عُشَّاقُ لغَةِ الضَّاد، المقال السادس ..بقلم الكاتب ماهر عبد الواحد

محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)

الحوار المتمدن-العدد: 4341 - 2014 / 1 / 21 - 00:06
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

انظر إلى امريء القيس في وصف المحبوبة ، حيث يقول :

مُهَفْهَفةٌ بيضاءُ غيرُ مُفاضةٍ ترائِبُها مَصْقولةٌ كالسجنجِلِ
مهفهفة : أى ذاتِ خِصْر ضامِر البطن .
غير مفاضة : غير مسترخية اللحم .
الترائب : مفردها التريبة ، وهى موضع القلادة من الصدر .
الصقل والسقل : إزالة الصَدأ ، والفعل صقل يصقل وسقل يسقل .
السجنجل : المرآة ، وكذلك قطع الذهب والفضة .

فهى إمرأة دقيقة الخِصْر ، ضامرة البطن ، غير عظيمة البطن ولا مسترخية ، وصدرها براق لامع متلألىء الصفاء ، يعكس الضوء كما المرآة .
لكن السؤال الآن صديقى العزيز ، هل من السهل غلى الناطق بالعربية أن يفهم بيتاً كهذا ؟ ويعرف محسناته البديعية ، ويقف على أساليب البلاغة به ، وأن يعرف ما وراء الكلمات والتشبيهات ؟ ويضع يده على مواطن الحسن والبلاغة به ؟ .
إن كنت عربيا لكنك لا تبلغ في الفصاحة الحدَّ الذى يتناهى إلى معرفة أساليب الكلام ، ووجوه تصرُّف اللغة ، وما يُعَدُّ فصاحة وبلاغة فإنك لا يمكنك الوصول إلى مكامن الإعجاز بكلمات القرآن الكريم أو البلاغة بطبقات فحول الشعراء . روى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وصف زهيرًا ، فقال : كان لا يمدح الرجلَ إلا بما فيه، وقال لعبد بنى الحَسْحاس حين أنشده :
"كفى الشيبُ والاسلامُ للمرءِ ناهيَا" أما إنه لو قلت مثل هذا لأجزتك عليه ،وروى أن جريرا سُئل عن أحسن الشعر فقال :
أن الشقىَّ الذى في النار منزله والفوزُ فوزُ الذي ينجو مِنَ النار
حيث فضله لصدق معانيه ، وقد قالوا قديما أن " أحسن الشعر أكذبه " كقول النابغة :
يَقـُــدُّ السَّلوقىَّ المُضاعَفَ نَسْجه ويوقدْنَ بالصُّفاح نارَ الحُباحِبِ اشتهر البحترى بالصنعة ، وتخير الألفاظ الرشيقة للمعاني البديعة فتجده يصف بعض الكتاب فيقول :
حُزْنَ مُسْتعْمَلَ الكلام اختيارًا وتجنبنَ ظلمـةَ التعْقيدِ
ورَكبْنَ اللفظ القريبَ فأدر كْ ن به غاية المُرادِ البعيدِ
كالعذارى غَدَوْنَ في الحُلل ال بيضِ إذا رُحْنَ في الخُطوط السُّودِ
بعض الشعراء يميل إلى الرصين من الكلام ، الذي يجمع الغريب والمعنى القريب ، ومنهم من يختار الوحشى من الشعر ، وقد سأل احدهم بشار بن برد في جرير والفرزدق ، أيهما أشعر ؟ فقال : جرير أشعرهما ، فقيل له : بماذا ؟ فقال : لأن جرير ًا يشتد ، إذا شاءَ ، وليس كذلك الفرزدق ، أنه يشتد أبدا . قال أبو عُبيده : سمعت أبا عمرو يقول : زُهَيرٌ و الحُطيئَة وأشباههما عَبيدُ الشعر ، لأنهم نقحوه ، ولم يذهبوا فيه مذهب المتبوعين .
قال ابن الباقلاني : ولا يخفى على أحد يميز سَبْكَ أبي نواس من سبك مسلم ولا نسج ابن الرومي من نسج البحترى ، وينبهه ديباجة شعر البحترى ، وكثرة مائه ، وبديع رونقه ، وبهجة كلامه ، إلا فيما يسترسل فيه ،فيشتبه بشعر ابن الرومي ، و يحركه ما لشعر أبى نواس من الحلاوة والرقة والرشاقة والسلاسة ، حتى يفرق بينه وبين شعر مسلم . وكذلك يميز بين شعر الأعشى في التصرف ، وبين شعر امرىء القيس ، وبين شعر جرير والأخطل ، والبعيث والفرزدق ، وكل له من هج معروف وطريق مألوف .
وكان زهير يسمِّى كبْر شِعْره " الحَوْليات المنقحة" ، وقال عدى ابن الرِّقاع :
وقصيدةٍ قد بتُّ أجْمَعُ بينها حتى أقوِّمَ ميلها وسِنادَها
نظرَ المُثقفِ في كعوبِ قناتِهِ حتى يُقِيمَ ثِقافُهُ مُنْــــآدَها
كما قال سُوَيْدُ بن كُراع : أبيتُ بأبوابِ القوافي كأنما أصادي بها سِرْباً من الوحش نُزَّعَا
وقد قال قائل :
للحَرْبِ والضرْبِ أقوامٌ لها خُلِقوا وللدواوين كُتابٌ وحُسابُ
والى الغد ان شاء الله -
بقلم/ مـاهر عبد الواحـــــد (نشر بتصرف).

#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)       Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل