أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - تداعيات الرحيل















المزيد.....

تداعيات الرحيل


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 17:44
المحور: الادب والفن
    


تكومت في الصدر كمشة الأشواق وهاجت كالزنابير تفترس الجيهات الأربعة، انتشرت هواجسي في كل صوب تبحث عن ملح الأهل والأصدقاء، وتراءت لي في الأفق، جبال الوطن وقشيب الأمهات الفقيرات ولحن العتاب، يغمرني الرحيل إلى قريتي الصغيرة مرتع البيوتات الهرمة، قريتي التي كانت تلف الحمد في سعة القمح مشفوعا برحمة قطرة السماء
كبرت فيها ومازالت هي تصغرني، تزداد صغرا كلما ابتعدت، كأنما الأرض فيها وريثة السنوات العجاف، لا يجاريها لحن الوجود، استكنت في صلبها هذه الأماني تستنجد عقمها الأبدي، طارت متناها العقول، وطار للعقل فيها فرخه، يتيم فيها دفء العتبة، كأنما الظلال سكينته، يسكنني انهيارها الأعزل، وبرد لياليها القارص، تقاوم لوحدها انحلال الشفاعة، شفاعة هذا الإنهيار القائم فينا إلى الأزل، وحين اغيب عنها، تخيم في الدار سكرة هذه الهواجس الغريبة.
يقتلني الحنين حين أواسيها، يسجنها في ودي، وتسيل في قواديسي روح هذه اللعن القديمة، هروبا منها إلى خيمة الضنك، هذه التي تلف مضاجعي في غربة عقيمة لا أهل فيها ولا أصدقاء، أنطح فيها رأسها المتصدع للهروب، وأروي سحنتي ببرد هذه العتبات السجينة في وأدة الظل،
مازالت تنتظر في البيت وسادة الطفولة
القرية الآن وحيدة
الدار فيها، أيضا وحيدة تكتوي ببرد الخريف، حتى ما أعود
عندما أعود مشبعا بالتجوال، يلتئم فيها أيضا دفء الغربة، وتلتقي فيها الأشواق، تندمل جراح قديمة وتتفتح جراحات العتابات الجديدة، تقول لك القرية : "ذهبت بدون وداعات الأهل والأحباب ولا رسائل تقتفي الأثر".
لاشيئ تغير في العتبة إلا الأهل، ذهبت بهم شح السنين، الشاي نفسه، الخبز نفسه وسمن الدعابات القديمة والجميلة، تحاكي بوهجها هذه المسافات الرديئة.
المحصول الزراعي ذاته والقطرة المنتظرَةُ ذاتها، ولا شيء توحيه هذه الرساميل المهيمنة غير لعبتها القذرة تنزف جراحنا في مخاض الجبل ليخرج منه فأر صغير، سمته الحكومات المتعاقبة استثمارا يجلب سعة السكينة.
عندما هاجرت، كان العزم منها رحيلا بالثلاث، هروبا من الزمن الرديئ، كان البؤس سيد المسافات فيها، وكانت المدينة المجاورة ضيقا آخر لايتسع لضيقي، وكان الوطن بكل زخمه، بجغرافيته المتمددة وفضاءاته المتنوعة، صعودا به أو نزولا، كان كله متسعا من الضيق، لا يستقيم فيه المسار، وكانت تتوزعني فيه هذه القامات الآهلة للسقوط.
آه لو سقطت يوما حصون هذه القلع القديمة.
في ضيق الوطن، تقلدت كل مناصب الشغل ولم تكفيني: كنت عزيمو، بواب العمارة الناطحة، حمو حزوظ (حمو العريان)المياوم الذي تتقاذفه تشريعات الشغل، وكنت بائع السجائر في امتهان الفضيلة بما يرضي دلع هذه القردة التي تركب سيارات الحكومة، وكانت الفضيلة أن أشعل سيجارة لكل المارة من هذه العنز الشاردة، تقلدت كل مناصب الشغل كما يتقلد علينا الوزراء حين يتبادلون حنكتهم علينا. كل المناصب لا تأويها، آلاف منهم مضى نهمهم ولم يقلعوا عن هفوة التاريخ التي تحط بلدا كاملا في مزبلة.
وزراء ككومة النحل تلسع من يجاريها، وتنعش وحدها برحيق هذا الوطن
كانوا خدام هذه الأعتاب القديمة المرتشية
كانو كلاب هذه المزارع الكولونيالية
كانوا ما كانوا، ولم يكونوا شيئا من هذا الوطن
كانت البطالة فيه مقنعة بتراويح إمام يجوع حشوده فتتبعه، ومن خلفه حكومة الوداعة تحمل أماني الجماهير المتسولة على جناح ابتسامة، فتتبعه.
تقرع له الطبول فتتبعه.
يأتيها النماء نوما عميقا لا توقظه الأزمات، فتتبعه
يحبك كل شيء في هرولة المراسم والوعود الجديدة، ينتقل فيها الوعد إلى وعيد فتتبعه
يقصم ظهرها فتتبعه، فأي شعب نحن هذا الذي يبيح التسول في كل شيء: في الجنس، في طلب العمل، في التسوق، في السفر، في الإدارات، في... في كل شيء.
كنت مسعورا بالترحال، وكانت ثقافات العبور سندي، تواسيني وترفع ضالتي إلى حضرة الغياب، كان البحر صغيرا في عيني وحواجز الأمن خريطة الطريق لخلاصي، وهل تمنعك رجالات هي ذاتها تغمرها عقيدة الهروب إلى الضفة الأخرى.
لاأمن يحميك من موتك البطيء في هذا الوطن السديم،
رحيلك القادم موت آخر ، مادامت عتبة الإنتظار في الوطن كالرحيل وراء العتمات، وهذه الأرض، كل هذه الأرض هي موطني مادمت مياوما، ومادامت هي تدنسها الرساميل وتفتح صدرها للحروب المختلفة.
نحن جند هذه الأرض أيتها البروليتاريا الرثة

