أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - قوّة الألم او / السيطرات















المزيد.....

قوّة الألم او / السيطرات


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4381 - 2014 / 3 / 2 - 05:19
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة _____ قوّة الألم . .. او __ السيطرات ..

__ * في تلك البراري الموّغلة في البعد ... هناك , كنا نزداد عذابا .. نزداد غربة ووجعا في كلّ لحظة ! .. في تلك البراري كان معي جنود .. لم يعدّ احد منهم , آخرة مرة رأيتهم فيها , قبل انّ ينّخلهم الرصاص نخلا .. قبل انّ يعقد صدورهم خيط من الرصاص والشظايا عند السفح المهلك , السفح الغارق في مجرى مخيف من العزلة والرطوبة والعتمة.. هناك عند السفح __ الارض الحرام __ الملّغوم بالرعب والغياب ,.. كان يتكاثرون في الغياب والأمحاء وفي سقوطهم المتوالي العاصف ...., كأنهم يبحثون عن الذهب اسفل الوادي ..يتسلّلون من ارض عكّرة تماثل في امتدادتها الوعرة تجاعيد الجنرالات اليابسة ...كانوا ينؤون باثقال مهوّلة من الخسائر الحافلة بالندم والدموع ..اسمعهم عبر مسافات مريعة عاصفة بالموت والوجع . يراهنون على صباحات لن تشرق ابدا ,اقصد : عيونهم المنطفئة لن تشرق ثانية في نور الاحلام والذكريات _ فمكثوا يتساقطون في ميتات متلاحقة ..كان آخر عهدي بهم في نهار شاحب , لمحتهم يتوارون في غياب واختفاء مدهشين . يتوارون سريعا في __ نهر جاسم __ حدث ذلك عندما كنت احمي رأسي الملطّخ بالطين اليابس والهوام والقش .. اتطلّع إلى اقصى الوراء , مشرعا ساقيّ لريح والتيّه . تحفّ بي لذكريات من الجهات كلها , بينما كنت اغيب في المدى ..اصيخ السمع لصوت الريح الذي يماثل عويل المفجوعات وانا على اعتاب النحيب والخوف .. اراوغ رعبي من __ فرق الاعدام __ التي تركتها ورائي , تفصلني عنها مديات مضطربة من الطمأنينة المرّتبكة .. لا ماء معي لا صمون ولا تبغ ..عزائي الوحيد الحلم المتموج في أمل يكتظ بالحيرة والخوف . كان المدى سرابا يتموج في العيون . والارض اخاديد من العشب والدغل والاحراش .. فامسك عن مواصلة الجري في المتاهة والوذ بكنف الاحراش , الاحراش المنحدرة باتجاه العبور ..لم ارَ عبر المسافة الملغومة بالقلق والهواجس , المسافة التي تفصلني عن قارب النجاة , لم ارَ سوى سواد عالقا في نتؤات الصخور .. سواد كأنه شبح جندي ينفض عن اسماله بقايا طفولة مكثت متشبّثة في بسطاله الموحل ,.. مازال الخوف يشتد في العراء والتييه , يخفق في صوت الريح وحفيف الدغل ونور النهار ..اقتربت كثيرا من حافات الرعب والموت الكامن في الطريق المفضي إلى العاصمة .. مرّرت بحافات مهلكة .. رأيتني فيها اجري مضطربا ومسرورا ! لعبوري __ السيطرات __ وجدتني كأني اطير ..حلّق بعيدا بمنأى عن فضاء الخوف . ولكن الموت ما زال ينتظر في الطريق الطويل فرأيتني اجري فزعا هلعا .. كان حراس الشوارع منصرفين لمعاينة تجاعيدهم في مرايا الحروب...
اقتحمت البيت , بيتنا , مثل طائر خذلته عاصفة , كلّهم _ اقصد افراد عائلتي بما فيهم جدّتي التي احبّها جدا جدا _ كلّهم اشرقت عيونهم بالدموع , وامسكوا بحبال الماضي ,_ اقصد طفولتي _ يتشمّمون رائحتي بسعادة غامرة , بسعادة مَن استعادة كنزا مفقودا , .. وانا ليس لديّ من ذاك الماضي ما يصلني بأبوة ما زالت ترمّم عزلتها في الظلام _ اقصد قبر أبي _ .. امّي اشاحت بحنينها عني ! ومكثت ترنو ذاهلة في الفراغ الذي كنت اشغله .. فلاحت ملامحي الموغلة في البعيد تطفو بين يديها او ذكرياتها . ملامحي التي كانت عصية ...كانت تفرش شيطنتها السالفة عند اصابعها , حيث كانت ترقد ايامي الذهبية .. اجهشت امّي في بكاء حزين حالما تدفقت رائحة الدم من ثيابي ... جدّتي التي لم تمت بعد من الحزن او الفرح لا ادري ..ارخت اصابعها الشائخة عن خوذتي حالما حالما تشممت زفير الجنود يتصاعد لاذعا من الخوذة المعفّرة بالطين والهوام .. فدنوت وجهي من شعرها الثلجي . كما كنت افعل ايام مجدي الاوّل ..رأيت اصابعها تزحف لتمسك بالغبار العالق في بدني فانتفض واتخذ من حجرها محميّة او موضعا مشرعا على افق من خوذ مدماة ... فاسمعها تغطي على صراخي بغنائها القديم الذي ما زال يلاحقني .
