أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - كذلك الكلاب تتزوج أفضل من البشر














المزيد.....

كذلك الكلاب تتزوج أفضل من البشر


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3916 - 2012 / 11 / 19 - 23:00
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


بحكم نشأتي وسط الحيوانات في وسط الريف المصري، كنت ولا أزال أحب الحيوانات ولا أبخل عليها بساعات عدة من يومي أراقب أسلوب حياتها: كيف تأكل وتشرب، كيف تلعب مع بعضها وصغارها، كيف تتشاجر معاً وما هي آلية فض المنازعات بينها، وكيف تتزاوج. وكنت في مرحلة سابقة من عمري قد قرأت كتاب "أصل الأجناس" لتشارلز داروين، ورأيت أن هذا العمل العلمي العملاق هو مجرد وصف بسيط ومباشر جداً لمشاهدات ورصد منهجي لبعض أجناس الحيوانات والحشرات والنباتات ومحاولة استخلاص القواعد والأنماط والقوانين المتكررة في حياتها وبيئتها الحاضرة وتطورها التاريخي. من هذا المنطلق الدارويني، يصبح الإنسان نفسه وبيئته المحيطة بما تحفل من جماد ونبات وحيوان أصل وغاية العلوم؛ ما هو أبعد، يكون أقرب إلى "الغيب" منه إلى "العلم"، وعليه يكون الأصح تسميته "غيبيات"، لا "علوم". دراسة العلوم تبدأ من ما هو معلوم في مجمله لكن لا يزال مبهم وملتبس في تفاصيله، مهما كان ضئيلاً وغير ذي قيمة متوقعة، مثل الفيروس أو الذرة أو النواة أو الخلية أو الحشرة أو البعوضة أو الدودة أو الكلب أو الحمار أو الإنسان أو أي حيوان أو نبات أو جماد آخر مهما كبر أو صغر، ثم تبحث في تفاصيله وتحاول الخروج باستفادة أو تطبيقات عملية ما منه، في عملية بحث وتجربة وخطأ وتصحيح واختبار لا تنتهي. بينما تبدأ دراسة الغيب، كما يدل اسمه، من ما هو غائب فعلاً عن علم الإنسان، لا سبيل إليه إلى بواسطة الظنون والفرضيات التخمينات الاجتهادية البعيدة المجردة التي تحتمل من الصواب قدر ما تحتمل من الخطأ بالضبط، مثل المفاهيم والتصورات عن الله والشيطان، الجنة والنار، الثواب والعقاب في الآخرة، الجان والملائكة...الخ. كنت دائماً أفضل أن أنطلق في تأملاتي من الواقع لأعود إليه بمحصولي، بينما لم تقنعني أبداً منهجية الانطلاق من فوق الواقع، سواء الغيب أو الماضي البعيد الأسطوري، لأعود وأجثم على قلب الحاضر باستنتاجات وشرائع ثقيلة وبليدة ليست منه ولا هو منها.

منذ عدة سنوات، أتاحت لي الصدفة السكن في شقة تطل على قطعة أرض فضاء مغلقة بالجدران من جميع الجوانب يسكن فيها، بجوار القطط والفئران والقوارض والحشرات الأخرى المتغذية على أكياس القمامة المتكدسة هناك، كلبان ذكران وكلبة أنثى وحيدة. الكلبة شابة، بينما أحد الذكرين طاعناً في السن. لذلك، عندما حان موعد الزواج، لم يكد الذكر الطاعن يلمس الأنثى الشابة إلا وينقض عليه الآخر يكاد يفتك به بين أنيابه ومخالبه الحادة الفتية، والعجوز يعوي متوسلاً الصفح. هكذا لم يستطع الكلب الضعيف مرة واحدة أن يضاجع الكلبة الأنثى أو يصيبها ببعض من منيه. تأكدت أن داروين لم يكذب الحقيقة لما قال إن البقاء في الحياة يكون للأقوياء بوجه عام. كل الذرية التي خرجت من رحم هذه الكلبة الشابة كانت تنسب إلى مورثات الكلب القوي فقط، لم تشوبها أي مورثات ضعيفة من الكلب العجوز. هذه قاعدة نمطية متكررة. ثمة قاعدة أخرى هامة تخص نكاح الكلاب: هو لا يكون إلا بميعاد، وبنظام صارم مستحيل أن يوجد مثله وسط البشر.

عكس البشر، مستحيل أن تجد كلباً ذكراً يغتصب كلبة أنثى أو يتحرش بها جنسياً خارج موعد خصوبتها في موسم التزاوج، وحينها لا يكون مثل هذا الفعل تحرشاً أو اغتصاباً، إنما طاعة وتلبية عمياء لنداء الطبيعة. ثم بعد انتهاء مدة خصوبة الأنثى، التي لا تدوم أكثر من عدة أيام مرة أو مرتين في السنة، تتحول بقدرة قادر ذكور وإناث الكلاب في المجموعة إلى إخوة تامة منزوعة الجنس، دون أي رغبة أو شهوة على الإطلاق بين الذكر والأنثى. لا يعرف من يراقب أين تختفي هذه الرغبة والشهوة الجنسية الحيوانية في تلك الفترة، لتعود بكل عنفوانها في ميعاد التزاوج القادم. صعب على إنسان البشر أن يتخيل كيف يستطيع الحيوان الذكر أن يعيش ويأكل وينام ويلعب مع أنثاه لعدة أشهر متتالية من دون حتى أن يحاول المساس بها جنسياً على الإطلاق، لحين أن يأتيه نداء المعاشرة القادم، وعندها فقط.

هذا النظام التام والطاعة العمياء لقوانين الطبيعة ليست ميزة تنسب إلى الكلاب أو الحيوانات عموماً، ببساطة شديدة لأنها ليست من صنعها. في قول الآخر، الكلاب والحيوانات لا هي منظمة ولا هي مؤدبة كما قد يبدو ظاهرياً من سلوكها. في الحقيقة، هي مبرمجة. كل الحيوانات، عكس الإنسان، هي كائنات مبرمجة، كل أفعالها وتصرفاتها وأساليب حياتها لا تنسب إليها نفسها بقدر ما تنسب إلى غرائزها واستعداداتها الطبيعية الموروثة وخلقتها التي وجدت عليها في الطبيعة. هكذا هي كلها متماثلة في سلوكياتها، لأنها متماثلة أيضاً في استعدادها وتكوينها الطبيعي. الإنسان مختلف، رغم تماثله في الغرائز والاستعدادات الجسمانية والنفسية والتكوين الطبيعي مع كل البشر من جنسه، ومع أغلب الحيوانات بدرجات مختلفة من الأجناس الأخرى أيضاً. الإنسان، عكس كل الأجناس الحيوانية الأخرى، لديه ذكاء.

هذا الذكاء وما ينتجه من تراكم علمي وحضاري هو الذي يجعل سلوك البشر في أشياء كثيرة، منها الزواج والمعاشرة الجنسية، ليس بالنظامية أو النمطية أو القولبة الصارمة مثل الحيوانات المبرمجة بيولوجياً. الذكاء سلاح ذو حدين، لكنه في كل الأحوال مفيد ونافع وتقدمي إجمالاً. ولما يُحاصر ويُقيد ذكاء الإنسان أكثر من اللازم، عندها يصبح الإنسان أكثر طاعة وأدباً ونظاماً ونمطية بلا شك، لكنه يصبح أيضاً أقرب إلى الحيوان المفطور والمبرمج بيولوجياً والمتخلف علمياً وحضارياً منه إلى الإنسان الحر المبتدع.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في وحدانية وسماوية الجسد والمرأة
- سيدنا الشيخ بديع مع سيدنا الولي مرسي
- في فلسفة الدستور (عبثية المادة الثانية)
- الدين والديمقراطية والديكتاتورية الإسلامية
- في فلسفة الدستور
- العلماء الكهنوت
- وكذب القرآنيون-3
- وكذب القرآنيون-2
- وكذب القرآنيون
- الحكمة الإلهية داء العقل العربي
- بالدستور، المصريون المسيحيون يدفعون الجزية للمصريين المسلمين ...
- مشروع دستور لسفك الدماء
- احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!
- حرية التعبير..وصحافة البورنو
- القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
- إشكالية الدستور والشريعة
- تعدد الزوجات جريمة
- حرية الاعتقاد مطلقة في مشروع الدستور المصري!
- العاهرة والجنرال على ميزان القيمة
- أسطورة العرب


المزيد.....




- إسرائيل.. إصابة امرأة بجروح في إطلاق صواريخ من غزة
- -تم إسكاتي-... جدل يغلف مسابقة ملكة جمال أميركا
- تقارير تكشف عن تفاصيل جديدة في قضية عصابة -التيك توك- المتهم ...
- لبنان: ارتفاع جرائم قتل النساء بـ300 % عام 2023!
- وانتم، لقيتوا متعتكم ازاي؟ اعملوا subscribe عشان تشوفوا الفي ...
- “ابسط العيال طول الاجازة!!”.. استقبل تردد قنوات الاطفال الجد ...
- “سجل عبر spf.gov.om”.. خطوات التسجيل في منحة منفعة الأسرة 20 ...
- السودان.. قوات الدعم السريع ترتكب جرائم تطهير عرقي في دارفور ...
- جامعة أريزونا تطرد أستاذا اعتدى على امرأة محجبة مؤيدة لفلسطي ...
- فيديو مروّع لاغتصاب ملثم امرأة وخنقها بين السيارات في أحد شو ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - كذلك الكلاب تتزوج أفضل من البشر