أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سامي فريدي - اشكالية ثقافة التعليم















المزيد.....

اشكالية ثقافة التعليم


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 3599 - 2012 / 1 / 6 - 19:05
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



في القرن العشرين، استطاعت المدرسة أن تكون جزء من الواقع الاجتماعي في مجتمعات الشرق الأوسط، كما نجحت في هدم جزء من التفاوت الجنسي بين الذكور والاناث داخل العائلة. لقد شكل قبول المدارس خطوة حازمة على صعيد الاهتمام بالتحسين النوعي للانسان والمجتمع. وكان الاقبال الشعبي على حملات محو الأمية خطوة رائدة وواعدة في التطلع الاجتماعي نحو مستقبل مدني في الشرق الأوسط. لكن التركيز على الجانب التنفيذي والسباق الكمي للعملية دون الجانب الفكري أو الثقافي للمدرسة، شكل نقصا جوهريا/ بنيويا أخلّ بقيمة تلك الممارسة التاريخية على صعيد الزمن. هذا النقص الجوهري تمثل في فهم التعليم أو معنى المدرسة عند العامة.
النقص الثقافي في مفهوم التعليم ومعناه هو جزء من نقص بنيوي في فهم مدلول الثقافة ومعناها، والذي يركز على عملية التراكم المعرفي والاطلاع على تاريخ الفكر والجغرافيا والتمكن من سياقات اللغة المثقفة، دون تغير وتطور أنساق التفكير وأساليب الربط والمقارنة والتحليل العقلي.
شخصيا.. اعتقدت دائما بحاجة اجتماعية تاريخية لثورة ثقافية، تهدّ الأسس القديمة للمجتمع التقليدي، وتؤسس قاعدة ثقافية لمجتمع حديث ومتحضر. والحداثة لا تعني بالأساس استيراد أفكار وبرامج حديثة، بقدر تهيئة المجتمع لقبول واستيعاب وتداول أنساق فكرية وأنماط من التفكير الاجتماعي ومنظومة جديدة من اولويات التفكير والشعور والسلوك. لكن ما تحقق هو عكس ذلك تماما، شيء لا أتورع في تسميته بثورة مضادة للثقافة. وكانت تلك أبرز مؤشرات مصادرة عملية التعليم والمدرسة لصالح القوى التقليدية في المجتمع.
من الضرورة القول أن الجيل الذي بدأ عملية التحديث وتوريد نظام المدارس، مع بدايات القرن العشرين، اكتهل واقترب من الشيخوخة في منتصف القرن العشرين، منتقلا من عقلية الشباب والاندفاع إلى عقلية الشيوخ والمحافظة*. اضافة إلى أن قاعدة جيل التحديث انطلقت من واقع التعليم الديني في الأساس، سواء في مصر (محمد عبده، الطهطاوي، طه حسين) أو العراق (ساطع الحصري مثلا). فلا غرو أن تكون دعاوى (التراث والأصالة) وهي تصدر من قمة النظام ومؤسسة اعلامه، ثورة ضد الانفتاح على الاخر وعودة للانغلاق والتحجر حول العناصر والرموز التي كانت أولى بالقلع والتحديث.
ثورة التراث والاصالة لم تكن منجزا لتيار المحافظين فحسب، وانما عنصرا وجدت فيه الأيديولوجيا العربية الثورية مادة لتأصيل حركتها قوميا وتأكيد انتمائها الثقافي العريق للمجتمع. وكان من مظاهر تلك الديماغوجيا المزاوجة بين رموز التراث ورموز الحركة القومية العربية. قد يرى البعض في ذلك محاولة لتأكيد الهوية العربية الاسلامية للدولة الحديثة، وهذا من حقه، ولكن بشرط ألا تكون الهوية دعوة للجمود والتخلف.
*
حركة التعليم وانتشار المدارس لم تشكل ثورة حقيقية في المجتمع، بقدر ما عمل المجتمع على تطويعها وتكييفها لمبادئ ثقافته الاجتماعية. ان موقف المجتمع من التعليم، يتضح في (ما يريده المجتمع من المدرسة والتعليم؟)، وليس (الاستجابة لما يريده التعليم من المجتمع)!.
وما يريده المجتمع من التعليم هو المساعدة في تحسين وضعه في تأمين وظائف أفضل لأبنائه، وحيازة (جاه) اجتماعي وسياسي يعوض عقد النقص الشخصية. هذا يعني تزايد الطلب الاجتماعي على ما يمكن تسميته –بالتعليم الوظيفي-، أي (أصناف التعليم المناسبة للتوظيف)، وهي تخصصات التعليم والادارة والمحاسبة أو التجارة.
التعليم الوظيفي في شيوعه دالة سوء فهم عملية التعليم وجعلها وسيلة للمعيشة وليس تزعة علمية وانتشار أساليب التفكير العقلي والمنطق الحضاري المتقدم في النظرة للحياة والكون. كان قدماء المسلمين يدرسون اللغة والفقه وعلوم الدين بما يؤهلهم لشغل وظيفة القضاء حيثما انقطعت بهم سبل الحياة –أي المعيشة-. وفي أيام العثمانيين كانت وظيفة المدارس الرشدية تخريج كوادر تخدم في دوائر الدولة. واستمر هذا التقليد السيء مع انتشار المدارس الحديثة في القرن العشرين.