جبل عوام

في البدء، وفي رحبة الوطن، سكن الغياب دواخلي وتكومت في الصدر، أفواج من الشوق الغامض تهيجني، تبعدني عن قريتي الهادئة، كنت أمشي فيها يتيما كالنعش.
كانت القرية تعيش على صلب القمح، فيما كانت الرساميل المتعددة، والقادمة من زمن العولمة تنخر في بواطنها، تسرق قرة الذهب أمام الملأ، وكان يحرص طريقها، رجالات الحكومة نفسها، وأطنابها ممن تدورت بطونهم بالمسعى، الرشوة كانت وكانت ايضا رفوف الإدارات الحكومية سوقا للتسول، ولت وجوههم عنا، ولم تغير منا شيئا، خلقت منا شعوبا تتعظ بالصدقات وتموت في وأد المجاعة، مازالت وجاهة رجالات القرية هي هي نحوهم، يسكنها سعيي التسول لعودة أبنائها المياومين إلى الشغل، ماتت فينا أيضا ثورة الشباب: حجيج غضب يطوق في اعتصامات رديئة ينقصها العزم، إضرابات تتقد لتدغدغ سلطات القمع وتذوب بصرعة فائقة في وطأة المساعي، تتلاشى كدخان السجائر حين ينفثه غضب المزاج. وعندما يركن سقم البطالة في العظام، نشعلها من جديد وتنطفئ كالكلأ، يواسيها الوزراء بفاكهة الإستثمار، لذلك كانوا يعودون في هدوء قاتل، يدورون عجلة الإنتاج المتدفق ويخربون قشرة الأرض التي تنبت القمح.
إلى بطونها نزلت
في المغارة نزلت
قطرة الماء
تغسل صفيحة المعادن
تسيل في الأنفاق وتحمل فلولا من ذراته، يستخرجها العمال ريعا يتوهج في ذروة الأسواق.
تضع القرية حملها في السوق وفي دورتها البيولوجية هذه، تجف في السطح تربة القمح،
شربت رياح الغرب حليب الأعشاب فيبست سنابل القمح وماتت المواشي، خرت مداشر جبل عوام وهرمت، وفر الناس من القرية إلا من وافته المنية في المناجم.

