أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - الضياع ما بين الصراع الفكري والتشتّت الإجتماعي – قراءة في رواية -المستبعدون- للكاتبة النمساويّة إلفريده يلينك















المزيد.....

الضياع ما بين الصراع الفكري والتشتّت الإجتماعي – قراءة في رواية -المستبعدون- للكاتبة النمساويّة إلفريده يلينك


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 21:41
المحور: الادب والفن
    


تحاول الكاتبة النمساويّة الحائزة على جائزة نوبل "إلفريده يلينك" البحث عن أسباب العنف لدى المراهقين والشباب من خلال قيامها بتشريح نفسي وإجتماعي لشخصيّات الرواية الرئيسيّة والتي تفرض ظروف البحث عن تلك الأسباب على الكاتبة أن تمنح الشخصيّات الأخرى من الجيل الأكبر حيّزا كبيرا ولا يقل أهميّة عن دور شخصيّات الشباب الأربعة لدرجة يكاد يختفي معها الحاجز بين الشخصيات الرئيسيّة والثانوية فيصبح للجميع دورهم ووجودهم الأساسي في حبكة الرواية التي تتجسّد في الواقع من خلال التحليل النفسي العميق لكل شخصيّة بطريقة مقنعة ووافية، فتكون لكل حدث أو قول دور في الفهم العام لما ستؤول إليه الأحداث في النهاية.

تتناول الرواية عصابة يشكّلها أربعة أفراد، ثلاثة منهم في الصف الأخير من الثانوية الألمانيّة بالإضافة إلى عامل يكبرهم سنّا يدعى هانس، وتحاول تفسير الميل إلى العنف لدى كلّ من هؤلاء الأربعة وسبب قيامهم بالسطو على أشخاص لا يعرفونهم يتصيّدونهم في الشوارع ليسرقوا منهم محافظ نقودهم بعد أن يوسعونهم ضربا وكيف أنّهم يبرّرون ما يقومون به بدافع الكراهيّة أو اللاهدف كما يدّعون، فهم يجعلون غياب الهدف هو غايتهم الرئيسيّة في محاولة للتعبير عن إعتناقهم للأفكار الفوضويّة التي ينظّرها لهم الشاب راينر والذي يعتبر نفسه مخ العصابة بالإضافة إلى شقيقته التؤام "أنّا" وصديقتهم الثريّة زوفي – صوفي حسب النطق الألماني". فتبحر يلينك في وصف مشاعر وشخصيّات كل من هذه الشخصيّات الأربعة ودوافعهم وخيبات أملهم بالإضافة إلى إعطاءنا وصفا دقيقا للأوضاع الأسريّة لكل واحدٍ منهم بشكلٍ يحاول تفسير النهاية الفضيعة التي ستنتهي إليها الرواية.

