أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - على هامش الجرائم ضد المسيحيين















المزيد.....

على هامش الجرائم ضد المسيحيين


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3239 - 2011 / 1 / 7 - 21:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن المساواة تماما بين المجتمعات المسيحية على امتداد الساحة العراقية والعربية وفي عموم الشرق الأوسط إلا إذا فعل التعويم فعله بإتجاه شطب كل تأثيرات الخصوصيات التاريخية والوطنية لكل مجموعة منهم وحيث يعيشون. وقد يصح هذا الأمر فيما لو صح أن مسلمي العراق أو لبنان أو باكستان أو أمريكا الشمالية يشكلون حالة واحدة كما يُنظّر لها الفكر الدينوإسلامي السلفي, وهو أمر لم يحدث مطلقا حتى في عهود الدولة الإسلامية الواحدة, حيث ظل للقوميات والساحات الوطنية دورا أساسيا في طبيعة تشكيل نظام الحكم وطبيعة الدولة, أو حافزا بإتجاه دهورة الدولة ذاتها وانهيارها. وإن أحلام إقامة دولة إسلامية أو تقسيم العالم بدء إلى دار إسلام ودار كفر من قبل الفكر التكفيري هي أحلام هذيانية بحتة لا يتبعها سوى أولئك المغيبون عن الواقع المادي والموضوعي الحسي الذي يفرض تأثيراته على صفات البشر وتوجهاتهم وثقافتهم ويجعل المسلم الأمريكي أقرب جدا إلى المسيحي واليهودي الأمريكي منه إلى المسلم في الباكستان.
ولا أعتقد مطلقا إن الله يهمه أن تكون هناك دولة كبيرة واحدة للإسلام بقدر ما يهمه أن يكون المسلم صادقا في إيمانه سواء كان عراقيا أو أمريكيا أو باكستانيا. إن الله لا يعمل في السياسة ولا يحتم أن تمر علاقة المخلوق به من خلال دولة ما أو نظام معين, وأحسب أن النظام الأمريكي (داخليا) هو أقرب إلى الله من جميع الأنظمة الإسلامية الأخرى التي تصلي لله خمسة مرات في اليوم وتخالفه خمسة آلاف مرة.
وأقول (داخليا) فقط بسبب أن إدارة هذه الدولة, على المستوى الخارجي, ترتكب أيضا من المعاصي ما يجعلها على تقاطع, ولكن بدء, مع روح المسيحية ذاتها, ودونما أية حاجة لقياس زوايا هذا التقاطع بالفرجال الإسلامي.
وإن لنا الحق أن نبحث عن ذلك على صعيد المثال الأوروبي. وإذ كانت هناك محاولات حثيثة لتوحيد تلك القارة من خلال صيغة اتحادية فإن واحدا من شروط إقامة ذلك الإتحاد كان هو توحيد العملة وليس توحيد الأناجيل.
لا بل أن الدين السياسي كان لعب دورا تخريبيا في تاريخ القارة الأوروبية ولولا تمكن تلك القارة على فصل الدين عن الدولة لظلت الأرض مسطحة وعاجزة عن الدوران. ومن الواضح أن الإتحاد الأوروبي لا يشترط أحادية الدين ولا حتى وجود الدين كشرط من شروط هويته.
صحيح أن الهوية الثقافية لأي شعب من الشعوب لا بد أن تبقى خاضعة لتأثير الهوية الدينية, لكن ذلك يبقى صحيحا على الجانب الأخلاقي فقط إذا ظلت الدولة بعيدة عن الدين, وحين ذاك فإن هذا الجانب الأخلاقي للثقافة الدينية سوف يبقى متحركا في محيط الوصايا الأخلاقية العشرة التي تشكل الأساس الأخلاقي لكل الديانات, وحتى للأفكار والفلسفات التي لا تدخل من بوابات الأديان وصولا إلى الحق والعدالة والإنسانية, وبهذا يقترب الإسلام كثيرا من المسيحية ومن أية ديانة أو فلسفة أخرى تتخذ من تلك الوصايا محورا مركزيا لثقافتها الأخلاقية.
أما باقي التركيبة الثقافية فتتأسس على طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية, وحتى أن هناك أثر كبير للجغرافيا في رسم تضاريس الشخصية الاجتماعية المتنوعة, وتحديد طبيعة ونوعية وكمية التحديات التي تواجهها هذه الشعوب بما يشكل هيئتها الثقافية النهائية.
مقدمة كهذه كانت قد دعتني إليها جملة من الأحداث التي حصلت وتحصل في هذه المرحلة وفي مقدمتها الجرائم الإرهابية التي يشنها التكفيريون ضد أهلنا المسيحيين في مصر والعراق والتي تصاعدت بتفجير الكنيستين.
كتداعيات ارتفعت أصوات وأفكار مختلفة, وصار ممكنا الترويج لنظريات تحديد الجسم المسيحي الشرقي على شكل كيان وهوية موحدة أولا وأقرب إلى الغرب ثانيا مما هو لبلدانه.
مقدما سيدحض هذه النظريات أن الغرب نفسه ليس مسيحيا بقدر ما يتعلق الأمر بهوية الدولة. وحتى أن ثقافة المجتمع المادية تُشِغِلها أفكارا اقتصادية وسياسية لا علاقة لها بالدين. ذلك لن يمنع التقارب أو التعاطف بين المجتمع الغربي من جهة والمسيحي الشرقي المضطهد, لكن هذا التقارب, من الناحية الجوهرية, لا يقوم على أساسيات دينية وإنما على أساسيات إنسانية هي ذاتها التي دعت إلى استقبال الملايين من المسلمين أو البوذيين الهاربين من طغيان أنظمتهم أو الباحثين عن فرص حياتية أفضل.
إن السيد المسيح ولد في الشرق, والمسيحيون كانوا أهل الشرق قبل البعثة المحمدية, وهم كانوا شرقيون وسيبقون, لا بصفتهم كمسيحيين, وإنما لأنهم من أهل تلك المنطقة, ومثلما هم يعانون من الفكر التكفيري في مصر والعراق فقد عانى المسلمون أيضا. ذلك يجعلهم مع المسلمين والصابئة والآخرين أصحاب هوية وطنية واحدة, كل في وطنه, ولأن التحدي واحد أيضا.
وإذا ما قيل إن بعضا مما يفسر الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون هو إعادة تنشيط لأفكار مفاهيم سلفية "أهل الذمة", أو آيات مثل "أقتلوهم حيث ثقفتموهم", أو ما شاكل, فلسوف أوافق بصيغة شكلية, لكني سأسأل في نفس الوقت: لو كان ذلك وحده يكفي لتفسير الأحداث, فلماذا تشن المجازر أيضا بحق المسلمين يوميا وتحرق الجوامع والحسينيات. الواقع إن النفسية السايكوباثية ستجد نفسها في الدين أو في غيره. حتى الأفكار الإنسانية المطلقة يمكن للفكر السايكوباثي أن يتلاعب بها لحسابه.
والحال أن هناك تبسيطا كبيرا وكثيرا لهوية وثقافة الصراع الحالي, وليس هناك في السياسة أخطرمن ان تؤسس نظرية على عامل واحد, وإذا ما تأسست هذه النظرية فإن من يؤسسها أما أن يكون جاهلا بامتياز أو من أصحاب الحق الذي يراد به باطل.
وحتى في المنطقة العربية فإن المسيحيين لا يشكلون هوية قومية, بل أنهم على العكس من ذلك كانوا مؤسسين وقياديين لأحزاب وطنية وقومية وماركسية لا علاقة لها بالدين بل بالهوية الوطنية والإنسانية.
الواقع.. إن الذي يعتقد بأن المسيحي في العراق هو أقرب إلى أوروبا منه إلى العراق هو تماما مثل ذاك الذي يعتقد إن المسلم السويدي هو أقرب إلى العراق منه إلى السويد, ومثل ذلك الذي يعتقد ويشكك بهوية كل مسلم من الملايين العشرة الذين يعيشون في أمريكا, وإذا كان ليس من الحق أن نرسم صورة مثالية ووردية للمجتمعات المركبة فنعترف بالتالي باستمرارية تأثير الموروث الثقافي على علاقة المسلم بوطنه الأول, كالعراق مثلا, فإن هذا التأثير يُفِعِلُ أيضا العلاقة العاطفية بين المسيحي العراقي في ديترويت أو كوبنهاكن وبين الدار التي ولد فيها سواء كانت في البصرة أو بغداد أو نينوى.
ولست أغالي إذا قلت, إن الأفكار التي باتت تقسم العالم على أساس الهويات الدينية, وما ينشا منها من صدام للأديان والحضارات, هي أفكار تلتقي بالنتيجة مع فكر القاعدة وتصب في خدمتها.
وحتى بغير ذلك فإنها أفكار مشوشة أو ذات نوايا بغيضة سوداء.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرقة بين عهدين.. الصحراوي والخضراوي
- نحن شعب لا يستحي.. ولكن, هل تستحي أنت
- وهل هناك بعد عبادان قرية
- لاء الحسين و لاء صدام بن حسين
- أسانج المُغْتَصِب.. أسانج المُغْتصَب
- في بيتنا... أسانج
- وقفة رابعة مع شهداء الكنيسة
- لو كان يدري ما انتصر
- من أزمة الحكومة إلى الحكومة الأزمة
- هل كان الحكم الملكي طائفيا – 4
- فاز المالكي بخصمه لا على خصمه
- في كنيسة النجاة... هل كانت إسرائيل هناك ؟!
- إرهاب وسباب وأسباب
- جريمة الأحد.. هذا ما تريده القاعدة
- هل كان النظام الملكي العراقي طائفيا.. الشيعة بين فقه الدين و ...
- هل كان النظام الملكي العراقي طائفيا.. صديقك من صَدَقَكْ..(2)
- تقارير ويكيليكس ونظرية المؤامرة
- هل كان الحكم الملكي في العراق طائفيا
- عن بلجيكا والعراق
- متى يخلع العراق جلباب الضحية


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - على هامش الجرائم ضد المسيحيين