصهيونية واسرائيل ـ ويتوجه اكثر فأكثر نحو المواجهة معها.
وكان التيار الاسلامي "الشيعي" قد اسقط "القلعة الغربية" الايرانية السابقة، حيث تهاوى عرش الطاووس، وقامت على انقاضه "الجمهورية الاسلامية الايرانية".
وبعد "افغانستان"، تحول التيار الاسلامي "السني" في فلسطين المحتلة الى قوة مقاومة راديكالية.
كما اخترق التيار الاسلامي "القلعة الغربية" التركية ذاتها، ووصل الامر الى حد كسب الاسلاميين للانتخابات وتشكيل الحكومة في تركيا (مرحلة اربكان)، وعقد اتفاقية اقتصادية كبيرة بين تركيا اربكان والجمهورية الاسلامية الايرانية.
وامام خطر خسارة "قلعتها التركية"، بدأت الدوائر الامبريالية الاميركية تتجه نحو "ترويض" التيار الاسلامي التركي وتحقيق "المصالحة" بينه وبين "العلمانية(!!) الاتاتوركية" الممثلة بالجيش، بهدف اعطاء دور جديد لتركيا في المنطقة، "اسلامي الوجه"، اميركي ـ صهيوني الاهداف.
ومثلما جرى ازاحة عرفات، والمجيء بطاقم خيول جديد لجر عربة التسوية في فلسطين، جرى ايضا ازاحة اربكان، تمهيدا لتأطير التيار "الاسلامي!" التركي في الاطار الاميركي. ولم يعد خافيا انه توجد الان، في اوساط "الاسلاميين" ـ بالمعنى الواسع للكلمة ـ ولا سيما بين "السنة"، "جوقة" موالية لتركيا، لا تخفي حنينها الى العهد العثماني، وهذه "الجوقة" تراهن على دور "اسلامي" لتركيا، ولا سيما بعد ان قوي التيار الاسلامي فيها، بدون النظر في التوجهات الستراتيجية لـ"الاسلام!" التركي الجديد. والاميركيون لا يغفلون عن هذه الظاهرة، ويحاولون التقرب منها بحذر وايجاد نقاط التلاقي معها. ولا ننسى ان الارهابيين محمد علي اقجا وشيليك، اللذين شاركا في جريمة محاولة اغتيال البابا الراحل، قاما بذلك، بالتعاون والتخطيط المشترك بين الاجهزة الاميركية والاسرائيلية والتركية، في اعقاب انتصار الثورة الاسلامية في ايران، ولقطع الطريق على امكانية لقاء كاثوليكي ـ اسلامي (موال لايران)، لا سيما بعد الاستقبال الاوروبي للامام الخميني بعد طرده من العراق، والعلاقات المميزة التي كانت للامام الخميني مع المطران المناضل ايلاريون كبوجي، الذي ارسله البابا في حينه كممثل شخصي له لدى الخميني. وقد نظمت الاجهزة التركية، بالتعاون مع السي آي ايه والموساد ما يسمى "حزب الله" التركي، الذي ـ على صعيد التوجه الستراتيجي والسياسي العام ـ لا يجمعه اي جامع بل هو على طرفي نقيض مع"حزب الله" اللبناني. وقد اضطلع هذا الحزب ولا يزال بدور اجرامي خاص ضد اليسار وضد حركة المقاومة الكردية في تركيا. وهذا يعني ان "الشغل" على "الاسلام!" التركي قائم على قدم وساق منذ عقود. وقد خرج رجب طيب اردوغان، رئيس حزب العدالة والتنمية ـ رئيس الوزراء التركي الحالي، من احشاء حزب اربكان، الذي رُفض اميركيا، اما اردوغان فقد استقبل منذ سنوات في اميركا، ويبدو انه باع روحه لـ"الشيطان الاكبر" الاميركي، حسب تعبير الخميني، وهو ينسق مع الدوائر الاميركية بذكاء لبلورة تركيبة سياسية تركية جديدة: "اسلامية!" ـ اتاتوركية، يمكن تسميتها "العثمانية الجديدة".
والنظام التركي الحالي هو ثمرة "زواج مصلحة"، مفروض اميركيا، بين "اسلاميي" اردوغان والعسكر الفاشي التركي. وقد بدأ هذا النظام يضطلع بشكل مكثف بدور "العثمانية الجديدة" المرسوم له. وفي وقت تعمل فيه السياسة العدوانية الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية لاضعاف جميع الدول العربية والاسلامية، فإنها تعمل لتقوية النظام التركي الحالي، ودعمه ومساعدته، كي يتحول الى القطب الاقليمي و"الاسلامي!" الرئيسي، على حساب البلدان العربية المجاورة وايران، بالدرجة الاولى.
واذا كانت الامبريالية الاميركية والصهيونية ستلجآن في المرحلة الراهنة والقادمة الى التركيز اكثر فأكثر على التفتيت الديني والطائفي والاتني، فإن تركيا، ذات التاريخ المشؤوم وصاحبة "المسألة الشرقية"، هي ذات باع طويل على هذا الصعيد. واننا نلاحظ هنا انه، منذ التهديد التركي ضد سوريا، وطلب وقف التأييد للمعارضة الكردية التركية وترحيل عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي كان لاجئا في سوريا، منذ ذلك الحين اصبح "الاهتمام" التركي بالبلدان العربية والقضايا العربية والاقليمية والاسلامية يتزايد باستمرار. وليس من الصدفة ان المؤتمر الاخير لمنظمة المؤتمر الاسلامي قد عقد في تركيا بالذات، وجرى انتخاب البروفيسور التركي أكمل الدين إحسان أوغلو أميناً عاماً جديداً للمنظمة. ودشنت مرحلة مميزة من الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين تركيا والبلدان العربية. وقد زار انقرة في المرحلة الاخيرة الرئيس السوري بشار الاسد، ورئيس الوزراء اللبناني الاسبق الشهيد رفيق الحريري، ووزير الخارجية اللبناني الاسبق جان عبيد. كما قام وزير الخارجية التركي عبدالله غـُـل بزيارة لبنان، وهي اول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى الى لبنان منذ سنوات طويلة؛ كما قام بزيارة اسرائيل واراضي السلطة الفلسطينية. وقام كل من عبدالله غل ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ورئيس الجمهورية احمد نجدت سيزر بزيارة سوريا. وتستخدم هذه الزيارات لاجل زيادة رصيد تركيا بوصفها "الجار" او "الشقيق" "الاسلامي!" الكبير، للبلدان العربية المجاورة. ولكنها تستخدم في الوقت نفسه ككاموفلاج سياسي لتغطية الدبلوماسية السرية الجارية على قدم وساق، بمشاركة تركية رئيسية، لاعادة تركيب الخريطة السياسية للمنطقة، بما يحقق الاهداف الامبريالية ـ الصهيونية الاميركية.
وفي اجتماع مع نواب حزب العدالة والتنمية طلب منهم رئيس الحزب اردوغان بأن >.
وهذا يعيدنا تماما الى نظرية "ملء الفراغ" التي اطلقها الرئيس الاميركي الاسبق دوايت ايزنهاور في اعقاب العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وانهيار النفوذ البريطاني والفرنسي "شرقي السويس". فتركيا "الاتاتوركية ـ الاسلامية(!) الحديثة" هي المرشحة اليوم للاضطلاع بدور "ملء الفراغ"، الذي يخلفه انهيار النفوذ الغربي في المنطقة العربية، ولا سيما الفشل التاريخي لسياسة الاعتماد على اسرائيل في ستراتيجية الهيمنة على المنطقة، بالرغم من جميع الانتصارات الحربية واحتلال الاراضي العربية. وربما من المفيد ان نذكر في هذا الصدد تصريحا للرئيس بشار الاسد، في مقابلة اجراها مع قناة "سي ان ان" التركية، بمناسبة زيارة نجدت سيزر، رئيس الجمهورية التركية الى سوريا، حيث قال أنه سيتم خلال الزيارة >.
