محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)
الحوار المتمدن-العدد: 4367 - 2014 / 2 / 16 - 22:59
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أَثناءَ رحْلةِ أمريء القيس وهو يتأهب للأخذ بثأر أبيه ، وهو متوجه إلى تيماء لمقابلة السموأل ، وكان قد أوشك على الانتهاء من كتابة معلقته ، أمطرت السماءُ عليه فوَصَفَ المَطرَ وأبدع الوَصْفَ ، وترك لنا مصطلحات أدبية من أجمل وأروع ما جاء بالشعر العربي ، وسأذكر لك – صديقي العزيز - بعضاً مما قاله :
أصَاحٍ ترَى بَرْقاً أريكَ وَميضَهُ كلمْعِ اليدَيْنِ في حَبيٍّ مُكلَّلِ
حبي : السَحابُ المتراكم ، سُمِّيَ بذلك لأنه حبا بعضه إلى بعض فتراكم ، وعندما يَحْبُ الطفل فهو يحمل على يديه وقدميه وركبتيه ويبدأ بطيئا وكأنه ينوء بأحماله ، كذلك السحاب المتراكم فهو يبدو وكأنه يَحْبُ فهو حَبي .
مكلل : بالفتح والكسر ، جعله مكلل لأنه صار أعلاه كالإكليل .
كلمع اليدين : شبه لمعان البرق وتحركه بتحرك اليدين عند انعكاس باطنها للضوء .
يقولُ : يا صاحبي هل ترى برقاً أريك لمعانه وتلألؤه وتألقه في سحاب متراكم صار أعلاه كالإكليل لأسفله أو في سحاب متبسم بالبرق يشبه برقه تحريك اليدين .
ثم يقول امرؤ القيس :
على قطنٍ بالشيم أيْمَنُ صَوْبِهِ وأيْسَرَهُ على الستار فَيَذْبُلِ
قطن ،الستار و يذبل : أسماء جبال .
الصَوْب : المطر ، صابَ يصوبُ صَوْباً أي نزل من علو إلى أسفل .
الشيم : النظر إلى البرق مع ترقب المطر .
يقول : أيمن هذا السحاب على قطن وأيسره على الستار ويذبل ، فهو يصف عظم السحاب وغزارته ، وقوله بالشيم ، أراد حكمه حدساً وتقديراً لأنه لا يرى ستار ويذبل وقطن معاً .
ثم يقول امرؤ القيس :
فأضحى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ يَكُبُّ على الأذْقانِ دَوْحَ الكنَهْبَلِ
الكب : إلقاء الشيء على وجهه ، كبَّ يكبُّ ، والإكباب هو أن يخر الشيء على وجهه ، والأذقان مستعار للشجر .
الدَوْحُ : جمع دوحة ، والدوحة هي ضرب ونوع من شجر البادية .
يقول : فأضحى هذا الغيث أو السحاب يصب الماء فوق هذا الموضع المسمى كتيفة ويلقى الأشجار العظام من هذا الضرب الذي يسمى كنهبل على رؤوسها صباً ، والمعنى أنّ سيل هذا الغيث ينصب من الجبال والآكام فيقلع الشجر العظام ، ويسح الماء من كلِّ فيقة .
ثم يكمل امرؤ القيس :
وَمَرَّ على القنانِ مِنْ نفيانِهِ فأنْزَلَ منه العُصْمَ من كلِّ مَنْزِلِ
القنان : اسم جبل لبني أسد .
النفيان : ما يتطاير من قطر المطر وقطر الدلو ومن الرمل عند الوطء ومن الصوف عند النفش .
العُصْم : جمع أعصم ، وهو الذى في احدى يديه بياض من الأوعال وغيرها ، والمنزل موضع الإنزال .
المعنى : يقول ومر على هذا الجبل مما يتطاير وانتشر وتناثر من رشاش هذا الغيث فأنزل الأوعَالَ العُصْمَ من كلِّ مَوْضِع من هذا الجبل لهولها من وقع قطره على الجبل وفرط انصبابه .
عبقرية البيان : تتضح هنا عبقرية بلاغة وبيان أمريء القيس في قوله : " فأنزل منه العُصْمً من كلِّ منزل " .
وهذه العبقرية تكمن في أن الحيوانات القوية تتخذ من أعالي الجبال منازل تعصمها من أعدائها ، وكلمة (عُصْم) تنطبق على كل حيوان اعتصم بأعالي الجبال وكهوفه ، وسنرى ذلك في أبيات الغد إن شاء الله .
بقلم/ مـاهر عبد الواحـــــد (نشر بتصرف).
#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)
Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