لكن للتعليم الوظيفي دالة اخرى هي ضعف الارتباط بالأرض، أو تراجع الشعور بمفهوم الوطن. واليهود -عالميا- أشهر مثال للتعليم الوظيفي. اشتهروا بالتخصص في مجالات الطب والقانون والتجارة. وعلى الصعيد العربي حيث تحولت المسيحية إلى أقلية، شكلت الاختصاصات الثلاثة مركز استقطابها الرئيسي. قد تبدو هكذا تخصصات أفضل مصادر الدخل السريع، لكنها من منظور آخر، تصدق مقولة ما خف حمله وزاد ثمنه. ان تركز رؤوس الأموال بيد الأقلية دفع أبناء الأغلبية إلى تقليدها لاحقا. يؤشر حنا بطاطو أن الشيعة استأثروا بالمهن التي شغرت جراء تسفير اليهود من العراق.
ما موقع الأرض في نظام التعليم المعيشي هذا؟.. أين هي مشاريع تطوير استثمار الأرض وخدمة العامل الوطني؟.. كم هي نسبة الدارسين في أقسام الزراعة والبيطرة؟. من يهتمّ بمشاريع تطوير التربة والمياه وتحسين الانتاج الزراعي والحيواني والمائي؟.. أن مقارنة أي بلد عربي بدولة اسرائيل، يقدم تقريرا جيدا لأسباب تخلف العرب وعجز بلادهم الواسعة والغنية الموارد عن استيعاب الزيادات السكانية وتوفير فرص عمل كافية لهم، مما جعل الهجرة إلى الخارج نمطا عاما وهدفا عاما لأبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة.
*
(المعيشة والجاه) كانت وما زالت في صدارة اهتمامات الفرد العربي في حياته. المال يضمن له المركز الاجتماعي، والمركز السياسي في النفوذ. فالمال والنفوذ هما ديدنا البشر، ليس الثقافة ولا التقدم ولا الدين. وهذه زاوية أخرى تساعد في فهم ما يجري في عراق الغزو.
- تكالب على المال
- المناصب وسيلة لتحقيق التراكم المالي
- اعتبار المنصب جاهة اجتماعية
- ليس المنصب اطار لخدمة المجتمع
- حيازة الشهادة العليا يحسن من فرصة تأمين منصب سياسي
- الشهادة العليا تعوض نقص الجاه الاجتماعي والسياسي والديني
- الشهادة تدعم وترسخ الجاه الاجتماعي والسياسي والديني.
فالثراء يشكل سمة عامة لساسة العراق بعد الاحتلال ووسيلة للتنابز والسباق التجاري والعقاري بينهم. ومعظم الساسة الجدد يهتمون بوضع (دال) تسبق أسماءهم، وهناك حركة طلب متزايدة على حيازة (شهادات) مصطنعة مزورة لمضاهاة أقرانهم. ويمكن القول أن العراق هو أول دولة يتربع (دكاترة) في مراكزها القيادية، ويشكل (الدالات) أكبر نسبة من عناصر حكوماتها المركزية والاقليمية ونواب برلمانها. كما أنها الدولة الأكبر في مسائل التخلف والفساد.*
*
الخلاصة السريعة لهذه المداخلة تتلخص في بعض النتائج..
- اهتمام الناس بالتعليم لأغراض الوظيفة والمعيشة
- عدم اهتمام بفروع البحث الاجتماعي والفلسفي والتحليل النفسي
- تدمير مفهوم النخبة المثقفة (العلمانية) واختراقه من قبل جماعات تقليدية (أكادميين جدد)
- انتقال اصطفاف الدولة من خندق العلمانيين إلى خندق المحافظين وصولا إلى جماعات (الاسلام السياسي)
- انحسار الدور الاجتماعي للعلماني
- زيادة الدور الاجتماعي لرجل الدين والفكر الديني
ان العراق وبقية مجتمعات الشرق الأوسط ليست بحاجة إلى مدرسين وأطباء ورجال دين وتجار وساسة، أنها بحاجة إلى معاهد بحث اجتماعي وتحليل نفسي واهتمام بالفرد المقهور واختصاصيي التنمية البشرية النوعية. ثمة حاجة استراتيجية متزايدة لتغيير انماط التفكير والتحول من الاستهلاك والاستعداء إلى الانتاج والتآلف الاجتماعي على أسس الانسانية والمواطنة وتجاوز نعرات الدين والطائفة الرجعية دائما وأبدا. إذا كانت الديانات تؤمن أن آدم ونوح وابراهيم هم آباء العائلة البشرية اليوم، فعلي البشر اليوم –وخصوصا ابناء الشرق الأوسط- أن يشعروا ويعيشوا كعائلة واحدة!.
*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• مصطلح (المحافظة) و (المحافظين) يجري استخدامه هنا بحسب القاموس الغربي لتصنيف المجتمع إلى: تيار محافظ (و) تيار حديث.
• يحاول البعض تحسين صورة عراق الاحتلال بمقارنته بالصومال.
https://mail.google.com/mail/?ui=2&ik=33d85293b3&view=att&th=1349fce02a978eb2&attid=0.0.1.1&disp=emb&zw



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عروبة ساسة العراق
- العراق.. الجغرافيا السياسية
- العراق.. والثوابت الوطنية
- (سياسة التشيع في العراق)
- الثقافة والسيطرة
- التعليم والغربنة
- الشباب والقيادة
- تراجع النوع البشري
- 14 يوليو 1958 حاجة محلية أم ضرورة دولية (5)
- 14 يوليو 1958.. حاجة محلية أم ضرورة دولية (4)
- 14 يوليو 1958ن حاجة محلية أم ضرورة دولية /3
- 14 يوليو 1958 حاجة محلية أم ضرورة دولية.. (2)
- 14 يوليو 1958.. حاجة محلية أم ضرورة دولية (1)
- في ذكرى أنطون سعادة
- المركزية السورية أيضا..
- المركزية السورية ومشروع انطوان سعادة
- العراق في كتابات انطون سعادة
- القوي يكتب التاريخ
- هوامش على -قميص قلقميش-
- انحطاط القيم.. ظاهرة خاصة أم عامة؟..


المزيد.....




- أفوا هيرش لـCNN: -مستاءة- مما قاله نتنياهو عن احتجاجات الجام ...
- بوريل: أوكرانيا ستهزم دون دعمنا
- رمز التنوع - صادق خان رئيسا لبلدية لندن للمرة الثالثة!
- على دراجة هوائية.. الرحالة المغربي إدريس يصل المنيا المصرية ...
- ما مدى قدرة إسرائيل على خوض حرب شاملة مع حزب الله؟
- القوات الروسية تقترب من السيطرة على مدينة جديدة في دونيتسك ( ...
- هزيمة المحافظين تتعمق بفوز صادق خان برئاسة بلدية لندن
- -كارثة تنهي الحرب دون نصر-.. سموتريتش يحذر نتنياهو من إبرام ...
- وزير الأمن القومي الإسرائيلي يهدد نتنياهو بدفع -الثمن- إذا أ ...
- بعد وصوله مصر.. أول تعليق من -زلزال الصعيد- صاحب واقعة -فيدي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سامي فريدي - اشكالية ثقافة التعليم