وبالتعاون الوثيق مع تركيا "الجديدة": "الاسلامية!"،
"الدمقراطية!"، المدعومة اميركيا، والمقبولة اوروبيا، والعضو "الاستثنائي" (الاوروبي ـ الاسيوي)، و"الاسلامي" الوحيد، في الحلف الاطلسي، والساعية للانضمام الى "الاتحاد الاوروبي"، تعمل الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية الاميركية لتحقيق الاهداف التالية:
1ـ استغلال نقاط الضعف الكثيرة للنظام الدكتاتوري السوري، من اجل تخريب سوريا من الداخل، بمختلف الاشكال، وقطع الطريق
نهائيا على احتمالات قيام مصالحة وطنية واصلاح دمقراطي وطني حقيقي في سوريا. والادارة الاميركية، المؤتمرة بأوامر الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية، لن تسمح بأي شكل من الاشكال بأي مبادرة اصلاحية حقيقية من قبل حزب البعث الحاكم، لا منفردا ولا في صيغة جبهوية حقيقية، لأن خطتها تقضي بضرب جميع القوى الوطنية والقومية العربية وتصفيتها سياسيا، مستغلة الاخطاء الفادحة والجرائم التي ارتكبها الحكم البعثي، والتناقضات في صفوف القوى الوطنية والدمقراطية الشريفة في المعارضة والسلطة على السواء.
2ـ ولكن الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية تعمل للوصول الى هذه الغاية بالتدريج. وتلجأ الى الاستخدام الاقصى لسياسة العصا والجزرة. من ذلك اصدار قانون "محاسبة سوريا"، وبدء فرض العقوبات الاقتصادية على سوريا بموجب هذا القانون، وفي الوقت نفسه تطبيق ما يمكن تسميته "دبلوماسية التفاح" بين سوريا واسرائيل (بيع تفاح الجولان المحتل في سوريا) وفتح آفاق التعاون الاقتصادي والامني وتسهيلات المرور الخ بين سوريا وتركيا. ويتم ذلك بتخطيط اميركي ـ تركي مشترك. ومن ضمن هذه السياسة ذات الوجهين، فإن تركيا "الاسلامية! الجديدة"، وبالتنسيق الكامل مع الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية، تعمل بطريقة: الضرب بيد، والاحتضان باليد الاخرى.
3ـ كان النظام السوري في السابق (بهدف السيطرة على المسألة الكردية في سوريا بالذات، وامتلاك "اوراق ضغط" للمناورة السياسية مع النظام التركي الموالي للغرب) هو الذي يدعم نضال الجماهير الكردية في تركيا ضد الدكتاتورية والاستبداد الشوفيني. اما الان فقد انعكست الآية، وبدأ تحريك "المسألة الكردية" في سوريا ووضعها على نار حامية. وكانت احداث القامشلي الدامية الاخيرة اول الغيث. ولم يعد خافيا ان تركيا هي التي اصبحت تمسك بخيوط "المسألة الكردية" في سوريا. وخلافا لاكراد العراق، فإن أكراد سوريا وتركيا هم اقرباء من عشائر واحدة. وقد ساعد ذلك سابقا في انتشار نفوذ حزب العمال الكردستاني (التركي) بشكل كبير بين اكراد سوريا. والان فإن الاجهزة التركية هي التي تمسك هذا الخيط وتحرك "المسألة الكردية" في سوريا، بالشكل وفي الوقت الذي تريد. وهذه احدى اهم وأخطر وسائل الضغط التركي (ومن خلفه الاميركي ـ الاسرائيلي) على سوريا، لا كنظام سياسي وحسب، بل كبلد ومجتمع وشعب بالدرجة الاولى.
4ـ تملك تركيا ورقة ضغط اخرى ضد سوريا، هي مسألة نهر الفرات. ومياه الفرات ترتبط بشكل وثيق بالمسألة الكردية، حيث ان النهر ينبع بالتحديد من المناطق الكردية في الدولة التركية. وحينما كانت سوريا تدعم اوجلان وحزب العمال الكردستاني كان لها اولوية ان النهر ينبع من اراض "صديقة". اما الان فإن تركيا، بتحريك المسألة الكردية في سوريا من امام ومن وراء الستار، تريد ان تعكس الآية، بحيث يصبح بامكانها ـ اذا ومتى ارادت ـ استخدام موضوع قطع تدفق الفرات الى سوريا، حتى عن طريق التلطي خلف عمليات كردية "غير مشروعة"، تدعمها السلطة التركية سرا، وتشجبها علنا.
