أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامي فريدي - هوامش على -قميص قلقميش-















المزيد.....

هوامش على -قميص قلقميش-


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 3142 - 2010 / 10 / 2 - 23:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سامي فريدي
هوامش على "قميص قلقميش"
(1)
اشترى أحد السائحين العرب في البرتغال قميصا ورغب أن يكويه قبل ارتدائه، فذهب إلى مكوى قريب من نزله، وحاول أن يخبر العامل بطلبه من خلال الاشارة والكلمات البسيطة، حيث لا يتعامل أهل البلاد باللغة الانجليزية، فبذل من جهده حتى أعيى، عندها وقف وعيناه تجول خلال المحل، فوجد على جدار المحل قائمة كلمات بلغات مختلفة وبينها كلمة فهم منها – كاميسا- وصاح بغتة..
- كاميسا.. كاميسا.. قميص
فابتسم العامل وافتهم المطلوب.
هل القميص مفردة عربية من أصول شرقية أم هي لاتينية من أصول غربية؟..
العرب ينسبون كل شيء لأنفسهم ولغتهم. ولغتهم هي حمالة تراث اللغات السامية والغرب أسيوية القديمة. فاللغة العربية لهجة آرامية متأخرة بدأت بالانتشار مع تراجع اللغة الآرامية من التداول في غرب آسيا والتي هي الأخرى انتشرت عقب انحسار اللغة الآشورية التي كانت سائدة قبلها ما يقارب من الألف عام. وينسب المؤرخون انتشار اللغات الآشورية والآرامية في بلاد غرب آسيا إلى نشاط التجار وانتقالهم بين شرق دجلة وغرب الفرات، وربما كان انتشار اللغة العربية لنفس السبب قبل تعززه بقيام دولة امبراطورية عربية في القرن الثامن الميلادي عقب ضمور وتراجع حدود الامبراطوريتين الرومانية والفارسية.
اختلفت الامبراطورية العربية عن كل من السابقتين عليها الرومانية والفارسية بفرض ثقافتها الخاصة الممثلة باللغة والدين والتقاليد في أرجاء البلاد، وهو أمر يشخصه ارنولد توينبي بالمقارنة بين الحكم الآشوري العسكري والحكم الفارسي الذي يكتفي بالسيادة على الأرض دون التدخل في حياة الناس القاطنين عليها، وهي صفة كانت تميز حكم الرومان والأغريق اللذين لم يعملا على فرض لغتهما وثقافتهما على أنحاء بلاد الشام وتركت لهم حرية ممارسة طقوسهم الاجتماعية والدينية وتداول لغاتهم الخاصة. ومن التاريخ القريب لم يعمل العثمانيون على فرض لغتهم في أصقاع الأمبراطورية المشمولة بنفوذهم، ما خلا المعاملات الرسمية وبعض مدارس الحكومة في عهدها الأخير. وتقتضي الموضوعية القول أن بعض المؤرخين القومويين العرب بالغ في مضمون مصطلح التتريك (من التركية) وذلك في أعقاب تأثيرات حركة الاتحاد والترقي وما يسمى الانقلاب العثماني عام 1908 والذي كان بداية الانقضاض الرسمي على الامبراطورية المريضة في الحرب العالمية الأولى. ناهيك أن بعض القومجية العرب كانوا من أعضاء الحركة التي قلبت لهم ظهر المجن فكان ذلك عاملا في دفعهم للمناداة بانتماءاتهم الأم، وتشكيل أحزاب وعصب عروبية ورثت أنفاس التعصب والمغالاة القومية من زملائهم السابقين في الحركة. بل أن جذور التعريب تعود إلى بدايات الدولة العربية قبل عهد سحيق من الوجود العثماني وحركة الاتحاد وظهور القومويين الجدد في مطلع القرن العشرين. وخلال الحكم العربي في جزيرة ايبريا انتقل كثير من ملامح اللغة والثقافة العربية بين أهل البلاد ومن تبقى منهم بعد انحسار الحكم العربي عنها.
(2)
أغلب المؤرخين يقطعون الصلة ما بين السومريين والأقوام الوارثة لملكهم بين النهرين، ولكن هذا القطع لا يلغي تناقل أثرهم أو استمرارهم مع تبدل صفة الجماعة، فالمعروف أن قصة الخليقة وملحمة جلجامش وكثير من أشعارهم وطقوسهم الدينية انتقلت إلى بابل الأولى وآشور (نينوى) وبابل الثانية متقدمة نحو تراث سوريا الآرامية القديمة.
لا اعرف مدى الدقة التي بلغها دارسو اللغات القديمة في اتقان اللغة السومرية والتي لابد كانت تتضمن لهجات ومرت بمراحل من التطور عبر تاريخها شأن اللغات الأخرى. لكن الملاحظ اختلاف المهتمين في ترجمة اسم كَلكَامش- جلجامش- جلجميش- كَلكَميش- قلقميش وغير ذلك والتي تعكس لهجات أو أصوات متباينة في قراءة الأسم، مع عدم البت إذا كان هذا اسما أو صفة لبطل الملحمة، والتي يؤكد المؤرخون وجوده في قوائم ملوك سومر القديمة.
