كيف ننمي الابداع لدى أطفالنا ؟

عصام عبد العزيز المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 2893 - 2010 / 1 / 19 - 16:07
المحور: الادب والفن
    

لو استعرضنا أهم خصائص المبدعين من أدبيات الإبداع لوجدنا أن المبدعين في شتى المجالات يتسمون بالميل إلى الاستقلال ونقصان المسايرة الاجتماعية والتسامح مع الغموض والتحرر النسبي من القلق والانفتاح الذهني وروح الدعابة أو المرح وسعة الخيال والميل إلى التعبير ( حتى عن العدوان والعنف ) وهم عادة ما يأتون من اسر تتميز بالفروق الفردية الواضحة وتتقبل المخاطرات وتتسامح مع الآخرين (1) 0
انطلاقا" مما تقدم نرى أن المناخ الإبداعي وتشكيل البيئة الملائمة للإبداع يبدأ من الأسرة حيث يرى المتخصصون في التربية وعلم النفس أن الأطفال يولدون ولديهم القدرة على الإبداع ، وأن الأمر بعد ذلك يترك للكبار ليدعموا هذه القدرة بالمناخ المناسب للإبداع وتنميته أو يقمعونها ويخمدوا أوارها (2 ) 0
في دراسة تحليلية قامت بها الباحثة ( آن رون ) لتحليل الظروف التي تؤدي إلى الإبداع عند ثلاث مجموعات من العلماء ، واستخلصت الباحثة من دراستها أن أهم سبب في إبداع هؤلاء فضلا" عن وجود الاستعداد الشخصي لديهم كانت تشجيع هؤلاء العلماء إثناء طفولتهم على حل المشكلات التي تواجههم معتمدين على إمكانيتهم مثل الحرية ، تضاؤل العقاب وتزايد التشجيع من قبل الوالدين والمدرسين ( 3) 0
ويرى بعض المختصين في علم النفس أن الأطفال يحتاجون الى شرطين يجب توفرهما لكي تنمو قدراتهم الإبداعية ، وهذان الشرطان هما وجود الأمن النفسي والحرية النفسية ، ولتحقيق هذين الشرطين لابد من وجود عمليات ثلاث تتمثل بما يأتي :
1- قبول الطفل كما هو بجميع صفاته الحالية وبلا شرط ومنحه الثقة بصرف النظر عن حالته الحاضرة 0
2- تجنب التقويم الخارجي أو النقد الخارجي وتشجيع التقويم الداخلي 0
3- الشعور مع الطفل ومحاولة رؤية العالم من الزاوية التي ينظر إليها الطفل وفهمه وقبوله وقبول أفكاره (4 ) 0
إن المناخ الأسري الذي يسمح برعاية والدية ذات أسلوب تربوي معتدل للأبناء ، يشجع على استقلالية في التفكير وإتباع أسلوب التفاهم بالحوار والمناقشة ، وليس بالأسلوب التسلطي الذي يتسم بإلقاء الأوامر من الوالدين والسمع والطاعة من الطفل دون أن يفهم أو يناقش مبررات هذه الأوامر 0
وان من معوقات التفكير الإبداعي التي تذكرها أدبيات الإبداع ووصايا المتخصصين في العلوم التربوية والنفسية هي القسوة واستخدام أساليب الضغط والتهديد والتوبيخ والسخرية والعقاب البدني في معاملة الطفل ومطالبته بمطالب وسلوكيات يعجز عن تحقيقها ، وهذا يؤدي إلى ضعف ثقته بنفسه وميله إلى الانطواء والخضوع للسلطة أو التمرد عليها والخوف منها (5 ) 0
وان التدليل والحماية الزائدة للطفل من قبل الوالدين أو أحدهما يجعل الطفل اتكاليا" خانعا" أو أنانيا" مفرط الحساسية ، ضعيف الثقة بالنفس ، غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية سوية ، وهذا يجعل منه طفلا" معاقا" نفسيا" وبالتالي ليست لديه القدرة على التفكير الإبداعي 0 وان أهم ما يجب أن يعلمه المربون وأولياء الأمور ، وأن تقديم المثيرات المتنوعة والكثيرة تشجع الأطفال على الابتكار ، حيث أنه من شروط تنمية الابتكار لدى الطفل إتاحة الفرصة للأفكار الجديدة والاستنتاجات المتنوعة للمثيرات التي توجد حول الطفل (6 ) 0
وينبغي على الوالدين احترام محاولات الطفل التي تصدر منه لمعرفة ما يدور حوله واحترام أسئلته وتشجيعه على الاستفسار ، واستغلال حبه للاستطلاع وميله للاستفسار وتوجيه الأسئلة ، بأن يجعلا هذه الأسئلة أداة لحفزه على التفكير والاستبصار مع مراعاة عدم اللجوء في جميع الأحوال إلى تقديم الإجابات أو الحلول بصورة مباشرة ، وهذا تحد هادف لقدرات الطفل العقلية لتنمية هذه القدرات ومنها القدرات الإبداعية 0
