أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - الحزن الوسيم(رواية)4















المزيد.....

الحزن الوسيم(رواية)4


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2569 - 2009 / 2 / 26 - 09:25
المحور: الادب والفن
    


(حيرة نوزاد)
ـ لم تسهر يا بني.
ـ النوم لا يريدني يا أمّي.
ـ أستحم عسى أن تتخلص من أرقك.
ـ الأرق قرين الفقراء،لا شيء يمحقه يا أمي.
ـ حاول أن تشغل نفسك بشيء يتعبك.
ـ كلّما أنام الكوابيس تحاصرني،كأنها شياطين تأتي لخنقي.
ـ كوب حليب دافئ،يرخي أعصابك.
ـ ليس المسألة مسألة نوم يا أمّي،الحياة لم تعد تحتملني.
ـ لا عليك يا بني،لابد وأن تأتي فرصتك.
ـ كلّ من تعين،أوطأ درجة منّي.
ـ المال..المال..سبب خراب دنيانا.
قام من منامه،ظلّت أمّه ترمقه من فراشها،مشى ووقف أمام النافذة،بدا الليل مغسولاً بالنجوم،صمت مطبق،فتح درفتي النافذة وراح يسحب من الهواء الرطب المنعش،فتح عينيه،رأى نسراً عملاقاً قادماً من أعالي الشمال،من حيث القمم الشاهقة،حام في سماء المدينة،فارداً جناحين عملاقين،عيناه تبرقان ضوءاً فسفورياً،كأنه يستطلع أو يبحث عن طريدة فلتت من مخالبه،وجد طريدته في بقعة ما،أنقض على شيء جميل ولامع ومتوهج،ندت منه صرخة،وجد أمّه واقفة جنبه..همست:
ـ ماذا بك يا بني.
ـ لا..لا..لاشيء يا أمي.
ـ ولكنك صرخت.
ـ أنا..أنا..لا..لا..لا..!!
ـ أنت مريض يا بني،تعال لتنم.
أطاع أمّه وعاد إلى فراشه،جلبت أمّه كوب ماء،بعدما رفض الحليب،رشف منه وأعاده..تمتم:
ـ هل حقاً أنني صرخت.
ـ أنت فعلت ذلك،أرجوك لا تتعبني،هل في بالك أمر.
ـ كلما أنام،يداهمني نسر كبير،يأتي من القمم الشاهقة،يحوم فوق المدينة،يحاول أخذ شيءٍ أراه متوهجاً،حين ينقض عليه،أشعر أن مخالبه تنغرز في قلبي،شيء ما ينخلع من جسدي يا أمّي.
ـ أنت تفكر كثيراً،ربما رأيت في المعرض أشياء من هذا القبيل ترسخت في بالك.
ـ المعرض..المعرض..!!
ـ نعم المعرض..(شيرزاد)حكى لي عن الفنّانة،قال أنها كادت أن تجن لرؤيتك.
ـ أنه يمزح يا أمّي،تعرفينه،يحب التورط بالمشاكل مع البنات.
ـ حدّثني عمّا جرى بينكما على قمّة(أزمر).
ـ وماذا قال أبو المشاكل.
ـ قال أشياء كثيرة وطرح علي فكرة أن نطلبها لك.
ـ ألم أقل لك أنه يمزح.
ـ ولم يمزح،كلّ شيء حسب الأصول.
ـ كيف ذلك وأنا مجروح يا أمي.
ـ (هه ولير)صارت من الماضي،عليك أن تنساها.
ـ ماذا..(هه ولير)ومن أين عرفت ذلك.
ـ (شيرو)حكى لي عن كل صغيرة وكبيرة،كدت أن ترتكب أثماً كبيراً،لو لم يكن حاضراً في تلك اللحظة، لهرعت إلى هناك وألقيت بنفسي وراءك.
قام ودنا من أمّه،بدأت الدموع تترقرق في عينيها،مسح دمعها بأنامل مرتجفة،مسك كفّي أمّه،وطبع قبلتين بعدما رفعهما،سحبها إلى سريره،أجلسها وجلس قبالتها..قال:
ـ يا أمّي..فقدت صوابي،ليس من أجلها،بل لأنني فقدت المرتبة الأولى.
ـ ولكنك ما زلت تطاردها في كل أوقاتك،حتى في منامك.
ـ لا أعرف يا أمي،هي ملكت كل كياني.
ـ بنت أثرياء،لا طاقة لنا على مطاليبها حتى لو وافقوا عليك.
ـ لا أعرف ماذا أقول.
ـ لم لا تحكي لي عن الفنّانة.
ـ ماذا أحكي.
ـ لم لا تفكر بها.
ـ فنّانة مدينة وشهرتها خارج(الإقليم)،وهل تعقلين أن تقبل بمعدم وبلا وظيفة.
ـ الوظيفة ستأتي ولو بعد حين،تغيرت البلاد والمشاريع بدأت تتوسع.
ـ لا..لا..يا أمي..لا..لا..!!
ـ ستغرق نفسك في الكوابيس وتغرقني معك في الحزن.
في تلك اللحظة رنّ الهاتف،كان(شيرو)على الطرف الآخر،كما كانت أمّه تناديه،جاء صوته ناعماً:
[ـ أما زلت تفكر يا(باش حزين)].
ـ بم أفكر يا أبو المشاكل.
[ـ بـ(هه ولير)].
ـ بدأت تمازح في وقت غير لائق.
[ـ لست أمزح،اليوم مررت قرب بيتهم،وجدت لديهم ضيوف أكابر].
ـ دائماً لديهم ضيوف أكابر يا عزيزي.
[ـ كلا يا(نوز)،وجدت أمام منزلهم رجال حراسة مسلحين،منعوني من المرور،سألت امرأة أشارت لي أن أوصلها،قالت:لديهم خطّابة لأبنتهم].
ـ ماذا تقول،ألست تمزح يا صاح.
[ـ لا..لا..لن أمزح من الآن فصاعداً،أنها ستذهب بعيداً كما قالت المرأة جارتهم].
ـ وماذا قالت.
ــ شاب ميسور جداً ومن مدينة(هه ولير)يطلبها].
ـ ميسووووووور و..مـ..نننننننن..(هه..و..ليييييييييييير).
[ـ نعم يا أخي].
ـ أرجوك..أرجوك..أنت تمازحني.
[ـ وداعاً غداً سأصطحبك لتسمع وترى بعينيك].
قفل الهاتف،قام وتوجه ثانية إلى النافذة،كانت الساعة حوالي الحادية عشر ة وسبع عشرة دقيقة،تساءل عن هذا القادم لحرمان المدينة من السراج المتوهج،من هو صاحب الحظ السليم والمقام العالي،من هذا الميسور المنافس على فتاة يراها كل عالمه القادم،حاول أن يبسط ما في ذاكرته من ممتلكات على فراش الليل كي يلملم الملامح الكاملة لهيئته،مشتت الفكر كان،مشوّش الذاكرة،ليس لديه قدرة على التفكير،خائراً يقف:
ـ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..!!
ندت منه تنهيده وجد أمّه ثانية تقف وارءه،شعر بكفها يهبط على كتفه..همست:
ـ لا تعذبني يا أبني.
استدار وجدته أمّه يبكي،عانقته وراحت تمسح دموعه،سحبته إلى الفراش،أجلسته،رفض أن يستلقي.. تمتم:
ـ أمّي..هل حقاً ما سمعت.
ـ ما الذي سمعت.
ـ أمّي أرجو أن يكون قد ألقى مزحة جديدة.
ـ آه..لا يتركك(شيرو)أبو الفتيات.
ـ أمّي..هل حقاً ستذهب(هه ولير).
ـ لا تعذب نفسك أرجوك.
ـ كيف..كيف..ومن جاء ليسرقها منّي.
ـ هي فتاة ولديها أقارب وهم أثرياء.
ـ أمّي لو ذهبت،سأذهب إلى هناك إلى هنااااااااااااااااااااااااااك.
أشار بسبابته نحو جهة الشمال،حيث السواد المخروق بنيونات ترسل أشعة واهية،سحبت أمّه شهيقاً وزفرت بحرقة..صاحت:
ـ لا تجعلني أقتل نفسي،بت لا أحتمل حزنك.
ـ أمّي..أمّي.
بدا كمن يهذي،فاقد الحواس،مثل ممسوس في لحظة هوس،قامت أمّه وهرعت صوب المطبخ،عادت وبيدها قرص دواء مسكن وكوب ماء،جلست أمامه،وجدته شارد الفكر،وضعت القرص في فمه وقرّبت الكوب من ثغره.. قالت:
ـ أشرب..ستهدأ،ليس بوسعنا أن نحتمل هذه السهرات المأتمية.
شرب الماء،وقرّب فمه من يد أمّه،قبلها،مدّت يدها الأخرى وراحت تمسد فروة رأسه..همس:
ـ لا..لا..سأعدك أن لا أعذبك مستقبلاً يا أمّي.
ـ أرجوك تمدد ونم،توغلنا في منتصف الليل.
تمدد في منامه،ألقت أمّه الملاءة عليه،هدأ وراح ينحت عينيه في السقف،حاول أن يجد مخرجاً ليتخلّص من مأزق الكوابيس،كل المسالك بدت عائقة،وديان وحفر وأسلاك شائكة،وكلّما تاه بعيداً وجد نفسه ينحت بصره في تلك اللوحة المعلّقة أمامه،هديّة الفنّانة له،ما أن شدد كبير إعجابه بها،اقتنصت تلك الدهشة من كثرة نظراته فيها،فحجزتها له رغم الطلبات المتزايدة عليها،فجأة لمح النسر يتحرك،برقت عيناه بضوء ساطع،متجهاً إليه طار من اللوحة،شعر بمخالب تنغرز في جسده،شيء ما أقتلع منه:
ـ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..!!
ـ ماذا جرى لك.
ـ ها..لا..لا..لاشيء..!!
ـ مزقت سكون الليل بصرختك.
ـ أنا..!!
ـ لا..أنا..!!
شعر بخجل يمسكه عن الكلام،لم يجد سوى لعبته الدائمة،رفع كفها إلى فمه،رددت الغرفة صوت قبلته، قبل أن يسحب الملاّءة ويغطي وجهه كي ينام..!!
***
(داخل المركبة)
كان(شيرو)يقود مركبته بهدوء،منسجماً مع(كريم كابان)مطربه المفضّل،وكان(نوزاد)صامتاً ينظر إلى الأشياء المارقة،تمر عيناه مرور الكرام،البنايات المزججة بأنوار إغرائية جاذبة،الناس المتقاطعون،المركبات المارقة،المحال التجارية الضاجة بالزبائن،أمّه في المقعد الخلفي مسرورة،تستمد سعادتها من أفراح الناس، بعدما التمست بوادر مسرّة قادمة إلى وجه(نوزاد)،وصلوا مكاناً مزدحماً،كانت المركبات واقفة تزعق،أوقف(شيرزاد)مركبته..قال(شيرو):
ـ حادث جديد على ما يبدو.
قالت..أم(نوزاد):
ـ ماذا دهاهم،مثل المجانين يسوقون،كأنهم يريدون الذهاب إلى قبورهم.
أجاب..(نوزاد):
ـ جاءوا من الخارج وهم يحملون(دولارات)العالم،من حقهم(يتخبلون).
ـ ولم لم تذهب أنت مثلهم يا ولد،لكنت الآن صاحب مال كثير ومركبة آخر(موديل)..(أجابه شيرزاد).
قالت الأم:
ـ لا..لا..كنت لا أسمح له الذهاب كما فرّ الكثير من شبابنا أبّان الفترة المظلمة،ذهبوا ليكونوا خدماً للكلاب أو غاسلوا صحون في مطاعم(اليهود).
قال..(نوزاد):
ـ أصبحوا أثرياء المدينة وباتوا يتحكمون برقاب الوضع العام.
قالت أمّه:
ـ سيغرقون في أوساخ الدنيا،غداً..كل شيء يقيّم بثمنه،ثمنه النقي والأصيل.
صاح(شيرو)على فتى يبيع المرطبات:
ـ لم كل هذا الازدحام يا ولد.
جاءه صوت الصبي واهناً:
ـ سيارة عرس ضربت سكران.
صاح(شيرزاد):
ـ يبدو أن العريس خطف خطيبته،سكر ووقف أمامهم.
ضربته أم(نوزاد)من الخلف..قالت:
ـ أسكت يا ولد.
قال الصبي:
ـ هل أنت سكران.
أراد أن يهبط ويمسك بالصبي الذي راح يشق صفوف السيارات هرباً وهو يتلفت وراءه..قال(نوزاد):
ـ تستاهل يا أخي.
أجابه(شيرزاد):
ـ أين يروح سينال جزاءه،أعرفه دائماً هنا يبيع المرطبات.
تدخلت أم(نوزاد):
ـ أترك الصبي لحاله،لنعرف حكاية هذا العرس المشئوم.
قال..(شيرزاد):
ـ الليلة لا ينامان من الصدمة.
أجاب(نوزاد):
ـ المشاكل سببها تحريف الأشياء الفطرية.
رمقه(شيرزاد)..قال:
ـ بدأت تتفلسف يا باش مهندس،حالة روتينية حصلت بسبب الازدحام البشري والاختناق المروري.
ـ ومن المسئول عن كل هذا..(قال نوزاد).
ـ الحكومة طبعاً..(أجابه شيرزاد).
أجابت أم(نوزاد):
ـ وما دخل الحكومة بالموضوع.
قال(شيرزاد):
ـ الحكومة تسمح بدخول المركبات المستهلكة للبلاد،وشوارعنا هي..هي.
ـ ربما هناك أهم من ذلك،فالحكومة أمامها مشاكل كثيرة..(قال نوزاد).
ـ ولا تنسوا العائلات التي هددت بالسلاح صارت تزحف إلى الشمال..(قال شيرزاد).
ـ ناس تريد أن تعيش بأمان..(قالت أم نوزاد).
توقف الحوار،بدأ(نوزاد)يرسل نظراته إلى السماء،نجوم كابية،ضجيج المركبات تتصاعد،وظلّ صوت طبل يتردد،يرافقه صوت أكف تصفق،أسترسل يبحث عن قناعة تامة،قلبه بدأ ينبض بشيء من التسارع،وجد نفسه من جديد محاصراً برغبة غير غامضة،أراد يقيناً كي يقنعه أن(هه ولير)صارت الآن ملكاً لآخر،هو تأكد من الموضوع،أخذه(شيرزاد)إلى تلك المرأة التي أوصلها،كانت واقفة في الباب..تقدما منه..عرفته المرأة..قال لها:
ـ ما أخبار العرس.
ـ بعد أسبوع..!!
كان(نوزود)صامتاً،قلبه يكاد أن يتوقف،ينظر ويسمع وعينه على باب كل يوم تخرج منه وتعود(هه ولير)،أفاق حين مسكه(شيرزاد)وبدأ يسحبه إلى المركبة.
صدق ظنّه بعدما ظلّ النسر يتحرك من اللوحة المعلّقة على الجدار في غرفته،يخطو خطوات تقافزية قبل أن يحلق ويحوم وينقض عليه،مازال يشعر بمخالب تحفر في مكان تواجد القلب،لكن قلبه ظلّ يخاصم الواقع، لن يرضخ لكلام الآخرين،راح ينبض تلك النبضات التي كانت تحدث عندما تكون(هه ولير)ماثلة، فالموضوع بالنسبة له انتهى،هكذا هي الوقائع،بقى شيء واحد يريد أن يعرفه،من يا ترى هذا الفارس المحظوظ،ما شكله وما يحمل من شهادة باتت لا تنفع في يومنا هذا ولا في الأيام القادمة،بعدما صارت تشترى في المنافي أو في أسواق التزوير وبورصات العلاقات الخاصة بين أصحاب السيادة،كان ينشغل بين لحظة وأخرى بما يتوارد إلى ذهنه من هواجس،قبل أن يرجع من المتاهات الفكرية وهواجس قلبه العازف بارتباك واضح،وجد المركبات تندفع من جديد زاعقة كأنها تحررت من معتقل أزلي..قال(شيرزاد):
ـ سنقضي الليلة داخل المركبة.
قالت الأم:
ـ أريدك أن تتعبه كي يسقط في فراشه وينام.
قال..(شيرو):
ـ سأفصّخه مثل(فيترجي)يفصّخ سيارة أصبحت خارج نطاق الخدمة.
نظر(نوزاد)إليه،وجده يضحك..قال:
ـ ليتني أجيد ضحكك لنسيت كل شيء.
قالت أمّه:
ـ طيلة حياتك لم تضحك كي تضحكني معك.
ـ الضحك لم يخلق لنا،الضحك للأغنياء يا أمي.
أجاب..(شيرو):
ـ وماذا بك،يا باش مهندس،لم لا تغدو ثرياً.
ـ العمل لا يثري يا صاحبي.
ـ ومن أين تجيب الثراء،لم تسافر كي تحوّل لأمّك(الدولارات)،لا تريد أن تلهث في الدنيا من عمل لعمل،قل لي هل تريد أن تتزوج ثرية كي تغدو غنياً.
قالت..الأم:
ـ المال النظيف لا يبقى،والمال الكثير لا يصنع الرجال يا أولادي.
ـ يا عمّة،دنيانا دنيا مال،من ليس لديه مال لا أحد ينظر إليه،لا يحترمه أحد.
ـ نعم ما تقوله صحيح،لكن هذا لا يدوم،تغيرت البلاد،ولّى عهد الظلم،لابد في الغد سيكون مكاناً لكل إنسان صحيح،حسب نوعه ودرجة علمه،هكذا كنّا نسمع من آباءنا عندما كنّا صغاراً.
قال..(نوزاد):
ـ أنت مرتاح البال،لديك أخ لعنت جدّه من كثرة ما أرسل إليك من(دولارات).
ـ وما الضير في ذلك،لديك أبن(عم)أيضاً لم لا تفاتحه بظروفك الحزينة،عسى أن يرسل لك(دفتر)سرور.
ـ ابن عم منعزل،لا يعترف بي،كونه ثري،وأنا معدم.
قالت..الأم:
ـ لا..لا..لن أسمح له طلب العون من غاسل صحون(اليهود).
قال..(شيرزاد):
ـ فلينتظر ميسورة إذاً كي يواجه الحياة الصاعدة.
وقفت المركبة قرب شجرة(سرو)،كان هناك رجلاً يجلس وراء طاولة كبيرة قرب عربة،نزل(شيرزاد)وتقدم منه،عاد وهو يحمل ثلاث علب معدنية مياه غازية،من جديد بدأ يسوق،وبدأت الأيدي تفك أقفال العلب.. قالت الأم:
ـ عبرنا منتصف الليل،أقترح أن نعود.
قال..(شيرو):
ـ لا..لا..ما زالت به عروق تنبض بالكآبة يا عمّة.
ألتفت إليه(نوزاد)وجده يضحك..قال:
ـ سأغسل شعرك الحلو بهذا(الببسي)الفاسد.
ـ سآخذك في هذا الليل إلى هناك،حيث كدت أن تغدو(ابن فرناس السليماني)وأطير بك حول العالم بالمركبة.
ضحكت الأم..وقالت:
ـ كلما أتخيل الموقف،ألعن المدرسة والدراسة وأقول ليتني لم أرسله ليكون(مهندساً)بلا خدمة،كاد أن ينتحر من اجل ماذا،من أجل فتاة،يا لكثر الفتيات في يومنا هذا،يا لرخصهن في زماننا هذا.
ـ آآآآآآآآآآآ..هاااااااااا..يا عمّة،فتياتنا لسن رخيصات،لا..لا..اطلبي يد متسولة،سيثقل كاهلك بمطاليبها.
