إحتفالات الأكيتو


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 11:29
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

كان مهرجان الأكيتو Akitu أو Akitum أحد الإحتفالات "EZEN" في سومر التي كانت مخصصة للشعير حيث كان يتم الإحتفال به مرتين في السنة مرة في شهر/أرخ تيشريتوم Araḫ Tišritu وهو موعد بذر الشعير وكان اسم المهرجان Akiti-šununum ومرة بحصاد الشعير في شهر / أرخ نيسانو Araḫ Nisānu وكان يطلق عليه Akiti-šekinku وفي الفترة البابلية الأولى تم دمج العيدان في عيد واحد وأطلقوا عليه الإسم " rêššattim " ريش شاتيم " أي رأس السنة حيث كان يُقام في رأس كل سنة بابلية مهرجاناً يتم اﻹحفال به تحديداً في الربيع إبتداءً من اليوم اﻷول من نيسان في التقويم البابلي من كل عام احتفاﻻً بنصر مردوخ على تيامات الذي كانوا لاينادوه بإسبه المعظم " مردوخ " إنما ينادوه إحتراماً وتبجيلاً ب " bêl بِل " وهي ذاتها " بعل " أي " الرب " بغياب العين الحلقي من التدوين المسماري التي تساوي " أدون" أي "السيد" في كنعان و على ما يبدو هذه العادة استعارها اليهود من البابلين لتبجيل إلههم الأعلى" يهوهיהוה " فلا ينادوه بإسمه المعظم" يهوه" بل إما بأدوناي أو هاشم .
انتقل الأكيتو بالكامل مع طقوسه إلى الأشورين حيث بجلوا في البداية مردوخ ليضمنوا شرعيه حكمهم على بابل ثم تم إستبدال الإله مردوخ بالإله أشور في فترات لاحقة وورث كامل صفات وأسماء مردوخ .
*يفترض البعض أن هذا العام يوافق اﻻكيتو رقم 6770 بدءاً من أول إحتفال أُقيمَ بمناسبته لكنها عبارة عن افتراضات و لا دليل على هذا التاريخ سوى بعض الإفتراضات التي قام بها البعض لكن في الحقيقة ماهو مثبت أن أقدم إحتفال بالأكيتو يعود لمنتصف الالف الثالث قبل الميلاد حيث يعتبر أقدم إحتفال ومهرجان برأس السنة مازال مستمراً حتى اليوم.
بصراحة نحن نعرف طقوس الإحتفال بشكل جزئي نتيجة وجود تشوهات في الرقم الطينية أدت لضياع عدد من المقاطع الطقسية ، لكن الأكيتو بشكل عام كان أهم المناسبات البابلية التي كانت تبدأ في الأول من نيسان من التقويم البابلي الموافق 20-21 آذار من التقويم الغريغوري و خﻼل 12 يوماً حيث كانت تشارك في الإحتفال كل طبقات المجتمع ابتداءً من الملوك والكهنة وانتهاءً بالفﻼحين العاديين.
- كيف كان يتم هذا اﻹحتفال ؟
- اليوم الأول :
تعتبر أحداث هذا العيد في اليوم الأول من نيسان مفقودة و غير معروفة .
-اليوم الثاني :
في اليوم الثاني من شهر نيسانو البابلي قبل الفجر بساعتين يستيقظ الكاهن الأكبر šeggallu ثم يدخل المعبد وبحضور بيل أي مردوخ يقوم بطقوس التطهير و يفتح باب المعبد أمام الكهنة والمغنين ويقرأون صلوات خاصة تسمى " سر Ésagila " في معبد مردوخ المسمى Ésagila ايساجيﻼ او ايساگِالا ويطلب من مردوخ الرحمة والمغفرة وحماية بابل المدينة المقدسة وكانت الناس تردد تلك الصلوات بالتضرع والخشوع الذي يحمل في طياته خوفاً من المجهول ومن تلك الصلوات التي كان يتلوها الكاهن :
- يا رب يامن ليس له نظير بغضبه . . . . . .
- يا رب يا من ليس له نظير بكرمه . . . . . .
- يا رب اﻷرض الخالق المخلص لﻶلهة العظيمة
- يا رب يامانح القوة من رؤيته . . . . . .