5ـ وتبقى الورقة الاهم في يد تركيا هي الورقة "الاسلامية!". وتعمل تركيا الان بشكل حثيث "لاستعادة" هذه الورقة، التي سبق للاتاتوركية ان مزقتها شر ممزق وداستها بالاقدام. وهي تتدرج في استخدام هذه الورقة بشكل مرن وغير استفزازي ـ كدولة. وقد اتيح لها ان "تتمرن" على ذلك خلال الازمة اليوغوسلافية، حيث عملت الاجهزة التركية الخاصة من وراء الستار، تحت شعارات "الاخاء الاسلامي" وما اشبه، بدون تدخل مباشر وفظ من قبل الدولة والقوات المسلحة التركية. وهي تتابع العمل بهذا الشكل "الاسلامي!" المرن في بلغاريا وكل منطقة البلقان، وفي ما وراء القفقاس وروسيا والجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة. والاسلوب الرئيسي الذي تعتمده هو دعم القوى "الاسلامية" المحلية، والتلطي خلفها. وحتى الان فإن هذا الاسلوب يحقق نجاحا كبيرا. وتستفيد تركيا من الثغرات التي تشكو منها الانظمة الرأسمالية المتوحشة الجديدة في البلدان المعنية، ولا سيما على مستوى العلاقات المشوشة بين انظمة الحكم والطبقات السائدة وبين الجماهير الاسلامية في تلك البلدان، التي هي في الغالب جماهير فقيرة ومسحوقة.
وهناك العديد من المؤشرات بأن بلغاريا تصبح اكثر فأكثر منطقة نفوذ تركية ومركزا متقدما لاجهزة المخابرات الاميركية ـ الاسرائيلية. وباعتبارها تقليديا بلدا صديقا للعرب، يجري استخدام بلغاريا، بأقل ما يمكن من لفت النظر، والارجح بدون علم سلطاتها الشرعية، كـ"حوش خلفي"، لتحضير"الطبخة" الاميركية ـ الصهيونية الجديدة ضد سوريا ولبنان. حيث تجري اجتماعات سرية لشخصيات لبنانية وسورية. ومنذ اكثر من سنة قام السيد فريد الغادري، رئيس ما يسمى "حزب الاصلاح" السوري المعارض، المقيم في واشنطن، والذي يشبهه البعض بأنه "احمد جلبي" السوري، قام بزيارة العاصمة البلغارية صوفيا حيث اجرى اتصالات عديدة معروفة وغير معروفة، وقد أسس "حزبه" مكتبا ومركزا اعلاميا في صوفيا، كما اخذت المعارضة الكردية للنظام السوري تتركز في صوفيا ايضا، بالتعاون مع جماعة "الغادري". وتنشط هذه الجماعة لاستدراج المعارضين الدمقراطيين والوطنيين الشرفاء للنظام السوري الى صفوف المعارضة المرتبطة باميركا. ولا يستبعد ان تتركز ايضا في بلغاريا المعارضة "الاسلامية!" للنظام السوري، ايضا بالتعاون مع جماعة الغادري.
6ـ من ضمن هذه الخطة تعمل تركيا للامساك بقوة بالورقة
"الاسلامية!" مباشرة في سوريا بشكل خاص، الامر الذي يمثل مفتاحا رئيسيا للامساك بالورقة "الاسلامية!" عربيا، لا سيما في القطاع السني. فاذا اجرينا مقارنة مع القطاع الاسلامي الشيعي، نجد ان الاخير يقف على ارض صلبة، بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، التي تحولت الى لاعب اقليمي ـ دولي كبير، بفضل تحسين العلاقات الايرانية ـ الروسية، من جهة، ومن جهة ثانية بفضل تحالف ايران ـ سوريا ـ حزب الله اللبناني، وهو التحالف الذي، بشكل من الاشكال، نقل "الحدود
العسكرية ـ السياسية" لايران الاسلامية الشيعية الى حدود
اسرائيل، بكل ما يمثله ذلك من خطر على المخططات الدولية
للدوائر الامبريالية ـ الصهيونية الاميركية.