بداية لا بد من تحليل شخصيّة "راينر" الشاب في الثانويّة والذي يحب القراءة ويُكثر من الإطّلاع على الكتب الفلسفيّة ولا سيّما العدميّة والوجوديّة منها ويكاد يكون "ألبير كامو" قرينه الدائم الذي يستشهد بأقواله طوال الوقت لدرجة أنّ زميلته زوفي أخبرته في لقاءهم الأخير بأنّه قلّما تكلّم عن شيء لم يقله أحدٌ من قبله، في إشارة إلى كثرة ترديده أقوال الآخرين. يعتقد راينر في داخله بأنّه متفوّق على أقرانه ويحب أن يعتقد الآخرون بأنّه عقلُ فذ وقائد ولهذا يشترك مع شقيقته في رفضهما لفكرة أن يتفوّق عليها أحد في أي شأنٍ من شؤون الحياة، فنراهما يرفضان الذهاب إلى الحفلات الصاخبة لأنّهم لا يجيدون الرقص بينما يقدّمون مبرّرات أخرى في كونهم لا يحبّون هذا النوع من الحفلات، كما يحاولون تجنّب الذهاب إلى المسبح لأنّهم يعتقدون بأنّ هنالك الكثير ممّن يجيدون السباحة بشكل أفضل منهم، أعتقد بأنّ هذه النقطة مهمّة وتحاول الكاتبة من خلالها تصوير مدى إعتزاز هذين الشقيقين بنفسيهما ورفضهما فكرة أن يكونا في مرتبة تقل عن الآخرين مهما كان الأمر بسيطا. وتصوّر الكاتبة أيضا رفض راينر –وشقيقته بالطبع – لواقع أسرتهما الفقيرة فيختلق راينر وجود أخ له في أميركا ويكلّم اصدقاءه عن عمّ وهمّي له يمارس لعبة الغولف في بريطانيا ويكلّم صديقته الغنيّة "زوفي" عن السيارة الفارهة التي سيحصل عليها قريبا كهديّة، فراينر العبقري الذي ولد في بيئة قذرة يتوق إلى مغادرتها يبني أوهاما وأكاذيب تبدو هشّة أمام أصدقائه إلاّ أنّه يصر على الإستمرار فيها. يميل راينر أيضا إلى الكذب في كلامه عن غراميّاته لوالده وهي الغراميّات الغير الموجودة نهائيّا والتي تناقض نظريّاته التي يلقيها على زملائه والتي تحتقر الجسد والمتعة الجسديّة التي يحاول في الحقيقة كبتها وإن رغب فيها في حقيقة الأمر. راينر يحاول أن يعيش حياة غير حياته فيسرق ويستلف النقود من أقاربه ليرتدي أحدث صيحات الموضة ويشعر بالخجل من أهله الفقراء ويبكي بمرارة في أعماقه عندما تطلب منه زوفي مبلغا صغيرا لركوب التاكسي إذا ما نست نقودها أو نفذت لأنّه لا يفكّر نهائيّا في ركوب التاكسي ويعرف بأنّ زوفي الثريّة لن تكترث أو تتذكّر حتّى أن تعيد إليه ذلك المبلغ التافه بالنسبة إليها. فيمكن القول بأنّ راينر مثال عن شاب عبقري ذو ذهنٍ منفتح وينكبّ على القراءة إلاّ أنّه غير سعيد بواقعه ويطمح إلى التخلّص منه وخلق أكاذيب من أجل ذلك وربّما كان ذلك السبب فيما أقدم عليه في النهاية من أجل أن يتخلّص من ذلك الواقع بطريقة غبيّة إعتقد بأنّه سيحافظ من خلالها على نرجسيّته وإنتقاما من خيبة الأمل التي منحته إيّاها زوفي.

أنّا، شقيقة راينر التوأم، فتاة مُرهفة الحس وتعشق الموسيقى الكلاسيكيّة وتعزف على البيانو مقطوعات لشونبيرغ وبيرغ وشوبان وشوبرت وغيرهم من كبار المؤلفين الألمان والنمساويّين وهي تعاني بسبب ذلك من العزلة عن أقرانها – تماما كشقيقها الذي يمتلك زملاء فقط – بسبب إقبال زميلاتها على الموسيقى الحديثة "الروك أند رول" وهي ما تحاول الكاتبة التركيز عليه لتوضّح غزو الثقافة الأميركيّة لأوروبا عقب الحرب العالميّة الثانيّة وهي الحقبة التي تحاول الكاتبة الكلام عنها، فتذكر لنا سخريّة زميلاتها منها وهنّ يلتقطن صورة يقبّلن فيها صورة نجم مشهور فيخبرنها بأنّ المحل المجاور يبيع أشرطة تضم أعمالا للموسيقار الكبير يوهان سيباستيان باخ. لكنّ أنّا تجد في الموسيقى وأنغامها العزاء والسلوى بالإضافة إلى العنف والكراهيّة الشديدة التي تحملها للآخرين والعالم ككل كما تصف الكاتبة، يقودني ذلك إلى التساؤل عن دور الثقافة الذي لم تجعل الكاتبة لها دورا في حماية هذين الشقيقين من الوقوع في الجريمة والميل إلى العنف، فراينر قاريء نهم ويكتب الشعر ويستذوق الفن وكذلك شقيقته المرهفة الحس وهي بذلك تحاول تصوير أهميّة البيئة الإجتماعيّة ودور الرضا والتأقلم في خلق جيل نافع لكأنّ الثقافة لوحدها لن تمنح مثل هؤلاء الحصانة ضد الوقوع في ممارسة الشر. تعاني أنّا من مرض نفسي يفقدها النطق من دون سبب لفترات إضطرّت بسببها أحيانا إلى أن تحصل على موافقة خاصّة – لكونها طالبة نجيبة – لكي تجيب على أسئلة الإمتحانات الشفويّة تحريريّا، وتصوّر الكاتبة حاجتها إلى الموسيقى ما أن تعاودها الحالة وما أن تواجهها مشاكل كبيرة، فتكون الموسيقى ملجأها الدائم في كلّ حين. تقع أنّا في حب هانس العامل وتدرك بأنّها أعلى منه ولكنّه لا يقنع بها ويحاول الوصول إلى زوفي الثريّة التي يحبّها راينر أيضا في صمت، وفي النهاية يكتشف الشقيقان بأنّ زوفي تفضّل هانس فيصاب الإثنان بخيبة أمل تزيد من وضعهما مأساويّة.

