أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - حدث ذلك في باب المعظّم














المزيد.....

حدث ذلك في باب المعظّم


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 14:59
المحور: الادب والفن
    


• قصة قصيرة ___ حدث ذلك في في باب المعظّم .. __

• على غير توقع . وعلى نحو يدعو للدهشة والصدمة والذهول . لاحت لعينيّ امّي الميّتة . لاحت واقفة فوق رأسي .. اوّل ما لمحت يدها تمتدّ عبر الفراغ الفاصل بيننا , كانت يدّا طويلة ورفيعة كحبلٍ يتدلى في هاوية ! اوّل ما رأيتها جفلت واصابني الفزع .. كنت اعتقد انها ماتت في ذلك الغروب الحزين ودخلت الجنّة تتذوق الجمال والسعادة المعطّلة في بيوتنا ونسيّت الذبح في الشوارع والخراب الممعن في النفوس ..شاعت رائحة ما , صادمة , ضاعت من اليد التي لم تزل معلّقة في الهواء .. وكما حدث انّ رأيتها فجأة , رأيت الطفل الذي كنته ينسل خلسة عبر تلك النهارات البعيدة ويجري ملهوفا .. فوجدتني اطلق صرخة مروّعة تصاعدت في فضاء الغرفة وانا ارى إلى امّي التي لاقت حتفها في سيارة كيا ملغومة بالمتفجرات ... ماتت قبل انّ اطبع قبّلة دافئة على يدها المزدحمة بالغضون والحنان والذكريات قبل انّ الثم الشيّب في شعرها وقبل انّ تمشط جبيني بقبلّ محمومة ..
في الطريق إلى باب المعظّم . الطريق المؤدي إلى الموضع الذي ماتت فيه امّي تفخيّخا ..سمعتهم يقولون بنبرة واحدة : ماتت في الكيا المفخّخة ..قلت في سري , كيف حدث ذلك وهي ما تزال واقفة فوق رأسي ... نهضت مذعورا من على السرير حالما اكتشفت غيابها .. بيد إني سرعان ما لمحتها تطل من الجدار بشعرها الطويل الابيض المسفوح في الهواء وهي تواصل كلامها القديم الذي كانت قد اطلقته في مطلع ربيع الثمانينات . الكلام الساخط والذي كانت تطلب اليّ عبره بعدم الالتحاق للجبهة . كان ذلك في عام 1982 وفي اليوم الاخير في إجازتي الدورية .. ما زلت اتذكّر انها طلبت اليّ انّ اخلع اسمال الجندية ... وكي لا تكون سببا مباشرا في اعدامي عند باب الفرقة الحزبية , طلبت مني انّ افتعل الجنون في وحدتي العسكرية , ربما يعفّونني من الخدمة في الجندية او الحرب فهزّزت رأسي دلالة الموافقة وانا لم اصح بعد من سكر البارحة .. وافقت على طلبها رفقة بقلبها الذي اتلفته التوابيت الوافدة من الجبهة على مدار الوقت .. انتظرت انّ تطبع قبلة على جبهتي كما جرت العاده في آخر يوم من إجازتي . ولكنها لم تفعل , فقد بدت مرتعبة هذه المرة , تلحس عيونها الدموع , بيد إنّي رغم ذلك استأنفت رحلتي الشاقّة , الناضحة بالخوف وقصف مدافع الهاونات وشتائم الجنرلات والعرفاء ..
كانت قد مرّت سنوات عديدة على تسريحي من الجيش لما فوجئت ضحى البارحة بموت امّي حرقا في سيارة كيا مفخّخة بالديناميت , حدث ذلك في باب المعظّم ..وقبل انّ ينتشر الخبر وقبل انّ اطلق صراخا ..سمعت صوتا يأتي من بعيد عبر النافذة المشرعة على حديقة الدار , فنظرت عبر النافذة .. عبر مسافة طويلة يبتدأ طرفها البعيد من فجر طفولتي , فلمحت امّي تلوّح ليّ من بعيد تطلب اليّ انّ اتأخر في الذهاب الى الحرب او لا اذهب _ او هكذا كان يخيّل ليّ _ .. ثم لم اعد اسمع سوى عاصفة من البكاء والعويل تهبّ من كلّ الجهات , فوجدتني اهبط درجات السلّم مسرعا كأني اتوغل مسرعا في فراغات مظلمة , وقبل انّ اجهش في البكاء لمحت ابي يجري مذعورا في الحوش .. فاجدني اتضرّع اليه انّ يدعني ارى امّي , فاسمعه يردّد باكيا : ولكنها ماتت يا ولدي ..فرأيتني اطبق وجهي على كتفه واغط في سبات عميق من الشجن والبكاء .. كنت لا املك غير انّ ابكي فلم يبق ليّ سوى طيفها وذكرياتي التي تآكلت سنواتها في الحرب .. لم يمرّ وقت طويل على غيابها عندما وجدتني ابحث عنها في الشوارع المقصوفة والسيارات والمشفيات والامكنة الملغومة وعند الجيران وملاجىء العجزة والمسنّين والمعارف والاصدقاء وفي مقرات الاحزاب والمارينز وفي الذكريات والاحلام وفي البنادق المشرعة والمنافذ المغلقة .. ولما ينال مني اليأس ويصبني باللاجدوى . اظل هائما على اوجاعي في الشوارع . وعندما يراني ابي اجري في الدرابين باحثا عن امّي يومىء ليّ ولكني لم التفت ناحيته, لم التفت للورا كأني اخشى اصوات بنادق تتعقب اثري , فاتلاشى في المنعطفات الضيّقة ,.. وفي المساءات ابيت في العراء , تاركا ابي يبحث عني ..اواقات مديدة وانا على هذه الحال .. لم ارَ بيتنا الا في اوقات ما , شديدة الجنون ..اوقات متباعدة كنت فيها انام على كتف ابي وانا مستغرق في هذيان طويل متشظّي .. فيما كان طيف امّي يركض سريعا في ذاكرتي العاطلة ........ / انتهت /



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقطع / على مقربة من الحرب
- بلاد من دخان
- عن : الشاعر جبار الغزي : .. طائر الجنوب يحلّق فوق بارات العا ...
- .. مشهد .. / إجازات الجنود
- .. مشهد / سلمى والنهر
- قوّة الغابة
- جثتي ........
- رماد الجنود / جنود الرماد
- قصة قصيرة __ القيامة
- رواية مخطوطة في مقاطع / بقايا الجندي الطائر / 2
- رواية مخطوطة / بقايا الجندي الطائر / المقطع 3
- مقطع من روايتي المخطوطة / بقايا الجندي الطائر
- رائحة الجندي
- الرصاصة والزنبقة
- النهار الاخير
- ..... يحدث في زمن البكاء والنسيان ..
- عزف على وتر الخراب
- نوافذ الأباء والنساء
- دهشة
- منزل عند الضاحية البعيدة من الوجود */ قصة قصيرة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - حدث ذلك في باب المعظّم