أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامي فريدي - القوي يكتب التاريخ














المزيد.....

القوي يكتب التاريخ


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 08:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سامي فريدي
القوي يكتب التاريخ

في الموسوعة الفرنسية لتاريخ الحضارات (*) يصف المؤلف ملوك ما بين النهرين القدماء بأنّ لهم نزعة توسعية، مما جعلهم عرضة للهجمات الخارجية وبالتالي انهيار ممالكهم سريعا وعدم امتدادها كما في مصر الفرعونية. وهو رأي تنقصه الدقة عند دراسة جملة من المعطيات. فالمقارنة بين أرض النهرين ومصر من ناحية الجغرافيا والموانع الطبيعية المحيطة بهما تكشف أن حدود مصر حصينة بالصحارى التي تحيطها على جانبي وادي النيل، إضافة للبحر الأحمر من جهة الشرق. وعلى طول تاريخ الفراعنة كان التهديد الرئيسي لها من جهة الشمال (البحر المتوسط وجزره)، ممثلا بالهكسوس والاغريق والرومان. أما من جهة آسيا، فقد هاجمتهم آشور ومن بعدهم الفرس. أما الفراعنة أنفسهم فقد بسطوا نفوذهم أكثر من مرة على أراضي شرق المتوسط، واتجهت حملة عسكرية لاحتلال بابل لكنها فشلت قبل بلوغ مجرى الفرات. وكان للفراعنة حملات عسكرية شبه متواصلة نحو الجنوب مع مجرى النيل، ويعتقد بعض المؤرخين أنهم عبروا باب المندب إلى الجزء الجنوبي لشبه جزيرة العرابيا ووصلوا حتى ظفار (سلطنة عمان حاليا). وكانت هذه تمثل حدود ممالك سومر وبابل يومذاك.
ان مصطلح ما بين النهرين وهو ترجمة لإسم (ميسوبوتاميا) الذي أطلقه الاغريق على البلاد يومئذ، يعني تلك الأرض اليابسة المحاطة بمياه نهري حداقل (دجلة) والفرات. وربما أراد هيرودوتس (Herodotus) بذلك أرض (وادي) النهرين، تمييزا عن وادي النيل (النهر الوحيد)، والهند (أرض الأنهار الثلاثة). والسؤال هو: إلى أي حدّ أمكن اعتبار النهرين موانع طبيعية بوجه الهجمات الخارجية؟.. تخبرنا وقائع التاريخ أن الجيوش القديمة عرفت كيف تجتاز الموانع المائية في وقت مبكر. لكن المعطى الميداني الأكثر أهمية في هذا المجال كما تنقله ملحمة جلجامش هو مغزى الأسوار المحيطة بمدن سومر وبابل وآشور، والتي كان من آثارها سور بغداد الذي بقيت آثاره حتى أواخر العهد العثماني.
ان طبيعة الأرض المنبسطة لبلاد النهرين كانت مصدر اغراء كبير للأقوام المجاورة إلى جانب خصوبة الأراضي الزراعية لضفاف النهرين وارتفاع معدلاتها الأنتاجية. يضاف لذلك كثرة القبائل والجماعات البشرية في الجوار سواء من ناحية الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الشمال. والمعروف حتى اليوم أن المراكز الأكثر ازدهارا تشكل عامل جذب سكاني. فالبشر يتجهون إلى أوربا الغربية لكونها أكثر تقدما وازدهارا من بقاع العالم الأخرى. ولا يختلف المؤرخون وعلماء الآثار في كون حضارات العراق القديم هي فجر البشرية (أرنولد توينبي) وأن غزاة العراق القديم كانوا يتعلمون من تلك الحضارات وينقلون ما يستطيعون نقله من معالمها ورموزها مثل مسلة حمورابي التي عثرت عليها بعثة فرنسية شرق ايران في القرن التاسع عشر، بعد أن نقلها أحد ملوكهم بعد احتلاله بابل.
وتنقل سجلات بابل أن حمورابي قام بعدة حملات عسكرية تأديبية لأقوام بدائية كانت تهدد حدود مملكته الشمالية. وانه في واحدة منها أخذ منها تعهدا بالتزام الأمن، ولكنها ما فتئت واخترقت الاتفاق مما حدا به إلى مهاجمتها وإخضاعها لسيطرته. ومثل ذلك تكرر مع امبراطورية آشور.
لا بدّ عند دراسة التاريخ القديم والتوقف عند منجزاته ومخترعاته ومكتشفاته الأساسية في الحضارة والتمدن والمعرفة الانسانية التي تقتات البشرية على ثمارها، التحلي بما يناسب من بحث موضوعي واستنتاجات عقلانية منطقية في تفسير ظواهر تلك الممالك ونشاطها السياسي والعسكري، بعيدا عن عوامل المحاباة أو الكراهة. ففي ذلك الزمن القديم، كما اليوم، لابدّ لكل قرار، في أي شأن من الشؤون، من مبررات كافية تدفع بلادا للمجازفة بخطوة غير مأمونة النتائج، والتضحية بقدرات بشرية ومادية، ربما كان الأولى توظيفها في مجالات داخلية. وعدم التوصل لأسباب تلك العمليات، لا يبرر إحالتها إلى مجرد نزعة توسع وسيطرة. والطريف في الأمر، أن أغلب المشتغلين في تدوين تاريخ العالم، هم من مواطني بلدان استعمارية امبراطورية بلغة اليوم، فرنسيون أو بريتانيون أو أميركان. ولكن أيا من أولئك المؤرخين، لا يسأل نفسه عن مبرر احتلال بلاده لأراضي الغير، حتى لو كانت في آخر العالم، بينما هو يستكثر أو يعيب على دولة قديمة أنها ذات نزعة توسعية.
وفي ذلك العالم القديم، المتعارف بالشرق الأدنى بالاصطلاح البريتاني، لم تكن الامبراطوريات التوسعية بابلية أو آشورية أو كلدانية، أو مصرية، فقط، وانما لحقت بها امبراطوريات أخرى كان لها من الديمومة أكثر من سابقاتها، رغم أن عطاءها الحضاري والتكنولوجي لا يكاد يمثل شيئا، قياسا إلى نزعاتها العسكرية والتوسعية. وفي كثير من كليات العلوم السياسية والعسكرية، يتم التركيز على امبراطوريات روما وفارس والصين، استنادا إلى قدرتها على الاستمرار والمداومة، وليس لمخزونها المعارفي وعطائها الحضاري. ان السياسة هي القوة، والقوي هو الذي يكتب التاريخ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
• تاريخ الحضارات العام- اشراف موريس كروزيه- مفتش المعارف العام في فرنسا- ترجمة: فريد م. داغر/ فؤاد ج. أبو ريحان- م1/ أندريه بايمار/ جانين أبوايه- منشورات عويدات- بيروت- ط 2006



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوامش على -قميص قلقميش-
- انحطاط القيم.. ظاهرة خاصة أم عامة؟..
- ماركس والعولمة
- حكومة كاميرون تبعد لاجئين عراقيين قسرا
- ثقافة الاعتذار والتسامح في العرف السياسي
- الانتخابات البريطانية والانسان العربي
- كنائس مصر والبلدوزر.. والانتخابات!
- لماذا لا يوجد لوبي عربي في بريطانيا؟!..
- في اركيولوجيا الثقافة
- يا عشاق الجمال والخير والمحبة تضامنوا
- من يثرب إلى العراق..
- العمال والعولمة
- قبل موت اللغة..!
- براءة العراق من علي ومزاعمه..
- شتائم اسلامية في أهل العراق
- (عليّ) في العراق..
- العراق من عمر إلى علي..
- المقدس.. من السماوي إلى الأرضي.. (جزء 2)
- المقدس.. من المطلق إلى النسبي.. من السماوي إلى الأرضي
- محاولة في تعريف الدين والمقدس


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامي فريدي - القوي يكتب التاريخ