|
تعالوا لأخبركم عن العرب : (2)
لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان
(Lama Muhammad)
الحوار المتمدن-العدد: 2898 - 2010 / 1 / 25 - 11:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( لنتعلم من الرياضيات عدم تجاهل الأصفار . ) . غابرييل لاوب
اختبرت الخوف للمرة الأولى عندما كنت في رياض الأطفال ، كنت صغيرة و بسيطة ، لا يزال النوم يداعب أجفاني عندما اكتشفت المعلمة أني لم أحضر أيا من الكتب أو الدفاتر ، و أنني اكتفيت بحقيبة تحتوي فقط على لوح كبير من الشوكولا كانت صديقة أمي قد أحضرته لنا البارحة . كان إحساسا غريبا ، طرقات في فستاني الوردي من جهة واحدة ، و نمل يمشي في قدميّ يبدأ حفلة صاخبة مستخدما طبولا عدة . بدأت أحرك قدميّ عساني أقتل النمل اللعين ، لكن الماء كان قد وصل مسرعا من ثيابي الداخلية إلى النمل ، مما زاد في هياجه و ارتفع صوت الطبول ... حدث ذلك كلّه في الدقيقة ذاتها التي صرخت بها الآنسة "سمر " في وجهي : -حمقاء ،هل تأتين هنا للعب أم للفائدة ؟!
لا أذكر مطلقا أنّي بكيت ، كان الشعور جللا لدرجة أنني لم أقو على البكاء ...قالت لي "مريم" جارتي في المقعد أنني خفت كثيرا ... خفت ؟؟ كانت كلمة جديدة ، تعرفت عليها سنواتي الخمس ، ضممت يديّ إلى الطارق في ثيابي ، وجلست بهدوء الكبار . للخوف صوت عال جدا ، و مخيف . في اليوم التالي حملت كل الكتب و الدفاتر التي أملكها ، أصبحت الحقيبة ثقيلة جدا فاضطررت إلى ترك زجاجة المياه و الطعام اللذين كانت أمي قد وضعتهما في الحقيبة . أمضيت اليوم كله جائعة و عطشانة ،في انتظار قدوم الآنسة سمر و تفتيش حقيبتي ، لكنها لم تحضر . كان درس الخوف الأول الذي لم يبكني ،لكنه تسبب في رعب ، و جوع ، و عطش ، و حقيبة تهد الظهر لمدة عام .
أعلم الآن أن الخوف بحد ذاته لا يهلك ..تهلكنا تبعاته ... **********
يتلاعب الخوف بأقدار ملايين العرب ، الخوف من الزوج أو (الزوجة )، من الأهل ، من التقاليد ، من الجيران ، من رب العمل ، من كتّاب التقارير ، من المخابرات ، و من الحكومة ، من الشيوخ و الفتاوى ، الخوف من الخروج عن السائد و المألوف . يقضي الخوف من الجوع ، الذل، الفقر على أي بارقة أمل لتغيير طريق (جنب الحيط) الذي يرسمه كل عربي بطريقة أو أخرى لنفسه و للتابعين له من أفراد العائلة . لذلك عندما يحاول هذا العربي تغيير طريقه ، فإنه يضيع و يضيّع من يتبعه . كيف يحصل ذلك و لماذا ، هذا ما سأتابعه و عن قرب في هذه السلسلة . **********
لن أكذب أو أتلاعب بالأحداث ، لقد أثبت لي المقال السابق أن القليل من العرب يعرفون القراءة (بالعربي). و بما أني لست ممن يلقون( الحرف) جزافا..لذلك فقد قررت أن استخدم الأقواس كأحرف ، و ذلك لتمييز بعض الكلمات التي (يبتلعها ) البعض و هم يقرؤون ..ذاهبين بذلك بالمعنى ،و محاولين صعود الدرج بطريقة (كل ثلاث درجات معا). ليس هناك شيء أسهل من السب ، اللعن ، االهمجيّة ، و تعقيد المواضيع ، و ليس هناك أصعب من إيجاد الحلول ، و احترام الآخر . عندما كتبت في المرة السابقة أن المشكلة العربية ليست دينية (بحتة)، لا طائفية (بحتة) ..