ثمة مفردات عدة متقاربة في أصواتها وبنيتها اللغوية من مفردة جلجامش أو جلجاميش.. ومنها كلمات: جاموس، قصب. وكلها من ملامح حياة الهور التي نشأت فيها وحواليها مستوطنات السومريين جنوبي النهرين. علما أن أصوات هاته الألفاظ الحقيقية تختلف عما هو مكتوب هنا بالحرف والنطق العربي. والبعض يكتب أو يلفظ المفردات بصورة : كَلكَامش، كَصب. وفي التركية (كَاميش) اي (جاموس) ويبدو أن الأخيرة معربة عن أصلها الأقرب للتركية. وبحسب المؤرخين فأن سهوب (أواسط) آسيا كانت مصدر الهجرات التي استقرت في آسيا الصغرى وعرفت لاحقا باسم تركيا، وهي مصدر الهجرة الأول للأقوام السومرية قبلهم بآلاف السنين. ولابدّ أن كَلكَاميش وكَميش أو كَاميش وثيقة الصلة من حيث الصوت والبناء مما يمكن أن يجمع بينهما بشكل أو آخر. علما أن لفظة (كَلْ) التركية بفتح الأول معناها (تعال)، ونفس الكلمة بضم الأول تعني (وردة). ويمكن الاستطراد في تفكيك وتحليل الألفاظ بحسب مساحة اللغات القريبة لاشتقاق معاني أو آفاق جديدة في فهم الرموز القديمة. وأورد هنا في خصوص اسم بطل الملحمة رأيا للسيد عبد الرحمن الصباغ في تعليق على مقال منشور في الأنترنت عن خصوصية اللهجة العراقية للسيد محمود سعيد ورد فيه ..( بالنسبة لأسم كَلكَامش أو قلقميش كما ذكرت فأنه أسم مركب مكون في مقطعه الأول من "قيل" وتعني حاكم أو ملك وفي الثاني خامش أو خميش أي الخامس أي بالجملة -الملك الخامس- وهذا ما كان عليه، والأسم كما ترى عربي صميم وهو واحد من أسماء عربية كثيرة مركبة حرفت وشوهت بمرور الوقت أو سوء الأستعمال واستحكمت خطأ في أذهاننا كأبرهيم أي أب رحيم وأسحاق أي الضحاك وأسمعيل أي أسم عيل أي أسم الله وآشوربانيبال ويعني عاشور بن بعل. فالآشوريون كانوا يعبدون عشرة آلهة أكبرها الرحمن وهانيبال وأصله حنا بعل أي حنة بعل وغيرها الكثير). وهو رأي طريف. أما الأكثر طرافة فهو نسبته القديم للجديد، وذلك نابع من عقدة موت الزمن عند العربي، فتختلط لديه التواريخ وتتقدم العصبية على ما عداها. وكلّ من مفردات ملك وخمسة وعشرة قديمة متوارثة في عائلة اللغات السامية وربما كانت لها جذور سومرية أو شامية أو مصرية وغير ذلك من لغات العالم القديم. والمعلومات الأخرى الواردة مشتقة من التوراة، ومصادر التأريخ القديم التي استكشفها البحاثة الأجانب في العصر الحديث.
(3)
الهامش الثالث مأخوذ من قصة التكوين التوراتية: "وصنع الربّ الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما."/ الاصحاح الثالث- عدد 21
والعبارة هنا إحالة على العدد السابع من نفس الاصحاح عقب تناولها الثمرة المحرمة "فانفتحت اعينهما وعلما أنهما عريانان."
فالعري يقتضي ثيابا، والثياب هنا هي أقمصة- جمع قميص، ومآزر- جمع إزار. والفرق ما بينهما بحسب التسجيل التوراتي هو أن الأقمصة من جلد، والمآزر من أوراق نبتة التين. الأولى حيوانية وصانعها هو الربّ، (صنع الرب.. أقمصة من جلد وألبسهما) العدد الحادي والعشرين / أنف الذكر. والثانية نباتية هي من صنع الانسان بحسب العدد السابع من الاصحاح الثالث نفسه "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر."
أن فكرة أقمصة الجلد والتي هي اليوم ما زالت كذلك عند البعض ومنها بناطيل وصداري رعاة البقر ومعاطف الجلد، إحالة على الاستخدام المبكر لجلود الحيوانات في صنع الثياب. وبالتالي إلى عراقة تاريخ القتل والسلخ والعلاقة الطفيلية بين الحيوانات. زمن آثار هذه العلاقة مصدر لفظة (قميص) – (كَميش) المتطورة إلى (كَامش)- (جاموس).
إذا أمكن الأخذ بهكذا فرضية، يمكن القول أن جذور قصة الشجرة المحرمة وانفتاح الادراك البشري بما فيه اكتشاف العري حصل في ما بين النهرين وفي نقطة قريبة من التقاء نهري دجلة والفرات حيث تمتد حتى اليوم بقعة واسعة من مستنقعات قديمة عبر التاريخ، وهذا يضاف إلى قصة الطوفان التي يذهب البعض إلى وقوعها أو انطلاقها في نفس المكان السومري القديم، فالأهوار هي بعبارة أخرى بقية مياه الطوفان التي لم تنسحب تماما، وتحولت (لحكمة ما..) إلى بداية الخليقة الجديدة المنطقة من المياه نفسها. وإليها تعود الإحالة القرآنية (خلقنا من الماء كلّ شيء حيّ)، أو الحياة الجديدة بالتعبير العصري، في عقب السقوط أو عقب الطوفان. وللتنويه فقط، لا يحاول هذا الموضوع الزعم أن السومريين هم أول قوم عقب الطوفان أو الخليقة الجديدة من أبناء نوح، بقدر ما هم حملة ونقلة التراث البشري المتناقل للسابقين عليهم، بما فيهم أولئك الذين كانوا معاصرين أو أبكار ما بعد الطوفان، ولكل ذلك من الدلائل والاستكشافات التاريخية ما يغني عن التأويل والاجتهاد أو الادعاء.
*
الثاني من أكتوبر 2010