اما التيار "الاسلامي" السني، فهو يقف على ارض مهزوزة، بعد زوال شروط حلفه مع اميركا ضد السوفيات في افغانستان، وخصوصا
بعد الاحتلال الاميركي لافغانستان والتصادم الاميركي المميت مع الطالبان والبنلادنية وتنظيم "القاعدة"، واهتزاز الاوضاع في السعودية، وطبعا ضعف الموقف المصري الذي لم يشفَ بعد من اعراض نكسة زيارة السادات للقدس المحتلة وتوقيع "اتفاقية كامب دايفيد". وضمن خطة استعادة الورقة "الاسلامية!" من قبل تركيا، تدخل الان الجوقة "الاسلامية!" الاعلامية المتوسعة، التي تستعيد التاريخ ـ من مواقع رجعية، ظلامية ومشبوهة ـ كي تنتقد شكليا جماعة "تركيا الفتاة" و"جمعية الاتحاد والترقي"، وعملية إلغاء الخلافة "العثمانية"، وتمتدح "وطنية" و"اسلامية" السلطان الاحمر السفاح عبدالحميد و"رفضه" الصوري الكاذب بيع فلسطين لليهود الصهاينة. وتمثل سوريا الان المسرح الاقرب للامساك بالورقة "الاسلامية!" السنية من قبل تركيا. وكانت التفجيرات والاشتباكات المشبوهة الاخيرة التي حدثت في دمشق ومناطق سورية اخرى، مباشرة بعد احداث القامشلي، بمثابة "اختبار" و"جس نبض" لمطواعية النظام السوري، من جهة، وللقدرة على تحريك واستخدام واختبار مطواعية القوى والتيارات "الاسلامية!" في سوريا، من جهة ثانية. والغموض المحيط بتلك التفجيرات والاشتباكات انما تشتم منه رائحة التمهيد لطرح تركيا كقاعدة انطلاق وسند للحركات "الاسلامية!" في سوريا. اما على المستوى الرسمي، فإن النظام التركي سيهرع لمساندة النظام السوري في تطبيق الاتفاقات الامنية المتبادلة.
7ـ يروى عن محمد علي باشا ان مستشاره اللبناني الاصل من آل البحري (على ما اذكر) كان في بعض اوقات فراغه يقرأ له ـ من باب "الافادة" ـ في كتاب "الامير" لنيقولا ميكيافيلي. وبعد ان قرأ له قسما من الكتاب، طلب محمد علي من مستشاره ان يوفر هذا الجهد، لانه ليس بحاجة الى دروس مكيافيلي. واذا كان الشيء بالشيء يذكر نقول ان مكيافيلي اذا كان لم يستحق مرتبة استاذ بالنسبة لمحمد علي، فإنه يبدو تلميذا صغيرا جدا في "مدرسة" النظام الدكتاتوري السوري الذي لا "يقتل القتيل ويسير في جنازته" كما يقول المثل، بل "يقتل القتيل ويتقبل التعازي به". ويمتلك هذا النظام الان كل الحوافز والمصلحة والمقومات الاخلاقية و"القومية"، كي "يتعاون" مع النظام التركي، ويتحول الى "جسر عبور" للنفوذ التركي "الاسلامي!" الجديد الى مختلف البلاد العربية، بدءا من القضية الفلسطينية، والقضية العراقية.
والسؤال الكبير الان هو: هل تنجح الدوائر الامبريالية ـ الصهيونية، في وضع "القناع الاسلامي التركي" على وجهها، وفرض وصاية تركية
على سوريا، مما يساعدها على الخروج من الازمة العراقية الراهنة، والبدء في ترتيب الاوضاع في فلسطين ولبنان والعراق، على اساس التفتيت المذهبي والاتني، انطلاقا من قاعدة "اسلامية!" "سنية" قوية في سوريا، تستند الى تركيا "الاسلامية الجديدة"؟!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الباردة مستمرة بأشكال جديدة بين -الامبراطورية- الروسية ...
- حرب الافيون العالمية الاولى في القرن 21: محاولة السيطرة على ...
- هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟
- أسئلة عبثية في مسرح اللامعقول
- الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي
- وليد جنبلاط: الرقم الاصعب في المعادلة اللبنانية الصعبة
- القيادة الوطنية الجنبلاطية والنظام الدكتاتوري السوري
- القضية الارمنية
- سوريا الى أين؟
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق2
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق
- وماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟
- جنبلاط، القضية الوطنية والمسيحيون الدجالون
- المفارقات التاريخية الكبرى في الازمنة الحديثة وتحولات المشهد ...
- المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني
- من هم مفجرو الكنائس المسيحية في العراق؟! وماذا هم يريدون!؟
- الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية و-شبح الارهاب-: من سوف يدفن ...
- العراق على طريق -اللبننة- الاميركية!
- أضواء على انشقاقات الستينات في الحزب الشيوعي اللبناني: الاضا ...
- مؤامرة اغتيال فرج الله الحلو


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - هل تنجح خطة فرض تركيا وصيا اميركيا على البلاد العربية انطلاقا من سوريا؟!ـ