أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - جهاد علاونه - عيد ميلاد بتول الأول















المزيد.....

عيد ميلاد بتول الأول


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3687 - 2012 / 4 / 3 - 10:34
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


في عيد ميلاد بتول ليلة الأمس ظهر كل شيء ثابتا في مكانه وكأنه دميةً أو حجرا أو قطعة أثاث منزلية مُثبتة بأرضية البلاط بالبراغي وبالمسامير,ونظرت إلى السماء وخلتها أيضا متجمدة وكأنها قارة جليدية,ونظرت إلى نفسي وأنا ثابت في مكاني وكأنني صنمٌ من الأصنام ,وفي مثل هذا اليوم من السنة في العام الماضي جاءتني(بتول),ورغم أننا كنا في فصل الشتاء غير أن الأجواء كانت بالنسبة لكل من في البيت ساخنةً جدا وكانت أصوات الأطفال وصراخهم عالية جدا وتسببُ لنا جميعاُ الألم في الرأس ,وفرحتُ فيها كثيرا وغنيت لها بصوتي أغنيات تجعل المستمعين لها يرقصون رغماً عنهم وكان صوتي يجعل الثلج والجليد سائلا مائيا,حتى أن الجمادات كانت تغني وترقص من حولي وهي تذوب أمامي من حرارة يدي,أما في هذا اليوم فأنا لا أستطيع أن أجعل من نفسي راقصا من شدة الفرح,أنا اليوم أقف متجمدا في مكاني وكأنني قطعة أثاث منزلية لا تتحركُ من مكانها, واليوم قد بلغ عمرها سنة بالتمام وبالكمال,ومثلها مثل بقية أخواتها وأخوها (علي) قد قررنا أن نحتفل بعيد ميلادها الأول وأن نشعل في طريقها أول شمعة بيضاء في تاريخ حياتها في ظل ظروف سياسية وثقافية واقتصادية كلها صعبة جدا لا نحسد على مثلها أبدا,وصار عيد ميلادها الأول عبارة عن كومة من الجليد فكل شيء بدا للعيان وكأنه بارد جدا,العيون باردة والقلوب باردة واليدين والرجلين باردات جدا وكأننا نعاني من حالة قلق نفسي شديد,والصمتُ يسود المكان كله والأطفال لا يتحركون من مكانهم وجلسوا كأنهم طاعنون في السن لا يتزحزحون من مكانهم إلا إذا قام أحدٌ إليهم بمد يد العون لهم,وتجمعنا جميعنا حول قالب الكيك الذي صنعناه في المنزل فلم نتمكن من شراء قالب كيك جاهز,وكانت عيوننا في رؤوسنا مثل المسامير المزروعة في الجدران ثابتة في مكانها لا تتحرك,وكانت أجسامنا أيضا قد التصقت بالمقاعد البلاستيكية وعلى الفراش الأرضي ثابتةً لا تتحرك من مكانها أو لنقل أنها قد أصبحت جزء من الكراسي وكأننا مخلوقين بجسدٍ واحد,ووقف قالب الكيك في وسط الغرفة لوحده دون أن يلتفت إليه أحد ودون أن يتجمع الأطفال من حوله ودون أن يتقاتلوا على أكبر قطعة كيك يحصلون عليها,أي أن الحصة الكبيرة من الكيك أو الصغيرة ليس لأحد رغبة بها..وكان كل شيء من حولنا مثل اللحوم المجمدة فأنا جلست وحدي على بعد مترين أو ثلاثة أمتار من قالب (الكيك)دون أن أرمش ودون أن تهتز لي أي شعرة من شعر رأسي وكان مظهري يدل على أنني عبارة عن كومة من اللحم بزنة 100كيلو غرام مجمده وكل عضو في جسمي كان باردا لا يتحرك وكنت أتكلم بصوت غير مسموع رفعاً للعتب فليس لي نفس في الكلام وليس لي نفس في الطعام والشراب أو حتى شرب الماء وكنت بين الفينة والأخرى أظهر أسناني لأولادي ليعتقدوا بأنني أضحك لهم فأنا أريد أن أتحرر من الثلج والجليد الذي يغطيني من فوقْ إلى تحتْ, وأريد أن أظهر أمام العائلة كلها بمظهر الإنسان السعيد لكي لا أعكر على العائلة فرحتها بهذا اليوم يوم عيد ميلاد بتول.