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انحطاط القيم.. ظاهرة خاصة أم عامة؟..
- ماركس والعولمة
- حكومة كاميرون تبعد لاجئين عراقيين قسرا
- ثقافة الاعتذار والتسامح في العرف السياسي
- الانتخابات البريطانية والانسان العربي
- كنائس مصر والبلدوزر.. والانتخابات!
- لماذا لا يوجد لوبي عربي في بريطانيا؟!..
- في اركيولوجيا الثقافة
- يا عشاق الجمال والخير والمحبة تضامنوا
- من يثرب إلى العراق..
- العمال والعولمة
- قبل موت اللغة..!
- براءة العراق من علي ومزاعمه..
- شتائم اسلامية في أهل العراق
- (عليّ) في العراق..
- العراق من عمر إلى علي..
- المقدس.. من السماوي إلى الأرضي.. (جزء 2)
- المقدس.. من المطلق إلى النسبي.. من السماوي إلى الأرضي
- محاولة في تعريف الدين والمقدس
- العنف والمقدس (2)


المزيد.....




- فيديو: إصابة 11 شخصاً من بينهم طفل في قصف على مدينة يبلغورود ...
- إسرائيل تهاجم شرق رفح ومحادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق
- بالفيديو..-القسام- تستهدف جرافة عسكرية وتقصف قوات إسرائيلية ...
- لوكاشينكو يطلب من قوات الأمن البيلاروسية ضمان سلامة القاضي ا ...
- السعودية.. أستاذ ينقذ طالبا من الاختناق بـ-نباهة وفطنة- ويثي ...
- -السلحفاة-.. ابتكار روسي جديد لاختراق دفاعات العدو (فيديو)
- فيديو بكاء وصراخ من داخل سجن يثير جدلا على مواقع التواصل..هل ...
- انطلاق مسيرة النصر بالسيارات في بيروت
- ألمانيا تعلن عزمها على شراء منظومات -هيمارس- الصاروخية لتسلي ...
- زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامي فريدي - هوامش على -قميص قلقميش-