أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - طوق الليل - قصة














المزيد.....

طوق الليل - قصة


عبدالله الداخل

الحوار المتمدن-العدد: 2793 - 2009 / 10 / 8 - 19:41
المحور: الادب والفن
    


1
مضى الذئبُ برأس ٍمطأطأ وعَدْو ٍ بطئ وكأنّ الشاحنة ومن فيها لم تكن تعنيه.
لم يكن يبدو أن أمر الذئب يهم السجين، الوحيد في الشاحنة، الممدد على بطانية رمادية عتيقة، بين المصطبتين الطويلتين المتقابلتين، ليس لكونه سينجو من الذئاب لأنه في "قفص" الشاحنة الكبير الأخضر، في هذا الطريق الصحراوي المبلط بأمطار نيسان الأخيرة، وليس لأن الشاحنة، المتجهة غرباً، كانت تمضي بسرعة قد تفوق سرعة أي ذئب، ولكن بدا على السجين أنه لم تكن تهمّه أمور أخرى كذلك، فهو شديد الهزال، شاحب، كموشكٍ على الموت.
ورغم شبابه الذي يختبئ خلف نحوله، كان الغبار الذي ربما حط هنا في أية مرحلة من الصحراء قد أشابه على نحو مفاجئ. ولم تكن اهتزازات الشاحنة يمنة ويسرة، صاعدة، هابطة بعنف، تكفي لطرد بضع ذبابات شديدة العناد عن وجهه. ولم يكن في القفص الخالي ما يعود له، ليس حتى صُرّة ملابس.

لقد مر الذئب على مبعدة مائة متر خلف ظل الشاحنة الطويل في الغروب الوشيك، عابراً الأثر الطويل الذي خلفته إطارات الشاحنة، مخترقاً دوّامة شاحبة متلاشية من دخانٍ وغبار خفيف، ولم يتبع المركبة.
بدا ككلب أسود، نحيل، كبير، سائب.
مثلما لاح لبصر السجين بسرعة، إختفى بسرعة.

2
مدّ العريف سائق الشاحنة يده الى المذياع، فخمدت الموسيقى الصاخبة التي تحولت الى أصوات شخير ونقيق، وعلى إيقاع الطريق كانت تهتز بندقيته النائمة على ملف أوراق خفيف متهرئ الغلاف.
فجأة ً، حلقت الشاحنة في الهواء وحطت بعنف بالغ، تتبعها كتل صغيرة من الطين، وواصلت السير بضع عشرات من الأمتار دون أن يُسمع صوتُ محركها، لتتوقف بعد ذلك تماما.

قبل أن يفتح العريف الباب وينزل ألقى نظرة على السجين من خلال المربعات الحديدية على الزجاجة الخلفية.

ترك الباب مفتوحاً وكانت ريح المساء الذي يسبق الغروب منعشة وقوية، ثم عاد ثانية ليفتح غطاء المحرك. لكن الباب ظل مفتوحاً.
رفع غطاء المحرك وأسنده ثم رفع من قامته القصيرة واقفا على طرفي حذائه يحملق في أبخرة المحرك، ثم أبعد رأسه عن المحرك خشية أن يسقط عليه الغطاء المعدني الكبير الذي ترنح في الريح.
وكمن تذكر امراً مهماً استدار الى الباب الأخرى، مزيحاً بندقيته قليلا كي يفتح المحفظة ويلتقط منها مفكـّاً وكلاّبة.
وضع أدواته على حافة المحرك الحار، ثم توقف مفكراً.
عاد الى بندقيته ليلتقطها تاركا الباب الثانية مفتوحة أيضاً، وكانت الريح تزيدها انفتاحاً.
أسند بندقيته الى مقدمة الشاحنة. وقرر في تلك اللحظة أن يبول.
راقب الريح وهي تدفع بولته عن إطارالشاحنة لتبددها في الفضاء بعيداً عنه.
عصفتان أخذتا نصف البول الى أعماق الصحراء، بعيداً، باتجاه السجن الذي يقصده.

لكنه لاحظ من زاويةِ عينه أن اشياء أخرى، بيضاء، تحلق في الريح، عالياً، صوب الغيوم الزاحفة.
ألف لعنة على...
إنها الأوراق!
لم يعتصر جوفه حتى آخر قطرة، بل عمد الى الباب التي خرجت منها الأوراق، أغلقها بعنف ثم راح يطارد الأوراق في الصحراء.

علقت ورقة ملصقة بنصف ورقة أخرى بنبتة شوك. هرع إليهما والتقطهما.
حاولت الريح انتزاعهما من يده وقرأ على عجل تحت إبهامه:
"كتابكم المرقم..."

ولكنّ ما رأى أمامه بعد هذا جعله يُرخي أصابعه فانتزعت الورقتان نفسيهما من يده بصخب، وعادتا الى التحليق.

3
تحامل السجين على نفسه لتحذير العريف عندما رأى إثنين من الذئاب، شبيهَين بالذي رآه قبل أن تعطل الشاحنة، يندفعان من الخلف بكل قوتهما صوب العريف.
حاول تسلق المصطبة.
أراد أن يصرخ لكن صخرة كبيرة كانت تقف في حلقه. كان لسانه متورماً كما لو كان مهروساً أو قد قـُطِع نصفه. لكنه تهالك أدراجَه على بطانيته.
فالذئبان انطلقا لنجدة ثالث مزمجر مستعد للهجوم كان قد زرع العريفَ في مكانه حائلا بينه وبين العودة الى الشاحنة.

بنفس الإندفاعة العاصفة وثب الذئبان سوية ًليطرحا العريف، الذي جمّده الخوف، أرضاً، ولم يعد السجين يرى أو يسمع شيئاً سوى أصوات الذئاب الثلاثة وهي تمزق العريف، بينما وثب رابع من فوق غطاء المحرك المفتوح مرتقياً سقف الشاحنة، بادئاً بالعواء لدعوة باقي القطيع.
عند هبوط الليل كان يَمِضُ زوجان من الخرز الصفراء الشاحبة في الزجاجة الفاصلة بين جزءَيْ الشاحنة.
ثم ما لبثت أن تلألأت عشراتٌ من أزواج الخرز بصفرةٍ نارية أشد وضوحاً تحيط بالشاحنة من كل جهة.

كان السجين يرتجف من البرد والبلل تحته، وكان ليلُ نيسانَ ما يزال طويلاً.



#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخَبَر
- كريم - القرية 49 - 51
- القرية 44-48
- القرية 40- 43
- القرية - 39
- الأسئلة الأخيرة
- من عصر الرصاص 2
- من عصر الرصاص الأول
- كريم 10 - القرية 36-37
- القرية 35
- كريم 10 - القرية 29-34
- كريم 10 القرية 1-28
- كريم 10 - القرية : 1-13
- رفقاً بالرعية!
- كريم 10 - القرية (14-28)
- دخيلٌ على جُزُر الوحوش ِالصغار
- في الذين ماتوا من أجل شئ ٍمن العدل، في العصر السابق للتوزيع ...
- أكاذيب من عصر الشمبانزي السادس عشر
- -أمينُ لا تغضبْ- قصيدة محمد مهدي الجواهري بعد انقلاب شباط 19 ...
- في ثقافة الاحتلال العراقية - محاولة في تشخيص بعض صفاتها الأس ...


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - طوق الليل - قصة