تلقيت عددا كبيرا من الرسائل الالكترونية التي تسب الأديان ، و كثيرا من علامات الاستفهام :كيف يا دكتورة تقولين المشكلة ليست دينية ! اكتشفت عندها أننا لن نتطور ليس فقط لأننا لا نقرأ بل لسبب أهم هو أننا لا نفهم و لا نعقل و لا نستوعب. المشكلة ليست دينية (بحتة) : نعم و إلا لكان الحل همجيّا بامتياز . ما يعني ذلك : أولا : يشكل التغييب العقلي القائم على سوء الوضع الاقتصادي و الثقافي السلاح الأول للحركات المتطرفة التي تعد بحياة أخرى . ثانيا : إن محاولة القضاء على الإرهاب بإرهاب من نوع آخر هو قمة الهمجيّة . ثالثا : أعود و أكرر إن كلمة الدين في اللغة تعني :( العادة و الشأن) : لذلك لا علاقة لأحد بعادات آخر ، و من الاستحالة بمكان تطبيق هذه الفكرة في جو من الجوع ، الفقر ، السرقة ، شح المطالعة ، و معاداة الكتاب ... إذا هناك أسباب تجعل المشكلة ليست دينية (بحتة)..و الرجاء قراءة حرف القوس : ). **********
اكتشفت أيضا من المقال السابق أننا نحتاج لتعريف جديد للعرب ، بما أن العديد أضافوا بأنه لم تكن هناك حضارة عربية ، بل مجموعات و أعراق و شعوب أخرى ابتلعها العرب ... إذا لن نتطور أيضا في الإطار الزماني و المكاني - بغض النظر عن اللقب (عرب )- لأننا نتقاتل على حيازة التاريخ ، و على ملكيّة الآثار ..في حين يقدم كل من يستطيع على الهجرة إلى أمريكا (مثلا) ليتباهى بعد حصوله على الجنسيّة : أنا أمريكي . إن قراءة كتب التاريخ لوحدها و تبنيّها أشبه بشراء قطعة من سماء كوكب المشتري ، فالتاريخ يكتبه المنتصرون ، و المنتصر لن يقبل مطلقا المساس بشخصه و سيبيّض صفحته تماما قبل نشرها . لذلك لا يعرّف التاريخ حضارة مكان( أو )زمان ما و إذا أردنا أن نعرّفها يجب أن ننظر إلى أدباء و مفكرين و شعراء ذلك المكان( و )الزمان ، و إلى اللغة التي استخدمت فيما تركوه ، و ذلك لسببين : أولا:اللغة دوما تتبع النهر الفكري الأضخم ، لذلك ( مثلا) حاليا الجميع يحاول الترجمة من و إلى الانكليزية ، لأن حضارة هذه الأيام أمريكية ، و لا نحتاج هنا لاستفتاء . ثانيا :الأدباء دوما يكتبون للنخبة ..و للنخبة (في مفهومي ) تعريف آخر فالنخبة العربية(مثلا) حاليا تمثل الناس الذين يقرؤون ،يفكرون ،و يتذكرون أطفالا يقتلون ، يجوّعون .. و الأهم من هذا كله النخبة يحملون في قلوبهم( قضية) أطفال يخافون الصوت : صوت الصواريخ ، القنابل ، و صوت الخوف .
لذلك قد أقول العربي هو: الشخص الذي نطق أول كلماته باللغة العربية . أي أن العرب تجمعهم اللغة لا الوطن المنشأ . أما إذا أردنا أن نرجع إلى الأصول فالحروب عبر التاريخ – سواء التي قادها عرب أو روم أو فرس أو..– لم تترك عرقا صافيا ، في قول آخر الجميع على هذه الأرض نسل محسّن ( حسنته الحروب التي نقبت منذ فجر التاريخ عن النفط النسائي ، الذهبي و الحقيقي.) **********
مازلت أخاف ، الخوف ينتقل لي من جميع البشر ، و من ممن لا لسان لهم بشكل خاص ...
