أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - حكايا من المهجر - هلوسة عبابو















المزيد.....

حكايا من المهجر - هلوسة عبابو


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 2946 - 2010 / 3 / 16 - 16:43
المحور: الادب والفن
    


في الموضولو رقم3، كان يقيم عبابو، وكان غير محظوظ بعمل قار، وكان حظه الوحيد الذي كان يتيح له بعض البسيطات المعدودة للعيش (البسيطة هي العملة الإسبانية ما بعد اليورو) هو مانولو الذي غالبا ما كان يناديه للعمل في مزرعته الصغيرة، كلما نضجت غلته التي كانت غالبا الفلفل أو الطماطم في الموسم الأول ويختمها بالبتيخ في الموسم الثاني من السنة، ولأن مساحة المزرعة هي أقل من هكتار، فانه كان يستطيع أن يشتغل بها لوحده دون إضافة عامل آخر، لكنه كان رفيقا بعبابو وانسانيا معه لسبب لا يعلمه إلا الله، لأنه كان يكره المغاربة هو الآخر، رغم أنه لايبدي امتعاضه منهم، كان يكرههم بسبب السرقات الليلية التي تنال من منتوجه، وكان كلما حصلت له سرقة، كان ينادينا جميعا ليشهدنا على ذلك وهو ماحصل له ذات يوم ونادانا وهو يجدب:
ـ انظروا ماذا فعل المغاربة، هاتو معي، لماذا لا يأتون المزرعة من بابها عندما أكون وأمنحهم مايريدون عوض أن يفسدوا فيها حيث يقطعون السياج والبلاستيك ويفسدوا الغلة؟ انظروا هنا ماذا فعلوا؟ يا الهي، لماذا لا يكتفون بالمنتوج ويتركوا النبات لحياته؟ كان مانولو من العصبية ما يجعله يدك رجله تارة ويضرب بيديه تارات أخرى وهو يصيح: انا لست غنيا ليفعلوا بي هذا، لماذا لايذهبون إلى مزارع الأغنياء؟ ثم يقلب واجهته نحو الجدار البلاستيكي المثقوب وهو يتمتم بهيجانه: هل تعرفون؟ هل تعرفون ثمن المتر من هذا البلاستيك؟ لماذا يقطعونه بينما هو من السهل رفعه، إنهم جبناء! والله جبناء! تعالوا لتروا جبنهم الهمجي!أشار إلينا أن نتبعه إلى حيث تركوا له عربون مودة من الغائط كانت رائحته تزكم الأنوف منذ دخولنا لنجده هائلا كروث البقر،على جنباته سائلا يشبه النبيذ وهو بشكل لم نستطع معه كبت ضحكاتنا المتناقضة مع واجب عبارات الأسف، كان مانولو يقدر أن الجوع يفعل كل شيء، كيف لا وهو الذي جرب الحرب الأهلية ببلاده، لكنه لا يجد معنى ما لتلك العبارة الهائلة من الروث البقري، كان عبابو حينها يبدي عبارات الإستنكار والأسف من خلال إسبانيته الهشة التي كان يسرع نطقها كما لو كان بليغا فيها، وكنت شخصيا، ولسرعته فيها مقارنة مع أقدم مهاجر فينا، كنت أعتبره فصيحا، بينما هو في الحقيقة، كان يمثل علينا بطريقة رائعة انخدعنا معها لدرجة جعلناه دليلنا نحن المهاجرون السريون الجدد حيث كنا نصرفه معنا في جل قضايانا التي تتطلب مترجما، خصوصا عندما نلج إلى المستشفى أو إلى الإدارات...
ـ أتعلمون يارفاق! قالها عبابو بشيء من الإستنكار، أحجم أن أكون مغربيا كلما رأيت مثل هذه الشناعة.
ـ من يكون فعلها في نظرك؟ رد عليه مانولو متسائلا
ـ غالبا يحتمل أن يكون واحدا من أولائك الذين مروا بك في نهار البارحة ممن يطلبون العمل، هذا الفعل الشنيع يحمل بصمات انتقام.
ـ يبدو الأمر كذلك، لكن لا أحد مر بي البارحة فيما هما يتكلمان، كان مانولو ينظر إلى هيأتنا واحدا واحدا ويقيسها بعينيه على مربع الثقب البلاستيكي، وكان بعمله ذاك يعطي الإنطباع بأنه يشك فينا جميعا بما في ذلك صديقه الروحي عبابو والذي بدا من خلال هيأته أنه الوحيد الذي يستطيع أن ينفذ من ذلك الثقب، لكن والحق يقال لم يأتي بشيء من البتيخ في تلك الليلة إلى مسكننا.
في اليوم الموالي ذهبت وعبابو إلى أقرب محطة لشراء السجائر، وفي الطريق كان عبابو لا ينبس بشفتة, بدا حزينا كما لو كان قد فقد قريبا، وبعد مضي مسافة طويلة، سألته عما إذا كان أحزنه ما وقع لصاحبه مانولو خصوصا وأنه يعول عليه في الجني، نظر إلى بشيء من التمعن ثم قال:
ـ لايهمني إطلاقا مايقع للجيفات،( ج جيفة وهي الكلمة القدحية التي يقابل بها المغاربة كلمة المورو عند الإسبان،يعيرونها بهم لأنهم لايذبحون بهائمهم) كلهم أولاد القحبة، لا يعرفونك إلا عندما تضيق بهم ألأشغال أو يرون أن منتوجاتهم ستفسد إذا لم يسارعوا في جنيها أو إذا صعدت أثمانها في الأسواق، قالها اعبابو بشيء من الحصرة، ثم أضاف، هذا الكلب مانولو، منذ بدأ يجني البتيخ، كنت أنا من يتحمل كل الشقاء، لايحترم معي ساعات العمل المعروفة في الشغل، علي ملأ شاحنته المتوسطة ولا تهم عنده ساعات العمل بل الكمية التي تملأ شاحنته.
ـ على الأقل أنت وجدته للعمل، أما أنا فلم أعمل سوى أسبوعا واحدا منذ مجيئي، ولولا أخي الذي يعمل بالولايات المتحدة لعشت هنا شحاة.
ـ إحمد الله أنك وجدت أخاك وإلا تحطمت عظامك في هذا الجحيم، هل تعرف درجة الحرارة في البندر؟(الحمام البلاستيكي) وتعرف لماذا هذه الحثالات منا مسمومات كالمسامير؟ لو كنت تعرف لما قطعت البحر لتغرق في هذا الجحيم..، إذا كنت تريد العمل سأطلعك على سر
ـ ماهو، أرجوك، بودي أن أحظى بفرصة عمل
- سأطلعك على سر العمل، ولا تطلع أحدا، فهمت؟ هل تعرف لماذا أسكنونا في هذا القصدير؟ في أحداث إلخيدو، ولحل مشكل تسكين المهاجرين، بنوا هذه القصادير عند الملاكين الكبار كي يشغلوننا، الإنارة التي لدينا والماء هما من عند الملاك باكو، ومذ سكنا هنا، كان باكو يشغلنا فقط في أوقات الضائقة في عملية الرانكاج(إقلاع النباتات) وعملية الغرس، بينما العمال الرسميين عنده كما ترى هم من الأوربيين الشرقيين، والمغاربة الذين يعملون معه، تركهم في العمل لأنهم من القدامى الذين لم يشاركوا في الإضراب، هم خونة يحتقرهم حتى أنطونيو المسؤول عنهم في العمل من منطلق أن لا كرامة لهم، إن هؤلاء جميعا الذين يحيطوننا من كل جهة، لنا أسبقية العمل عندهم على سوانا، هكذا كان الإتفاق أيام الإضراب، الآن هم لا يشغلوننا وخالفوا وعودهم بذلك، لذلك علينا أن نخلق لهم المتاعب، وعندما يستوعبون ذلك سيشغلونا، نحن حثالة بالنسبة لهم ولكن نحن أيضا مرضى ومجانين وهم مسؤولون على جنوننا، وعلى هذا القياس يجب أن نكون، تعرف لو أني أردت البقاء في العمل مع أنطونيو لبقيت، لكني أنا من لا يتحمل تحطيم عظامي في لعبة الحصاد التي يتقنها المغاربة عنده، هذه الحثالة من المغاربة لا يعملون كعمال مزارعين، بل كحصادي أيام زمان
ـ على الأقل يكسبون رزقهم؟
ـ حتى أنت تستطيع أن تكسب مثلهم إذا عملت ماقلته لك
ـ ماذا قلت؟ لم تقل شيئا
نظر إلي كمن يستغرب ثم قال: هل تستعبط أم ماذا؟ قديما قالوا: الحر بالغمزة والحمار بالدبزة.خلع عبابو من جيبه سكينا كانت تصاحبه أينما ارتحل، أراه لي في إشارة منه وبدأ يخرط جدارا بلاستيكيا دون أي وازع أخلاقي، نهرته ثم نظر إلي وقال:ياه، تريد أن تقول لي بمعنى ما أنك عاقل، طز عليك، أنت في عالم مجنونـ يبدو أنك مجنون بالفعل، أنت إذن من فعلها عند مانولو وكنت وقتها واعظا علينا تخجل من أن تكون مغربيا، لكن قل لي بربك ماذا تأكل لكي تضع مثل تلك الفداحة؟كان هذا سحر عبابو في استعطاف مانولو الذي كان يستعطفه هو الآخر من خلال تشغيله في مزرعته الصغيرة، كان بعضهما يعرف الآخر ويتفاهمان، كان كل منهما يتقن لغة الآخر، تلك اللغة الجنونية التي لم أكن أفهمها ولا علمت يوما بطلاسمها كان سر عبابو في تعثر حظه في الشغل هي لعبة تحطيم العظام، وكان تعثره أيضا راجع لعدم تحمله جحيم الحصاد، وكان على الرغم من جنونه، وبحسه العمالي كعامل زراعي، كان يعرف أن نمطية الحصاد في هذه الحمامات تنتمي إلى زمن الأقنان وزمن الإقطاع، فنحن نقطن مزرعة في ملكية باكو الذي كان لا يشغلنا إلا عندما تطرق بوادر المجاعة بابنا القصديري، وكنا نتنافس في الشغل منافسة ماقبل ظهور العمال، كنا أقنان دون أن نعلم بذلك، وكان عبابو المجنون في استخلاص طريقا نستطيع بتتبعه أن نصنع حظنا كما قال، وأن نتحرر من مربط العبيد.
في الـحالات العادية، يكون عبابو كطفل وديع ، مضياف وكريم مع أصدقائه أكثر من حاتم الطائي، وكانت مشكلته الكبيرة أن أقرانه في المهجر حصلوا على التسوية القانونية إلا هو، وكان يستشعر الشماتة من أنوفهم رغم أنه في كثير من المرات، كان يفاخرهم بكونه زار عدة مناطق اسبانية منها على الخصوص مدينتي مدريد و برشلونة، بينما أغلب المهاجرين من جيله لم يغادروا مرابطهم بتييرا دي ألميريا، وكان ذلك مصدر تهكمه منهم عندما يقول لهم بأن تييرا دي ألميريا ليست إسبانيا.
كانت له محفظة مليئة بأوراق خرافية، شواهد سكنى، قضايا عدلية لسرقات صغيرة كان أهمها أنه يوما حاول اقتحام خم للدجاج كان في ملكية غجري، وكان الدجاج قد فطن به مما عسر مهمة اللحاق بهم، وكان حظه من ذلك ديكا بدا من حجمه كما لو كان كتكوتا صغيرا، وكان أن رآه صاحب الخم وتبعه دون أن يعرف عبابو ذلك إلى أن تعرف على مسكنه، ولما دخل عبابو، وتحت ضوء الإنارة، بدا الديك بالنسبة لأصدقاء عبابو كما لو كان يكبره بسنوات، فلقبوه بالعم فروج ( الديك بالمغربية) الذي بدا من هيأته أنه يعاني جراحا قديمة تمنع من ذبحه. في اليوم الموالي، جاءت دورية من الحرس المدني لتأخذه على خلفية شكاية تقدم بها الغجري إلى المحكمة، وفتح له محضر على أنه سرق ديكا رياضيا في لعبة المبارزة الديكية، وقيل له أنه سرق رياضيا هزم في آخر مبارياته، وأنه كان في حالة نقاهة بالخم، ولما رأى الغجري أنه لن يكسب شيئا من مهاجر سري غير سجنه، سمح له، ليتولى القضاء إجباره على الحضور إلى المحكمة والإمضاء كل أول شهر لمدة سنتين. كان من بين ملفاته أيضا ملف طلب اللجوء السياسي بإسبانيا، على خلفية الحصول على تسوية، وكان لايفقه شيئا في السياسة المغربية، سوى أنه كان جنديا برتبة بيدق وكان مرابطا بالصحراء وفقد خلال مدته هناك إحدى خصيتيه، حيث حرضه أحدهم أن يصنع من خصيته المفقودة قضية سياسية، وتقدم بطلب الحصول على اللجوء، إلا أنه رفض طلبه لعدم توفره على ملف اضطهاد في بلده، ولا هو كان من المتابعين سياسيا في المغرب، وكل ماهناك أنه هيج أجهزة المخابرات لتبحث عن ملف الرجل الخطير، ولم يعثروا على شيء سوى أنه كان كان جنديا مسه الجن في حجرة الترانسميسيون، ولا يشكل خطرا على أمن الدولة، كما خبرو أن خصيته لم تفتقد في ساحة المعارك وإنما انتزعت منه لتخليصه من مرض جنسي عضال تلقاه في إحدى مغامراته الليلية، وباختصار كانت حقيبته تحمل زخما من قضايا خرافية تشكل جزء ا من هويته، قضايا حرمته من تسوية وضعيته كما حرمته من رؤية أهله زمنا طويلا.











#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدرس الثاني ديالكتيك البراءة
- الدرس الأول لأطفالنا في الديالكتيك
- مقاربة تصورية حول الحتمية الاشتراكية
- نحو تأسيس مزبلة إلكترونية
- بمناسبة 8 مارس
- من وحي ألميريا
- حول تأصيل اللغة الأمازيغية
- كولن ولسن وتجريد اللامتجرد
- أحلام دونكشوت مغربي4
- أحلام دونكشوت مغربي3
- لي في عينيك
- أحلام دونكشوت مغربي2
- أحلام دونكشوت مغربي
- طالوت وجالوت كمدخل خلفي لإيديولوجيا الإرهاب2
- طالوت وجالوت كمدخل خلفي لإيديولوجيا الإرهاب
- حكايا من المهجر 2
- تطوان أو تيطيوين(العيون)
- حكايا من المهجر
- هكذا تكلمت بقرة
- مدخل لنقض مفهوم -الإنتقال الديموقراطي-


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - حكايا من المهجر - هلوسة عبابو