أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سهر العامري - المقهى والجدل















المزيد.....



المقهى والجدل


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 875 - 2004 / 6 / 25 - 04:30
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


: - حرس !
: - نعم . سيدي !
: - خذ هذين الى السجن !
حين فتح الشرطي الحرس باب السجن ، ودخل سيد حسين السيد يوسف بائع الطحين ، ثم سالم الطالب في متوسطة الجمهورية للبنين في مدينة الناصرية انهالت عليهم التحايا من أبناء المدينة القصية الذين سبقوهم الى السجن بيوم واحد ، ومن أبناء مدن العراق الأخرى ، وعلى مختلف قومياتهم ، وتعدد مهنهم ومللهم ونحلهم ، فهنال المدرس والمعلم ، والفلاح والعامل ، والطبيب والمضمد ، وهناك العربي والكردي ، المسلم والمسيحي، وهناك الصابئي كذلك ، إنه العراق المصغر ضمته غرفة ضيقة، ذات جدر ضخمة ، وباب من قضبان حديدية متينة ، تقع في مدخل بناء كبير يذكر بقلعة قادمة من العصور الوسطى ، تفصله أمتار قليلة عن شاطئ الفرات الذي ابتلعه هور الحمّار بمياهه الغزيرة ، تلك المياه التي امتزجت بدماء أبناء الهور في معارك الحرب العالمية الأولى حين دنست جيوش الإنجليز التي حملت معها شركات النفط أرض الرافدين .
: - مرحباً ، مرحباً . قال أحدهم .
: - أهلاً ، وسهلاً . قال الثاني .
: - تفضلوا ، إجلسوا هنا ! قال الثالث ، وأردف : ولو أن المكان لا يسع !
: - متى اعتقلتما ؟ سأل رابع .
: - اليوم ، صباحاً . أجاب سيد حسين .
: - هل أعتقل غيركما ؟
: - لم نرَ غيرنا0

أحاطوا بهما من كلّ جانب ، الكلّ يريد أن يعرف ماذا يجري خارج عالمهم الضيق ، خارج تلك الغرفة التي ينزلها اثنان وأربعون سجينا ً، هم حصاد الإنقلاب الأسود بعد عشرين ساعة من قيامه 0
كان الشتاء قد هبط عليهم بأقدام من ثلج ، وكانت أرضية الغرفة رطبة ، مغطاة بحصران قديمة من قصب ، تقف في الزاوية الجنوبية اليمنى منها صفيحة نتنة يتبول فيها السجين وقوفاً !
: - لماذا أتيتما دون فرش ؟
: - لقد جاءوا بنا من الشارع ، قالوا لنا : ستعودون بعد ساعات قليلة.
: - كيف سننام الليلة ؟ سأل أحد السجناء ، وأضاف : كنا سعداء في الليلة البارحة ، وقد كان الواحد منا يستطيع أن يمدّ أرجله ، وها هو عددنا قد ازداد الليلة ، وربما يزداد غداً !
: - دعنا من غد ! ردّ آخر مضيفاً : نحن نريد حلاً عاجلاً لهذه الليلة 0
في الوقت الذي كان فيه السجناء يبحثون عن حلّ لمشكلة النوم في غرفة لا تسع إلا لنصف عددهم كان سالم يحدق في وجه بائع الطحين ، عضو الشبيبة الديمقراطية ، والذي عوّد المدينة القصية على صوته حين يذيع بياناً صادراً من مقرها الكائن في سوقها الصغير ، يعلن فيه عن إلقاء القبض على مجموعة من اللصوص الذين أخذوا من الليل ستاراً للقيام بالسطو على البيوت ، وترويع النساء والأطفال . لقد لعب أعضاء الشبيبة الديمقراطية دورراً حاسماً في القضاء على هذه الظاهرة ، وذلك عن طريق حراسات ليلية منظمة ، يقوم بها أعضاؤها تطوعاً في مجموعات صغيرة تدور في دروب المدينة وأزقتها ، يقودهم عن إنتخابات حرة المعلم حسين ياسين ، والمعلم حميد وادي ، ويساعدهم أعضاء نشطاء كان من بينهم سيد حسين بائع الطحين الذي لم يجده سالم مهموماّ ، رغم أنه ترك أسرة كبيرة وراءه ، ولم يظهرعلى وجهه خيط من خيوط الحزن ، كان يسحب دخان سجارته بقوة ، تاركاً إصبعين غليظين على شاربين رسمهما كما رسمهما من قبل هتلر! الذي يراه لأول مرة يظن أنه حديث العهد بالتدخين ، فهو لم يتعود بعد على سحب دخان سجارته ، ولذا فقد تركت نارها بقعتين سوداوين على إصبعين من أصابع يده اليمنى ، إحداهما على طرف سبابته ، والأخرى على طرف الوسطى 0
بعد عشر سنوات من تلك الساعة المشؤومة إلتقاه سالم في بغداد قبالة تمثال الرصافي ، فقد هجر هو المدينة القصية ، وبيع الطحين ، وأصبح صاحب فندق مؤيد المطل على الساحة التي يشمخ فيها ذلك التمثال ، وقتها سأله سالم عن السبب الذي حدا بالفنان أن ينفخ الرصافي على تلك الشاكلة ، ويحوله الى صنم تطوف حوله سيارات العاصمة دون أن تلقي نظرة عليه ، فرد هو بعد تردد : أنا لا أدري ما السبب ، ولكن ربما كان الفنان على عجلة من أمره ، فالجماعة كما تعلم قد عادوا الى الحكم على ظهر دبابة، وهم والثقافة أعداء ، وأرادوا من التمثال أن يكون دعاية لهم لا أكثر ، لكن سلني لماذا أجبر الفنان الشاعر الرصافي على وضع يده في جيب صدريته في وقفة تذكر بوقفة إمبراطور،مع أن الرصافي مات فقيراً على حصير من خوص سعف العراق ، ورغم أنه كان قد باع ماء وجهه مرتين ، مرة في البرلمان العثماني ، وأخرى في برلمان الحكم الوطني!؟ لقد فوجئ سالم بالسؤال ، ولذا فقد ردّه ثانية على بائع الطحين قديماً ، وصاحب فندق مؤيد حديثا ً، والذي أجاب ، بعد أن غطت إبتسامة صادقة محياه ، قائلاً : يقول المتفكهون من أهالي الجنوب إنّ الفنان حين أجبر الشاعر الرصافي على إدخال يده في جيبه إنما أراد للرصافي أن يكون قدوة في دفع البدل النقدي ! وأن يبادر كلّ مواطن قادر على دفعه ، ولا يريد الخدمة في الجيش الباسل الى ذلك حالاً ، لأن الحكومة الجديدة ، القديمة في حرج مالي كبير . وبعد ثلاثين سنة من ساعة هذا اللقاء حلّت بسالم رسالة وهو يقطن السويد من رفيق سجن الجبايش ، من سيد حسين ، بائع الطحين ، وصاحب فندق مؤيد ، يسأله فيها عن ولده سعيد الذي كان قد تخرج في الكلية الحربية في الإسكندرية من مصر ، لكن حين طالت الحرب بين العراق وإيران قرر أن يترك القادسية الأمريكية لصدام ، ويرحل نحو المجهول ، مثله في ذلك مثل الآلاف من العراقيين ، إلا الذين أرغموا، والذين اضطروا للبقاء في سوح الحرب المجنونة كما سماها العقيد القذافي . لكنّ سوء الحظ ساقه مرغماً للنزول بين الإخوة الكويتيين الذين هبوا سراعاً ، وقاموا بتسليمه الى أخيهم في العروبة والإسلام صدام، بعد أن مسحوا بالنخوة العربية أحذيتهم ، فكان مصيره الإعدام الفوري ، ككلّ العراقيين الذين سلمتهم السلطات الكويتية ظلماً الى مجرمي الحرب في بغداد ، خلافاً لشرائع الأرض والسماء 0 أما بائع الطحين الذي كافح من أجل أن يعيش ولده سعيد حياة أفضل من حياته كان لايزال يحلم بعودة مظفرة لولده . بعد أن لاذ سالم بالصمت عن إجابته على سؤاله الذي حملته رسالته إليه . وبعد أن مرّت أشهر على ساعة وصول تلك الرساله نزل به نبأ وفاة بائع الطحين سيد حسين ، وساعتها تذكر سالم ذلك الوجه الذي أطال التحديق فيه مساء يوم السبت التاسع من شهر شباط الأسود من عام ١٩٦٣م، متسائلاً مع نفسه ، بمن يفكر ؟ هل يفكر بأبنائه وزوجته ؟ هل يتخيل دكانه وأكياس الدقيق ؟ أ يفكر بالمصير المجهول ؟
: - اعترفوا !
: - الطريق الى النجاة يمرّ عبر اعترافاتكم !
: - لا شيء لدينا ، ولن نعترف بشيء . ردّ الفلاح محمد بعرور .
: - من هنا ، من هذا الباب نستطيع أن نطلق النار عليكم ، لدينا أوامر صريحة بذلك !
زمرة من الحرس ” القومي ! “ ، يقودها إبن حنون، وقفت أمام سجن الجبايش ، وراحت تطلق التهديد تلو التهديد ، والوعيد بعد الوعيد ، وتلوح بالرشاشات البور سعيدية ” الوحدوية “ .
: - إنه زواج غريب !
: - أليس غريباً أن يتزوج انقلاب أمريكي برشاشة بور سعيدية ؟
: - أ تدري لماذا ؟ سأل الفلاح محمد بعرور هازئاً ، ثم أجاب : لأننا شعب عربيّ واحد !
: - وهؤلاء الذين يهددوننا بالموت من خلف القضبان ؟
: - هؤلاء سذج لا يعرفون أقدامهم ! يعيشون أوهاماً مع شعارات تخفي خلفها مقاصد سياسية حقيقية ، وإلا كيف تفسر هذه الغبطة العظيمة التي نزلت على البيت الأبيض ، فقد أظهر ممثلو الرأسمال في واشنطن سروراً جمّاً بقيام الإنقلاب ، وقتل الزعيم ، وسيل الدماء في شوارع بغداد ، ومدن العراق الأخرى .
: - وبوجودنا هنا في هذا السجن المرمي في بطن الهور . أكمل المعلم علي ساخراً .
: - القتل والسجن مشروعان في عرف الرأسمالية ، ما داما يخدمان المصلحة العليا للرأسمال ، فماركس يقول : إذا بلغت نسبة الربح٣00% في مشروع ما لرجل رأسمالي ، فإنه لن يتوانى عن ارتكاب أية جريمة بما في ذلك القتل ، فكيف وقد شرع الزعيم قانون٨٠ الذي يكتف أيدي شركات النفط الى حد بعيد، وهي التي كانت قد متلكت أرض العراق، ونهبت ثروته النفطية ، لقد قال الزعيم لوزرائه حين وقع القانون المذكور: تعالوا نوقع على موتنا !
: - لكن أسألك ـ يا استاذ جلال ـ لماذا يتعاون الإنقلابيون من أبناء هذا الوطن ، على ما يدعون ، مع شركات النفط الأجنبية ؟ سأل صالح صانع حصران القصب ” البواري “ .
: - الإنقلابيون يريدون السلطة ، فهم تناسل عن مماليك بغداد القادمين من وراء حدود العراق، والذين كان همهم ليس أرضاء الشعب العراقي ، الذين هم غرباء عنه ، إنما إرضاء السلطان العثماني بما يقدمون له من جبايات ضخمة ينتزعونها من شعبنا الذي تحكموا في رقابه ، مقابل أن يقرّ لهم السلطان بولاية العراق. أجاب استاذ جلال مدرس مادة اللغة الإنجليزية في متوسطة الجبايش ، والقادم من كردستان0
: - نعم 0 أكد المعلم علي ، وأضاف : لدي اقتراحان ؟
: - ما هما ؟ سأل ياسر قاسم .
: - أن ينام النصف منا حتى الساعة الثانية ليلاً ، ثم يحلّ محله النصف الآخر بعد أن يظل جالساً طوال هذا الوقت 0 أما الاقتراح الثاني فهو أن نطرح المشكلة برمتها على مامور السجن صباح غد ، ونطلب منه توزيع قسم منا عند الليل على غرفتين أخريين ، وحتى لا تغادره النكتة التي اعتاد عليها أضاف : أما سالم فلينم على الأحذية بين الخدين الضخمين لجداري باب السجن ، ومتى ما شاء 0 وافق جميع السجناء على إقتراحي المعلم علي الذي لم يطبق شفتيه طوال الوقت ، فهو متحدث ضاحك ، ترقص أسارير وجهه ، فتتآخى مع نكتة تضحك الجميع حتى عمه المعلم خلف الجالس الى جواره ، والصامت أغلب ساعات نهاره 0
لم يكن علي وعمه خلف هما الوحيدان من أسرة واحدة في هذه الغرفة الضيقة المرمية في مياه الهور ، بل كان هناك سيد عدنان الخياط وأخوه المعلم يحيى ، وهناك ياسر بائع السمك وابن أخيه جبار وغيرهم 0
خيم هدوء عابر على جوّ الغرفة الضيقة ، مزقه سؤال نطلق فجأة من فم ياسر الذي كان يجلس الى جوار سجين آخر يبدو غريباً على السجناء الآخرين 0
: - من أقدم سجين فينا ؟
: - دشر 0 جاء الجواب سريعا من صالح صانع حصران القصب 0
: - منذ متى وأنت هنا ؟
: - منذ شهرين تقريباً . ردّ دشر بأنفاس مقطوعة 0
: - أنت منذ عهد الزعيم إذاً ؟ تساءل ياسر ثانية متجاهلاً . لم يكن دشر سياسياً، كان لصاً غير محترف ، ضاق عليه الرزق ، سطا على قرويّ ليلاً، سرق منه بقرة ، لم تكن البقرة سهلة القياد، كانت تحن لأهلها حنيناً شديداً، ولذا خارت تلك الليلة خواراً عالياً، عردت أكثر من مرة ، ضربها دشر ضرباً قاسياً ، فكانت تسايره قليلاً ، ثم تخور خواراً مرِّاً، أثار انتباه سكان القرى ، أيقظهم من نومهم ، تجمعوا بكثرة حول دشر ، شكوا في أمره ، فسلموه الى الشرطة ، عندها اعترف بما حدث ، وها هو الليلة يخضع لشروط المعلم علي 0 عليه أن يجلس حتى الساعة الثانية ليلاً ، يجب أن ينفذ الاقتراح الذي صار قراراً بعد أن وافق عليه الجميع ، لم يعترض هو أبداً ، لكنه أحسّ بفرق كبير
: - كنت في عهد الزعيم أنام منفرداً في هذه الغرفة !
: - وها هم أيتام شركات النفط أتوا بنا لنسليك ونؤنسك ، ونزيل عنك وحشة السجن ورتابته ! ضحك الجميع ، بينما راح المعلم علي يمازح دشر واقفـاً
: - سجنوك لأنك لصاً ، وسجنونا لأنهم لصوص !
: - هزّ دشر رأسه ، ابتسم ابتسامة خجلة ، ولم يزد على ذلك شيئاً ! : - أ تدري ـ يا دشر ـ أن الرجل الذي سرقت بقرته يحتاجها أكثر مما تحتاجها أنت ، فأنت ما زلت شاباً ، أنت قادر على العمل ، إنزل ـ يا دشر ـ الى الهور ، كن صياد سمك ، كن ملاحاً ، لا يمكن لك أن تصير أكثر من ذلك ، إترك مهنة اللصوصية ، إنها مهنة لن تشرف صاحبها ، يجب أن تسجن على قضية تشرفك ، قضية ترفع بها رأسك ، تطاول فيه رؤوس اللصوص الذين سرقوا هذا الوطن ، هم لصوص يا دشر! لصوص من هذا الوطن اتفقوا مع لصوص أجانب أكبر حجماً منهم ، إنهم يريدون نهب نفطنا الذي نهبوه على مدى سنوات . لو أنهم أرادوا بقرة ، مثلما تريد أنت ، لأعطيناهم عشراً كرماً ، وليس خوفاً . 
عادت البسمة الخجلة ، تعلقت على وجه دشر ، بينما غرق السجناء في ضحك تشوبه أحاديث جانبية ، ذلك الضحك الذي قطع على المعلم علي الحاج أمين درسه في الأخلاق والوطنية الذي ألقاه على دشر، حتى لكأنه في ذلك يلقي درساً على طلابه في مدرسة البطائح الأبتدائية ، والتي عادت تعاني من شح واضح في عدد المعلمين ، حالها في ذلك حال مئات المدارس والكليات التي زجّ الإنقلابيون بأساتذتها في غياهب سجونهم 0
: - إستاذ علي ! وحياة والدك ، سنعطيهم مئة بقرة ! قال سيد صادق الخياط ساخراً 0
: - ولماذا مئة بقرة ؟ هل لهم دية في أعناقنا ؟ واللّه لن نعطيهم نعلاً طواعية0 لقد احتلوا أرضنا ، نهبوا نفطنا ، بنوا لهم ناطحات سحاب ، ونحن نسكن أكواخاً غارقة في قلب هذا الهور، وها هم أذنابهم يضعوننا في السجن 0
: - نعم 0 لم يتركوا لنا شيئاً غير جلودنا التي نغطي بها أجسادنا 0 انضم الفلاح محمد بعرور الى علي في حديثه الى دشر 0
: - إنهم وراء الأبواب ، إنهم يسمعونك ! قال المعلم علي ساخراً 0
حدق محمد بعينين ذهب صفاؤهما في وجه علي الذي ما زال واقفاً ، شدّ أسنانه بعضها على بعض ، نزع ثوبه عن صدره ، ثم راح يلطمه بكفه الغليظه 0
: - دعهم يسمعونني ، لقد متزج هذا الجلد المعروق بملح هذه الأرض ، فأنا لن أخشاهم ، لن أخاف منهم ، ليفتح ابن حنون رشاشته عليّ ، لن نعطيهم شيئاً، لن نعطيهم ذيل بقرة ! لكن يتوجب عليك ـ يا دشر ـ أن تترك هذه المهنة الكسيفة ! هزّ دشر رأسه ، ولم يزد على ذلك شيئاً ، بينما واصل محمد كلامه 0
: - أنا فلاح معدم مثلك ، لا أملك غير كوخ ، لا أملك من ثروة العراق العظيمة إلا ما ترى من ثوبي هذا الذي يستر جسدي ، فابتعد ـ يا ابن 
أخي ـ عن هذه المهنة ، إنها لن تشرف صاحبها، مثلما قال لك هذا الرجل الواقف ، وأشار بسبابته الى المعلم علي 0
: - أراك تعيد الكلام لي ! ردّ المعلم علي ، وأضاف : أنا موافق على كلّ ما قلته ، وإنّ دشراً لن يعود الى ما كان عليه ، ماذا تقول يا دشر ! هزّ رأسه هزة أخرى ولم يزد ، بعدها أبحر في يمّ صمت عميق ، بينما كان سالم الصبي يراقب الوجوه ، يتفرس وجه دشر ، يرسم أكثر من سؤال ، لماذا يصمت هو ؟ لماذا يكتفي من الجواب بهزة رأس، وابتسامة خجلة ؟ أ كان يشعر بذنب كبير ؟ أ يرى أنه مع أناس لا يفكرون بذات الطريقة التي يفكر فيها ؟ هل كان يجد فيهم نوعاً آخر من البشر ؟ لقد استوطنت هذه الأسئلة نفس سالم ، أ يسأل المعلم علياً الذي كان يعرفه منذ أن كان طالباً ، والذي طالما تعلق الطلاب فيه، يمنحونه الرجاء تلو الرجاء بالتفضل والجلوس معهم ، هناك على أرصفة المقاهي المطلة على شارع الجمهورية الذي يخترق مدينة الناصرية باستقامة فريدة 0 كان علي طالباً فكهاً ، هكذا عرفه الطلبه الدارسون في تلك المدينة، تأتيه النكتة على عجل ، يبادر فيها أحياناً دون طلب من أحد ، فكم من مرة ارتفعت فيها الأصوات 0
: - تفضل يا أبا حسين ! تفضل إجلس معنا 0
: - واللّه إنني لمشغول ! سأعود بعد قليل 0
: - اللّه عليك ـ يا علي ـ استرح معنا بعضاً من الوقت !
: - أ سمعتم ؟
: - ماذا يا على ! ؟
: - أ لم تسمعوا بعد ؟
: - قل لنا ماذا ؟
: - الكويت ! ؟
: ماذا بها ؟
: - دهستها سيارة شاحنة ! !
انفجر بالضحك تجمع صغير من الطلبة ، جالس على كراسي ممتدة أمام مقهى جعفر، وفي ظلال فندق الهاشمي ، فكم من تجمع آخر ينتظر، هناك على امتداد شارع الجمهورية، وكم من نكتة سيقولها علي الطالب في دار المعلمين ، فالطلاب لا يريدون منه إلا النكتة ، وهو لا يريد الجلوس مع تجمع بعينه ، يريد أن يمرّ على الجميع ، ويضحك الجميع ، لقد اختار نكتته تلك لعلمه بالجو الذي كان يعيشه الطلبة ، فقد عبرت عن الاحباط الذي أصاب جهود الزعيم في ضم الكويت ، الكلّ كان ينتظر ، الكلّ كان بين مصدق ومشكك ، والطلاب جزء من هذا الكلّ المنتظر ، لذا شدّهم علي بحبل متين إليه حين ألقى كلمة : الكويت في مسامعهم ، ثم أرخى هذا الحبل حين قال : دهستها سيارة ، فكانت النكتة . وبمعنى آخر كان يريد أن يقول إنّ الزعيم لن يفعل شيئاً على الإطلاق 0 لفّ سالم نفسه ببطانية بعد أن وافق السجناء على اقتراح المعلم علي ، واستلقى على كوم من الأحذية يفترش أرض المدخل من الباب ، مسنداً ظهره ورأسه على أحد الخدين الضخمين لذلك الباب ، لاصقاً ساقيه على فخذيه ، ضارباً بركبتيه وقدميه الخد الآخر منهما 0 في ليلة حالكة الظلمة من ليالي شباط الأسود ، وعلى لسعات برد من ريح شمالية اغتسلت بمياه الهور ، غطّ سالم في نوم ثقيل لم ينم مثله على مدى ليالي طوال ، لكنه ، وفي ساعة متأخرة من تلك الليلة ، فزّ مرعوباً على نبرات حادة لصوت قوي 0
: - حرس !
: - نعم 0 سيدي !
: - لماذا ينام هذا الطفل في الباب ، وعلى هذه الشاكلة ؟
: - أما ترى ـ يا سيدي ـ أنه لا يوجد مكان في غرفة السجن يسع الجميع 0
: - لماذا لم أخبر أنا بذلك ؟
: - لقد طلب السجناء من مأمور المركز أن يتم توزيعهم على غرفتين ليلاً ، لكن طلبهم لم يلق َ استجابة بعد 0
: - في الليلة القادمة يجب أن يوزع السجناء على غرفة السجن وغرفة معاون الشرطة ، وأن ينام هذا الطفل بمفرده في غرفة مامور المركز ، لا يمكن أن ينام مع هؤلاء المجرمين !
من ذا الذي أتى به في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟ كيف حملته قدماه في هذه الليلة التي سكن بردها العظام ؟ أ هو حظ الصبي سالم ؟ أ هو حظ السجناء الآخرين الذين أخذ النوم من عيونهم ضيق المكان ؟ أ هي طلعة من طلعات هارون الرشيد ؟ لم يكن متنكراً مثله ، خرج والساعة تشير الى الثانية ليلاً ، خطواته ثقيلة، بطيئة ، رجل ضخم الجسد ، ذو بطن منتفخة ، عيناه خضراون بوجه أحمر ، لم يحمل سمرة العرب ، قد شبت به طلائع التجاعيد . كأنه بقية من جنود المتوكل الأتراك ، إنه قائمقام قضاء الجبايش ، القادم من لواء الموصل بعد أن منت عليه بهذه الوظيفة وزارة داخلية الزعيم ، في زيارة ليلية، تفقدية لمقر عمله ، وعمل الآخرين من الموظفين والشرطة 0 كان لأيام قلائل يكيل المديح تلو المديح للزعيم وحكمه،حتى عده كثيرون أنه قاسمي النزعة والهوى ، لكنه تراجع حالاً بعد أن سمع بيان الإنقلاب الأول من الأذاعة ، وراح غبّ أيام يلعن الزعيم وأيامه ، و يظهر على الملأ صوراً لجثث شهداء الثورة الجزائرية الأبطال الذين صلبتهم قوات الإستعمار الفرنسي على أعمدة الكهرباء، على أنها صور جثث مواطنين عراقيين علقت زمن الزعيم في مدينة كركوك ، لقد منحت مخابرات رائد القومية العربية ! تلك الصور للإنقلابين ! في أقذر عملية تشويه لم تراعِ حرمة دماء الشهداء الجزائريين، ومع هذا كله لم يكن هو الوحيد الذي تخلى عن الزعيم في ساعة الحرج ، بل سبقه الى ذلك الكثير ممن صفقوا له طويلاً ، وممن منحهم الرتب والمناصب ، ومات دفاعاً عن مكاسب الثورة فقراء الشعب وكادحيه ، مات الفلاح ميّس جمعة ركلاً بأقدامهم على أم رأسه، ماتت أم علي رمياً بالرصاص وهي تقود تظاهرة ضخمة حاشدة تهتف : الموت لعملاء الإمبريالية وقتلة الشعب !
لم يرد السجناء ليلتها على ما تفوه به القائمقام بشىء، فقسم منهم أخذه النوم، طارت به الأحلام حيث الأسر المفجوعة بانقلاب عروبة الأمريكان ، وآخرون بين اليقظة والنوم يلقي برؤوسهم على أكتاف البعض الآخر، لكنهم سمعوا ما قاله القائمقام :
في الليلة القادمة سيقسم السجناء الى قسمين ، وعلى غرفتين ، أما هذا الصبي فسينام في غرفة مأمور المركز 0 غرفة صغيرة تقلّ سعة عن غرفة السجن ، جثت في وسطها طاولة كبيرة ، خلفها يقف كرسي ، وعلى جهتها اليسرى كرسيان اثنان ، في حين شقّ جدار الغرفة الغربي شباك طويل ، أخذت الأمطار والرياح لونه الأخضر
: - إنك ستنام هنا الليلة !
: - بمفردي ؟
: - نعم بمفردك ، وتستطيع أن تمدّ بطانيتك على هذه الطاولة وتنام ، على شرط أن تنهض مبكراً ، وقبل مباشرة مامور المركز لعمله 0 قفل الشرطي باب الغرفة بإحكام ، تاركاً سالماً في بطنها ، يمدّ بطانيته على الطاولة ، واضعاً وسادته باتجاه الجنوب ، ثم باتجاه الشمال ، ومرة أخرى باتجاه الجنوب 0
الوقت لا زال مبكراً ، والشمس تسبح في مياه الهور ، يدثرها دثار من نبات البردي الذاهب ذهاب البصر ، وساعة النوم لم تأت ِ بعد ، أليس هو سجن آخر ؟ سأل سالم نفسه 0أن تسجن في زنزانة بمفردك ، أو في غرفة مامور المركز بمفردك فأنت نزيل سجنين : المكان والوحدة ! في التحدث سعادة ، فمع من ستتحدث ؟
حروف غريبة ، تتطاير من ألسنة حشود ضخمة، تزدحم فيها الشوارع الفسيحة، وأعظمها ما يسيل على شارع القبلة الذاهب الى ضريح الإمام الثامن علي بن موسى الرضا ، تذكرت ساعتها أبا نواس :
قيل لي أنت أحسن الناس طراً في فنـون من الكلام النبي

لك من جيـد القريـض مديـح يثـمر الدر في يدي مجتنيه
فعـلام تركت مدح ابن موسى والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا اسـتطيع مـدح إمـام كان جبريل خادمـاً لأبيـه
ومن هناك حملتك قدماك الى قبر هارون الرشيد ، كان كومة من تراب، احتمت من عوادي الزمن بضريح الأمام الرضا ، امتلأت حتى أوداجك عبرة ، رأيت كيف يلوذ الجلاد بكنف الضحية ، حادثته على شحط الزمن فلم يجبك ، علّ صخور قبره حالت بينه وبين صوتك ، عندها أخذت عينيك سحابة ، سخرت منه ذات يوم ، قائلة : إن الأرض للناس يا هارون! وها أنا أمطر في أرض هي ليست أرضك ! وعلى ذات رصيف الشارع الفسيح رحلت في دروب التاريخ ، تراءت لك وجوه عدة ، تخطو فتخطو بإثرها، هل وقعت قدمك على قدم جدك ؟ فقد خطت هي على هذه الأرض قبل خطوك ، تمنيت أن تلتقي تلك المرأة التي لم يحملها معه ، مكثت في أرضها بعد أن قضى وطراً منها ، أ كان هو قد ترك في أحشائها حفيداً ؟ أ له وجه بين هذه الوجوه ؟ من ذا سيجيبك؟ فليس لك من ألسنتهم لسان ، لا فرق في أن تكون في زنزانة بمفردك ، أو تخطو بمفردك في مدينة أنت منقطع لسان فيها ! ستكون هذه أول وأخر ليلة ، لن أعود الى هذه الغرفة مساء غد ، لن أعيش في الوحدة ، سأقول لهم لن أنام في عرفة مامور المركز ، الوحدة تقطع اللسان ، أريد أن أشاهد مسرحية : القمل والبرغوث التي تدور فصولها كلّ ليل في غرفة السجن الحقيقة ، والتي يؤديها السجناء كلهم0
: - هيا اجلسوا !
: - ماذا تريد ؟ دعنا ننام !
: - كيف تنامون وهذه القطعان تمتص دماءكم ؟ أما تحسون أنتم بها ؟
: - ماذا تريد منا أن نعمل ؟
: - قلت لكم اجلسوا ! وليخلع كلّ واحد منكم ثوبه ، وليشعل سيجارة يمرّ بنارها على ثنايا ثوبه ، هناك حيث تختفي هذه الحشرة اللعينة التي أتخمت من دمائنا دونما حساب 0
حين وجد ياسر قاسم أن سلطان النوم قد استولى على السجناء استل وسادة جاره ، وبدأ يضرب بها السجناء النوّم ، يحثهم على النهوض في ساعة من ليل يحث الخطى ، تاركاً نصفاً منه وراءه 0
: - لا يجوز لنا أن نسكت ، دماء في بطون القمل والبرغوث ، ودماء تسيل في بطون السجون والشوارع ! نهض الجميع ، لم يتخلف أحد منهم ، خلعوا ثيابهم ، قلبوها مثلما أراد ياسر ، بعدها اشعلوا سيجايرهم ، وراحوا يطاردون بنارها قطعاناً من القمل ، مصطفة بنظام ، ممتدة امتداد ثنايا الثوب ، حيث الخيط الذي يلمّ أجزاءه ، ويشدها بعضاّ لبعض 0
يبدو أن ياسر فكر طويلاً قبل أن تلد فكرة مسرحية ليلية كهذه ، فقد كان هذا العذاب الليلي المتواصل هو سبب هذه الولادة ، وها هو ذي الليلة يطلق ضحكة ، تلاحقها أخرى ، ممسكاً بسيجارته ، مردداً كلما احرق بها قملة : موتي ! ثم يسترسل في خطابية منتصر 0
: - هذه الليلة سأخرج دمي من بطونكن ، إننا ما زلنا أحياء ، مصصتن دماءنا ونحن أحياء ، فكيف بنا إذا متنا ؟
: - من أين يأتينا هذا القمل وهذه البراغيث ؟
حلق هذا السؤال في جو الغرفة ، طار من فم أحدهم مثلما يتطاير دخان السجاير من فم هذا وذاك في معركة لم تضع أوزارها بعد ، لكن من ذا الذي سيجيب ؟
ظلت العيون مشدودة لوجه ياسر، فهو الذي يقود هذه المعركة على مدى ليالي طوال ، وقد صدق ظن الجميع حين جاء الجواب منه ، وليس من غيره 0
: - يأتينا القمل والبرغوث من دشر !
ضحك الجمع المنهك بمطاردة القمل والبرغوث ، العاري ، المرتعش من برودة الشتاء ، بينما راح سيد حسين يمازح ياسراً ، ويثيره ضد دشر بأسئلته 0
: - لماذا يأتي القمل من دشر ؟
: - لأنه عتيق هنا ! ثم استرسل في كلامه ، واضعاً عينيه بعيني دشر0 قلت لك ـ يا دشرـ أنت من عهد الزعيم هنا ، وها هو عهده قد مضى ، فمتى يمضي وسخ جسمك ؟ ومتى يرحل هذا العذاب ؟ هذا القمل الذي أتيت به إلينا ؟
هزّ دشر رأسه على عادته، هزّه مرة أخرى ، ثم ابتسم ، وعاد الى صمته0 اعتقد ياسر جازماً أن القمل والبرغوث وجدا لهما مرتعاً خصباً ، ذلك هو جسد دشر المتسخ ، والذي لم يرَ الماء لشهور خلت ، وكذلك ملابسه التي لم تغسل ، ولم تستبدل 0 هذا الاعتقاد سيطر عليه بقوة ، فهو ينام جنباً الى جنب معه ، ولطالما استاف رائحة نتنة منه ، وعلى أساس هذه القاعدة بنى ذاك الاعتقاد ، ولم يمدّ فكره الى أبعد من ذلك ، لم ينظر الى أرضية غرفة السجن ، تلك الأرضية التي لم تكن معبدة بالإسمنت أو بغيره . لقد كسوها بحصران القصب ، وكلما تآكلت حصر مدوا حصراً أخرعليها، حتي عادت دمنة تختبئ فيها قطعان البرغوث والقمل نهاراً، وترعى في أجساد السجناء ، حين ينزل بها النوم ليلاً 0 وهذه القطعان النهمة تعد ساعات النوم أفضل ساعات للهجوم ، حيث تسكن الأجساد ، وتموت الحركة 0 لقد رفضت الشرطة طلبات السجناء المتكررة في تنظيف الغرفة، وإزالة حصران القصب المتراكمة والمتهرئة ، رفضت ذلك بإصرار ، وكأنها تريد لهذا العذاب الإستمرار والدوام ، فلم يبق َ أمام السجناء إلا مسرحية ياسر يكررونها كلّ ليلة ، ومع ذلك ظل هذا العذاب يمتص الدماء ، ويحلّ بالجفون نوماً منغصاً 0
: - الآن آن لك ـ يا ياسر ـ أن تنام ! قال سيد عدنان ذلك بعد أن أسدل الستار على أخر فصل من فصول تلك المسرحية ، ولهذه الليلة 0
: - كلكم تنامون إلا أنا ! فأنتم لم تسمعوا مثلي صفارة الشرطة التي تصرخ في أذني ، كيف ينزل بي النوم ، وأنا بين قمل دشر وصدر جبار؟
ضحك السجناء من أعماقهم ، رغم أنهم في ساعة متأخرة من الليل ، ضحكوا لنكة ياسر الجديدة ، فقد شبه صدر ابن أخيه ، الذي يرقد على جانبه الأيسر، والذي يعاني بمرارة من مرضي الربو والسل في آن واحد، بصفارة شرطي ، وذلك لفرط ما يطلق صدر جبار من أنين حاد 0 كان جبار في أواخر العقد الثاني من عمره ، يطلق صدره صفيراً منكراً، يسبب إزعاجا لبقية السجناء حين يأخذهم القليل من النوم ، لكنهم كانوا يرحلون عن ذلك بعقولهم خارج هذا المكان الضيق ، هناك حيث الأهل، البيوت ، المدارس، ورغم أمراض جبار الخطيرة فقد حملته الشرطة من المدينة القصية الى سجن الجبايش ، وذلك لأنه كان في رفقة لصديق قد غازل فتاة نهدت لتوها، هي بنت فراش المدرسة الوحيدة في تلك المدينة . والذي كان يؤدي خدمات مجانية متبادلة بين مدير المدرسة ، والمفوض حياوي ، ولذا تشددت الشرطة في معاقبة جبار وصديقه ، وطلبت في برقية عاجلة من مديرية شرطة محافظة الناصرية صدار أمراً بإيقافهم على ذمة التحقيق في سجن الجبايش 0
لم يكن جبار مذنباً ، كلّ ما ارتكبه من جرم أنه كان في رفقة مع صديقه الغارق في هوى تلك الفتاة التي كانت تبادله ذات الهوى ، فقد كانت تقف لساعات في باب دارها ، تنتظر أن يأتي به الدرب لتبادله نظرة أو ابتسامة حين يزاح بعض الحياء من وجهيهما ، وذات صباح من صباحات المدينة القصية الساحرة كانا وجهاً لوجه مع أبيها الخارج من داره لعمله ، لقد كانت صدفة مشؤومة أضاعت على جبار لذة صوفية ، طلما كان يقطف ثمارها ، حين يرى صديقه وعشيقته يتبادلان النظرات ، والإبتسامات في في مشهد لم يكن يؤمل نفسه أن يرى أحسن منه ، فهو لم يحلم حتى مجرد حلم أن ذراعيه ستطوقان خصري فتاة ، رغم أنه اشترى قماشاً ناصع البياض ، دبت عليه خطوط فاتحة الزرقة ، أخاطه ثوباً عند أشهر خياطي المدينة القصية ، رحيم ابن الحاجة كريمة ، وفي الوقت نفسه راح يضع على شعر رأسه دهناً تفوح منه رائحة طيبة ، ويمشطه بطريقة تجلب انتباه الناظر إليه ، ومع هذا كان إذا رمى كلمة غزل على أية فتاة تصادفه في زقاق من أزقة المدينة القصية أتاه الردّ سريعاً منها : أسكت أبو صدر ! كناية عما يحمل صدره من أمراض ، فيغرق هو في بحر من الخجل ، لا يقدر وزير الصحة العراقي القابع في مكتبه ، والممني نفسه بزيارة لندن ، على إدراك سواحله 0
حين دخل جبار غرفة السجن صاح عمه ياسر مازحاً : دع سيد عدنان يرتاح الآن ، ها نحن قد أصبحنا اثنين الآن ، أنا وابن أخي 0
: - لقد حسدتنا كثيراً يا سيد !
: - أنا . رد سيد عدنان مستفهماً 0
: - نعم أنت ، لقد كنت تردد دائماً أنك أكثر نكبة منا ، لم يبق َ لأسرتكم من يعيلها ، فأنت وأخوك يحيى في السجن معنا ، هل تراني أقول كذباً ؟
جرّ سيد عدنان طرف كوفيته من تحت فخذه الأيمن ، رفعه بيده على مهل، 
 مسح به على شفتيه 0
: - ما زال أخوك راضي طليقاً ، وما زال لديكم الدكان !
: - ها ، ماذا تريد ؟ أتريدهم أن يأتوا بـ ” مديرة “ ؟
ضحك السجناء ضحكاً كسر الوجوم الذي أنزله سيد عدنان الخياط على جوّ السجن ، حين زجّ ياسر باسم زوجته مديرة في النقاش الدائر بينه وبين سيد عدنان 0
: - أما يكفيهم ـ يا سيد ـ أن أكون أنا وابن أخي في هذا القبر ؟ ألم يكتف ِ مستر دلس بهذا ؟
: - واللّه ، لم يكفهم هذا، إنهم يريدوننا جثثاً هامدة ، تعبر عليها أنابيب النفط الى المتوسط 0
: -لا خاب فمك ! ردّ الفلاح محمد بعرور على سيد صادق الخياط الذي دخل حلبة النقاش ، وكرر : نعم 0 نعم0 إنهم يريدوننا جثثاً هامدة ، إنهم يريدون النفط ، لقد وضعت يدك على الجرح يا سيد !