هل كانت تسمع هتاف القذائف او نشيد الظلام . ؟ .. كم مرّ على هروبي من الجبهة الثالثة والاشجار والارض والاصدقاء .. لم يتعرّف احد عليَّ !! هل كنت ميتا منذ حروب عديدة !! ؟ كم موتا عرفت .. ؟ لا اتذكّر ..ولكني ما زلت اتذكّر __ فريق الاعدامات __ لما لاح ليّ احد العابرين الفارين من الجبهة , يتراجع مذعورا امام جدار شاهق ومخيف من البنادق .. لمحته يزداد ضيّاعا وانكماشا وانمحاء واختفاءا في تراجعه صوب الهاوية ..ابصرت حقيبته المتخمة بالغبار والاسمال وبقايا طين مجفّف , تتدلّى في فراغ مريع .... آخر مرة لمحته فيها __ لم تكن في الحقيقة آخر مرة __ فقد رأيته يلوح ليّ في هيئات عديدة , مرة عامل بناء , فمتسولا , ثم حمّال في الشورجة او علاوي جميلة ..وغالبا ماكان يلوح ليّ ميتا .
ولكن ماذا عني انا ؟ . لا اتذكّر متى باتت نهايتي وشيكة ؟ .. ولكني ما زلت اتذكّر , ملامح الشارع المقفر الذي قادني بإناة إلى __ حضيرة استخبارات الفيلق __ , هناك عند الحضيرة نسيت أسمي ورقمي ورتبتي , نسيّتها كلّها حالما سمعت هتافا مرعبا يدعوني للوقوف في الحال ورفع ساقي اليمين على الفور ..كانت محنة مريرة لامثيل لها , تحدث مرة واحدة في العمر كلّه .. محنة لم تدم سوى لحظة عقبها تحولت إلى دخان ..فنهضت من خرابي كالسخام او الدخان اتلاشى في اماد سرية وغامضة ..اتوارى في اغوار بعيدة من الظلام السرمدي ..
وكأي شبح يتكىء على اوهام الاخرين . بما فيهم عائلتي .. والاصدقاء الذين هرّبوا نبأ موتي واسمي الثلاثي وإجازتي الدورية المزوّرة إلى اسرتي .
كنت اجيء اليهم هاربا من ركلات البساطيل .. اندفع نحوهم بقوّة الألم الذي احدثته الطعنات والشتائم , آتي اليهم من المكان الذي مت فيه ركلا قبل ان ينوشني الرصاص .. اتسلّل اليهم عبر كلّ الامكنة التي يتحدثون عنها بارتياب ..اتسلّل اليهم من __ سوسن كرد , وعبادان , وسربيل زهاب وقصر شيرين ..... وحفر الباطن والكويت والمطلاع .....__ ومن البراري المقفرة ..وكأي جندي ميت انفتحت لقدومه , الاتجاهات المغلقة .. فكان يجب عليّ انّ ارسل ما بحوزتي من ميتات سالفة إلى امّي , امّي التي اعتقد الجميع انها ماتت قبل ان اشهد حرب الخليج الاخيرة !! , ... ولكنها كانت معي , معي على الدوام , تقاتل معي من اجل رغيف خبز عاطل , تقاتل وهي تصد الألم عني وتؤثث برائتي بشلالا ت من الدموع .. سبعون عاما وهي تبكي ..سبعون وما زالت هي هي .. ذات البكاء وذات الحنان .. سبعون وهي مازالت امّي في القبر والذكرى . سبعون ولم ترني على نحو حقيقي ولا احد اخبرها اني كنت برفقة الملائكة فظلت مكبّلة بحبال قوّية من الدموع . تواصل اجترار الألم ,كأنها تقاتل او تستعير من الغياب وجها ليس له وجود الا في الدافن _ انتهت _



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الخوف من الله
- صوت الخال
- الله كما رايته على الارض
- حبّ في ريعان الخريف
- ظنون بحجم الحب الذي كان / من سنوات البكاء والخيبة
- امّي ذلك الكائن الغريب
- حدث ذلك في باب المعظّم
- مقطع / على مقربة من الحرب
- بلاد من دخان
- عن : الشاعر جبار الغزي : .. طائر الجنوب يحلّق فوق بارات العا ...
- .. مشهد .. / إجازات الجنود
- .. مشهد / سلمى والنهر
- قوّة الغابة
- جثتي ........
- رماد الجنود / جنود الرماد
- قصة قصيرة __ القيامة
- رواية مخطوطة في مقاطع / بقايا الجندي الطائر / 2
- رواية مخطوطة / بقايا الجندي الطائر / المقطع 3
- مقطع من روايتي المخطوطة / بقايا الجندي الطائر
- رائحة الجندي


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - قوّة الألم او / السيطرات