أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - المعذبة قصة قصيرة















المزيد.....

المعذبة قصة قصيرة


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 21:31
المحور: الادب والفن
    


أربعون عاماً تعايرها النساء.. عاقرة من يتزوجها؟. لن تصبح أماً أبداً.
في الزيجة الثالثة، يخط الشيب جزءاً من مفرق شعرها، وبعض الشعيرات البيضاء المتسللة بحياء كثافة رأسها الأسود المتموج، ومازالت تحلم بطفل تداعب رأسه الكروي الوردي الصغير تغسل جسده اثر اخراجاته الدائمة.
لن تتأفف كفتاة ترزق أول طفل، تعرف الرعاية نعم، كل نبضة تقول ذلك، بل رغم الشائعات تشعر أنها أم كل لحظة تخلو، إلى نفسها تتصابى، تربي طفلها بحنان بريء.
أربعون عاماً يطاردها العار، فتحيط بها كوابيس، العالم مدينة غابرة تتمنى تعلق في تنفساتها نسمة واحدة.. ينعدم وجودها، وبلحظات من الحلم ينقبض ما يحيط بها استفزازاً لها..
… آآآآآه.. (صرخة رقيقة)
ينقضي أربعون عاماً، الآن تستلقي على ظهرها رافعة ركبتيها عالياً، وينتفخ كرشها بتحدبه الكبير إلى الخارج.
- سأسميه ربيع.
.. مريم سيكون جميل.
.. أربعون عاماً وأنا انتظرك آه.. آآآآه صرخة متلذذة.
… ياه، لا أستطيع أتحكم بفرحتي.
كم شقيت.. أربعون عاماً وأنا انتظرك.
.. أو تعرف حبيبي.. الجارات.. الأسرة.. حتى أبوك.. لو تعرف كم تعبت.. (تسقط دمعات من عينيها وهي ترنو بطنها المنتفخ)
- آآآه… (صرخة عالية)
- ستولد الآن "أم هاني"
- مريم هاتي الماء الساخن بسرعة.
- لا تتأخري، أختك ستضع الآن - احضري الفُوَط.. هيا بسرعة.
من عمرها الثلاثين تأنس أغاني فيروز طرقات وعالم مبهم تركب خيلاً ابيض وترحل في حشد العشاق المارقين عُباب الليل. لماذا تسكن هلامية بدمعاتها الغزيرة لساعات طويلة كلما اختلت بصوت الفيروز.
سؤال تحتار الإجابة عنه. هو الصوت القادر ملامسة حزنها الطاهر، لحظات الفرح المتجرد عالمها الغابر.
- لا..لا هي هي. (تبكي بهوس)
لماذا يعلق شادي بذهنها الان؟ الفتى الذي اختفى ولم يعد ومازالت تلال الثلج الناسية أسماءها بفعل الحرب تذكر لعبة العابث هنا وهناك، ضحكاته المتفرقة الصدى.
- أخاف حبيبي تكون شادي الضائع.
.. لا.. خليك قربي.. لا تهرب. (بصوت مسموع تدخل في إغماءة الوضع)
- آآآآه .. آآآآه.
… أمـ… أمـ
.. آآآآه.
و آآآآ… واه.
- مبروك أبو ربيع، أخيراً يمنى جابت لك ولد.
- انه جميل مثل أمـ.. انه يشبهك.
***
وسيم كأمه، عيناه الحالمة وشعره السواد تنساب خصلات رقيقة متفرقة أجزاء جبهته البيضاء المتسعة..
طفل بدأ بالحبو حتى استطاعت قدماه تحمل جثته الرشيقة منذ خطوه الأول، صباحاً كان فجره يزداد اتساعاً في قلب يمنى، انه العصر الذي ظهرت به الحياة منذ لفظ لغته.. بلكنته المحببة- لا شيء أسمى منك ربيع، لا شيء يقارب فرحة العالم بك، كلما ارتفعت قهقهاته عالياً ويمنى تدغدغه بلهوها الصبياني كان البحر بنسمته- الباردة المتسللة شرفة المنزل الصغيرة تأتي متراقصة بإيقاع الصوت والريح تنساب إلى روحها، فينتفض لحمها البض اكثر نشوة.
- آآآآه كم أعبدك (تضمه بقوة وتنهال أصوات القبلات عالياً وهو يصرخ ما بين البكاء والضحك).
- انه يشبهني. (الأب)
- لا.. يشبهني. (الأم)
كثيراً ما احتدم النقاش بينهما، بل تعلَّق الطفل بأمه، وشبهه منها ان ثارت غريزته- الابن لأبيه، لا لأمه هي تابعة نعم.. هي تابعة، كان الاضطهاد ينمو بنموه، انتقاله الى الحضانة، فك الحصار النفسي عليها.
العام السادس أوشك ربيع طوله دخوله المدرسة، ويمنى تستعد مسبقاً بتجهيز ملابسه وأدواته حتى غرفة لعبة تتجدد دائماً، واختياره كلما خرج معها إلى السوق.
- كبرت. (في نفسها وهي ترنو إليه)
قامته تتفرع جمالاً - ياما خشيتُ العين عليه وهي لا تصدق بها يوماً جالسة مع إحدى جاراتها وهي تتابع لعبه.. وقالت:
- "ما اجمل انف ربيع".
فسقط من السرير ورعف انفه. شهور ويحمل حقيبته.. متجهاً المدرسة.. لكنه لا يهتم- الحضانة.. المدرسة.. رغم ذكائه وانتظامه في الدراسة في الفترة الأخيرة صار هادئاً متزناً رغم التذليل يقف طويلاً يفكر، بماذا؟
- أسرفتي ربيع.
… أصبح سارحاً.
إذا جرى به شيء .. أنت السبب. (جملة يرددها الأب كلما تشاجر معها).
.. شهور ويدخل المدرسة .. (قالت في نفسها)
***
- أماه
تلتفت إليها.
- قلبي منقبض.. (مرتجفة)
.. طول الليل وأنا ابكي. (تدمع)
- خير إن شاء الله. (الأم)
مرتبكة، الوقت مازال صباحاً، هناك الكثير من أعمال البيت.. غسل الملابس، عمل الغذاء، طول حركتها يأكلها هاجس لا تقوى معرفة ما يكون، ما تدركه هو خوف تصطك له عظامها- مرات عدة ترنحت وتقارب السقوط بل من اين.. لماذا هذه الدمعات!!.
هذا التشنج الذي بدأ يعتريها.. لما ترتعش يداها الآن..
- أماه.
.. أمـ.. أه. (تصرخ باكية)
.. اشعر- لا أستطيع.. لا أستطيع. (تسقط على الأريكة)

هو الزمن الأغبر رضينا بالقليل ولم يرض بنا. هل يظل يتعقب أي لحظة حلم نراها؟ هل أصبحت الفرحة حراماً.. حراماً.. (صدى)
- ربيع أين ربيع؟
- هاتوا لي ربيع.
.. هاتوا ربيع. (حالة ذهول)

من علو الطابق الثالث للعمارة المنتصبة يمين الشارع الرئيسي تطل مشعثة الرأس. صمت مخيف يسود الخارج، كل شيء قاتم يوحي بالوحشة وأسراب من الغربان تنعق.. لا تتدفق فتصطدم.. بعضها برأسها الطال من النافذة - كان كل شيء يغرس في النفس الرعب.
- ربيـ….ـع..
- ربيـ….ـع ..
الرصاص تلتهب الأرض من كان يحرق النهار هي أم حرارة الشمس الملتهبة لم يدر أحد منا.. لا أحد يخرج إلى الشارع وحدها يمنى فتهرع تهرع لا شيء يوقفها- لا الرصاص.. لا التعب - هنا.. هناك تصرخ مجنونة وقد نزعت ملابسها واحدة اثر أخرى بجنون هيستيري.
- ربيـ..…ـع. (تصرخ)
… ربيـ يـ يـ يـ….ـع. (بجنون)
كل شيء ينفجر حولها، بيوت تسقط.. وأخرى تحترق - الشارع يمتلئ.
بكتل من حجارة المنازل التي أنهكها دوي المدافع فبدت راكعة مستسلمة.
- آه منكم يا أولاد الكلاب.
- ابعدوا الحجارة من الأرض.
تحاول النهوض، فلتبعد الصخرة التي أسقطتها أرضاً.. لماذا يرمون الصخور في الشارع.. لماذا؟ بينما ترفعها عن الأرض، كانت ر..أس ربيع الطفل الوديع المولود بعد أربعين عاماً من الانتظار أربعين عاماً - هو الحلم لم تنتظره لوحدها بل كل العالم.. كل العالم..
- ربيع.. ربيع.
ربـ يـ يـ يـ..ـع (حالة جنون ورأسه بيدها).
- يا أولاد الكلب قتلتوه.
.. قتلتـ….وه.
آآآآآه.. آآآآه.. آآآآه.
… آآآآآآآه
لحظة من الزمن الغابر.. العام الجديد.. عام الشؤم.. يتشطر جسدها أشلاء مبعثرة كانت قذيفة مدفع قد أصابت هدفها جسدها المتعذب.
…. ابد الدهر.



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرباء – نحن – في بلد الجنرال ( قصة قصيرة )
- المدنية .. وحلم الفلاح قصة قصيرة
- مؤتمر لندن - مكشاف عورة العقل السياسي اليمني ( الجزء الاول )
- صنعاء .. أتا ... والرقص البحري نثر شعري
- الشتاء . . البلاد نثر شعري
- تعب المدار نثر شعري
- زمن . . بلا نوعية قصة قصيرة
- ليس للجنوب ان ينتظر الشمال
- جامعة تعز . . مسار للانهيار
- الراقص قصة قصيرة
- حوارية .. اصدقاء في التجرد قصية نثرية
- جيش.. وعكفة ...... صحوة لذكريات الطفولة والمراهقة
- ليس للجنوب أن ينتظر الشمال
- الحداثة والمعاصرة العربية يبن الوجود الممكن.. والوجود الزائف ...
- الحداثة والمعاصرة العربية بين الوجود الممكن.. والوجود الزائف ...
- منظور البناء الاتساقي ال (نقد- استقرائي) في عمومية (البنى ال ...
- قراءات في المنهج ( تعقيب نقدي.. على رؤية تنظيرية )
- الترميم.. نهج العقل الكسيح
- جرس يقرع.. من يفهم؟
- اللغة العربية .. والسقوط في زيف الأقنعة


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - المعذبة قصة قصيرة