من أجل فهم اسباب العنف كما ذكرنا لا بد من تحليل الجو الإجتماعي الذي نشأ فيه الشقيقان، فأسرتهم الصغيرة التي تتكوّن منهما ومن والديهما تقطن في حيّ سكني فقير وتحاول الكاتبة إلقاء اللوم على الوالد بصورة واضحة، فهو ضابط سابق في الأس أس وقد فقد إحدى ساقيه في الحرب ولهذا تركت تلك العاهة أثرا عميقا في نفسه وثقته بها، فبعد أن كان ضابطا وسيما بجسد معافى ويجذب الكثير من النساء بزيّه العسكري الأنيق أصبح معاقا يعتاش على راتب المحاربين القدامى بالإضافة إلى عمله كبوّاب، ولا تغفل الكاتبة عن تحليل أثر الحرب السيء في تشويهه نفسيّا بالإضافة إلى تشويهه البدني، فقد كان يضرب زوجته بعنف من أجل إثبات ذكورته التي يخشى أن تهزّ صورتها إعاقته بالإضافة إلى ممارسته لكل البشاعات التي إعتاد القيام بها بحقّ الأبرياء في معسكرات الإعتقال النازيّة ضد زوجته وأبناءه، كما تتكلّم عن قلّة إستثارته جنسيّا بعد أن إعتاد رؤية أكوام الجثث العارية أبان تلك الحرب البشعة، كما تحاول الكاتبة تصوير زوجته التي كانت تعمل كمدرّسة وضحّت بكل شيء من أجله وأولاده وكيف أنّها تتوسّل إليه من أجل ألاّ يضربها، ولكنّه يصر على ممارسة ساديّته التي أثّرت –بلا شك – في شخصيّة أبناءه، كما تصوّر بصورة غير مباشرة تأثير الإعاقة عليه وكيف أنّه أصبح يشك في زوجته ويتّهمها بأنّها تخونه مع البقّال وغيرها من تهم لا أساس لها من الصحّة، وتتجلّى قمّة التناقضات والساديّة لذلك الرجل من خلال تمزيقه لثوب قامت زوجته بخياطته لأنّه يعتقد بأنّها تحاول أن تغري به رجالا آخرين وفي الوقت نفسه يقوم بتصويرها صورا إباحيّة ليقوم ببيعها ويستعمل في ذلك أساليب بشعة وغير محترمة معها إن هي رفضت ذلك، وبذلك تحاول يلينك تصوير فكرة بعض الرجال التملّكيّة لنساؤهم فهو يرفض أن تخونه زوجته – وهو ما لا يحدث في هذه الحالة – ويهدّدها بالقتل بناءا على شكوكه المنبعثة من إنعدام ثقته بنفسه ولكنّه مستعد لأن يتاجر بها من أجل النقود متى ما شاء، المهم لديه فقط أنّه هو من يقوم بذلك وقتما يشاء. الكاتبة تصوّر أيضا تاثير الفقر في تهديم العلاقات الأسريّة فعلى الرغم من رغبة راينر في حماية والدته بأن يسرق المسدّس لكي لا يقوم بقتلها والده يوما ما فإنّ شقيقته تعتبر في ذلك أمرا جيّدا إذ إنّ أحدهم سيموت ويلقى الآخر في السجن ويحصلا بذلك على حريّتهما.

بالإنتقال إلى شخصيّة زوفي، تبدو أسباب ميلها للعنف أقل وضوحا، فهي غنيّة وأسرتها تمتلك فيلا فارهة وحصلت على سيّارة كهديّة في عيد ميلادها الثامن عشر وكانت تحصل على كل ما تريد ويحسدها الآخرون على ما تملكه في صمت وكانت أسرتها تقضي الأجازات في المناطق التي يرتادها أثرى الأثرياء وخطّطت أسرتها لإرسالها إلى لوزان لتتمّ دراستها فيما بعد وهو ما راق لها في النهاية وتركت من أجله هانس وراينر. لكنّ مشاركة زوفي في تلك العصابة قد يعود إلى إكتفاءها التام وعدم إهتمامها بالمال وبحثها عن شيء جديد تقوم به، وقد وجدت فيما يقوم به راينر مغامرات جذّابة بل إنّها رغب في صناعة قنابل يدويّة وكانت دائما ما ترفض أن يكون المال هدف لما يقومون به والذي يطلقون عليه إسم "جرائم" بحكم العادة فهم لا يرون في ذلك شيئا خاطئا. قد يكون التفكّك الأسري أيضا عامل مهم في حالة زوفي وعدم إحترام والدتها لزوجها الأفقر سببا مهمّا لم تفرد له الكاتبة حيّزا كبيرا، وبذلك تتشابه الحالتين في الجوهر وإن إختلفت الظروف.

أمّا هانس، العامل الذي يصطادونه ويقنعونه للإنضمام إليهم، فهو شابٌ وسيم مفتول العضلات تقع زوفي وأنّا في حبّه وهو يعيش مع والدته الناشطة في الحزب الإشتراكي وهي لا تزال وفيّة لقضيّة العمّال التي مات زوجها من أجلها في معسكرات الإعتقال، لكنّ هانس كأصدقائه غير مقتنع بواقعه ورافض له ولأفكار والدته بل أنّه يعتبر غياب والده – الذي تشتاق إليه والدته – غير مبرّرا لأنّ المكان الذي يعيشان فيه كان سيكون أكثر ضيقا في وجود شخص إضافي، هذا بالإضافة إلى سخريّته من القضيّة التي ضحّى والده بنفسه من أجله بل ويصر على التعبير عن ذلك لوالدته التي تحذّره من رفقة زوفي الغنية التي كانت تهديه ملابس شقيقها الذي يدرس في أكسفورد، إذ تعتبر والدته في تقرّبه من الأثرياء خيانة للطبقة العاملة التي ينتمي إليها، والذي يتوق إلى مغادرتها. تصوّر الكاتبة من جديد تغلغل الثقافة الأميركيّة في النمسا بعد الحرب والإحتلال وصراع الأجيال بسبب ذلك. تعبّر الكاتبة على لسان راينر رأيها في هانس "المفتول العضلات" وبالتالي رأيها في القوّة البدنيّة وأراني أتّفق معها في ذلك، إذ تعتقد بأنّ القوّة البدنيّة هي الجانب الحيواني من الإنسان والعقل هو الأقوى وهذا ما يقوله راينر الذي يعتبر نفسه المخ ويعتبر هانس يد العصابة، ويحاول أن يقنعه بعدم ضرورة القراءة بنفسه لأنّه لن يقدر على أن يصبح مثقّفا ويطلب منه أن يستمع إلى ما يقوله فقط وسيكون هذا كافيا في منحه الثقافة التي أصبح يفكّر فيها من أجل أن يكون ملائما لزوفي.

وبذلك تكون الرواية تعبيرا عن الصراع الفكري والإجتماعي بين الأجيال وتغيّر المفاهيم وعدم إقتناع الجيل الشاب بواقع أهله ومحاولته تحقيق هويّته الجديدة حتّى وإن قادهم ذلك إلى ما هو أسوأ في الواقع، كما تبرز دور الحرب في تحطيم شخصيّات الضبّاط والجنود وإنعكاس ذلك على واقع الأسرة برمّتها بالإضافة إلى دور العنف الأسري أو فقدان الإحترام في تنشئة أجيال مشوّهة نفسيّا وتميل إلى العنف والإنتقام من المجتمع ومن أشخاص لا يعرفونهم من أجل تفريغ ذلك الكبت والحقد والفشل في الآخرين الأبرياء، كما تصوّر نظرة راينر التي تحتقر الضعف وترى أنّ المساواة هي مطلب الضعفاء ممّن يحاولون جرّ الأقوياء معهم إلى الحضيض كي يحموا أنفسهم، وبذلك نرى تعاطف راينر مع الطبقات التي تضطهد الآخرين رغم كونه من طبقة فقيرة وبائسة، ربّما يكون هدف الكاتبة الرئيسي تصوير شخصيّة مفكّر نشأ في ظروف صعبة وهو يتوق إلى تغييرها فتصيبه الخيبة تلو الخيبة وأثر ذلك في خلق شخص مضرّ بالمجتمع وناقم عليه.