ما كان سيد عدنان الخياط سياسياً في يوم من الأيام ، لكن الصدفة وحدها هي التي ساقته الى السياسة طوعاً، ففي صبيحة تعبق فيها ريح شمالية ، رخية ، قادمة من أعالي الهور في يوم من أيام شهر آب ، كان سيد عدنان راكباً في زورق أبو صوفه ، متجهاً الى كراج السيارات ، ومنه 
الى مدينة الناصرية ، وعلى ظهر الزورق ذاته كان يركب نفر من أبناء المدينة القصية ، من بينهم سالم ، وأحد وجوه صيادي السمك المدعو عريمط ، وحالما تحرك الزورق تحرك الحديث بين سيد عدنان الخياط وبين عريمط الذي يطلق عليه أبناء المدينة القصية تندراً لقباً عدا اسمه هو : مختار السدة ، وذلك لوقوع بيته قرب السدة التي تطوق المدينة من جهتها الجنوبية ، حيث بيوت صيادي السمك، وكذلك لمساهماته العديدة في حلّ المشاكل التي تقع بين هؤلاء الصيادين 0 كان محور الحديث يدور حول الإنتخابات التي أجرتها في المدينة مؤخراً منظمة الشبيبة الديمقراطية، وكان سيد عدنان نادماً لأنه لم يرشح نفسه للفوز بعضوية الهيئة الإدارية لتلك المنظمة ، وها هو ذي الساعة يتساءل: هل كان بإمكانه الفوز لو كان قد رشح نفسه ؟ وهل كان سيحصل على نسبة كبيرة من أصوات الصيادين، تلك الأصوات التي لعبت دوراً كبيراً وحاسماً في نجاح هذا المرشح أو ذاك؟
هذه الأسئلة وغيرها كان قد ألقاها سيد عدنان الخياط بحنكة وذكاء في مسامع عريمط ، لعلمه بالدور المؤثر الذي يلعبه عريمط في أوساط صيادي السمك ، وإنه يستطيع أن يأخذ نتيجة الإنتخابات ، وفوزه فيها من لسانه ، لقد ردّ عريمط وقتها على تلك الأسئلة بإيجاب كبير ، وقد تعهد هو لسيد عدنان أن أصوات أغلب الصيادين ، الذين يتحدث هو باسمهم ، ستكون له في الدورة الإنتخابية القادمة 0 وبذا فقد تحقق لسيد عدنان ما أراد ، وأصبح عضواً في الهيئة الإدارية لمنظة الشبيبة الديمقراطية في المدينة القصية، وصار يحضر إجتماعاتها بانتظام ، ويجلس الى جوار سكرتيرها المعلم حسين ياسين ، لكنّ الحظ العاثر لم يدم هذه النعمة علية ، فقد انقلب الزعيم بين ليلة وضحاها على المنظمة هذه ، وعلى أعضائها الذين طالما غنوا الجمهورية وغنوه هو باحلى الكلمات ، وأعذب الألحان ، وصار الكثير منهم مطارداً من قبل شرطة الزعيم بتهمة الشيوعية ، ذلك لأن هذه المنظمة كانت تتلقى دعماً كبيراً من لدن الحزب الشيوعي ، ومن تلك الساعة لبس سيد عدنان ثوب الشيوعية دوماً بعرف الشرطة وأجهزة الأمن ، ورغم أنه دخل السجن أكثر من مرة ، وأثبت أنه لم يكن منتمياً يوماً من الأيام الى الحزب الشيوعي ، وأنه كان قد مارس عملاً ديمقراطياً لا غير ، لكن كلّ هذا لم يكن لينفعه ، وظلت هذه التهمة تطارده ، حتى بعد إغراء الحزب الحليف ! له ، وانظمامه الى صفوفه بدرجة نصير ، وتعينه عضواً في مجلس الشعب في المدينة القصية هذه المرة ، لكنّ الحظ العاثر ظل دائماّ يقف له بالمرصاد ، فحين تخرج أبنه علي في كلية الفقه في النجف عين مدرساً للغة العربية في المدينة القصية ، و قد كان على صداقة متينة مع أحد أبنائها ، هو الشاعر الشاب، المبدع، عباس الجابري الذي استوطن النجف ، مواصلاً دراساته الدينية فيها ، لقد اشتاق علي ذات يوم لصديقه الشاعر بعد أن انقطعت أخباره عنه ، فقرر زيارته في ظرف حالك السواد، ذلك حين قامت قيامة القادسية الثانية ! وحين طرق علي باب صديقه الشاعر انفتح له عن ثلاثة وجوه غريبة على علي والمدينة ذاتها ، سأله أحدهم : تفضل ، أي بيت تريد أنت ؟
: - أ ليست هذه الدار هي دار الشاعر عباس الجابري أم أنني على وهم ؟
: - لا . لم تكن أنت على وهم ، إنها داره ، تفضل ! أدخل ! لقد جرّ الثلاثة علياً من رجليه ويديه ، وأدخلوه الدار عنوة ، ولم تمض ِ إلا لحظات قليلة ، وإذ به محمولاً في سيارة مجهولة ، والى جهة مجهولة كذلك 0
طال الإنتظار بأبيه سيد عدنان ، مرّ إسبوع ، إسبوعان ولم يظهر لعلي خبر، ولهذا إزداد سيد عدنان قلقاً ، واغتم غماً شديداً ، فقرر الرحيل الى النجف وراء ابنه أخيرا ً، ولما كان على علم بالصداقة المتينة التي تربط علياً بالشاعر عباس الجابري ، فقد توجه الى داره حال أن وطأت قدماه أرض النجف ، وبذات الطريقة جرّ من يديه وقدميه ، حين طرق باب الدار، وحمل بسيارة مجهولة ، والى جهة مجهولة كذلك ، لكنه وجد نفسه في سجن لا يعرف في أي بقعة من أرض العراق هو ، وقرب ابنه الذي قد انهكه التعذيب المتواصل من قبل جلادي السجن ، وقد عرف من ابنه أن الشاعر الشاب عباس الجابري صار جثة هامدة قبل إسبوع من ألآن ، ويبدو أنهم دفنوه في مكان مجهول . لقد قتلوه تحت التعذيب ، وبتهمة إنتمائه الى حزب الدعوة الإسلامية ، ومن ساعتها صار سيد عدنان متهماً بذات التهمة، لأن ابنه وصديق ابنه متهمان بها ، وذلك بحسب قانون الكمائن المشرع في عهد السيد الرئيس ! حيث يؤخذ الأب بجريرة الابن ، والابن بجريرة الصديق ، وبهذا بات سيد عدنان يتعرض كلّ ليل لوجبة من التعذيب الذي لا يطاق ، والذي لا يخطر ببال أحد، وهو نفسه لم يدرِ سبباً لذلك ، كلّ الذي عرفه من أفواه جلاديه ، عندما كانت العصي الكهربائية تأكل من جسده ، أن يعترف بالعلاقة التي تربطه هو وابنه بالشاعر الشهيد ، ولم يقنع جلاده قوله إنها كانت علاقة صداقة بريئة ، ولم ينفعه صراخه ، حين كانت تنزل عليه من أيديهم ألسنة النيران ، بأنه بعثي بدرجة نصير، وأنه عضو في مجلس الشعب، هناك في المدينة القصية 0
لقد قتلوا سيد عدنان ! مثلما قتلوا ابنه وصديقه من قبل ! لقد قتلوه حباً في القتل ، مثلما قتلوا ماء الهور ، ونخيل العراق ، لكن هل تذكر سيد عدنان وهو يصارع الموت تلك الساعة التي تنبأ فيها سيد صادق بموته هو وموت الآخرين ، حين قال قولته الصادقة : إنهم يريدوننا جثثاً ؟ لقد كان سيد صادق مبحراً دائماً في بحر عميق من الأفكار ، مما أضطر أحد السجناء الى القول بانه لا يفكر إلا بمصيرنا 0
