صلاح الدين المجرم المقدس والرد على رد الشبهات


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 6072 - 2018 / 12 / 3 - 15:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في البداية النقد التاريخي هو ضرورة ملحة لأنه يعتبر شكل من أشكال نقد الذات الجمعي لمجتمع ما وكما نعلم الوقوف على أخطاء الماضي هي حالة للمسير بحاضر صحيح للوصول إلى مستقبل مشرق وليس كنا يدعي البعض ان نقد الموروث هو نقد للمقدس وهو إثارة للنعرات.
الحضارة السليمة المشرقة هي التي تقف على ماضيها وتنتقده نتعلم من أخطاء هذا الماضي لتتجنب الوقع بهذه الأخطاء في المستقبل عموماً موضوعنا اليوم هو رد الشبهات الذي طرحه بعض النشطاء دفاعاً عن صلاح الدين بعد تصريحات الفنان عباس النوري وهي الموجودة على الرابط :
https://m.arabi21.com/Story/1141591?fbclid=IwAR1d08y-qNMDAof6RCHlyrhK7HiUGdYLs2tCBwMAzU_GOPQwdw1uZjB5EDQ
حاولت تجنب الرد بالتعليقات لان التعليق قد لا يصل للجميع وحاولت أن اشكر المعلق على عرض الرأي الأخر فقط لكن الأن سأرد على هذا هذه المقالة لأحد الكُتاب وذلك استناداً لكتاب واحد فقط لا غير وهو كتاب الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والنورية لأبي شامة المقدسي الدمشقي لكن لماذا هذا الكتاب تحديداً ؟

- سأستشهد من هذا الكتاب تحديداً لعدة أسباب أهمها :
1-القرب الزمني الكبير بين كتابة هذا الكتاب وفترة صلاح الدين بفاصل زمني يصل تقريباً بدائرة الخمسين سنة لا أكثر.

2- كون الكاتب أي أبي شامة وضع هذا الكتاب لتأريخ الدولة الأيوبية والدولة النورية و كان في كتابه محباً ومادحاً و مدافعاً عن صلاح الدين مقدماً لفضائله ومنزلته وورعه وتقواه كونه المحرر من الحكم الفاطمي الشيعي الإسماعيلي وقاهرهم ورافع مجد السنة لذلك هو مرجع متحيز لصلاح الدين لذلك اثرت الرد منه حتى يكون الرد أقوى.

3- ملاحظة الإقتباسات من المقالة سأستعمل هذه الأقواس [[... ]] حتى لايخلط القارئ مع إقتباساتي من مقالة الكاتب الخاصة برد الشبهات.

==========================

- النقطة الأولى التي بدأ فيها رد كاتب، المقالة هي
المؤامرة ضد الفاطمين :

عموماً يذكر كاتب المقال عدة نقاط حول طلب الخليفة العاضد المساعدة من نور الدين ويذكر تفاصيل دقيقة لسنا بصددها لأننا بصدد الرد لكن استوقفني عدة نقاط قبل الخوض بها يجب أن نعرف :

أن العاضد أحب صلاح الدين حباً جماً وعامله كأخ حتى أنه خلع عليه الوزارة لأنه رأه ضعيفاً في مصر فعمل على زيادة نفوذه كي يرتفع شأنه ولقبه بالملك الناصر أي عينه ملكاً لن أقتبس يمكن أن تجد هذا الكلام في الصفحة 70 من الجزء الثاني من كتاب أبي شامه كما يذكر في الصفحة 116-117 من ذات الجزء :
" استدعى إلى حوزته اﻷصحاب واﻷهل وروى بسيح كرمه من بعد منه وقرب من أهل الفضل وتاب من الخمر وعدل عن اللهو وتيقظ للتدبير وسها عن السهو وتقمص بلباس الدين وحفظ ناموس الشرع المبين وشمر عن ساق الجد واﻻجتهاد "
ويتابع
" أقبل العاضد على السلطان الملك الناصر وأحبه محبة عظيمة وبلغ من محبته له أنه كان يدخل إليه إلى القصر راكبًا فإذا حصل عنده أقام معه في قصره اليوم والعشرة ﻻيعلم أين مقره
قال ولما استولى الملك الناصر على الوزارة ومال إليه العاضد وحكمه في ماله وبﻼده"


بعد، هذا التقديم البسيط للعلاقة بين صلاح الدين والعاضد والحال الذي كان عليه صلاح الدين من السكر واللهو يذكر كاتب المقال الإقتباس التالي :

[[" غير أنّ جفوةً حدثتْ بين صﻼح الدين ونور الدين بعد استﻼم اﻷوّل الحكمَ في مصر . وقد بدأتْ عندما تأخّر اﻷوّلُ في الخطبة للخليفة العبّاسيّ في بغداد، وستّتسع ومعها الفجوةُ السياسيّة والنفسيّة ﻻحقًا حتى أوشكا على الصدام المسلّح . هنا اضطرّ صﻼح الدين إلى اتّخاذ قراره بوقف الخطبة للخليفة الفاطميّ المريض، وانتهت الخﻼفة الفاطميّة سنة 567 هـ 1171/ م .
بعيْد ذلك توفّي العاضد وهو ما يزال شابًّا، فندمَ صﻼح الدين ﻷنّه ألغى الخﻼفة الفاطميّة في حياة العاضد . وانتظر انصرامَ أسبوع الحداد ثمّ أصدر أمرَه بإقامة الخطبة لبني العبّاس بشكلٍ دائم، وأفرد ﻷسرة العاضد قصرًا يعيشون فيه بدلَ قصر الخﻼفة، وخصّص لهم أموالًا تكفيهم وتعوّضهم عمّا فقدوه من امتيازات بزوال دولتهم"]]


لكن نقرأ في الصفحة 200 من الجزء الثاني من كتاب، الروضتين ما يخالف هذا الكلام الذي أورده صاحب المقال فنجد مايلي :

" ولما أتصل موته بالملك الناصر قال لو علمنا أنه يموت في هذه الجمعة ما غصصناه برفع اسمه من الخطبة فحكي أن القاضي الفاضل قال للسلطان لو علم أنكم ما ترفعون اسمه من الخطبة لم يمت أشار إلى أن العاضد قتل نفسه وكان موته يوم عاشوراء "
اذا نجد من رواية أبي شامة المقدسي أن العاضد إنتحر من القهر وإختار يوم عاشوراء ليكون وفاته.
ويذكر الكتاتب ان صلاح الدين حَزِن على العاضد لذلك قرر عدمقطع الخطبة مما خلق مواجهة مع نور الدين فجعلته يمتثل لأمر نور الدين
لكن في الصفحة 190 من الجزء الثاني في كتاب الروضتين اعتذار صلاح الدين خوفاً من المصرين فنقرأ:
" فاعتذر صﻼح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من اﻹجابة إلى ذلك لميلهم إلى العلويين( الفاطمين نسبة لعلي بن أبي طالب ) فلم يصغ نور الدين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاما ﻻ فسحة له فيه"
لكن نجد الكامل في التاريخ. تبان حقيقة مطامع صلاح الدين في الحكم فيقول إبن الأثير إبن الأثير ص365 الجزء 9 :
" وكان صﻼح الدين يكره قطع الخطبة لهم، ويريد بقاءهم خوفًا من نور الدين، فإنه كان يخافه أن يدخل إلى الديار المصرية يأخذها منه، فكان يريد ‏ أن ‏يكون العاضد معه، حتى إذا قصده نور الدين امتنع به وبأهل مصر عليه، فلما اعتذر إلى نور الدين بذلك لم يقبل عذره، وألح عليه بقطع خطبته، وألزمه إلزامًا ﻻ فسحة له في مخالفته، وكان على الحقيقة نائب نور الدين،"
ونتابع في الرواية التي قدمها صاحب مقال الرد المرفق التي قدمها فقال :
[[" ان صلاح الدين أعطى ابناء العاضد قصراً وخصص لهم أموالاً تكفيهم " !!! ]]
كما يضيف في نقطته الرابعة أن قضية العزل الجنسي التي اثارها يوسف زيدان ويتسأل من أين اتى يوسف زيدان بهذا الكلام ويحاول على طريقة من لا يدري محاولة البحث عن مزاعم زيدان وافترائه على صلاح الدين ويرجع إكتشاف زيدان هذا على حد قولهم إلى كتاب اخبار ملوك بني عبيد لمحمد علي الصنهاجي سنة 617 حيث يقول كانو يتناسلون ثم منعوا من النكاح...... !!!
إذاً الرد بسيط على هذه النقطة من كتاب أبي شامة في الصفحة 210 ج 2 من كتاب الروضين فيذكر هذه الحادثة ويقول :
"واحتاط السلطان على أهل العاضد وأوﻻده في موضع خارج القصر جعله برسمهم على اﻻنفراد وقرر لهم ما يكفيهم وجعل أمرهم إلى قراقوش الخادم وفرق بين النساء والرجال ليكون ذلك أسرع إلى (انقراضهم) "
وتحاولون الترقيع بوجود النسل الفاطمي في تدوينات لمؤرخين لاحقين لكن قطع النسل ليس أمراً يسيراً كما يظن البعض إنما فعل صلاح الدين كان للحد من عددهم ومحاولة لقطع النسل قد تفلح وقد تخيب فهذا أبو شامه يقول هذا الكلام وهو الشبه معاصر والمحب لصلاح الدين ويعترف بالعزل الذي أنكره صاحب مقال الرد ...
==========================
- النقطة الثانية يحاول كاتب مقال رد الشبهات الدفاع وتفنيد رواية خسارة الشريط الساحلي " بالهدنة " التي عقدها صلاح الدين ليضمن سيطرته على بيت المقدس والتي كانت بخسارة كامل الشريط الساحلي وصولاً الى طرابلس وعموماً يحاولون التفنيد بالارقام والحسابات ويبينون أنها عبارة عن اتفاقية الرملة ويزورون الحقائق التي اثارها الاستاذ محمد حسن الأمين ويقولون أن الهدنة فقط كانت لمنطقة نفوذ ريتشارد قلب الأسد ويتابعون [[تلك المناطق التي لم يستطع صﻼح الدين فتحَها بعيْد تحرير بيت المقْدس لقد كان على صﻼح الدين أن يستعيد قواه ويريح جيشَه بعد حطّين، ليستعدَّ لمواجهة حملة صليبيّة جديدة]] .
في البداية حقيقة قاهر الصليبين كما يروج له عاجز تماماً عن التقدم مما دفعه للقبول بهدنة مخزية و الرد ببساطة على اتهاماتهم للأمين من كتاب الروضتين أيضاً فنقرأ في الجزء الرابع الصفحة 321 الجزء 4 :
"فأرسل اﻹنكلتير يقول إن قاعدة اﻻفرنج أنه إذا أعطى واحد لواحد بلدا صار تبعه وغﻼمه وأنا أطلب منك هذين البلدين يافا وعسقﻼن وتكون عساكرهما في خدمتك دائما وإذا احتجت إلي وصلت إليك في أسرع وقت وخدمتك كما تعلم خدمتي
فقال السلطان حيث دخلت هذا المدخل فأنا أجيبك على أن تجعل البلدين قسمين أحدهما لك وهو يافا وما وراءها والثاني لي وهو عسقﻼن وما وراءها ثم رتب السلطان اليزك بيازور وأمر بخرابها وخراب بيت دجن ورتب النقابين لذلك وسار إلى الرملة فعاد رسول اﻹنكلتير يشكر على إعطائه يافا"
وفي 326 من ذات الجزء :
" قال العماد وعقدت هدنة عامة في البر والبحر والسهل والوعر وجعل لهم من يافا إلى قيسارية إلى عكا إلى صور وأدخلوا في الصلح أطرابلس وأنطاكية ووقعت المصالحة مدة ثﻼث سنين وثﻼثة أشهر أولها مبتدأ أيلول الموافق للحادي والعشرين من شعبان قال وكان الفرنج قد ملؤوا يافا من الرجال واﻷسلحة واﻷقوات ليتقووا بها على فتح القدس لتكون لهم ظهرا وعونا لقربها من البيت المقدس"
امامن ناحية الشروط لإتفاق الرملة هي كما ذكرتم شروط مخزية يتم منحها لعدو غازي......
إذا يا أعزائي النشطاء المدافعين عن صلاح الدين الذين تتناقلون هذه المقالة السيد الأمين لم يفتري كما تدعون أو ينقص الحقائق المشكلة أنكم لا تقرأون في اقرب المصادر التاريخية الموالية لصلاح الدين.
ملاحظة : بالنسبة لمعركة حطين الشهيرة قبل المعركة كان صلاح الدين في هدنة مع الصليبين أما السبب المباشر لهذه المعركة كان إعتراض قافلة و إختطاف اخته ست الشام خاتون الجليلة وقتلها في بعض المصادر أما أبي شامة فيقول في في كتابه في الصفحة 274 الجزء الثالث في حدبثه عن البرنس أرناط :
" فقطع الطريق وأخاف السبيل ووقع في قافلة ثقيلة معها نعم جليلة فأخذها بأسرها وكان معها جماعة من اﻷجناد فأوقعهم في الشرك وحملهم إلى الكرك وأخذ خيلهم والعدة وسامهم الشد والشدة فأرسلنا إليه وذممنا فعاله وقبحنا احتياله واغتياله فأبى إﻻ اﻹصرار واﻹضرار فنذر السلطان دمه ووفى في إراقة دمه "
==========================
النقطة الثالثة يقول صاحب مقال الرد مايلي :
[[ كما توثّق جميعُ كتب التاريخ، فإنّ هذه المكتبة أصبحتْ بائسةً وصغيرةً قبل قرنٍ من دخول صﻼح الدين مصرَ ]]
وتعزون هذا الكلام للصراع الذي حدث في حكم المستنصر بين الأتراك والسودانين فعلاً تمت خسارة الكثير من الكتب لكن ليس بالشكل الذي صورته و ما هذا الكلام عن أي كتب تاريخ تتحدث فنتابع مع الروضتين في الصفحة 210 من الجزء 2 :
"منهم حرا وأعتق من رأى إعتاقه ووهب من أراد هبته وفرق على اﻷمراء واﻷصحاب من نفائس القصر وذخائره شيئا كثيرا وحصل هو على اليتيمات وقطع البلخش والياقوت وقضيب الزمرد وأطلق البيع بعد ذلك في كل جديد وعتيق فأقام البيع في القصر مدة عشر سنين!!
قال ومن جملة ما باعوا خزانة الكتب وكانت من عجائب الدنيا ويقال إنه لم يكن في جميع بﻼد اﻹسﻼم دار كتب أعظم من الدار التي بالقاهرة في القصر ومن عجائبها أنه كان بها ألف ومئتان وعشرون نسخة بتاريخ الطبري ويقال إنها كانت تحتوى على ألفي ألف وست مئة ألف كتاب وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة وحصل القاضي الفاضل نخبها وذلك أنه دخل إليها واعتبرها فكل كتاب صلح له قطع جلده ورماه في بركة كانت هناك فلما فرغ الناس من شراء الكتب اشترى تلك الكتب التي ألقاها في البركة على انها مخرومات ثم جمعها بعد ذلك سنين".
إذا حسب أبي شامة كانت المكتبة من عجائب الدنيا ان فيها 1220 نسخة من تاريخ الطبري ومليونان وستمائة ألف كتاب... فعن أي بأس وصغر تتحدث عزيزي المدافع.....
أما قضية الحرق معك حق الحرق لم يوثق بكثير من المصادر لكن حدث ما يماثل الحرق ضاعت المكتبة بين أيدي العابثين والتجار بدل أن تكون منارة لدولة جديدة ناشئة كان التاجر عارفاً بأهمية الكتب اكثر من دولة صلاح الدين التي أضاعت كنز حضاري وكان إعلان وفاة لأهم صرح خضاري في ذلك الزمان .
==========================
النقطة الخامسة فيما يتعلق بباب جرائم متفرقة طبعاً النقطة الرابعة رددت عليها مع النقطة الأولى :
تقول عزيزي الكاتب [[والواقع أنّ ما يعتبره الكاتبُ المذهبيُّ المعاصر في هذا المقتبس " جرائمَ " ينسبها إلى صﻼح الدين، نقلًا عن أخبار تاريخيّة يسجّلها المؤرخُ المملوكيّ ابنُ تغري أو سواه، ليست إلّا أحداثًا كانت تُعتبر " عاديّةً " عصرَ ذاك، رغم أنّها مدانةٌ في هذا العصر . وكانت تتكرّر في تاريخ جميع الدول، شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا . ولن نجد مثالًا واحدًا لثورةٍ مسلّحةٍ عوملتْ برحمة وتسامح وعفو !
ومع ذلك فإنّه تُؤخذ على صﻼح الدين إضافةً إلى استمراره في النسق القمعيّ الدمويّ لدول ذلك العصر بعضُ اﻷمور ]]
عذر أقبح من ذنب فأرجوا أن لا ترقعوا فالتوحش والانسانية لا زمن ولاعصر لهم فهم ينبعون من الأخلاق الخاصة بهذا الشخص ومن لا اخلاق له الاجرام عنده موضوع طبيعي..... لن اخوض بمجازره خلال رحلته إلى حلب للقضاء على ابن نور الدين الزنكي سأذكر عينة بسيطة لإجرام بحق الإنسان الذي طال الأطفال والشيوخ والنساء وحتى الحجر لم يسلم منه فنقرأ في كتاب الروضتين صفحة 231 الجزء الثاني :
"لما قتل ( مؤتمن الخلافة ) غار السودان وثاروا وكانوا أكثر من خمسين ألفا وكانوا إذا قاموا على وزير قتلوه واجتاحوه وأذلوه واستباحوه واستحلوه
فحسبوا أن كل بيضاء شحمة وأن كل سوداء فحمة فثار أصحاب صﻼح الدين إلى الهيجاء ومقدمهم اﻷمير أبو الهيجاء واتصلت الحرب بين القصرين وأحاطت بهم العسكرية من الجانبين ودام الشر يومين حتى أحس اﻷساحم بالحين وكلما لجؤوا إلى محلة أحرقوها عليهم وحووا ماحواليهم وأخرجوا إلى الجيزة وأذلوا بالنفي عن منازلهم العزيزة وذلك يوم السبت الثامن والعشرين من ذي القعدة فما خلص السودان بعدها من الشدة ولم يجدوا الى الخﻼص سبيﻼ و " أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيﻼ "
وكانت لهم على باب زويلة محلة تسمى المنصورة وكانت بهم المعمرة المعمورة فأتي بنيانها من القواعد فأصبحت خاوية ثم حرثها بعض اﻷمراء واتخذها بستاناً فهي اﻵن جنة لها ساقية .
اما إبن الأثير يصف الإجرام الامتناهي بشكل أدق في التعامل مع التمرد في الكانل في التاريخ صفحة 346 الجزء 9 فيقول :
"وكثر القتل في الفريقين، فأرسل صﻼح الدين إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة، فأحرقها على أموالهم وأوﻻدهم وحرمهم، فلما أتاهم الخبر بذلك ولوا منهزمين، فركبهم السيف، وأخذت عليهم أفواه السكك، فطلبوا اﻷمان بعد أن كثر فيهم القتل، فأجيبوا إلى ذلك، فأخرجوا من مصر إلى الجيزة، فعبر إليهم شمس الدولة تورانشاه أخو صﻼح الدين اﻷكبر في طائفة من العسكر، فأبادهم بالسيف، ولم يبق منهم إﻻ القليل الشريد، وكفى الله تعالى شرهم، والله أعلم "
اما بالنسبة لإعدام المفكرين كالسهروردي وعمارة لا تستطيع عزيزي الكاتب من الهروب من الإعتراف بإجرام صلاح الدين بحقهم فقلت :
[[يمكن أن تفهّم إعدام الشاعر عمارة اليمنيّ أو تبريرَه، لتورطّه في عملٍ مسلّحٍ ضدَّ صﻼح الدين، قد " ولكنّ إعدام الفيلسوف الصوفيّ السهرورديّ ﻻ يمكن تبريرُه أبدًا، ويبقى عملًا مدانًا يُسجّل على صﻼح الدين ويرقى إلى مستوى جريمة إعدام الحلّاج على يد الخليفة المقتدر ووزيره حامد بن العباس في بغداد العباسيّة ]]
بالنسبة للسهروردي الشهيد المصلوب يمكن أن نورد مقطع ظريف بهذا الخصوص أورده أبي شامة في مدح سيده فيقول "وكان رحمه الله خاشع القلب رقيق الدمعة إذا سمع القرآن العزيز يخشع قلبه وتدمع عينه في معظم أوقاته "
ويتابع " كان مصدقا لجميع ما وردت به الشرائع منشرحا بذلك صدره مبغضا للفﻼسفة والمعطلة والدهرية ومن يعاند الشريعة المطهرة
ولقد أمر ولده الظاهر صاحب حلب بقتل شاب كان نشأ يقال له السهروردي قيل عنه إنه كان معاندا للشرائع مبطلًا وكان قد قبض عليه ولده المذكور لما بلغه من خبره وعرف السلطان به فأمر بقتله وصلبه أيامًا فقتله"
لكن في قصة عمارة بررت قتله عزيزي الكاتب بحجة أنه متمرد لنتحدث عن عمارة وحكايته :
عمارة اليمني هو فقيه وشاعر سني شافعي كان مناصراً للدولة الفاطمية نجد في اشعاره زماً وقدحاً لصلاح الدين و مدحاً وتغني في حبه لأل البيت عموماً وجهتم له تهمة محاولة الإنقلاب على صلاح الدين والتخابر مع الصليبين طبعاً كلامكم نجده في التهم الموجه إليه في الصفحة 290 الجزء الثاني ينقل أبي شامة فيقول :
يقول العﻼمة تاج الدين الكندي رحمه الله تعالى ونقلته من خطه " وهو القاضي "
‏( عمارة في اﻹسﻼم أبدى جناية ... وبايع فيها بيعة وصليبا ‏)
‏( وأمسى شريك الشرك في بغض أحمد ... فأصبح في حب الصليب صليبا ‏)
وكان خبيث الملتقى إن عجمته ... تجد منه عودا في النفاق صليبا ‏)
‏( سيلقى غدا ما كان يسعى ﻷجله ... ويسقى صديدا في لظى وصليبا ‏)

طبعاً الجناية مبايعة الصليب مما دفع السلطان لصلبه لكن نتالع فيما كتب أبي شامه حوله لنجد السبب الحقيقي لصلبه وهو إسكات صوته وقمع شعره الذي يذم فيه السلطان فيقول أبي شامة في الصفحة 291 الجزء 2 : "وكان عمارة مستشعراً من الغز وهم أيضا منه ﻷنه كان من أتباع الدولة المصرية وممن انتفع بها واختل أمره بعدها فلم تصف القلوب بعضها لبعض وصار يظهر في فلتات لسانه في نظمه ونثره ما يقتضي التحرز منه وإبعاده "
طبعاً لا يوجد شيء مثبت عن مكاتبة عمارة الفرنج كما يدعون إنما هي قصائده التي تختصر كل ما فعل صلاح الدين وان تهمة مكاتبة الفرنجة كانت من خلال القصيدة التي أضعها امامكم فيبدوا حتى على زمانهم التهمة جاهزة ففي الصفحة 294 في الجزء2 :
"قال وهذه القصيدة تحقق مارمى به من اﻻجتماع على مكاتبة الفرنج والخوض في فساد الدولة بل الملة وتوضح عذر السلطان في قتله وقتل من شاركه في ذلك
‏( رميت يا دهر كف المجد بالشلل ... وجيده بعد حلى الحسن بالعطل ‏)
‏( سعيت في منهج الرأي العثور فإن ... قدرت من عثرات البغي فاستقل ‏)
‏( جدعت ما رنك اﻷقنى فأنفك ﻻ ... ينفك ما بين نقص الشين والخجل ‏)
‏( هدمت قاعدة المعروف عن عجل ... سقيت مهﻼً أما تمشى على مهل ‏)
‏( لهفي ولهف بني اﻵمال قاطبة ... على فجيعتنا في أكرم الدول)
( قدمت مصر فأولتني خﻼئفها ... من المكارم ما أربي على اﻷمل ‏)
‏( قوم عرفت بهم كسب اﻷلوف ومن ... كمالها أنها جاءت ولم أسل ‏)
‏( وكنت من وزراء الدست حيث سما ... رأس الحصان بهاديه على الكفل ‏)
‏( ونلت من عظماء الجيش تكرمة ... وخلة حرست من عارض الخلل ‏)
‏( يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة ... لك المﻼمة إن قصرت في عذلي ‏)
‏( بالله زر ساحة القصرين وابك معي ... عليهما ﻻ على صفين والجمل ‏)
‏( وقل ﻷهلهما والله ما التحمت ... فيكم قروحي وﻻ جرحي بمندمل ‏)
‏( ماذا ترى كانت اﻹفرنج فاعلة ... في نسل آل أمير المؤمنين علي ‏)
‏( هل كان في اﻷمر شيء غير قسمة ما ... ملكتم بين حكم السبي والنفل ‏)
‏( وقد حصلتم عليها واسم جدكم ... محمد وأبيكم غير منتقل ‏)
‏( مررت بالقصر واﻷركان خالية ... من الوفود وكانت قبلة القبل ‏)
‏( فملت عنها بوجهي خوف منتقد ... من اﻷعادي ووجه الود لم يمل ‏)
‏( أسبلت من أسف دمعي غداة خلت ... رحابكم وغدت مهجورة السبل ‏)
‏( أبكي على مأثرات من مكارمكم ... حال الزمان عليها وهي لم تحل ‏)
‏( دار الضيافة كانت أنس وافدكم ... واليوم أوحش من رسم ومن طلل ‏)
‏( وفطرة الصوم إن أصغت مكارمكم ... تشكو من الدهر حيفا غير محتمل ‏)
‏( وكسوة الناس في الفصلين قد درست ... ورث منها جديد عنهم وبلي ‏)
‏( وموسم كان في كسر الخليج لكم ... يأتي تجملكم فيه على الجمل ‏)
‏( وأول العام والعيدان كان لكم ... فيهن من وبل جود ليس بالوشل ‏)
‏( واﻷرض تهتز في عيد الغدير لما ... يهتز مابين قصريكم من اﻷسل ‏)
( والخيل تعرض من وشي ومن شية ... مثل العرائس في حلي وفي حلل ‏)
‏( وﻻ حملتم قرى اﻷضياف من سعة اﻷطباق ... إﻻ على اﻷعناق والعجل ‏)
‏( وما خصصتم ببر أهل ملتكم ... حتى عممتم به اﻷقصى من الملل ‏)
‏( كانت رواتبكم للذمتين وللضيف ... المقيم وللطاري من الرسل ‏)
‏( وللجوامع من أحباسكم نعم ... لمن تصدر في علم وفي عمل ‏)
‏( وربما عادت الدنيا لمعقلها ... منكم وأضحت بكم محلولة العقل ‏)
إذا هذه الكلمات لشخص على وشك الصلب بينت افكاره وعاطفته وبين بإختصار مافعله صلاح الدين في الدولة التي اكرمته وتهمة التخابر مع الفرنجة التي إستنتجوها من القصيدة وإعتبروها دليلاً ماهي الا مقارنة بين الوحشية بالفعل بين فعل صلاح الدين وما قد يفعله الفرنجة في حال كانوا مكان صلاح الدين كما نقول اليوم " إستحوا الفرنجة يعملوا عملتك "
أما الخاتمة التي قدمها الكاتب كانت موفقة هي تقابل بشكل مخفف خاتمة مقالاتي السابقة التي نشرتها على موقع الحوارالمتمدن والخاصة بصلاح الدين و التي ينبغي أن تكون منهج يستند إليه الإنسان في تحديد وفصل مقدساته عن الأحداث التاريخية بعيداً عن التبعية العمياء فصلاح الدين كما قلنا في النهاية هو قائد عسكري وليس عالم أو مفكر أو فيلسوف حتى تُقدس أفكاره مانريده هو وضعه في سياقه الصحيح وعدم إكسابه صفة القداسة التي تولد حالة من الطائفية فهو بنظري مجرم حرب لما قام بمجازر وخيانات لمن كان معه أخاً وصديقاً لكن الإستخدامات التاريخية الخاطئة من خلال السينما والتلفاز جعلت من هذه الشخصية رمز ديني مقدس اي حديث عنه يولد نعرة طائفية ويولد معارك ومجازر والكثير الكثير من الشتم و السباب الذي نبرع نتيجة السعة الثقافية الواسعة التي نمتلكها والتي تعتبر مطلب أساسي من متطلبات الرد المنطقي.