أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - امّي ذلك الكائن الغريب














المزيد.....

امّي ذلك الكائن الغريب


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 19:43
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة ____ : أمّي ذلك الكائن الأخر ..___ . من ذاكرة الجنون ..

• لا ادري متى فطنت إلى ذلك الهذيان المحموم ..؟ الذي كان يتدفق من حجرتها.. , كان الامر في اوّله غامضا , لم انّتبه اليه بما فيه الكفاية .. كنت ما ازال مشدودا إلى آثار الغياب الذي تركها ابي خلال رحيله .. .. لا ادري متى بدأ الشك يساورني . يبد إني ما زلت اذكّر تلك اللحظة التي اشاعت الخوف في روحي , كنت حينها واقفا على مقربة من النافذة , لما تحوّل هذيان امّي _ الذي حسبته في بادىء الامر حزنا لا يحتمل على ّلعلى اثرها إلى الغرفة , فرأيتها مركونة إلى الجدار , تبكي ..فجعلت امسح دموعها برفق , واربت على كتفها .. وحين رفعت رأسها لاحت لعينيّ حزمة رقيقة من التجاعيد الطريّة البليّلة .. فشعرت كأني ارى تلك الاخاديد للمرة الاوّلى !!.. دنوت فمي من رأسها وجعلت الّثم جبينها بشفتين تنضحان دفئا وحنانا .. فامسكت هي بذراعي على نحو مريب لم اعهده ..وطلبت اليّ بلهفة نادرة . انّ اقودها إلى بيت ابي الجديد , .. عندها شعرت برعب مفاجىء يمسك بروحي .. وينأى بي بعيدا ..إلى تلك المسافات الغمضة من ذاكرة الجنون ..تسمّرت ذاهلا مندهشا مصعوقا حيال كلامها المترع بالخوف والتوجسات ..ولأوّل مرة اشعر إني بت يتيما حقا ..فشعرت برغبة ملحّة للبكاء , رغبت لم اشعر بمثلها من قبل ,.. فبكيت بين يديّها الراعشتين كما لم ابكِ من قبل , ولاوّل مرة اشعر بان كلامها قد مسح عني غبار الشك , وايقنت انّ امّي تقف في خطوتها الاوّلى على اعتاب الجنون .. ولما التقت عيوننا في لحظة من اقسى اللحظات , شعرت بان الخيط الذي يصل بين نظراتنا شابه شيء من التفتّت وخفت ذلك النور المتوهج بالحنين والذكريات .. اخذت يدها وفرشت شفتيّ على غضونها وجعلت اقبّلها بحرارة , فيما كانت الدموع تهمي غزيرة من عينيّ وتنسفح على تغضّنات تلك اليد , اليد التي طالما غذّتني دفئا وحنانا وسحرا وجمالا .. ولاوّل مرة شعرت اني بت وحيدا .. وحدة تبعث على الرثاء والبكاء ..وحدة ستنمو لاحقا مؤطرة بعزلة قاسية . وبايام ستأتي في الطريق تنبض بالحزن والخوف والأنطواء .. عزلة مخيفة باتت منذ اللحظة هذه تؤجج الذكريات القريبة والتي مازالت طريّة ريانة , فما زال طيف أبي يلوح هائما في فضاء ذاكرتي .. والذي جعل يتشكّل في ذاكرة امّي على هيئات متباينة كلّها لم تنتمِ لحقيقة أبي .. فأبي الذي غيّبته مركبة مفخّخة لم يتزوج سوى امّي كما لم يكن يملك منزلا , عدا منزلنا هذا . لم يمرّ وقت طويل على انطفاء وهج الذاكرة . ذاكرة امّي .. ذلك الانطفاء المهول . والذي انشأ بيننا حاجز مخيف من الفراغ والعزلة . لما وجدتها تبحث في غرف المنزل وفي دروج الدولاب وحتى في جيوبها عن طرود وصوّر تعود لأبي ..وحين تعثر عليها تشرع في البكاء في نوبة حزينة ملتاعة من النحيب ..وسرعان ما تطلب مني ان آخذها في الحال الى منزل ابي الذي يسكن فيه مع زوجته الجديدة ..ثم ما تلبث ان تطلق سيلا من الشتائم بوجه زوجة ابي الوهمية وتعود بعدها للبكاء .. فايقنت في تلك اللحظات نابضة باللاجدوى والأنطفاء .. انّ امّي آلت إلى كائن آخر . كائن بدا لي غامضا مشدودا على نحو غريب لعالم من الاوهام من صنع مخيّلتها .. فشعرت اني بت وحيدا جدا مع هذا المخلوق الغريب والذي لم تكن تصله وشيجة بامّي بتاتا..المخلوق الغريب جدا والذي كان في وقت ما , امّي .. المخلوق الذي لم اعد ارى فيه ملامح امّي ..مخلوق يشبه امّي فيما مضى ..امّي التي غابت ملامحها في ضباب كثيف في ذاكرتي ..كم سعيت جاهدا لاكتشاف علامة ما , يدلّني على امّي في الكائن الجديد الذي كان امّي .. امّي التي باتت محض ذكرى شاحبة . فلم اعد ارى سوى مسافة من الضباب تفصل بيننا .. وغالبا ما كنت اعنّف وانّهر هذا الكائن الغريب .. حتى نسيت ان كان امّي ذات يوم ..فلم اعد اكترث او اعبأ لمتطلباتها النادرة والشحيحة . ..ولم افطن لتغيّيرات التي راحت تجتاحها , لم افطن لظهرها الذي جعل يتقوّس على مهل غير منظور ولا الى الضمور الذي اصاب عظامها .. لم كن اعبأ بكل ما كان يجري لها من تحولات حتى غدت بتعاقب الايام , شيئا منسيا لم يشغل مساحة من ذهني او افكاري او اهتماماتي .. ولم اعد اتذكّرها الا حينما تلوح لعينيّ عرضا او مصادفة مركونة في زاوية ما من زوايا المنزل الكبير . او راقدة فوق سريرها كأي كتلة تالفة , ولكن ما كان يدهشني هو تلك النظرات المضيئة التي كانت تشع من عينيها , في اوّل الامر لم التفت الى تلك الاشراقة في تلك النظرات اللامعة ,.. ولكن ذات لحظة ما , لا ادري متى . التقتت فيها عيوننا . فهالني ذلك البريق المدهش الذي ذكّرني على الفور بتلك النظرات التي تعود لايام غاربة من طفولتي .. ذات النظرات المشعة بالحنين والرفق الامومي .. فطافت في ذاكرتي ملامح امّي .. تلك الأمّ القديمة التي باتت شيئا منسيا من ذاكرة الجنون .. انتهت /



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث ذلك في باب المعظّم
- مقطع / على مقربة من الحرب
- بلاد من دخان
- عن : الشاعر جبار الغزي : .. طائر الجنوب يحلّق فوق بارات العا ...
- .. مشهد .. / إجازات الجنود
- .. مشهد / سلمى والنهر
- قوّة الغابة
- جثتي ........
- رماد الجنود / جنود الرماد
- قصة قصيرة __ القيامة
- رواية مخطوطة في مقاطع / بقايا الجندي الطائر / 2
- رواية مخطوطة / بقايا الجندي الطائر / المقطع 3
- مقطع من روايتي المخطوطة / بقايا الجندي الطائر
- رائحة الجندي
- الرصاصة والزنبقة
- النهار الاخير
- ..... يحدث في زمن البكاء والنسيان ..
- عزف على وتر الخراب
- نوافذ الأباء والنساء
- دهشة


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - امّي ذلك الكائن الغريب