ـ تلك هي الطامة الكبرى،كل واحدة تريد أن تكون الأغلى..(أجابت الأم زافرة).
ـ دنيا مظاهر،العالم بدأ يسبقنا ويستعد للعيش فوق القمر ونحن ما زلنا نلهث وراء المظاهر.
كانت المركبة تشق أحشاء الليل الهادئ،بينما المركبات تقل شيئاً فشيئاً في الشوارع..قالت الأم:
ـ أرجو أن تعد بنا يا(شيرو).
ـ أما زال ذلك مبكراً..(أجاب ضاحكاً).
ـ أرجوك عد.
ـ ليس قبل أن أجد بيت الفنّانة.
ـ آه..يا لك من ماكر هتف..(نوزاد).
قالت أمّه:
ـ ليتني أراها ربما فاتحتها.
صاح..(شيرو):
ـ سآخذك إلى منزلها الآن..الآن..وليس غداً.
صاح(نوزاد):
ـ حقاً أنك مجنون،سترمينا في السجن هذه الليلة.
ـ ولم السجن..معجبون قادمون لتحيتها،لشراء لوحات وربما،حادث مروري أخرنا.
صاحت الأم:
ـ (شيرو)توجه نحو البيت ودع الفرصة إلى يوم آخر،سأفكر بالموضوع.
ـ ما دمتِ قررتِ ذلك،حسناً يا عمّة من أجلك فقط سأعود بكما إلى البيت.
عادوا من حيث أتوا،كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عندما دخل(نوزاد)البيت ووراءه أمّه،سمعا صوت صرير إطارات المركبة وهي تنطلق في صمت الليل،توجه(نوزاد)إلى غرفة نومه ودون أن يغتسل أو يغير ملابسه،استلقى على الفراش وغرق في نوم سريع،كانت أمّه في الغرفة الأخرى،عادت بعد دقائق وهي تحمل كوب ماء وقرص دواء مسكن،وجدته يشخر،خشيت أن يستيقظ ويغرق من جديد في يقظة أخرى، وضعت كوب الماء وحبة الدواء جانباً،سحبت الملاءة برفق وغطته بعدما ألصقت ثغرها بجبينه،طبعت قبلتها الدائمة،تلك القبلة التي بدأت من يوم مولده،وما زالت تتواصل،رغم أنها وضعت في بالها،أن نهاية قبلاتها باتت قريبة،ما أن يتزوج،هناك من تستلم المهمة الإنسانية النبيلة منها،رغم الهاجس المقلق،أقنعت نفسها بأنها ستواصل قبلاتها،ستضع صورته معها في الفراش،شبعت منه نظراً،كان يعزف سمفونية التعب عبر منخريه،عادت وطبعت قبلة أخرى،لم تكن تفعلها من قبل،دائماً كانت تكتفي بقبلة واحدة طويلة،استلقت على مقربة منه،على الأرض،سحبت ملاّءة من أسفل قدميه،تغطت وغطت في نوم سريع..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزن الوسيم..(رواية)3
- الحزن الوسيم..(رواية)2
- الحزن الوسيم..(رواية)1
- مزرعة الرؤوس(قصة قصيرة)
- خمس حكايات
- لعبة الموت..البرلماني الغيور(حكايتان)
- الشرفة الواشية..قبلة أزلية(حكايتان)
- لقاءان..الكرة الزجاجية رقم 301(حكايتان)
- معاقل الذباب..مزرعة الضفادع(حكايتان)
- حجة الغائب..المهرج الأمبراطور)قصتان
- في بلاد الأمبراطور..الموسوعة الأمبراطورية(قصتان)
- خطبة حذاء..ية
- في تلك القرية القصيّة..منظم الوقت(قصتان)
- الكرسي..حكاية نادرة(قصتان)
- الحذاء المنتظر
- يقظة السيد علوان..(قصة)
- لم يحسن التصرف..مأدبة الليل..(قصتان)
- قصتان قصيرتان..
- عين الشمس..تشابه الأسماء كان السبب(قصتان)
- لكن الطائرات لم تجيء..(قصة)


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - الحزن الوسيم(رواية)4