النجمة الثمانية نجمة عشتار


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 7081 - 2021 / 11 / 19 - 10:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

تظهر النجمة الثمانية " أوكتاغرام Octagram" في عدد من الثقافات حول العالم فيمكن أن نجدها على الأعلام الوطنية وفي الأيقونات و الرموز الدينية كما نجدها تزين الكثير و الكثير من المباني الحديثة والأثرية وبالبحث في تاريخ ودلالات هذه النجمة سنجد أنها تحمل تاريخاً عميقاً و مدلولات ثقافية و إيديوغرافية مختلفة ترتبط بكل ثقافة من الثقافات التي تستخدمها .

لاحظ الإنسان منذ القدم أنه خلال حركته يتحرك خلال أربعة جهات أساسية ينتقل خلالها ، ولاحظ أن محيطه ليس ثابتاً بدوره إنما يمر من خلال أربعة تغيرات أساسية عبر عنها بالفصول الأربعة بالتالي ارتبط وجوده ضمن محيطه بثماني تغيرات اساسية بتنمامي بحوثه وملاحظاته وجد أنها ترتبط ارتباط وثيقاً بالشمس التي تتحرك بالنسبة اليه ظاهرياً ضمن ثمان إتجاهات خلال العام تتحدد من خلال هذه الحركة ضمن الجهات الأربعة الفصول الأربعة فهي في نصف الكرة الشمالي الذي نعيش فيه تشرق من الشرق الحقيقي وتغرب من الغرب الحقيقي في الإعتدالين الربيعي والخريفي وتشرق من الجنوب الشرقي وتغرب من الجنوب الغربي في الشتاء و تشرق من الشمال الشرقي وتغرب من الشمال الغربي في الصيف .
بالتالي كانت أغلب التمثيلات القديمة للشمس تتم خلال صلبان هي صلبان فلكية + تقسم المستوي إلى أربع زوايا قائمة تمثل الفصول يتخللها المنصف الأول والثاني بالشكل × الذين يقسمان الزويا الأربعة إلى ثمان زوايا يمثلان معها خطا الإنقلابين بشقيه ( الشتوي والصيفي ) وخطا الإعتدالين ( الخريفي والربيعي ) .
اذا كما نلاحظ ارتبط الرقم ثمانية ارتباطاً كليا بعلم الفلك المبكر من خلال ذلك تم إعتباره رقماً مهماً يدل على الإنسجام وتوازن النظام الكوني بدوراته التي تمثل دورات الموت والولادة .
تعتبر نجمة الإله "أن السومري " و المعروف بالأكادية بالإسم " أنو " أو " إيلو " إله السماء التي تأخذ الشكل 𒀭 من أقدم النجوم الثمانية التي تم استخدامها وتحديداً في الكتابة المسمارية و التي كانت تلفظ باللفظ دينگير Dingir و التي تعني السماء أو الجنة فأصبح إستخدامها قبل أي إسم دلالةً على ألوهيته أو سلطته المستمدة من الإله أنو .
بالعودة للإله "أنو " كان الإله أنو في ديانة بلاد الرافدين الإله الأسمى و التجسيد الإلهي للسماء وسلف كل الألهة التي عرفتها تلك الديانة و المصدر الأعلى لكل سلطة لكل إله أو ملك فهو الإله الذي يحتوي الكون بأكمله وشكل مع أبنائه ( الإله إنليل إله الرياح والعواصف و الإله إنكي"إيا " إله المياه العذبة ) ثالوثاً مقدساً في تلك الديانة فشكل هو الغموض المتسامي و شكل الإله إنليل الجانب المتعالي لمتعالي للإله وشكل الإله إنكي الجانب الجوهري للإله .
ولكن بالرغم من كونه الإله الأعلى ورأس البانثيون الإ أن العبادات كانت تتم نحو أبنائه وتحديداً إبنه المتعالي إله العواصف إنليل حيث تداخلت وظائف الأب "أنو " و الإبن "إنليل" بشكل متكرر ، خاصةً خلال الفترات اللاحقة فإستمرت عبادة أنو في التضاؤل وبرزت عبادة إنليل بشكل أكبر ، و في أوقات لاحقة حل إنليل محل آنو بالكامل و في النهاية حل الإله مردوخ الإله الوطني لبابل القديمة محل إنليل ومع ذلك ، تم الحفاظ على الإشارات إلى قوة آنو من خلال العبارات القديمة المستخدمة للإشارة إلى حاكم الآلهة فكان يقال دائماً أن أعلى إله في البانثيون يمتلك "الآنتو" anûtu والتي تعني القوة الإلهة لأنو .

كان مركز عبادة أنو الرئيسيه في أوروك الذي كان يدعى
هيكل الإله "أن" 𒂍𒀭 E2.AN والذي أصبح فيما بعد معبد ابنته إنانا وذلك بحلول الفترة الأكادية 2334-2154 قبل الميلاد تم التنازل عن سلطته في أوروك إلى حد كبير لصالح إبنته الألهة إنانا ملكة السماء والتي أصبح اسمها عشتار في تلك المرحلة و غدت النجمة الثمانية معها رمزاً أساسياً للألهة عشتار التي كان ترمز أيضاّ لكوكبها كوكب الزهرة .

* ملاحظة يتداول نشطاء الفيس بوك معلومة مغلوطة أن النجمة السداسية " الهيكسغرام " هي نجمة عشتار في الحقيقة هي معلومة عارية عن الصحة تماما فالنجمة السداسية هي نجمة الزواج المقدس بين الأرض " كي Ki " والسماء " أن An " والذي أنجب الإله المتعالي إنليل و أصبحت فيما بعد رمزاً
للزواج المقدس بين إنانا " عشتار " و ديموزي " تموز " .

انتقل استعمال النجمة الثمانية إلى المسيحية من خلال إحتضانها للشمس في تمثيلات الأيقونات المختلفة فكان الصليب الشمسي يحتضن المسيح الممثل للشمس الذي تم تمثيله فيما بعد بالأناجيل الأربعة يتخلله المنصفان الأول والثاني والذين يشكلون معاً نجمة ثمانية تمثل السماء التي تحتضن المسيح الممثل للشمس والتي تعبر عن ألوهيته .

وفي الإسلام كانت النجمة الثمانية التي شكلوها من إلتقاء و اندماج مربعين تستخدم على نطاق واسع في الفترة الاسلامية إنطلاقاً من الفترة الأموية فكما بينا سابقاً هو رمز أصلي من تراث بلاد الرافدين يمثل السماء ويعبر معها عن الملاحظات الفلكية الأولى للأصول المبكرة لعلم الفلك وكما نعلم الأديان التوحيدية بنسخها الثلاث وتحديداً الإسلام قد استوعبوا علم الفلك وعملوا به وأخذ جزءاً كبيراً من إهتمامهم كونه ضروري لتحديد الواجبات والإلتزامات و الفرائض الدينية كالحج والصوم والأعياد و مواقيت الصلاة وغيرها كذلك في علم التنجيم عند الحركات الغنوصية على إعتبار أن النجوم جزء من الخليقة ووجودنا انعكاس لوجودها بربط رباني يعكس عظمة الخالق .
وباعتبار نشاطهم كان في مناطق الإرث الحضاري القديم ( السومري والبابلي ) فكانوا ورثة النصوص القديمة لتلك المنطقة بطرق مباشرة أو غير مباشرة حيث إنكبوا على دراسة الكتب اليونانية التي نشط ترجمتها بفضل العلماء السريان في تلك المرحلة و التي كانت بدورها ترجمات لتدوينات أقدم من تراث المنطقة فعادت النشاط الفلكي الى أرضه بتسلسل الدورات الحضارية التي يبدو انها تأخذ صفة الحتمية .
ومع ذلك ، فإن الفهم الإسلامي للنجمة الثمانية لم يقتصر على الفلك وكونه تمثيلاً جامداً للسماء بل تعداه ليأخذ بعداً فلسفياً فتم ربطها بالروحانيات وخصوصاً عند الصوفيين منهم فقد كان الرقم ثمانية مهماً بين الصوفيين ويمثل ختماً نحصل من خلاله على أسرار الإنسان الأعمق والتي تمنح الكمال و القوة فالنجمة الثمانية مع الدائرة الصغيرة التاسعة في مركزه يمثل مركز الرموز الصوفية المكون الإلهي الداخلي الممثل للروح فينا وبدوران المثمن الممثل للعالم المادي حول هذا المركز نحصل على دائرة تمثل بالمفهوم الصوفي الإرتقاء و التوحد أي الانتقال من العالم المادي نحو عالم المُثل .

في النهاية يمكن تلخيص ما سبق بأن النجمة الثمانية تعتبر رمزاً يشير إلى الفهم البشري المبكر للنظام الفكري الذي يكمن وراء كوننا و اليوم يحمل روابط ومفاهيم دينية وصوفية متغلغة في أصالتها تشكل معها رمزاً لعلم الفلك المبكر وتعكس الترابط والإيمان بالتناغم النهائي للخلق.