إن أول ما يتعلمه الطفل في المرحلة الابتدائية في الولايات المتحدة الأمريكية هو الجملة الآتية :
( Iam proud that iam only one in the world ) أي أنني فخور بأنني واحد في العالم ، بمعنى يمنع مقارنتي بالآخرين لأنني كيان مستقل ولي شخصيتي المستقلة التي لا تشبه شخصية أي فرد في العالم 0
تصوروا ماذا سيكون مصير العالم لو لم تكن فيه عقول ناقدة تستطيع أن تبحث في الأشياء وتحاكمها محاكمات عقلية ولا تقبل كل ما يقدم لها دون بحث وتمحيص 0
إن كل ما موجود بين أيدينا من نتاج العلم والتقنية هو نتاج التفكير الإبداعي لهذه العقول
يقول الأديب النرويجي ( هنريك آبسن ) : ( إن المرء ليسأم من سماع صدى صوته ) 00 لقد كانت عملية نقل التراث أهم وظيفة للتعليم ، فالمطلوب من الطالب وفق هذه النظرة أن يتعلم مجموعة محددة من المعارف والمعلومات من أجل الحفاظ على المجتمع القائم واستمراريته00 ولازال هذا النوع من التعليم مهما" وضروريا" للحياة والمجتمع ولكنه لم يعد كافيا" لمواجهة تحديات العصر 00 إننا بحاجة إلى التعليم ألابتكاري أو الإبداعي الذي يوفر لأبنائنا القدرة على التكيف مع المتغيرات المستقبلية 0
إن مهارات التفكير الإبداعي كغيرها من المهارات قابلة للتدريب ، وللمعلم دور أساس في تنمية هذه المهارات 00 ويرى المنظّر التربوي الشهير تورانس Torrance الذي يسمى ( أب الإبداع ) أن هناك خمسة مبادئ يمكن أن يستخدمها المعلم في تدريب تلاميذه على الابتكار أو الإبداع وهي كالآتي :
1- احترم أسئلة التلاميذ إليك 0
2- احترم خيالات التلميذ التي تصدر عنه 0
3- اظهر للتلاميذ أن لأفكارهم قيمة 0
4- اسمح للتلاميذ بأن يقوموا بأداء بعض الاستجابات دون تهديد بالتقويم الخارجي 0
5- اربط التقويم ربطا" محكما" بالأسباب والنتائج 0
تؤكد نتائج البحوث التربوية والنفسية أن سنوات المدرسة الابتدائية الأولى هي سنوات حرجة في تنمية أو إعاقة قدرات التفكير الإبداعي 00 وهناك دراسة تجريبية قام بها هس Hess استخدم فيها مجموعتين من الفئران عند ولادتها وعصّب ( غطى ) أعين أحدهما لحجبها عن البيئة ، بينما سمح للمجموعة الثانية بالنمو لمدة ثلاثة أشهر ، ثم اختبر هس Hess المجموعتين في مسائل متاهية فوجد أن المجموعة التي لم تعصّب ( تغطى ) أعينها في الشهور الثلاثة الأولى من عمرها ، كان أداؤها أفضل المتاهات من المجموعة الأخرى ، كما قام الباحث بدراسة تتبعية أخرى بأن أخذ مجموعتين من الفئران من نفس العش ثم ربى مجموعة منها كفئران أليفة 00 بينما وضع المجموعة الأخرى في أقفاص مختبرية وبعد عدة أسابيع تم اختبار المجموعتين على مسائل المتاهات فوجد أن أداء الفئران الأليفة أفضل وبدلالة إحصائية من أداء المجموعة الأخرى التي حجزت بالأقفاص 0
المصادر
1- علم النفس التربوي ، د0آمال صادق ود0 فؤاد أبو حطب ، الطبعة الخامسة ، 1996م ، ص 637 0
2- تعليم التفكير ، د0 إبراهيم أحمد مسلم ألحارثي ، المملكة العربية السعودية ، الرياض ، 1999م ، ص50 0
3- طرق تعليم التفكير للأطفال ، د0 عبد الكريم الخلايلة وعفاف اللبابيدي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، عمان ، الطبعة الثانية ، 1997م ، ص 169 0
4- نفس المصدر رقم (2) ونفس الصفحة 0
5- تنمية قدرات الابتكار لدى الأطفال ، د0علي راشد ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2001 م ، ص 13 0
6- نفس المصدر رقم (5 ) ص 15 0
7- نفس المصدر رقم (1) ص 649 0
8- تنمية الإبداع والتفكير الإبداعي في تدريس العلوم ، د0 عايش محمود زيتون ، دار عمار للنشر والتوزيع ، عمان ، 1999 م ، ص 110- 111 0

( نشرت في جريدة الصباح ملحق أسرة ومجتمع ، العدد 695 ، في يوم الخميس 8 شوال 1426 هجري الموافق 10 تشرين الثاني 2005 م صفحة الطفل في الملحق صفحة رقم 3 )

#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل