اعدام شاعر

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3930 - 2012 / 12 / 3 - 17:05
المحور: حقوق الانسان
    

اعدام شاعر
____________

بالنسبة الي ، لن أندهش في زمن الحريات وحقوق الانسان ، وانتصار شعلتهما في ربوع العالم ،وانطفائها في أوطاننا ، فكما يقول علماء الاجتماع ، كلما ارتفع صوت العدل والحريات ، كلما نافسه صوت الظلم والقمع . ولن أعاتب ما أخفقت فيه عدالة الشيخ القطري من احقاق الحقوق ،وترسيخ قيم الديمقراطية التي طالما تغنى بها في الملتقيات المباشرة ، أليس هو نفس الشيخ الذي جاء محملا بالهدايا والملايين ليتضامن مع شعب غزة المنكوب من أشقائه والشامخ بذاته ؟ انه نفس الشيخ ، انه حمد بن خليفة ، وهو عراب الحريات الشعبية العربية بتفويض من ماما أمريكا ، بعد أن فاض الخير وهرقت الثروة عن جوانب الامارة القطرية التي يتجاوز فيها عدد المهاجرين والغرباء ، عدد أبنائها ، ألم يركب ريح الثورة العربية الشعبية لتمنحه القنوات الفضائية ما لم تمنحه لمن ضحى بحياته من أجل أن يرفع العرب هاماتهم عاليا ، ويؤكدوا وجودهم بقوة الاستشهاد ، وبأوسمة العاهات .
ماذا عساها قد تبلغه جريمة أي شاعر ؟ كيفما كان نوعه وقيمته الابداعية والشعرية والتأثيرية ؟ هو انسان آمن بالكلام أداة للتعبير عن انشغالاته ، وارتضى التعبير شعرا كاحتراق سامي عوض البكاء والنحيب ، وما قد تخلفه اضمارات الحقد من نتائج كارثية كما يصنع الكاميكازيون العرب ، هنا وهناك .
لم يثبت في التاريخ أن قصيدة ما أسقطت نظاما ، أو تسببت في خلخلة عروشه ، وأمر اهانة الأمير ، فهي قضية تافهة اذ لا يشعر بالاهانة ، الا من كان في الأساس مهانا ، واحساس المهانة متمكن منه ، لأن المترفع عن الدنايا يبقى دائما صلبا وشامخا كأشجار السنديان وأشجار النخيل . ونحن ابتلينا بحكام ، كلما أنشد شاعر قصيدة يلعن فيها الظلام الا واعتبرها اهانة لشخصه المنزه عن الصغائر والكبائر ،كأنه نبي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وهم من قال القرآن الكريم فيهم ، يحسبون كل صيحة عليهم ، بفعل حساستهم المفرطة تجاه ذواتهم المريضة ، ونحن في المغرب لنا مثل شعبي شائع ومعبر نقول فيه :"اللي فيه الفز كيقفز " .
هل يعود بنا حمد بن خليفة لتذكيرنا بما صنعه أمير الكويت قبل شهر ،حين قاس ذاته بالذات الالهية ، وزج في المعتقل بمعارض لأنه أهان الذات الأميرية ، ثم صدمنا بكون هذه الذات لا تساوي الا عشرة آلاف ريال كويتي . فكم تساوي جلالتك ؟
كان يجدر أن تقرأ لغة العصر أيها الأمير وتترفع ذاتك عن الشطط ، لتصدر أوامرك المطاعة بسجن شاعر أبدع قصيدة تغني بالحقيقة ،و تلعن الظلام . لكن يبدو أن الشعب القطري ، لا يعلم شيئا عن القضية ، ولا يعنيه الشعر ولا شاعره ، بمعنى انه غير مهتم بالانسان الروحي ، وهمه الوحيد هو التماهي مع ثقافة الهامبورغر .
ثم ما قول الشيخ الفاضل الذي يصدع أذننا بالعدل الاسلامي وبعدالة القرآن والرسول ، وباحقاق الحقوق ، والخروج على الامام الجائر ، لماذا صمت عن جور امامه ؟ خذلتنا وخذلت الاسلام فيك ياشيخ القنوات الدولارية ، ونحن للآن لم نسمع تدخلك في الأمر.
انها نفس التهمة التي ألصقها النظام السوفياتي أواسط الستينيات بالشاعر جزيف برودسكي ، وهي اعتباره شاعرا ، لكن الحكم لم يصل حد المؤبد ،بل كان النظام البرجنيفي الخارج للتو من معطف ستالين أرحم من عباءة حمد بن خلف المطرزة بالذهب الخالص ، فقد حكم على برودسكي بخمس سنوات سجنا مع الأشغال الشاقة ,
لكن النظام القطري أبى الا أن يصدم العالم في عز الثورات العربية المطالبة بالحرية والكرامة بحكم لا يمكن أن يستسيغه أي عقل سليم ,
ما هو مضمون القصيدة التي استوجبت حياة شاعر ؟ وما هو المرجع القانوني الذي استند اليه القاضي ليطاوعه ضميره باصدار حكم ترتجف له العروش ؟أليس من مبادئ العدالة أن يتساوق الحكم مع قيمة الجريمة ؟فهل هناك قانون يمكن ان يثبت تساوق قصيدة مع حكم مدى الحياة ؟ بل كيف يمكن أن تحكم على رجل فكر ودبر وشعر ؟ ألم يكن الأجدى حواره ومناقشة قصيدته وردها الى ترهاتها وأكاذبها وبهتانها ، وجعل كيد الشاعر يرتد الى نحره ، اذا سلمنا جدلا أن الشاعر قد صدر عن تحامل لاعلاقة له بالواقع وبما يجري في الحياة القطرية من فساد ؟
لن أندهش لقسوة الحكم ، فكما عمدت محكمة مصرية قبل سنوات قليلة باصدار حكم يقضي ببيع أثاث الشاعر الكبير عبد المعطي حجازي ، وقبله تفريق المفكر المصري نصر حامد أبو زيد عن زوجته لأنه أعمل فكره في قضايا فكرية ، تقبل الدحض والنقد والانكار ،وليس التكفير والاخراج من الملة ، وفصله عن زوجته ، ألسنا هنا أمام أنظمة هشة وضعيفة ،تعجز عن مقارعة الحجة بالحجة ، وتعجز عن ابداء الرحمة كأولوية فقهية وقانونية ،قبل الزجر وانفاذ أقسى العقوبات .
وفي النهاية لايسعني الا أن اطلب من أمير قطر أن يحكم العقل ،ويعمل الرحمة ، فصورته هي ما أصبحت على المحك ، أما الشاعر فقد أدى رسالته وأسلم الروح لبارئها ،لأن الحياة عند الشاعر الحقيقي أرخص من لجم شعريته مهما بدت عند المرضى قاسية ومتجاوزة للحدود .

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات