|
العرب والانقسام الأزلي
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3938 - 2012 / 12 / 11 - 18:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العرب والانقسام الأزلي **************** دأبنا نحن معشر العرب على التنابذ والتنازع واللج في الخصومة ، فكرية كانت ام سياسية ايديولوجية أو دينية. وقد حاول بعض المخلصين أو المناورين ، أن يجمعوا شتات الفكر العربي في أول مؤتمر يجمع بين القوميين العرب والاسلاميين سنة 2003 ببيروت ، بعدما خلص الجميع أن صراعاتهم البينية أنهكت قواهم ، وقولبت برامجهم ، ونمطت فكرهم ، اذ عوض أن ينبري الجميع لتأسيس رؤية كفيلة بانقاذ الأمة والشعب والبلد ، راحوا يترصدون لبعضهم البعض ، وسبيلهم في ذلك هو تسفيه الآخر الذي اعتبره نقيضه وخصمه وعدوه اللذوذ . اذن فبعد أن اكتشفوا أخيرا أنهم أصبحوا خارج نتاجات الحضارة الانسانية ، ببروز قوى جديدة اقليمية ودولية ، حاولوا لم شملهم وتجميع قواهم من أجل تأسيس منبر ذي مرجعية واحدة ، خاصة وأن أحد أهم أعمدة ما يسمى بالتيار القومي قد تم شطبه ودحر قوته ، ونعني به الحزب البعثي العراقي ممثلا في رئيسه صدام حسين . وقد كانت الحرب على ما يسمى بالارهاب اشارة قوية الى التهديد الذي أصبحت تمثله استراتيجية نهاية التاريخ وصدام الحضارات على الأمة العربية بكل فصائلها وتياراتها ، فكان الرد الأمثل هو تدارك الأمر ، وعقد مؤتمر بيروت بين الاسلاميين والقوميين . وقد تأكد ترهل الطروحات العربية بكل تياراتها ومدارسها من خلال ما صرح به رئيس القوميين العرب السيد عبد الملك المخلافي بعد النجاح النسبي للثورات العربية ، حيث سلم باستحالة تجاوز الاسلاميين ، وكأن مؤتمراتهم السابقة لم تكن الا عقد تصالح اضطراري بين قوتين منهكتين لأخذ قسط من الراحة ، لاأكثر . وقد حاول السياسيون التونسيون أن يجسدوا نسبة من هذا التوافق بين القومي وبين الاسلامي عبر تحالف الترويكا الحاكمة في بناء نموذج حكم يبرر ضرورة تشارك وتقاسم الحكم ، لكن ما رشح بعد اكثر من سنة من هذه التجربة ، لم يترك مجالا للشك في غياب اللحمة العميقة بين التيارين ، وتنازع الايديولوجيا والأولويات ، دون تقعيد برامج واستراتيجيات كفيلة بالخروج بالوضع التونسي العام من عنق الزجاجة . ولعل ما يجري الآن في مصر من مظاهر الصراع بين التيارين ، أكبر دليل على هذا الاحتراب المتجذر في صلب القناعات والرهانات الخفية لكلا الطرفين . ان غياب الارادة الحقيقية التي تسندها وتراقبها القواعد الشعبية لن يغذي الا مزيدا من الانقسامات والشروخ بين أطراف الجسد الواحد ، الذين يجمعهم الوطن الواحد ، فكيف نراهن على طوباوية الأمة الواحدة والمصير الواحد ؟ . وبرغم ما قد يرمز اليه الكثير من نجاح التجربة اليمنية فيما يسمى ب"اللقاء المشترك " ، الا أن تجربة سبع سنوات كفيلة بتقديم الاجابة الصريحة والشفافة على فشل التجربة .فالواقع هو الحكم وليس المقالات الصحفية والأحلام النضالية المطبوعة بالرومانسية وأحلام الشباب . نحن في الحقيقة برغم ما نقرأه ونتابعه ونكتبه وننظر له من حقوق مدنية وسياسية واجتماعية ، وما يترتب عن ذلك من تحقيق للكرامة والحرية ، لم نتمكن من فرض آلية قادرة على تفعيل هذه المقومات والمبادئ ، في حين نحن شهود على تحقيق الآخر الذي ننمذجه في أوهامنا ،لقفزات هائلة على صعيد الحقوق الفردية والجماعية بكل حمولاتها النظرية والواقعية . وقد كان آخر ما قرأته للأستاذ طيب تيزيني ، مقال عن رهان الموالين لبشار الأسد عن اختيار بين نارين ؛ نار بقاء الرئيس أو تدمير سوريا ، وهو بالضبط نفس السيناريو الذي يمكن أن يحصل في أي بلد عربي ينتفض فيه الشعب ضد النظام القائم ، وهو ما يحصل الآن في تونس وفي مصر ، وان بطرق أقل وحشية وعنفية . فمظاهر القتل والتهديد بالترويع قائمة سواء في سوريا أو في اليمن او في الدول التي تعتمد سياسات العنف الناعم كالمغرب . ليظهر بوضوح أن كل المواقف المهادنة ، وكل السياسات المعتدلة ، انما هي لا تنطلق من مفهوم الاعتدال الا اذا كان في صالحها ، وهنا يأخذ الاعتدال تفسيره الواحد ، هو الميل الى جهة دون الأخرى ، لنقف على حقيقة الوسطية العربية ، سواء عند الاسلامويين أو عند القوميين واليساريين . وهي وسطية استبدادية لا ترى في الشريك الا تابعا وظلا لها ، وهي وسطية خطابية ، لا انعاكاس لها في الممارسة الميدانية ، وفي الواقع الملموس .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهود لا متأثرون
-
الشريعة أم السياسة_2_
-
في مفهوم التواضع
-
اعدام شاعر
-
الجزء 12 من رواية -أمطار الجحيم
-
الشريعة أم السياسة...
-
الشعوب وما أدراك ما الشعوب
-
الشعر والدين ، وتجاوز المتن القديم _1_
-
من المسؤول...؟
-
طريق أبيض
-
بنية- نظام المخزن - بالمغرب
-
الشوهة
-
أغاني العربي
-
دروس حرب الأسبوع
-
سفر في سحب الحب
-
للورد أن يقرأ ....عطره
-
ميزانية القصر وروح العصر
-
مزامير الجمر
-
هل عادت الطيور الى أعشاشها ؟
-
المثقف العربي وفراغ الانسان
المزيد.....
-
استمعوا الى تسجيل سري بين ترامب ومايكل كوهين عرض في المحكمة
...
-
ضجة تصريح اتحاد القبائل -فصيل بالقوات المسلحة-.. مصطفى بكري
...
-
من اليوم.. دخول المقيمين في السعودية إلى -العاصمة المقدسة- ب
...
-
مصر.. مصير هاتك عرض الرضيعة السودانية قبل أن يقتلها وما عقوب
...
-
قصف إسرائيلي على دير البلح يودي بحياة 5 أشخاص
-
مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين
-
ذكرى التوسع شرقا ـ وزن الاتحاد الأوروبي في جيوسياسية العالم
...
-
كييف تكشف تعداد القوات الأوكرانية المتبقية على الجبهة
-
تقرير إسرائيلي: قطر تتوقع طلبا أمريكيا بطرد قادة -حماس- وهي
...
-
مصدر عسكري: القوات الروسية قصفت مستودعا للطائرات الأوكرانية
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|