تيط إفسثن (العين الصامتة) والجرائم البيئية

ولما انهار الجبل هربنا إلى تيط إفسثن (العين الصامتة )
يستهويني خمار ليلها المحتشم، تجثم لها السرايا حين تستثمر مجاريها وترمي نفاياتها في صلب العين، ومن بعيد، كانت رجة آحدوس تنبعث عبر الأثير وتكسر هدوء ليلها البارد، كان صدى الطارة ينشد لحن الحنين لأول منزل يألفه الفتى.
ياأيتها العيون، ليس لي فيك عشق السواقي،، لي فيك عشق الأهالي يقطن ظلال هذه الغابات الفسيحة.
خيامها السوداء التي تكسوها فروة الماعز كانت مسقطنا الأول، وكان آحيدوس رقصة الميلاد حين لم يكن مسخا سياحيا، كانت العين تتحلى بأزهار أشجار الفواكه المختلفة، وكانت هي تنام تحت ظلالها، تنسل مياهها عبر المنحدر المائل في صمت عميق، محاطا بمكنون الآلهة، تتلوى عبر مداشر الأودية وتتمدد كظفيرة المعشوقة، تكتنز تحتها كنوزا صغيرةشلالات محاطة ببلوط أخضر، يخفي المجاري بظلاله كأنما يخفيها خوفا من قرصنة الخوصصة.
جبالها الشامخة كانت تكسوها الغابات في تناغم أزلي ولم تلبث ظفيرة الوادي تحميها فاكتساها العري محموما بماكينا الحطب سقط الشموخ تحت أزيز المنشارات وطقطقة الفؤوس وتحولت الغابات إلى أوراق نقدية تدفيء جيوب المضاربين ممن ابتدعوا خرافة التقسيم الجماعي، جماعات أضحت تنمي صلعة الجبال الأطلسية لتشعلها لفحات الشمس. أضحى النهب عيار هذه الكيانات الطفيلية، يسبح لها قطران الديموقراطية ويشفع لها هدير الكوارث، لم يسلم من العين إلا ظفيرة الوادي تكسوها خضرة الزيتون والدفلى وبعض أشجار البلوط الممانعة
كان كل هذا النهب إلى جيوب الموالي، أما القرية وما تبقى منها من أخشاب الأرز القديمة، فباتت تستحم في لهيب الأسعار، فر الرعاة عنها إلى المدينة وهوت أسر بكاملها إلى قاع العولمة، تفسخت فينا قيم البداوة: التحية الصباحية والكرم الحاتمي
لم يعد الجار يحمل جاره
تركت القرية تنتظر أسلاك الكهرباء وعندما عدت ذات يوم كان قد تملصت الجماعة منها لأن النصاب لم يكتمل.
أي نصاب يستقيم قبالة دائرةالنهب الشاسع؟
كانوا يمنعون الناس من الحطب ولما حسموا الأمر فيما بينهم قطعوها بالجملة والتفصيل

تاغبالت

تاغبالت الحزينة، تسند رأسها إلى عاري أوسار(الجبل الهرم) وتحضن في ذراعها تيط اوزقور (عين الخشب) لملمت دموعها في المنحدر فاستقرت لذاتها ونامت، هجرتها الطيور المغردة، هجرتها زفرات النوافير القديمة ولم يعد للحياة فيها غير صهيل الذكريات
عنز وجديان صغيرة تثغوا في خاصرتها، كانت تشرب ماء الظهيرة.
فقدت شيخها الذي يرعاها .

إيش واغو (جبل الدخان)

قلعة البريد, كان..
غابت فيه بلوطة الدفء
وانحلت أسراب النحل
ولم تعد للدخان فيه أبجدية للكتابة

أبراو ييزم (حفرة الأسد)

الحفرة منتصبة
والأسد انهار واندثر
ولا زئير يملأ صدى الضاحية



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات عبور: بوابة ابني نصر
- مذكرات عبور
- في التناقض: ماهو حرام على انجلز حلال على أنور نجم الدين 2
- في التناقض: ماهو حرام على انجلز حلال على أنور نجم الدين
- حكايا من المهجر: ساحة وليلي 2
- رسالة غرام، وجحيم المدرسة القروية
- حكايا من المهجر: ساحة وليلي
- حكايا من المهجر: صراع الهيمنة 3
- حكايا من المهجر: صراع الهيمنة 2
- حكايا من المهجر: الموضولو 3 وصراع الهيمنة
- حكايا من المهجر: هلوسة عبابو 3
- حكايا من المهجر: هلوسة عبابو 2
- هل يعيد التاريخ أحداث إيليخيدو مرة أخرى إلى الواجهة
- حكايا من المهجر - هلوسة عبابو
- الدرس الثاني ديالكتيك البراءة
- الدرس الأول لأطفالنا في الديالكتيك
- مقاربة تصورية حول الحتمية الاشتراكية
- نحو تأسيس مزبلة إلكترونية
- بمناسبة 8 مارس
- من وحي ألميريا


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - تداعيات الرحيل