أحس ب (خوف) أطفال في( غزّة) ليسوا عربا( إن أردتم )، و لا هم يعرفون( الاسلام و لا المسيحية و لا اليهودية )، هم ينتمون للإنسانية ، و يقتلون ، و يجوّعون ، و تقوم في وجوههم الجدران الفولاذية ... لا لسان لهم : لأنّ من يقضون وقتهم في التكفير و التجهيل ينبحون بصوت عال يخفي أي أنين .
أحس بخوف طفل (عراقي )، ليس عربي (إن أردتم ) ، و لا هو يعرف (الاسلام و لا المسيحية و لا اليهودية ) ، هو ينتمي إلى أرض على الخارطة ، و يشاهد كل يوم منذ سنوات سحب الدخان . لا لسان له : لأنّه ليس طفلا لنابغة لاجئ في أمريكا أو أوروبا ، لأنه شخص منسي الهوية التي نريد أن ننكرها . **********
مازلت أخاف و أهلع من الأحزمة الناسفة( الفكريّة) التي تشكل الخطر المحدق بما تبقى من العرب ... و بقناعاتي فإن تفجير مقال يحرض على الكره و الضغينة و رفض الآخر هو العدو الأكبر للإنسانية ، باعتبارنا سنموت جميعا و لن نظل لنفسر ما كتبته أقلام ( قبضت) .
يتبع ...
#لمى_محمد (هاشتاغ)
Lama_Muhammad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعالوا لأخبركم عن العرب ...
-
رجال أحببتهم (1)
-
رسائل إلى الله
-
مذكرات فراشة في بلاد العم سام :جميل أبو رقبة
-
فراش حب (2) : بحر
-
فراش حب : (غدي)
-
أسرار جنسيّة : (شرفكم وثنكم!)
-
أسرار جنسيّة : (أطفال أنابيب!)
-
مذكرات فراشة في بلاد العم سام (2)-حقوق الإنسان-
-
مذكرات فراشة في بلاد العم سام (1)-دين الحب-
-
مذكرات - قط - في بلد عربي(4)
-
أسرار جنسيّة : للغيرة سلطان (2)
-
مذكرات - قط - في بلد عربي(3)
-
أسرار جنسيّة : للغيرة سلطان...
-
مذكرات - قط - في بلد عربي(2)
-
أسرار جنسيّة : قوس قزح
-
مذكرات -قط-في بلد عربي
-
أسرار جنسية: ثالوث
-
أسرار جنسيّة : (وسواس جنسي)...
-
أسرار جنسيّة :(حريم!!)
المزيد.....
-
بعضها أوقف التصدير... ما هي الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة
...
-
الآلاف يرفعون علم روسيا العملاق في قبرص احتفالا بيوم النصر
-
لجنة فلسطينية تدعو أهالي الضفة والقدس والداخل للانتفاضة إسنا
...
-
ساحة حرب.. مشاهد مروعة لهجوم نشطاء على مصنع -تسلا- في ألماني
...
-
-كتائب القسام- تفجّر نفقا بقوة إسرائيلية في رفح
-
الدفاع الروسية تعلن تدمير 3 دبابات -ليوبارد- ألمانية ودبابتي
...
-
تأهل المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجين- وسط تظاهرات
...
-
السفارة الروسية في الإمارات تنظم أمسية احتفالية بمناسبة الذك
...
-
إسرائيل تتحدث عن مغادرة مقاتلين من -حماس- رفح وتكشف عن استرا
...
-
لسبب غريب.. صينيون يدهنون وجوههم باللون الأسود (فيديو)
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|