واليوم أحاول أن أكون كثير الحركة ولكن الأجواء الباردة من حولي جعلتني تحت الغطاء لا أقوى على الحركة وأنا أنظر إلى قالب الكيك وكأنه قطعة من الجليد وكلما حاولت الاقتراب منه أهربُ وأبتعد عنه خوفا من أن يمسني البرد بجنونه وبلسعاته القاتلة,وكنتُ أتمطى على الفراش بطولي وبعرضي محاولا الابتعاد عنه قدرَ الامكان,وكانت الشراشف باردة والأرضية باردة والجدران باردة وصارت الغرفة التي نجلس بها وكأنها عبارة عن ثلاجة للموتى لأن الجميع بشحمه ولحمه وعظمه باردٌ جدا,وكل أولادي كانوا باردين جدا وكانت وجوهنا باردة ومثلجة ليست كالعام الماضي ففي العام الماضي كنا على الأقل نتحرك بحركات مقنعة جدا حتى لو كنا نضحك على أنفسنا أو نلعب دورا تمثيليا على أنفسنا.

لقد فقدنا اليوم قدرتنا حتى على التمثيل,لقد كنا قبل ذلك نُمثل على أنفسنا دور السعادة لنوهم أنفسنا أننا سعداء على غراء من يكذّب الكذبة على نفسه ويصدقها,وحتى الكذب على أنفسنا اليوم لم نستطع أن نتقنه كما كنا نتقنه في الماضي,لقد كانت لدينا في الماضي القوة على إقناع أنفسنا بأننا مبسوطون في هذه الحياة,كنا نحاربُ وننتصر على أوهامنا,وكنت أنا في العام الماضي ممثلا بارعا حيث ظهرت السعادة على وجهي واستطعت رفع درجة حرارتي وتوتري من كثرة الفرحة إلى درجة كدت فيها أن أبكي من الفرحة ولكن أنا اليوم عبارة عن كومة من اللحم المجمد وكل أهل الدار عبارة عن كومة من الجليد حتى الأرض التي ندوس عليها تحت أقدامنا كانت باردة جدا,وكان الجميع مملون جدا ولا يطيقون الكلام أو النظر إلى بعضهم,وفجأة رفعت صوتي وتكلمت رغما عني ورجوت(علي وبرديس ولميس)أن يلتفوا حول قالب الكيك ولكن لا حياة لمن تنادي,وكدتُ أن أبكي من طبيعة الجو والطقس وبدل أن نغني ونضحك ونلعب جلسنا بمظهر حزين حول قالب الكيك مبتعدين عنه وكأننا في ترح ولسنا في فرح, وأنا بالنسبة لي بدأت أشعر بتعب شديد من الكلام فلا أستطيع أن أخرج الكلمة من فمي وأشعر بالإرهاق من مُجرد التلفظ بحرفٍ واحد,وبين الفينة والأخرى أعيد تكرار الكلام مرة أخرى:(تعالوا والتفوا يا أطفال حول قالب الكيك) والكل يقول:(ماشي يا بابا بعد إشوي),والغريب في الموضوع أن الضجيج والصراخ الذي كان الأولاد يملئون فيه المكان برمته قد فقدناه هذا اليوم نهائيا,فأين عبث الأطفال؟وأين صراخ الصغار؟لا أحد ينبس ببنت شفا وكأننا جميعنا عبارة عن جهاز(موبايل) موضوع على وضعية الصامت,كل شيء كان صامتا حتى أنني لم أسمع لأشجار الزيتون حفيفا ولم أسمع للأولاد صوت أقدامهم على الأرض والكل يتمدد على الفراش وكأنهم عبارة عن لُعب لا تتحرك أبدا,وهذا الشعور قد عم أجواء المكان,ولا شيء يثير انتباهي حتى أنني تمنيت منوه أن أقول للأولاد:كفوا عن الصراخ,ومن ملاحظاتي على العائلة بكاملها أنه ليس لأحد رغبة في الأكل والشرب وكأننا جالسون في صبيحة يومٍ من أيام شهر رمضان والمؤذن يقول لنا:كفوا عن الطعام والشراب,لقد تقاتل الأولاد في العام الماضي في أعياد ميلادهم جميعا على الكعك وعلى المشروبات واليوم لا أحد يمد يده إلى قالب الكيك ,لم نكن في العام الماضي بهذه الوضعية ففي العام الماضي يوم ولدت (بتول) قد آلمني رأسي من كثرة صراخ الأولاد ولعبهم في المكان لقد ملئوا في العام الماضي قلبي ورأسي ضجيجا مزعجا لدرجة أنني تناولت حبتين من الأسبرين لكي يسكن الألم الذي في رأسي,كان كل شيء هادئا جدا زيادة عن اللزوم.

يبدو أن حظ بتول وبختها في هذا العام سيئا جدا بخلاف كل أخواتها لقد كنا في العام الماضي نرقص ونفرح ونلعب ولكن في هذا العام كل شيء قد اختلف والربيع العربي يقف على الأبواب مناديا في السماء وفي الأرض.

وكانت المرطبات التي صنعناها من مجهودنا الشخصي والتي هي عبارة عن محلول ومساحيق مجففة باردةً جدا وكانت الأضواء باردة جدا والتلفزيون كان يبث صورا للقتلى وللمرضى في كل أنحاء سوريا وكانت أيضا شاشة التلفزيون عبارة عن ثلاجة للموتى في عيد الميلاد الأول لبتول حيث من المفترض أن تكون المشاعر ساخنة والمشروبات باردة ومن المفترض أيضا أن تكون غرفة الجلوس وكأنها موقدٌ للنار الحارقة,فلم تعد في غرفتنا وفي قلوبنا النار مشتعلة كنار الفرس أو نار المجوس,لقد كنا في العام الماضي أفضلُ حالا من هذا العام وكان العام الماضي على الأقل أكثر دفئا من هذا العام,ولكن في هذا العام كان كل شيء باردا جدا وظهرنا جميعنا في الصور وكأننا أسرى حرب مكبلين بالسلاسل الحديدية والفولاذية,حتى أنني لم أرغب في الخروج من المنزل وجلست في الدار وكأنني في سجن حربي أو كأنني محكوم عليّ بالإعدام وأنتظر ساعة تنفيذ الحكم وخِلت نفسي محكوما عليّ بالإقامة الجبرية في البيت بقرار رسمي من الحاكم الإداري,وكانت زوجتي مثلي تجلس مقابلي متكئة على وسادتين من الصوف وكان الأولاد مشغولين في أشياء ليس من المفترض أن ينشغلوا بها فليس من المعقول أن يسأل الأطفال عن مصروف البيت وكم تبقى معنا منه علما أن أكبر واحد فيهم لا يتجاوز العشر سنوات.

إنها لمصيبة جدا أن نجلس في البيت مثل البراميل الصغيرة والكبيرة لا نتحرك إلا إذا جاء أحدٌ من بعيد وحركنا بيديه ليزحزحنا من أمكنتنا, وإنه من المخزي أن تكون الأجواء من حولنا باردة جدا وكأننا نعيش في بلاد الأسكيمو, في الوقت الذي تكون به بيوت جيراننا حرارتها مرتفعة أكثر من حرارتنا وأصوات أولادهم وصراخهم تملئ المكان ,حتى الساكنين في بلاد الأسكيمو باعتقادي أن حرارتهم مرتفعة أكثر من حرارتنا بعشر درجات مأوية.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن أغبياء جدا
- الولد الشقي
- حديث نبوي شغل اهتمامي
- رغيف الخبز
- فلسطين عربية
- اعمل خيرا شراً تلقى
- الفساد والاستبداد طريقة حكم
- أول 60-70-سنة من حياة الانسان
- بقرة اليهود وكثرة الجدل
- يا رضا الله ورضا الوالدين
- مقال (لمن لديه جواب)
- هذا الزمن ليس زمني
- الرزق على الله2
- المشاريع المشبوهة1
- الله أفضل من الجميع
- على هامش الزواج والطلاق
- التوبة إلى الله2
- بين الدين والقانون
- الدرس الذي لن يتعلمه أحد
- الهلال الخصيب


المزيد.....




- أمين الأمم المتحدة: أي هجوم بري إسرائيلي برفح سيؤدي لكارثة إ ...
- -بحلول نهاية 2025-.. العراق يدعو إلى إنهاء المهمة السياسية ل ...
- اعتقال العشرات مع فض احتجاجات داعمة لغزة بالجامعات الأميركية ...
- مندوب مصر بالأمم المتحدة يطالب بالامتثال للقرارات الدولية بو ...
- مندوب مصر بالأمم المتحدة: نطالب بإدانة ورفض العمليات العسكري ...
- الأونروا- تغلق مكاتبها في القدس الشرقية بعدما حاول إسرائيليو ...
- اعتقال العشرات مع فض احتجاجات داعمة لغزة بالجامعات الأميركية ...
- تصويت لصالح عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- الأمم المتحدة تدين الأعمال العدائية ضد دخول المساعدات إلى غز ...
- الإمارات تدين اعتداءات مستوطنين إسرائيليين على قافلة مساعدات ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - جهاد علاونه - عيد ميلاد بتول الأول