رغم إغراق الرواية في تكرار نفس المشكلات وهذا ما لاحظته من قراءتي لرواية "العاشقات" لإلفريده يلينك أيضا، فإنّ النهاية تأتي صاعقة ومفاجئة، عقب حفل التخرّج وشعور راينر بالخجل من أهله في تلك الحفلة وخيبة أمله بفقدان حبيبته زوفي والتي أظهرت فجأة رغبتها في تجربة حياة غريبة جديدة في لوزان وعدم إكتراثها براينر أو هانس، إذ يقدم راينر في الصباح الباكر إلى قتل كامل أسرته والتمثيل بجثثهم بالمسدس والحربة ومحاولته إخفاء معالم الجريمة وفشله في ذلك بطريقة دراماتيكيّة فيضيع كل شيء من أجل اللاشيء الذي كان يطارده طوال حياته، ولكنّ بعض الملابسات البسيطة تشعرنا بأنّ إختيار توقيت الجريمة- التي تبقى غريبة ومفاجئة بكل حالٍ من الأحوال – توحي بأنه حاول أن يوهمهم بأنهم منتصرون لينتصر عليهم في النهاية، فقد ترك والده في الليلة السابقة يفوز عليه في لعبة الشطرنج فأدرك الوالد بأنّ إبنه لا يلعب معه بجديّة وصفعه بسبب ذلك وشاهد إبتسامة شقيقته التي لم يفهم لها سببا، فلم يكن يعلم بأنّها حصلت على موعد مع هانس من جديد، بالإضافة إلى قتله والدته وهي سعيدة بعد الحمّام الصباحي، كل هذا يمنحنا شعورا بأنّهم قتلهم ومثّل بهم بعد أن عاشوا لحظات سعادة قصيرة قضى عليها من أجل أن يتخلّص من واقعه ويحافظ على نرجسيّته التي كان يخشى فقدانها بعد أن سيكون مضطرّا للبدء من جديد وإثبات شخصيّته المميّزة في مكان جديد ووسط جامعي جديد.

ختاما، تبدو النهاية صاعقة ومفاجئة وكأنّ الإنتقام غير مبرّر ألبتّة، فقد كان في إمكانه قتل والده فحسب ولكنّه قتل الجميع وقضى على حياته بغباء ناقض كلّ ما كان يدّعيه من ذكاء في السابق، فقد كان تخطيطه العشوائي وتنفيذه للجريمة في غاية السذاجة ممّا مكّن أبسط المحقّقين من معرفة الفاعل، فأودت بيجامته المضرّجة بالدماء بمستقبله وإنهار العقل الفذ بسرعة وخسر كلّ شيء. الرواية غارقة في تحليلات واقعيّة تفسّر دور التشتّت الإجتماعي وأثر الحروب والصراع الفكري بين الأجيال في نشأة العنف الذي ينبع من قعر السلّم الإجتماعي، حيث المسبتعدين والمهمّشين، والذي لا يأبه أحدٌ لهم رغم كونهم خطر كبير يحيق بالمجتمع بأسره وربّما دعوة – كدعوات كثيرة – للإلفتات إلى مثل هذه الطبقات وإحاطتها بالرعاية من أجل حماية الكيان الإجتماعي بأسره.

كلكامش نبيل



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمكانات وتحديّات تطبيق الليبراليّة في مصر والدول العربيّة
- قصّة حُب إنسانيّة تحطّم قيود العنصريّة - قراءة في رواية العب ...
- بين الشرق والغرب - قراءة في رواية -إسطنبول، الذكريات والمدين ...
- باحثون يسلّطون الضوء على ألواح آشوريّة قديمة - موضوع مترجم
- آدم وحوّاء في رؤية جديدة - قراءة نقديّة لرواية -الكون في راح ...
- دراسة توضّح بأنّ أحد أجناس قردة قديمة منقرضة لم يمشي كالإنسا ...
- دراسة تفترض بأنّ إنسان النياندرتال قد شارك بني البشر اللغة و ...
- إحياء جعّة سومريّة عمرها 5000 عام - موضوع مترجم
- مومياء الأنكا المراهقة تعاطت الكحول والمخدّرات - موضوع مترجم
- محاطا بكل تلك الضجّة - قصيدة مترجمة للشاعر ألفريد بريندل
- لبوة نينوى
- ضائعٌ في الغابة - قصيدة مترجمة للشاعر بابلو نيرودا
- عندما ترتدي الخيانة زيّ الوطن
- إمكانيّات محاكاة التجربة المصريّة في العراق
- بعد أن ضُربنا في الحرب - قصيدة يابانيّة مترجمة
- فتوحات أم غزوات
- تهويدة طفل - قصيدة سومريّة مترجمة
- رجل قلبي - قصيدة سومريّة مترجمة
- وحدة العراق التاريخيّة والجغرافيّة والثقافيّة
- التحزّبات العابرة للحدود وخطرها على المواطنة


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - الضياع ما بين الصراع الفكري والتشتّت الإجتماعي – قراءة في رواية -المستبعدون- للكاتبة النمساويّة إلفريده يلينك