أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مَناسكٌ نرجسيّة 4















المزيد.....

مَناسكٌ نرجسيّة 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2211 - 2008 / 3 / 5 - 07:22
المحور: الادب والفن
    



الفجرُ غافٍ بعدُ ، أو أنّ قلبَه نائمٌ وطرفه يقظان ؛ فأفق المدينة ، المشطورُ بسيف الشفق ، الجمريّ ، كان مُذيّلاً بدخان المعامل البعيدة ، التي لا تعرف النومَ . الهواء ، بدا بلا رئة ـ كروح عتم ، بلا مصباح القلب ؛ كعرش إلهيّ ، بلا أعمدة الرحمة ؛ كشرّ على العالم ، بلا سماء الجزاء . كنا أبكرَ الواصلين للتربة . وما عتمَ النسيمُ أن حمَلَ نشيجَ " مريم " ، من الطرَف القصيّ لمراقد آلنا ؛ أين يثوي قبرَ أمّها ؛ نسيمٌ ، بلا حبّة طلع واحدة . شعرها ، الأشقر ، يتطاير هنا وهناك ـ كما جزة ذهبيّة ، في ريح الأسطورة . طيرٌ عابرٌ ، حاولُ عندئذٍ تحيّة َ الرخامة الصريع ، بجنحه الخافق . وهيَ ذي أمّي ، بدورها ، تتحاملُ على نفسها في الهبوب الأخير للنشيج ، فتبلغ موقف الفتاة لتنهضها من كبوتها على البلاطة ، المُهشمة . متضجّراً من المشهد ، المُعتق ، أغادرُ البقعة العائليّة ، مُصعّداً بإتجاه تكيّة " مولانا " . ما أن بلغتُ جدارها ، الغربيّ ، إلا وألتقي بإمرأة أخي ؛ هذه المُتبدّية بسيكارتها ، الخالدة ، لا تقلّ ضجراً . ثمة ، رأيتها مُتسمّرة عن كثب ، بالقرب من مقام ، مُتداع ، غير مسقوف . وقفتُ إلى جانبها ، أتأملُ عبرَ قضبان الباب الحديديّ المُشرع ، ذلك الضريح الحجريّ ، المنبثق خلل شقوقه أعشابٌ وطحالبٌ ، تدين بخلودها للندى أو ربما للدموع . سألتني " صافية " ، مشيرة ً إلى نقش الشاهدة :
ـ " أهيَ كتابة فارسيّة ، هذه ؟ "
ـ " لا ، هذا ضريحُ أميرنا "
ـ " هل تستطيع قراءة النصّ ؟ " . طلبها كان لا بدّ أن يفجؤني . بلا أمل ، حاولتُ فكّ الطلاسم ، العنيدة . على أنني ، أمام إلحاح نظرة المرأة ، ما أصدرتُ سوى همهمة ، مبهمة . ولا بدّ أنها أشفقتْ على إرتباكي وتلعثمي ، ما دامت قد لحظتْ قبلاً مفارقة حياتنا ، المُزدوجة اللغة ؛ وكيف يتبادلَ المسنون الحديث بالكرديّة فيما بينهم ، في الوقت نفسه الذي يصرخون فيه على أولادهم بلسان الضاد . وما فاقم من حرجي للحقيقة ، تلكَ الهيئة ، الزريّة ، لضريح من دعوته بلسان فخور ، " أميرنا " .

متوحّداً ، إنحنيتُ على الشرفة بمنامتي . شهابٌ ما ، إختط طريقه في الأعالي ، لحظة النجوم إشتعلتْ ، بإنطفاء أصص " البغونيا " . كان المنزلُ مهجوراً حتى من هررة الخريف ، التائهة في العتمة خلف مأوىً ، مؤقت ، لسِفاح شباط ، القادم . إيقاع قطرات صنبور الشرفة ، كان صدى خطىً صاعدة . ثمّ ما عتم شبح الغريبة أن تبدى أمامي ، راكعاً . كنتُ قِبلة َ صلاتها ، العارية حتى من الملبس الداخليّ . " ألا يمكن للمرء ، في هذا البيت الملعون ، أن يعثرَ على كأس للشرب ؟ " ، همسَ صوتها الأبح ، شاكياً . إقشعرَ جلدي لكلمتها هذه ، الأليفة . تواصلَ إيقاع القطرات ، الحثيث ، توغله في كياني ـ كخطىً موتى . طرقة طرقة ، يصرّ الإيقاع الشيطانيّ على إقتحام سمعي . شلتْ اليد ، المحاولة سدّ الأذن ؛ وكذا الأعماق ، العاجزة عن إطلاق صرخة إستغاثة .

كأس الماء ، لم يكُ بمتناول يدي ، لما أفقتُ باكراً على صداع ، داهم . عبثاً بحثت عيناي خلل أشياء الحجرة ، المنسكب عليها نورُ الفجر . وكان أن باغتني إحساسٌ ما ، يشي بحضور ليليّ ، غريب . بتلات الذاكرة ، تتفتح رويداً مع كلّ تفصيل ، آنيّ ؛ كما في عمليّة التركيب ، الضوئيّ . ما كانَ كابوساً ، تماماً ، ما أستعيده اللحظة من أجزاء ذلك المشهد ، الليليّ : دخول إمرأة أخي الحجرة ؛ الاخرى ، الغريبة ، تتبعها مروعة ً ، ممزقة الملبس ـ كأنها رسولة قادمة بنبأ ، هاربة من دربٍ رصدته عينُ النهبِ : " أتيتُ إليكَ ، لأنه لا مأوى لي بعدُ " ، بدأت كلماتها تنهمرُ ، دونما إعتبار لوجود شخص آخر ، شاهدٍ . وكانت في سبيل قصّ المزيد ، لما قطعَ عبارتها إنفجارُ سخطي . حينما تناهى من الزقاق ، النائم ، صدى الخطوات الملهوجة ، اليائسة ، كانت " صافية " ما تفتأ أمام باب حجرتي ، تتطلع إليّ بعينين تتبطنان مزيجاً من التساؤل والحيرة والرثاء .

***
أضحى للأسرة مفقودٌ آخر . ليلي ، أمسى هروباً حسب . وغاليتُ في قضاء ساعات الفراغ ، التي كان يتيحها عملي ، فأجدني متسكعاً في الدروب الغافية ، المُقفرة ، أو صحبة العصبَة ، الكوكشيّة . وها هوَ متطفل ، جديد ، يحلّ في تلك السدّة ، الربانيّة ، العاجّة بالأسرار والعلامات والأحاجي . إنه " الدكتور يونس " ؛ شقيق جارتنا ، الصالحانيّة ، وكان يمتلك صيدليّة بالقرب من جامع الحارَة ذي الحجارة البيض ، علاوة على تضلعه ، أحياناً ، بأمر خطبة الجمعة في ذلك المكان نفسه ، المبارك . منذ وهلة حضوره ، الأولى ، دلل هذا الشاب على تواضعه ، عندما طلبَ من الآخرين مخاطبته بصيغة " الأخ " . وإذاً ، سيكون على " شهاب " مواصلة الإستئثار بنعت " الأستاذ " ؛ هوَ المُعتبَرُ فيلسوف الجماعة . معدن التهذيب ، النادر ، كان من خصال أخينا ، الصيدلانيّ ؛ إذا ما غضينا الطرفَ عن عينيه ، الزرقاوين ، المنبعث منهما بريق المكر ، أكثرَ مما تفعله لحيته المُستدقة ، الشقراء ، المُجللة بالوقار . وما كان إلا أن يثير دهشة المرء ، تلك اللا مبالاة التي أبداها " يونس " ، وهوَ المؤمنُ المتيقن ، بالفاتحة الضبابية ، المألوفة ، المُستهل بها محضرُ العصبة .

ـ " ما هوَ السرّ في تنكر الأديان ، السماويّة ، لبعضها البعض ؟ "
يحلق سؤال " ناصر " في جوّ الحجرة ، الأصمّ ، جنباً لجنب مع أريج فتات الكيف ، المُتناثر في المنقل النحاسيّ . راحَ الأخُ يهز رأسه ، دلالة على الإهتمام ، قبل أن يبادر للإجابة : " خلال فترة دراستي ، في " برلين " ، الغربيّة ، تسنى لي مجال الإحتكاك بالملل النصرانيّة وغيرها . لنلاحظ ، أولاً ، إنكارَ المسيحيين دعوة رسولنا ، الأكرم ، مُتناسين ما عاناه نبيّهم ، عليه السلام ، من إضطهاد اليهود له ؛ هذا الذي كان يخاطبهم ، بحسب الإنجيل المتداول : " لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدقونني ، لأنه هو كتبَ عني " . وما كان للنصارى أن ينكروا ، بدورهم ، خاتمَ النبوّة لولا إنحرافهم عن طريق الله ؛ فسجدوا للصليب والإيقونة والتمثال ، متجاهلين كلمة السيّد المسيح : " لا تصنع لكَ تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما ، لا تسجد لهن ولا تعبدهن " . حقيقة الأمر ، أن رجال الكهنوت همُ من لعبوا الدور الأكبر في إنحراف الدعوة المسيحيّة . حتى لقد شاعَ في أوروبة القرون الوسطى هذا المثل ، البليغ : " إفعل ما يقوله الكاهن ، لا تفعل ما يفعله ! " .
ـ " قولكَ : " بحسب إنجيلهم المتداول " ، ألا يعني ، أيضاً ، أننا ننكر على المسيحيين صحّة عقيدتهم ؟ " ، بادرتُ الصيدلانيّ بسؤالي . في ردّه ، أكدَ الرجلُ على ما دعاه " حجّة التحريف " ، ناكراً أصلاً نسبَ الإنجيل إلى سيّدنا عيسى : " لقد أخفى الحواريون ، الأوائل ، ذلك الكتاب المُسمّى " إنجيل برنابا " ، المُثبّت بشارة خاتم الأنبياء . وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : " وربك أعلم من في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبوراً " . عندئذٍ ، كان على " نورو " أن يتدخل في المجادلة ، قائلاً بلهجته المُعتادة ، المُفصحة عن سخرية بيّنة : " ولكنك ، أيها الأخ ، تسند حجتكَ بآية من القرآن ، لا من الإنجيل ذاكَ ؟ " . السهام الزرقاء ، لنظرة الصيدلاني ، الواثقة التسديد ، حقّ لها أن تريّش بإتجاه صديقي ، محملة بكلمته : " هذا لأنكَ لم تدعني أكمل فكرتي ! " . ثمّ واصلَ بعيد لحظة صمت : " ما عاد لذاك الإنجيل الحقيقيّ ، السماويّ ، من أهمية ما شاء ربّكَ أن يأتي كتابه العزيز مُصدّقاً لما سلفَ من الكتب . وفي ذلك ، يقولُ تعالى : " وقفينا على آثارهم بعيسى إبن مريم مصدقاً لما بين يديه من توراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور وموعظة للمتقين . وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم فأولئك هم الفاسقون " .

ـ " ظهور الغائب ، هوَ المُتعيّن عليه إسترجاع حقيقة العقيدة وأصلها "
إستهلَ " الأستاذ شهاب " القولَ ، بعدما كان قد لحظ تململَ كبير العصبَة في سدّته تلك ، النورانيّة ، المبطنة بريش حمامه ، الأثير . ثمّ إستطردَ الأستاذ بهدوء : " نحن ننكرُ صحّة عقائد الآخرين ، دونما أن نمتلك الشجاعة ، اللازمة ، للإعتراف بحال عقديدتنا نفسها ؛ بفرقة أهلها وخلافاتهم وتناحرهم . فمن قائلٌ بأن السنة هيَ الوجه الآخر للشريعة ، ليخالفه من يقول بأن تفاسير الكتاب محضُ شكليّة ولا تأتي على باطن المعنى . قام هذا وذاكَ بالحجج ، وصولاً إلى التكفير والتحريم " .
ـ " ولكنّ كتاب الله حقّ ، لم يطله تحويرٌ أو تصحيف . والبيّنة على مشرعي زمننا ، السائر أغلبهم ، والعياذ بالله ، على ضلالة من سلفهم ؛ فيحللون ويحرمون بحسب أهواء الحكام ممن تولوا ، باطلاً ، ولاية المسلمين " ، يقولُ الصيدلانيّ بلهجةٍ جديدة ، أكثرَ وديّة وإلفة . وهذا " فرَج الحرامي " ، المُفيق للتوّ من غشية السَطل ، يتعثرُ بالمفردات : " ولكن ، يا دكتور .. ، يا أخ ! لمَ لا يُتاح للمرء إعتناق العقيدة ، التي يراها مناسبة له ؟ " .
ـ " أتبغي ، إذاً ، أن يُفتحَ إكتتابٌ عامٌ ، لكلّ باغ ، مرتدّ عن الدين القويم ؟ " ، يتساءل بدوره الصيدلانيّ . الوجوم ، كان لا بدّ أن يستولي على مغوار الأسطح ، المنيعة ، فيما كان بعدُ يتأمل ما إرتسمَ من إستخفاف على ملامح مُجادله . على أنّ الأستاذ بادرَ ، ثانية ً ، إلى الإمساك بخيط الجدال : " ألسنا في كلّ الأحوال كما كانه حال الجاهليين ، الرافضين الدعوة بالقول : لسنا بتاركين دين الآباء والأجداد .. ؟ وهل نكونُ " خير أمّة أخرجت للناس " ، حينما نقف أمامَ العالم بلا ميّزةٍ ، غير ولادتنا من آباء وأمهات مسلمين ؟ " . من جهته ، أراد الأخ قيادة سفينة الجدل إلى برّ السلامة ، مؤملاً ربما بأمسيات اخرى ، أفضل نتائج . وها هوَ يقول بلهجته تلك ، المتسامحة : " إلهنا واحدٌ ، وكذا نبيّنا . وإعلموا أنني لا أتهمُ أحداً في إيمانه ، بل أعتبركم أخوة . وهذا حالي في الصيدليّة ؛ أعطي الدواء المناسب ، المطلوب ، دونما حاجة لسؤال المريض عن أصله وفصله " . كلمة المختتم هذه ، كان عليها ان تضافر من صحوة " فرَج الحرامي " ؛ هذا الما لبثَ أن رمقَ " ناصر " بنظرة ما ، ملغزة .

***
قدّر للجبل ، مجدداً ، أن تضربه هزاتُ سفحنا ، الدوريّة . الإطلاقات الناريّة ، إنفجرتْ ذاتَ مساءٍ ، حارّ ، كنتُ خلاله في حجرة الجلوس بصحبة الطفلتين. أبصرتُ من ثمّ " صافية " ، وقد سدّت بجسدها البابَ الرئيس ؛ هيَ التي كانت قد هُرعت قبلاً ، لمعرفة ما دهمَ الحارَة . خارجاً ثمة ، كان الهرجُ على أكمل أحواله . أبصرتُ في تلك الأثناء " فرجَ الحرامي " ، وكان في عدوه ، الحثيث ، نحوَ صدر الزقاق ، بيده غدّارة مُشرعة ، بدَتْ مُلتمعة بفضّة نور المصابيح ، الضئيلة . ثمّ تناهى ، على الأثر ، صوتُ محرّك سيارة ما ، وليحلّ من بعد الصمتُ المتوتر ، المُخترق أحياناً بهمس من كان متواجداً من الخلق . " قيْ " ظهرَ هنا بين أقاربنا ، وقد أجلتْ قسماته الإستخفاف بأيديهم ، العزلاء . وهذا " كور تعزيْ " ، يُقبلَ للتوّ من تلك الجهة العليا ، وبياض عينه ، الوحيدة ، تبعثُ في الظلمة الزنجيّة بارقاً من طمأنينةٍ : " إنه " حيدر " من أصيبَ . جرحه بسيط ، على ما يبدو . لقد نقلته للسيارة بنفسي ، وقال لي : آخ ، آبوْ ! ، تحملني بين يديكَ ـ كطفل ؟ " . في الدقيقة التالية ، سرَتْ همهمة ، مُريبة ، مرددة إسماً ما . وما عتمَ شبحُ " حيدر " ، العتيّ ، أن خطرَ بيننا وهوَ في طريقه ، على ما يبدو ، إلى منزل آل " صورو " . أمّا صاحب العين الوحيدة ، المُبشرة ، فلم يعُد له أثر بعد ؛ طالما ظهرَ في سماء الليلة نجمُ نحسه . خيط طويل من قطرات الدّم ، كان ما فتأ نديّاً على أرضيّة الزقاق ، مُتبدّياً لعينيّ بوضوح تحت نور القمر ، الحزين . وكنتُ لا أقلّ حزناً ، فيما أفكر بأنْ لا نهاية لهذا الخط ّ المشؤوم ، الدمويّ .

آيستُ من جدوى الإلحاح على " نورو " ، كيما يرافقني للمشفى . هناك ، في غرفة الإستعلامات ، سألتُ عن " يوسف " ، بما أنه يعملُ ممرضاً في المكان نفسه . وما لبثتْ أن إصطحبتني إليه زميلة له ؛ ممرضة شابّة ، تشي مساحيق وجهها ، الكثيفة ، بعملها في الحقول سابقاً . " إبن صورو " هذا ، سرّ بمقدمي ، وما عتمَ أن رافقني إلى الجناح الذي يرقدُ فيه شقيقه الأصغر . ثمة ، في زاويةٍ قصيّة ، حُشرَ سريران ، متقابلان ، رقدَ على أحدهما " ناصر " ، وقد بدتْ رجله المُصابة ، المُضمّدة بالجبس ، معلقة بوساطة رافعة معدنية . الجريح الآخر ، ما كان سوى " شيخ قمْبُز " ؛ الرجل المتوسّط السن ، والمعروف في الحارَة بكراماته . هذاالأخير بدا متكوّماً في سريره ، وجسده الضئيل مشمولاً بالغطاء ؛ هوَ المُخترقة أحشاؤه ، الثمينة ، بإحدى رصاصات المعتدين . كان " ناصر " واضح الكآبة . وقدّرتُ بأنّ ذلك له علاقة ، ربما ، بإنقطاعه عن الكيْف ، قسريّاً . وإذ أنهى هوَ إستعادة وقائع تلك الليلة ، فإنني شرعتُ بمساءلته ، مُستغرباً ، فيما أشيرُ ناحية صاحبه :
ـ " ألم يكن من المفترض بشيخنا ، وهوَ صاحبُ الكرامات ، أن يتنبأ مُسبقاً بالكمين ؟ "
ـ " عالمُ العارف ، الربّانيّ ، لا شأنَ له بمآزق الأنس "
ـ " ولكنه مأزقه ، على كلّ حال ، وكادَ أن يُكلفه حياته ؟ "
ـ " إسمَعْ ، خالْ ! هذه هيَ أمورهم ، وهكذا يجب أن تكون " ، قال ذلك وهوَ يغمضُ عينيه إعياءً . لزمتُ الصمتَ بإشارة من " يوسف " ؛ هذا الما عتمَ أن إستأذن بضرورة العودة لعمله . وكان عليّ ، بدوري ، أن أتناهضَ لمغادرة المكان ، حينما إنتفض بغتة ً قريبنا الجريح :
ـ " لقد شُبّه لهمُ ! " ، نطقها وهوَ مشرق الوجه . صمته ، لم يطل هذه المرّة . وعلى ذلك ، أعقبَ قائلاً : " نعم ، إنه " المُستخلِفُ " ! لقد كان في معيّتنا ، لحظة إنطلاق رصاصات الكمين . ووقعتْ الشبهة في قلوب المهاجمين ، ما دام العارف ، الملثم دوماً ، أوحى لهمُ بشخص " حيدر " ؛ الرجل المطلوب من لدنهم " . ثمّ عادَ " ناصر " إلى إسترخائه ، المطمئن ، وكأنما منحَ إلهة َالحكمة تفاحتها ، الذهبيّة .
[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جسر ثورا إلى عين الخضرة
- مَناسكٌ نرجسيّة 3
- مَناسكٌ نرجسيّة 2
- مَناسكٌ نرجسيّة *
- دعاء الكروان : تحفة الفن السابع
- ميرَاثٌ مَلعون 5
- ميرَاثٌ مَلعون 4
- ذهبٌ لأبوابها
- ميرَاثٌ مَلعون 3
- ميرَاثٌ مَلعون 2
- ميرَاثٌ مَلعون *
- كيف نستعيد أسيرنا السوري ؟
- أختنا الباكستانية ، الجسورة
- جنس وأجناس 4 : تصحير السينما المصرية
- زهْرُ الصَبّار : عوضاً عن النهاية
- زهْرُ الصَبّار 13 : المقام ، الغرماء
- الإتجار المعاكس : حلقة عن الحقيقة
- زهْرُ الصَبّار 12 : الغار ، الغرباء
- نافذتي على الآخر ، ونافذته عليّ
- من سيكون خليفتنا الفاطمي ؟


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مَناسكٌ نرجسيّة 4