: - وبمن تريده يفكر ؟ فهو لا يملك من حطام هذه الدنيا إلا ماكنة خياطة معلولة ، ينفق الكثير من الوقت في إصلاحها ، ولم يترك وراءه إلا دكاناً مظلماً ، لطالما تلكأ في دفع إيجاره 0
: - سيد صادق ! يا سيد صادق ! ها قد مرت عشرة أيام على رأس الشهر، وأنت لم تعطني الإيجار ! ؟
: - من أين آتيك بالإيجار ؟ وها أنت ترين الناس يمشون حفاة في هذه المدينة ، فمن أين يأتي العمل ليأتي المال ؟
لم تقنع أجوبته الحاجة كريمة مالكة الدكان أبداً ، إنها تريد إيجار الدكان مشى الناس حفاة أو لم يمشوا! في حين ظل هو يدافع عن هؤلاء الحفاة، يتحدث عن معاناتهم ، وعن أفكاره التي يبثها بين شباب المدينة ساعة أن يتحلقوا حول تلك الماكنة ، يشرح لهم مفهوم الصراع الطبقي في مراحل ما بعد المشاعية ، وبإسلوب سلسل، يستهوي عقولهم ، يحدثهم عما قام به المستعمرون من فضائع إرتكبوها في أسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبيه ، يقف أمام التاريخ ، يذكرهم بعرب و زنج الأهوار والبصرة حين أجبروا الخليفة العربي في بغداد على طلب النجدة من جيوش الأتراك ، يروي لهم شيئاً عن حديث القرامطة ، وكيف مدوا زحفهم الثوري من الكوفة الى عدن لاعة في اليمن ، ومن السلمية الى سجلماسة من المغرب الأقصى ، وهو في حديثه هذا يختار كلماته بعناية ، يجهد نفسه حين يريد إقناعهم بأفكاره ، يجلس جلوس رجل حكيم أوهنه التعب ، ومشى برأسه بياض السنون 0 أهنأ الساعات عنده هي ساعات الليالي التي تسبق الأعياد ، حيث يزداد عدد الشباب المستمعين له ، وهم في انتظار يوم عيد ، وثوب جديد ، تملأ نفوسهم غبطة الإنتظار، ويسحرهم الفرح القادم 0 ورغم أن سيد صادق كان يشاركهم في أفراحهم ، إلا إنه يرى أن الفرح الحقيقي هو ماء عذب يتصاعد من ينابيع النفوس ، هو راحة في عمل حرّ شريف، ثمرة أينعت في صيف تعب 0 هكذا هو، يفسر الأشياء لا كما يفسرها الآخرون ، يمنحها معاني جديدة ، وأحياناً بمفاجآت غريبة 0
: - انظروا ! انظروا !إنها ورقة بيضاء، صغيرة ، رقيقة، مربعة الشكل 0 سأمزقها أنا ، وسأعيدها كما كانت ثانية 0
: - إنها ورقة واحدة ! ؟ هل تشكون في ذلك ؟
: - لا.لم نشك، هيا مزقها وأرنا كيف تعيدها ثانية كما كانت !ردّ بعض السجناء عليه ، وكانت اللهفة تسيطر عليهم 0 بدأ سيد صادق يمزقها قطعة قطعة ، بينما كانت عيون السجناء تركض وراء كلّ مزق فيها ، بعد ذلك أخذ هو يرص تلك القطع بصبعين من كلّ يد ، وبحركة خفيفة أعاد تلك الورقة الى ماكانت عليه ، صغيرة ، بيضاء، مربعة الشكل 0أخذت الدهشة نفوس السجناء ، صار الواحد منهم يسأل الآخر ، كيف استطاع سيد صادق أن يعيدها الى سابق حالها ؟ أهو سحر ؟ لا يوجد أحد في السجن يؤمن بالسحر،حتى سيد صادق نفسه، وإذا لم يكن في الأمر سحر ، فكيف استطاع هو أن يعيدها غير ممزقة ؟
: - لا . لا يوجد سحر ، كل ما عملته هو أنني أخذت ورقة ، قسمتها نصفين متساوين في الأبعاد ، طبقت أحدهما ، وأخفيته حيث أمسك أنا بالقسم الثاني مفتوحاً بين سبابتي وإبهامي ، وحين مزقت هذا القسم المفتوح أمامكم ، وجمعت قطعه ، بدأت في الوقت ذاته أفتح القسم الذي طبقته من قبل ، وتخيلتم أنتم أنه القسم الممزق 0
بعد أن شرح سيد صادق الأمر للسجناء ، أخذته جلسته المتزنة أبداً، مسنداً الظهر منه على الجدار ، ثم أخرج سيجارة ، وأشعل عود ثقاب، وقبل أن تلامس النار سيجارته ستطرد في حديثه ، موجهه هذه المرة الى دشر الذي كان يتابع سيد صادق في حركته وأقواله بمثابرة 0
: - أ لم أقل لك ـ يا دشر ـ إن الدنيا ورقة تأتي ، وأخرى تروح ، انقلاب يسقط وآخر يقوم ، أرأيت كيف يلعبون بنا ؟ أ فهمت كيف يكون الخداع ؟
: - ماذا تريد أنت من دشر؟ أتريده أن ينظم الى صفوف الحزب ؟ دعه وشأنه، يسرق بقرة من هذا البيت،ويأخذ ديكاً من ذاك.ردّ بائع الطحين، سيد حسين ، مضحكاً السجناء ، معيداً سيد صادق الى صمته المعروف.
ولكنه لم يصمت ، حين وزع السيد الرئيس ! سيارات بيضاء من نوع لادا على اللاعبين الفائزين في لعبة لكرة القدم ، وكان هو جالساً جلسته المتزنة في أحدى مقاهي المدينة القصية ، وذلك ساعة أن صاح أحدهم : ماذا يريد اللاعبون ؟ هل يريدون أكثر من السيارات ؟ إنه عمل عظيم !
فرده سيد صادق قائلاً : من أين أتى السيد الرئيس بهذه السيارات ؟ هل أتى بها من جيب أمه ؟ إنها أموال الشعب المهدورة !
انقطعت أنفاس جلاس المقهى ، ورحل التهليل والهرج منها ، لقد شتم سيد صادق السيد الرئيس ! وها هو جثة هامدة ، تعبر عليها أنابيب النفط الى البحر المتوسط ! لقد قتلوه ! مثلما قتل داء السل جباراً وهو في ريعان شبابه ، ودون أن يضع شفتيه على شفتي فتاة من هذا العالم الفسيح!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مجتزأ من رواية للكاتب بذات العنوان ، صدرت في السويد قبل شهور ، وبمساعدة من وزارة الثقافة السويدية 0



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل تينيت !
- من سرّاق الى شحاذين !
- ويُقادون مثل الخرفان
- لصوص النهار !
- حكومة الابراهيمي الامريكية - العربية
- العرب وجثة النظام الصدامي !
- من اللاهوت الى الواقعية السياسية !
- ظرف الشعراء ( 17 ) : الأحوص
- على تخوم أبي غريب !
- من سيرهب من ؟
- البازار يستعجل رحيل الصدر !
- ويقتلون بالذهب !
- ايتام عفلق ودفاع آل ثالث !
- ظرف الشعراء ( 16 ) : الوليد بن يزيد
- من وحي الذكرى !
- ظرف الشعراء ( 15 ) : إبن هرمة
- الارهابيون العرب من الفلوجة الى الزبير !
- حكومة عراقية !
- ظرف الشعراء ( 14 ) : ذو الرّمة
- مفلس من مفلسين !


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سهر العامري - المقهى والجدل