أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - قصة قصيرة : الشبح















المزيد.....

قصة قصيرة : الشبح


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4384 - 2014 / 3 / 5 - 23:16
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة _ الشبح .. _

** فجأة يطل عليها .. يتدفق من الجدار , يلوح لعيونها طويلا , ضامرا وهو يخرج من الجدار . جدار الحجرة القائم حيال السرير . يبرز اليها عاريا باصابع طويلة مدماة وشعر طويل نافر . يطل عليها بكامل ملامحه التي شوهتّها العزلة هناك , في السجن البرّي البعيد ...كاشفا عن وجه تحفر فيه الثقوب عميقا .. كان وجها مثقوبا بانصال الوقت والسجون والعزلة .. كانت ثقوبا رمادية تنضح رائحة غبار وادغال برّية .. كان يلوّح بيديه عبر الشق الذي احدثه بالجدار , يلوح باصابعه الطويلة الراشحة مجرى رفيعا من دم يخضّب بياض الجدار ويشيع رائحة شتاءات غاربة .. شتاءات متعاقبة كان بردها يحفر في العظام ويتوغل في الروح بعيدا ..شتاءات من الوحشة والعزلة والاسى تحفر في روحه طوال إقامته في السجن الشاخص هناك وسط خلاء مترامِ ..شعرت الزوجة وهي ترى إلى الطيف المدمى الماثل وسط الجدار بخوف ينبجس من اغوار بعيدة في روحها . خوف حنّطها في موضعها فوق السرير , فتسمّرت ذاهلة ترنو ناحية الجدار دون انّ تبدي حراكا .. كانت تبحلق بعينيّن دهشتين يغشاهما ضباب من الرعب فلم تتبين من ملامح الزوج الخارج من الجدار سوى ذلك النزف الذي مابرح يتدفق متوهجا ..ترى إلى ذلك الشعاع المنسفح من الثقوب في الوجه العظمي المحاط برماد وبقايا عظام ناتئة وبقايا رائحة ما , قديمة , ولكنها احست بها كما لو إنّها تضوع الآن من السرير .. رائحة من ذكريات تنضح دفئا من ذلك الوجه الذي غدا رمادا وعظاما .. ذكريات لما تزل تغمر روحها وهي تتدفق من تلك الثقوب الرمادية .. فيتراءى اليها طيف وجه اليف . لم تزل بقاياه عالقة في الجدار . طيف كان في وقت ما يغمرها بدفئه وعذوبته وحنانه , يمسح على شعرها وخدودها وسائر مساحة وجهها بشفتين مفعمتين بالود والالفة والطمأنينة ..كم كانت تنعم بالمسرّات والدفء . ولكن كل ذلك تلاشى , في غياهب السجن البرّية .. فطنت بغته إلى مجرى دافق من الدم يسيل من الشق الذي احدثه الزوج او الشبح او الطيف في الجدار , مجرى جعل يتدفق متلاحقا ويغطي قوائم السرير ويجري هناك عند اركان الحجرة التي احالها إلى مسطّحات لزجة تطفو في الفضاء ! مسطحات دامية تتلامع وهي تنحدر اسفل النافذة المشرفة على حديقة مجفّفة الاغصان مجدبة , كان مجرى الدم يتعثر ابان جريانه __ ببقايا اشياء الشبح __ المتناثرة في الحجرة .. قبل انّ تنهض ارتدّت منكفئة على الوسادة , فندّت عنها صرخة مكتومة , كانت قد ابصرت إحدى ساقيّ الشبح الطويلتين تخرج من عمق الجدار . تخرج بلا قدم , تتدلى رخوة تضوع منها رائحة صدىء رصاص قديم .. فطنت لتلك الرائحة التي كانت قد تشمّمتها في وقت ما , ملاءت انفاسها قبل سنوات , تعود لتلك الايام التي جائوا به ميّتا من اقبية السجن البرّية الكبير , كانوا قد عثروا عليه مرميا في البرّية على مقربة من اسوار السجن . .مقذوفا وسط جثث كلّها كانت تتحلّل في العراء ..لم يكلّفوا انفسهم عناء الدفن او الطمر , كانوا يدحرجون الجثة خارج سياج السجن , يقذفون بها إلى الخلاء , لعل حاسة شم ذئبية تهتدي اليها ..ولكن لا اغواء في تلك الصحراء المجدبة . كانت طبيعة قاسية لم تغرِ او تغوِ احط الوحوش ..
كان الشبح مايزال يسعى جاهدا في مكابدة قاسية لأنتزاع ساقه الاخرى المتوارية او الغاطسة في عمق الجدار , كان الجدار المتماسك اقوى من انّ يتيح لساق بالخروج . في حين كانت ذراعاه الملوّحتان في الفضاء المدمى تخوضان في الفراغ , تجاهدان للوثوب على شعرها النافر المنسفح في الهواء , كان في خضمّ نزاعه هذا , يبدو وكأنه طوى مسافة مهولة من الزمان ..! يبتدأ طرفها البعيد من تلك الطفولة الغاربة . طفولته . مرورا باقبية العزلة في البراري النائية , والغياب والنسيان ..وحتى تلك اللحظة الراعشة في ذاكرة المرأة المغمورة بتلك الرائحة , الرائحة التي ما تنفك تضوع وتنتشر نفّاذة وهي تزداد نموا في تصاعدها .. فيما كانت المرأة تجاهد لفك اشتباك تلك الرائحة الملتحمة في اتصال شديد مع رائحة الدم والذكرى , وهي تتملى مجرى الدم المتدفق يزداد في نموه مشكّلا مسطّحات تطفو فوقها اشياء غامضة , اشياء يعلوها الغبارالمتطاير من الجدران ومن رماد الشبح ومن الموجودات المطمورة في دروج الأخشاب والمنادر والوسائد والصور المثبّتة على الجدران والمحاصرة باطر من الخشب الهش جعلت هي الاخرى تنفض الغبار عن وقتها المحنّط في الحيطان ..كان غبار صورة الشبح المعلّقة وسط الجدار اشد انتشار وكثافة في التحامه مع مجرى الدم الذي طفق يتدفق للخارج , هناك وسط الحديقة المجفّفة . مرتطما في الجذوع المتيّبسة وعالقا في الاغصان الجرداء ومتعثرا في منحنيّات اخاديد السواقي المجفّفة المكسوة بالادغال اليابسة محاذاة المماشي والممرات . المماشي المهجوره التي لم تطأها او تدوسها الاقدام مذ غيابه في الظلام ..ساح المجرى في المماشي التي قادته مسرعة وافضت به هناك عند الشجرة العارية الشاخصة عند الباب الخارجي ..كان المجرى في انحداره المتلاحق يشيع وينشر رائحة الشبح , تلك الرائحة الصادمة التي جعلت تتصاعد في الهواء لاذعة طاعنة بالذكرى والغياب !! .. بينما لبثت المرأة تنازع بكامل ذكرياتها ودموعها وسنواتها المتيّبسة تلك الرائحة التي توغلت عميقا في روحها تحفر مجرى من الذكريات المطمورة ..
وفي لحظة ما , شديدة الغموض , خرج اليها الشبح من ظلام الجدار . انسل خفيفا ناعما . لبث واقفا فوق رأسها بكامل عظامه الهشة بكامل رماده وذكرياته بكامل بدنه المنخول بالثقوب .. قبل انّ ترتدّ المرأة مذعورة للوراء احاط برأسها بكلتا يديه العظميتين النازفتين , احاطها بكامل ثقوبه فخيّل للمرأة انها سمعته يردّد بنبرة كأنها تأتي من بعيد , من اقصى البرّية _ :..... فيما اذا كانت قد تعرّفت اليه ..؟ على وجهه او عظامه التي اتلفتها سنوات التعذيب والخراب هناك في السجن عند البراري القاحلة ..سمعته يقول _: اشم في السرير رائحة رجال غرباء ..هل ابدو غريبا في وجهي الرمادي هذا ..ضائعا .. متلاشيا .. هل مازالت تتذكّره , ..
قبل انّ تمتد يده المدماة عبر المسافة الفاصلة بينهما , اطلقت صرخة مذعورة , لم يلتفت اليها كان قد تسلل خفيفا ناعما خارج فضاء الحجرة من دون انّ تفطن المرأة ...ولما فطنت وفاقت من ذهولها اقتفت اثره . لكنه كان قد تلاشى في غياب سرمدي .. فيما بقيت المرأة تنظر ذاهلة , نظرات طويلة توازي في استغراقها زمن الغياب الذي توارى فيه الشبح , هناك في الاعماق السفلى .. انتهت /
14أعجبني · · مشاركة



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذلك العواء البعيد
- هناك .. حيث لا احد سوى القبور
- مقطع / بلاد من دخان
- ابي في مواسم الجوع والخمر
- قوّة الألم او / السيطرات
- عن الخوف من الله
- صوت الخال
- الله كما رايته على الارض
- حبّ في ريعان الخريف
- ظنون بحجم الحب الذي كان / من سنوات البكاء والخيبة
- امّي ذلك الكائن الغريب
- حدث ذلك في باب المعظّم
- مقطع / على مقربة من الحرب
- بلاد من دخان
- عن : الشاعر جبار الغزي : .. طائر الجنوب يحلّق فوق بارات العا ...
- .. مشهد .. / إجازات الجنود
- .. مشهد / سلمى والنهر
- قوّة الغابة
- جثتي ........
- رماد الجنود / جنود الرماد


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - قصة قصيرة : الشبح