أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الكحل - ما علاقة طرد المبشرين ومنع بناء المآذن بحرية الاعتقاد ؟















المزيد.....

ما علاقة طرد المبشرين ومنع بناء المآذن بحرية الاعتقاد ؟


سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2867 - 2009 / 12 / 24 - 23:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا شك أن القرار الذي اتخذته السلطات المغربية في حق المبشرين بالمسيحية والقاضي بطردهم خارج التراب الوطني يثير إشكالية الحرية الدينية في ارتباطها بثقافة حقوق الإنسان وبقيم التسامح . فمن الناحية القانونية هو قرار يندرج ضمن الصلاحيات التي يخولها القانون لهذه السلطات ، والتي ــ الصلاحيات ــ تلزم السلطات بحماية وضمان الأمن الروحي للمواطنين . فالدستور المغربي يجعل من واجبات إمارة المؤمنين حماية الملة والدين . قد يُفهم من هذا الإجراء خرق لحقوق الإنسان التي ينص الدستور المغربي على احترامها كما هي متعارف عليها دوليا . لكن جوهر القضية يقتضي التعامل مع هذه الإجراءات من زاوية أخرى تستوجب استحضار أهمية الحفاظ على الثوابت المشتركة التي يُجمع عليها المغاربة . ومن هذا المنطلق تتعامل السلطات المغربية مع المبشرين باعتبار أنشطتهم تزعزع هذه الثوابت ، ومن ثمة يتوجب التصدي لها . وللتذكير فإن المغاربة تعايشوا مع أهل الديانات الأخرى ولم يساورهم أدنى خوف ، سواء من الأجانب أو المواطنين الذين يعتنقون غير الدين الإسلامي . لكن ما أصبح يعطي نوعا ما بعض الخطورة للأنشطة التبشيرية هما عاملان اثنان : أولهما أن هذه الأنشطة باتت تعرف نوعا من التكثيف والانتشار في كثير من المناطق وتحت مسميات عديدة : إنسانية ، ثقافية وغيرها . بحيث لم تعد محصورة في الزمان والمكان وإنما امتدت لتشمل حتى القرى النائية . وتكثيف الأنشطة بهذا المستوى يخرجها بالضرورة إلى العلنية فتصبح مثار الانتقاد والتوجس . وهذا يفرض على السلطات المغربية التدخل لوضع حد لهذه الأنشطة التي تتعارض مع مقتضيات الدستور . أما العامل الثاني فهو الاستغلال السياسوي لهذه الأنشطة ، مهما كانت محدودة ، من طرف التنظيمات الإسلامية التي تجدها فرصة مواتية لتُظهر للمواطنين أنها تغار على الدين الإسلامي وتحمي عقائده من التحريف . ومن شأن هذا أن يضفي مشروعية على هذه التنظيمات الإسلامية ويجعل وجودها ذا فائدة . وكل سكوت للسلطات عن أنشطة المبشرين يعطي دعما للإسلاميين ،وهذا الوضع لا يخدم السلطات الدستورية لإمارة المؤمنين التي هي المسئولة عن حماية الدين . لهذا ، وحتى تسحب السلطات المغربية ورقة الدفاع عن الدين الإسلامي وعقيدة المغاربة من يد الإسلاميين ، فإنها تبادر إلى تطبيق القوانين في حق هؤلاء المبشرين .
إلا أن هذا الإجراء لا ينبغي أن يفهم منه أن المغاربة متعصبين ويرفضون التعايش مع أهل الديانات السماوية الأخرى . بل إن الواقع والتاريخ يشهدان على أن الأقليات في المغرب غير ممنوعة من ممارسة شعائرها الدينية . فضلا عن كون القانون المغربي يضمن لهذه الأقليات حقوقها الدينية ولا يعاقب أحدا دخل الكنسية للعبادة أو دخل بيعة يهودية . كما أن اليهود والمسيحيين في المغرب لم يشكوا من تدخل السلطات الأمنية أو القضائية لمنعهم من ممارسة عباداتهم . فالمغرب يعلن أنه بلد يضمن ويحمي حرية التعبد للأقليات . وحتى لا نخلط الأمور وجب التمييز بين التبشير بالمسيحية في المغرب وبين حرية التعبد للمسيحيين . فنشر المسيحية بين المسلمين زعزعة لعقائدهم ، وهذا يتنافى مع القانون . أما ممارسة الشعائر المسيحية في الكنائس داخل المغرب فأمر يضمنه القانون . من هنا يمكن القول إن التبشير ، من الناحية القانونية ، لا يدخل ضمن حقوق الإنسان وحرية الاعتقاد . لكن الأمر يطرح إشكالا حقيقيا على المسلمين جميعا : كيف يرضون لأنفسهم التبشير بالإسلام في المجتمعات المسيحيين ويمنعون المسيحيين من القيام بالمثل ؟ إنها في الواقع مفارقة يعيشها العالم الإسلامي كله وليس فقط المغرب . ولهذا الأمر جذور تاريخية وسياسية . فالجذور التاريخية تعود إلى الصراع بين المسلمين على السلطة عقب وفاة النبي محمد (ص) . ومن أجل إضعاف موقف القبائل المعارضة للسلطة المركزية حديثة التشكل ، كان الإفتاء بِرِدّتِهم وبقتل المرتدين . ومنذ ذلك الوقت بات المسلمون متشددين ضد كل من يغير دينه من الإسلام إلى دين آخر . أما الجذور السياسية فتتمثل في حداثة المؤسسات الدستورية وهشاشتها أو صوريّتها أو انعدامها حتى في عدد من البلدان الإسلامية . ومن شأن هذا أن يخلق خوفا في النفوس من العقائد الدخيلة على المجتمعات الإسلامية . بمعنى أن عنصر الاستقرار هو وحدة العقيدة وليس المؤسسات الدستورية كما هو الوضع في الدول الديمقراطية . لهذه الأسباب يخشى المسلمون من التبشير لأن مفهوم المواطنة لم يكتسب بعدُ تأثيره على ثقافة ونفوس أفراد المجتمع حتى يدركوا أن انتماءهم للوطن تترجمه الحقوق والواجبات المنصوص عليها في القانون ولا تترجمه العقائد . فالمغربي هو مغربي بوضعه القانوني وليس بعقيدته . وإذا غير عقيدته فلن تتغير مواطَنَتَه . وهذا مدلول الشعار " الدين لله والوطن للجميع". إذ حينما يشعر المواطنون أنهم ينتمون إلى وطنهم بناء على قيم المواطنة يكون هذا الانتماء قويا ولا يزعزعه تغيير العقائد . لكن هذا لا يحدث في العالم الإسلامي الذي لم تستوطن فيه فيم المواطنة بعدُ التي هي قيم حديثة وتحتاج وقتا وجهدا لإشاعتها . وبفضل قيم المواطنة لا يمنع الغربيون المنظمات الإسلامية والدعاة من التبشير بالإسلام ونشره في كل أوربا . بل إن كثيرا من الدعاة ينشرون ثقافة الكراهية ضد المسيحيين وأنظمتهم داخل أوربا نفسها . وهذا لا يمكن أن يحدث في العالم الإسلامي برمته . فالشعارات التي يرفعها المسلمون حول حوار الأديان والإيمان بكل الرسل واحترام كل الديانات السماوية ، تظل شعارات جوفاء ولا تتحول إلى سلوك يومي . والغريب في الأمر أن المسلمين لا يتذكرون قيم التسامح ولا يستنجدون بها إلا حينما يكونون في أوربا وتواجههم حكوماتها ببعض الإجراءات كما حدث في سويسرا مؤخرا . حينها ينزعج المسلمون وينتقدون الغرب بكونه لا يحترم قوانينه وقيم التسامح التي تميز ثقافته .علما أن منع السلطات السويسرية بناء المآذن له دوافع أخرى لا علاقة لها بحق المسلمين في ممارسة عقائدهم . ذلك أن السلطات السويسرية لم تمنع بناء المساجد لكنها تمنع بناء المآذن . وفرق بين بناء المسجد وبناء المئذنة . فللسلطات السويسرية ما يبرر قرارها وللمجتمع السويسري ما يبرر تخوفه من الإسلام السياسي الذي يرفض الاندماج في المجتمعات الغربية . ولو أن المآذن تخفض مكبرات الصوت عند آذان الصبح أو توقف تشغيل هذه الأجهزة في بيئة مسيحية لما لجأت السلطات السويسرية لهذا الإجراء . بل حتى في البلاد الإسلامية يشكوا فيها مواطنوها من حدة مكبرات الصوت خاصة عند آذان الصبح . ورحم الله الملك الحسن الثاني الذي تدخل لمنع "التهليل" الذي كان يؤديه المؤذن نصف ساعة على الأقل قبل أذان الصبح . وهذا الإجراء ترك ارتياحا عند عموم المواطنين . وهناك دول عربية اتخذت إجراءات أخرى للحد من الإزعاج الذي تحدثه مكبرات الصوت منها توحيد الأذان كما في مصر ، أو منع إذاعة إقامة الصلاة عبر مكبرات الصوت كما في السعودية التي بدورها منعت قبل سنة إذاعة التهليل قبيل أذان الصبح . إذا كان هذا يحدث في البلاد الإسلامية فلِمَ التضايق من إجراءات سويسرا . وكان حقا على المسلمين في أوربا أن يجتهدوا في إيجاد طرق للأذان تناسب وضعهم و لا تحرجهم مع سلطات البلدان المضيفة . فهم أدرى بوضعهم وما يتطلبه من إجراءات . فما ذنب المواطنين السويسريين ، وهم غير مسلمين ، حتى تزعجهم مكبرات الصوت عند الفجر ؟ قد يحتج البعض بأجراس الكنائس في بلاد المسلمين وكيف لا يتم منعها . لكن هذه الأجراس ، على قلتها ، تدق مرة في الأسبوع وليس في وقت الصبح . فهي لا توقظ أحدا من نومه . إن حرية الاعتقاد لا تخول الاعتداء على حقوق الآخرين .





#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقف الإسلاميين إزاء النضال من أجل حقوق المرأة .
- لما الإصلاح يقوده الأمراء ويناهضه الفقهاء !
- هجمة التطرف من المحيط إلى الخليج .
- هل ستعي الجهات المعنية رسائل جماعة العدل والإحسان ؟
- جماعة العدل والإحسان وحوار الطوفان لإسقاط النظام .
- معارك الإسلاميين والوهابيين ضد الأرداف والصدور .
- هل يمكن أن تكون مدونة الأسرة قاطرة للإصلاحات الشاملة ؟
- القيم بين الخصوصية والكونية .
- الدولة بين اتهامات الإعلاميين ومخططات الإرهابيين .
- أما آن للحكومة أن تتحمل كامل مسئوليتها تجاه الشعب ؟
- مواجهة الإرهاب والتطرف ضرورة تحتمها نوعية الخلايا المفكَّكة ...
- 11 شتنبر :ذكرى الأحداث الإرهابية التي جسدت مخاطر التطرف الدي ...
- لم يتمسح مصطفى العلوي بأعتاب الشيخ ياسين ؟
- جماعة العدل والإحسان حركة انقلابية ترفض العمل في إطار حزبي . ...
- هل التحالف مع حزب العدالة والتنمية يخدم الحداثة والديمقراطية ...
- جماعة العدل والإحسان وعقيدة رفض الإقرار بمشروعية النظام المل ...
- جماعة العدل والإحسان تنتقد مجمّليها لدى النظام والرأي العام ...
- تأهيل الأئمة مدخل رئيسي لتأهيل الحقل الديني .
- لما ينتقد الملك انتظارية الحكومة وسلبيتها .
- البيجيديون وخطيئة الاحتماء بالأجنبي .


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الكحل - ما علاقة طرد المبشرين ومنع بناء المآذن بحرية الاعتقاد ؟