- يا رب الملوك ، نور الرجال ، ومحدد اﻻقدار .
- يا رب ... بابل هي مقعدك ، وبورسيبا تاجك والسماء الواسعة جسدك ....
- من أذرعك يأخذون القوة .... ومن ظهرك تعطيهم نعمتك .
- اشفق على مدينتك بابل وولي وجهك لﻼسايكﻼ بيتك ومعبدك
- اعطي الحرية واﻻمان لمن يسكن في بابل مدينتك .
وبعدها كان يسمح للكهنة بتقديم القرابيين للإله مردوخ وزوجته لصرباتنيوم ، وبعد ثلاث ساعات من شروق الشمس يستدعي الكاهن الأعظم الحرفيين لتسليمهم الذهب والأحجار الكريمة من ثروات المعبد وكنوزه لإعداد تماثيل اليوم السادس التي سنتعرف على دورها بعد قليل ، كما يستدعي النجار لتسليمهم خشب الأرز والنخيل اللازم .
- في اليوم الثالث :
في الثالث من شهر نيسان البابلي تعاد طقوس اليوم الثاني كالتطهير وتقديم النذور وتلاوة الصلوات السابقة
ثم يحضر الحرفييون وتقدم لهم المواد السابق ذكرها و يبدأ الحرفيون بصناعة دميتين من الخشب والذهب واﻷحجار الكريمة ويلبسونها باللون اﻷحمر أحد التمثالين يمسك ثعباناً والتمثال الثاني يحمل عقرباً و يتم وضع هذه الدمى جانباً ليتم استخدامها في اليوم السادس من اﻹحتفال .
- اليوم الرابع :
في اليوم الرابع يستيقظ الكاهن الأكبر قبل شروق الشمس بثلاث ساعات وثلث ثم يقوم بطقوس التطهير ثم يتلو صلاة خاصة ثم يخرج إلى ساحة المعبد و يرصد في السماء الشمالية ظهور نجوم IkU " الفرس الأعظم " المقدس عند البابلين و تتم خلال اليوم قراءة ملحمة الخلق إينوما إيليش Enuma Elish و هي من أقدم اساطير الخلق بعد السومرية المرتبطة بميﻼد اﻵلهة وخلق الكون والبشر تعرفنا عليها بمقاﻻت سابقة ثم يشرح كيف توحدت كل اﻵلهة مع اﻹله مردوخ بعد فوزه على تيامات كانت تلاوة الملحمة تتم أمام الإله مردوخ وأثناء التلاوة كان يغطى وجه الإله أنو إله السماء وعرش الإله إنليل وهي تغطية رمزية لسلطانهم أي غيابها بحضور مردوخ .
وفي ذات اليوم يتم نقل تمثال الإله نابو إبن مردوخ من معبده إزيدا Ezidaa " معبد الحقيقة " في بورسيبا إلى معبد والده Ésagila ايساگِالا ليوضع تمثاله بجانب والده مردوخ .
- في اليوم الخامس :
يستيقظ الكاهن قبل ثلاث ساعات وثلث من شروق الشمس يقوم الكاهن بطقوس التطهير ويزيل الستارة الموضوعة على الإله مردوخ( بيل ) وزوجته( بيلتي ) صرباتنيوم ويقوم بصلاة ثم يستدعي الكهنة والعرافيين والمغنيين الذين سيؤدون الطقوس وبعد ساعتين من شروق الشمس يحضر الساحر الذي سيطهر المعبد بماء دجلة والفرات المقدس وبعد التطهير ستبدأ الطبلة بالعزف ترافقها مبخرة تحرق الزيوت العطرية المتنوعة ثم تتم التضحية بالكبش ويطلى جدران المعبد بدمائه ثم يلقى بالنهر .
يدخل الملك البابلي إلى إيساجيﻼ برفقة الكهنة ، و يقتربون من المذبح حيث ينتحل كاهن اﻷيساجيﻼ شخص اﻹله مردوخ ‏ثم يقترب من الملك ويبدأ في تجريده من مجوهراته وصولجانه وحتى تاجه ثم يصفعه الكهنة بقوة حتى يذرف الدموع كنوع من الخشوع لمردوخ والتوبة ،وفي حال لم تذرف الدموع كان نذير شؤم على الملك ، ثم يركع الملك في المذبح ثم يبدأ بالصﻼة طلباً للمغفرة من مردوخ ويقول :
" انا لم أخطئ يا رب الكون ، ولم اتهاون في تقدير قوتك السماوية أبداً .
ثم يقول الكاهن الذي يجسد مردوخ :
" ﻻ تخف من ما يقوله مردوخ ، فسوف يسمع صﻼتك ، ويمد من قوتك ، ويزيد من عظمة عهدك "
بعد ذلك يقف الملك ويعيد له الكاهن مجوهراته وصولجانه وتاجه في رمز عن تجدد السلطة للملك كما هو الربيع تجدد للطبيعة والحياة .
ثم يحرق الملك في بعد غروب الشمس ثوراً أبيض تم ذبحه في حفرة فيها أربعين من الأعواد الخشبية المستقيمة المحزومة بسعف النخيل المرشوشة بالزيوت والعسل والقشدة ويتلو صلاة بقي منها القسم التالي :
«dAlpu nùru nam-ri mu-n[am-mir ik-li-ti]»
ثور إلهي ، نور ساطع يشرق في [الظلام الدامس].
بعدها يقيم اﻹله مردوخ ‏في منزله اﻷرضي أي في معبد Esagila في بابل حيث كان اﻹعتقاد انه خلال إقامة مردوخ ‏في هذا المسكن سيدخل عليه أعدائه من اﻵلهة الشريرة ثم يتم اسره من قبل تيامات وحش الفوضى .
ثم ينتظر مردوخ وصول ابنه اﻹله نابو الذي من شأنه أن ينقذه ويحرره ثم يستعيدة مجده .
- اليوم السادس :
سيتم حرق الدمى التي تم صناعتها في اليوم الثالث وستقام معركة وهمية كلها اضطراب وفوضى و هذا اﻻضطراب دﻻلة على أن الحياة في بابل بدون مردوخ ستكون في فوضى مستمرة .
عندها يصل اﻹله نابو في قوارب مع مساعديه من اﻵلهة الشجعان القادمة من نيبور ، أوروك ، كيش ، وإردو ‏( مدن بابل القديمة ‏) . وتمثل اﻵلهة المرافقة لنابو تماثيل اقيمت على قوارب صنعت خصيصًا لهذه المناسبة .
هنا يبدأ الناس بأعداد كبيرة في المشي وراء ملكهم نحو ايساگِالا حيث كان سجن مردوخ ‏ ، وهم يرددون :
" ها هو اﻷتي من بعيد ليعيد مجد والدنا المسجون "
- اليوم السابع :
يدخل نابو المعبد ليحرر والده مردوخ من سجنه فقد كانت اﻵلهة الشريرة قد أغلقت عليه بوابة ضخمة وحبسته خلفها .
يصل نابو ‏( Nabuuu ‏) يخترق تلك البوابة الضخمة و تجري معركة كبيرة تنتهي بنصر مردوخ وابنه ، يخرج نابو ويخرج مردوخ معه بالتالي يكون التحرير و إطﻼق سراح مردوخ .
- اليوم في الثامن :
يتم جمع تماثيل اﻵلهة في قاعة القدر " Ubshu-Ukkina" لدراسة مصير مردوخ يطالب الملك جميع اﻵلهة بتأييد وتكريم مردوخ وهناك تقرر جميع اﻷلهة التوحد مع مردوخ واعطائه القوة المطلقة بالتالي تم تجديد القوة والوﻻء كنا هو الربيع يجدد اﻻرض ايضاً .
- اليوم التاسع :
تسير مسيرة النصر حيث يأخذ الملك بنفسه الإله مردوخ بعربة من معبد الإيسگال إلى " بيت آكيتو " من خلال الطريق المرصوف في بوابة عشتار المعروف بشارع الموكب حيث يتم الإحتفال بنصر مردوخ في بداية الخلق على تيامات ‏( Tiamat ‏) ‏( إلهة المياه السفلى ‏) لذلك كان موكب اﻻنتصار هذا طريقة السكان في التعبير عن فرحتهم بتجديد مردوخ ‏للسلطة وتدمير قوى الشر التي كانت تتحكم في بداية الحياة .
.
اليوم العاشر :
يبدأ اﻹله مردوخ باﻻحتفال مع آلهة العالم العليا في " بيت أكيتو " حيث يتم ترتيب تماثيل اﻵلهة حول طاولة ضخمة كالمأدبة ثم يعود مردوخ إلى المدينة ليﻼ ليحتفل به بالزواج من اﻵلهة " عشتار التي حلت محلها زوجته بلتي صربانتيوم " حيث تتحد اﻷرض والسماء وبالمقابل توحدت اﻵلهة فإن هذا اﻻتحاد مقدر على اﻷرض بين الملك و أعلى كاهنة في Esagila حيث كانوا يجلسون على العرش أمام السكان ويقرأون قصائد خاصة لهذه المناسبة . وهي ذاتها طقوس الزواج المقدس السومرية والتي راينها بزواج الكاهنة الشاعرة انخدوانا والملك شوسين ونتيجة لهذا الحب سيجلب الخصوبة لﻼرض و لنساء المدينة بالتالي يحمل الحياة مع الربيع .
- اليوم الحادي عشر :
تعود اﻵلهة ومعهم ربهم مردوخ للقاء مرة أخرى في قاعة القدر ، حيث التقوا للمرة اﻷولى في اليوم الثامن وفي هذه المرة سيحددون مصير شعب مردوخ ..
وفقاً للفلسفة الرافدينية القديمة كان الخلق عموما يعتبر عهداً بين السماء واﻷرض بأن اﻹنسان يخدم اﻵلهة حتى موته بالتالي فإن سعادة اﻵلهة ليست كاملة إﻻ إذا كان البشر سعداء أيضا لهذا فإن مصير اﻹنسان أن يُعطى السعادة بشرط أنه يخدم اﻵلهة .
لذلك يتفق مردوخ مع واﻵلهة على تجديد العهد مع بابل عن طريق منح المدينة دورة حياة أخرى من الفصول و بعد أن تقرر مصير البشرية ، يعود مردوخ إلى السماء .
- اليوم الثاني عشر اليوم اﻷخير من Akituu تعود اﻵلهة إلى معبد مردوخ وتكون بإعادة تعود التماثيل من بيت اﻷكيتو وتستأنف الحياة اليومية في بابل وبقية المدن .
يبدأ الناس بحرث اﻻرض واﻻستعداد لدورة فصلية أخرى .
اعتمد مهرجان اﻷكيتو في آشور القديمة أيضاً وذلك بعد تدمير بابل كما بنى الملك سنحاريب في عام 683 قبل الميﻼد " بيت آكيتو " خارج أسوار آشور و تم بناء " بيت أكيتو " آخر خارج نينوى مع العلم أن بيت آكيتو كان يسمى في آشور و نينوى " بيت إكريبي " ويعني ‏( بيت الصﻼة ‏) باللغة اﻵشورية القديمة وهو على بعد حوالي 200 متر خارج أسوار المدينة حيث كانت تلك المنطقة مليئة باﻷشجار رائعة الجمال مزينة ومنمقة بعناية وذلك احتراماً لﻺله الذي يعتبر الشخص الذي يمنح الطبيعة الحياة والنضرة وكان يتم اﻻحتفال بالمهرجان أيضاً في اﻷول من نيسان في التقويم البابلي الموافق 21 آذار من التقويم الحالي والذي يقابل بداية التقويم اﻵشوري
و استمر مهرجان أكيتو طوال الفترة السلوقية وفي فترة اﻹمبراطورية الرومانية .
في بداية القرن الثالث ميﻼدي كان اﻹحتفال على مايبدو بالأكيتو مازال مستمراً في حمص " إميسا " في سوريا تكريما للإله الشمسي الحجر الأسود الحمصي ايل جبل و الذي نقل عبادته اﻹمبراطور الروماني من اصل سوري Elagabalus ‏( حكم 222-218 ‏) معه الى روما فكانت الطقوس في روما تشابه تقريباً طقوس الأكيتو وأهمها نقل الإله إيلجبل من معبده بعربة تجرها خيول يقودها الامبراطور بنفسه في خلال موكب فخم .
وفي النهاية :
أكيتو بريخو ....... أكيتو مبارك