بافومت وفرسان المعبد - أصل،الحكاية


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 6079 - 2018 / 12 / 10 - 03:00
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

في العام 1307 م قام ملك فرنسا فيليب الرابع بحملة ضد فرسان المعبد حيث قام في يوم الجمعة 13 تشرين الأول بإلقاء القبض على عدد كبير من فرسان المعبد الفرنسيين حيث تم تعذيبهم و قتلهم .
*لذلك تعتبر الجمعة 13 شؤم في الثقافة الغربية حيث تم إنتاج سلسلة أفلام رعب بذات التسمية " الجمعة 13" وأصبح الرقم 13 رمزاً للنحس.
تم تحديد عدد من التهم المثيرة للريبة تجاه فرسان المعبد وخصوصاً أن وهذا التصرف من الملك فيليب طال أشخاص من خارج فرسان المعبد كانوا خصوماً سياسين له ومنهم البابا بونيفاس الثامن حيث اتهمه بتهم مقاربه للتهم التي إتهم بها فرسان المعبد كالبصق والتبول على الصليب واللواط لذلك يرى المؤرخون الأوروبيون أن الدافع كان سياسي أكثر من كونه ديني لكن الدين كان الذريعة للقمع.
لكن بعض المؤرخين يقولون أن فرسان المعبد قد يقومون بهذا الفعل إذا وقعوا في الأسر فيقومون بالردة عن المسيحية بالأفعال فقط وليس في القلب.
عموماً من ضمن الإتهامات التي، أصدرتها محكمة روما بحق فرسان المعبد هي عبادة "باوفمت" وجاء فيها "في جميع المقاطعات كان لديهم " أي، فرسان المعبد " أصنام أي رؤوس ، بعضها لها ثلاثة وجوه ، والبعض الآخر واحد ، وفي بعض الأحيان كانت جمجمة بشرية ... في تجمعاتهم ، ولا سيما في مقاطعاتهم الكبرى كانوا يعبدونهم كإله ، كمنقذ لهم ، قائلين أن هذا الرأس يمكن أن ينقذهم " يأتي اسمه بالعديد من الإعترافات بإسم "بافومت Baphomet ".
لكن ما حكاية هذه التهمة التي تم توجيهها لفرسان المعبد وأدت لملاحقتهم وتصفيتهم والقضاء عليهم نهائياً .
كان اقدم ذكر لبافومت كان في الرسائل الصليبية الخاصة بالصليبي انسليم من ريبمونت المؤرخة بتاريخ تموز 1089 م وجاء فيها باللغة اللاتينية :
"Sequenti die aurora apparente, altis vocibus
"Baphometh" invocaverunt et nos Deum nostrum in cordibus nostris deprecantes, impetum facientes in eos, de muris civitatis omnes expulimus."
" وفي اليوم التالي نادوا بصوت عالي على " بافومت " صلينا بصمت في قلوبنا إلى الرب عندئذ هاجمناهم وأجبرناهم على الخروج من أسوار المدينة " .
هذا المقطع يتحدث عن حصار يتحدث عن حصار أنطاكية ويبين أن الاتراك المسلمون صاحوا بأعلى صوتهتم " بافومت باهوميت " لكن على ما يبدو كانت هي عبارة عن كلمة موهاميت " muhammet " أي دعاء من الجنود الأتراك للرسول محمد.
فيجب التنويه أن الصليبين خلال فترة الحروب الصليبية قبل الإختلاط بالمسلمين إعتقدوا أن المسلمين وثنين وعبدوا الرسول محمد كإله
لذلك نجد أن قاموس اوكسفورد وعدد من العلماء اللغوين يقترحون أن كلمة "Baphomet" هي تحريف من الكلمة الفرنسية القديمة "Mahomet" وهي اللفظ التركي لكلمة " محمد" ويدعم كلامي هذا أغنية سيمون بولي Chanson de Simon Pouille والتي ترجع لعام 1235 م والتي تذكر " بافوميت " وذكره باللفظ "Bafumetz" كمعبود للساراسين Saracen.
بالتالي نتيجة العلاقة الطيبة التي كانت بين فرسان المعبد و بعض المسلمين تم توجيه تهمة عبادة بَفوميت لهم.
* ملاحظة نجد اليوم بعض قصيري النظر من الديانات المخالفة للإسلام توجه تهمة عبادة هذه الوثن " بافومت " كتهمة ناتجة عن قصر فهمهم للسبب الذي ذكرته سالفاً وبترديد ببغائي للفهم الذي كان منتشراً في العصور الوسطى عن عبادة الرسول محمد مهميت الذي تحرف الى بافومت حسب الفهم في الحروب الصليبية.
في القرن الثامن عشر ظهرت عدة نظريات تربط بين فرسان المعبد و المنظمة الماسونية العالمية وتحديداً في العام 1782 م قام الألماني كريستوف فريدتش نكولاي بالربط بين أفكار فرسان المعبد وتنظيمهم السري الذي يعتبر إحياء للأسرار الغنوصية القديمة كالمثرائية التي كانت العبادة السرية لطبقة النبلاء الرومان والتي أخذوها بدورهم من العبادات الغنوصية السورية جعلهم يفسرون كلمة " بافوميت " "Baphomet" بالعبارة الإغريقية baphe metous والتي تعني " معمودية الحكمة" وهذا المعنى يتوافق مع تنظمات الأسرار الغنوصية أي فكرة معمودة الحكمة وخصوصاً عند المذاهب الفيثاغورثية الجديدة في الهلال الخصيب لذلك نجد ربط بفوميت بالنجمة الخماسية الخاصة بالحكمة الشرقية والتي أخذتها الجماعات السرية عن فيثاغورث والتي ترمز، للمكونات الاربعة " ماء نار هواء تراب بالإضافة إلى الروح"
كما حاول البعض ربط كلمة "بافوميت " بتشفير اتباش العبري الذي كان مستخدماً في مخطوطات البحر الميت 500 ق. م والذي يعتمد، على استبدال الحرف الأول بالأخير والثاني بالقبل الأخير... الخ.
فيكون בפומת بفومت حسب هذا التشفير هي שופיא شوفيا او سوفيا وتطابق الكلمة اليونانية Sophia وتعني الحكمة وهذا ما رأيناه في رواية شيفرة دافنشي وهي تطابق أيضاً فكرة معمودية الحكمة الموجودة في الأسرار.
وفي وقت لاحق في القرن التاسع عشر تم ربط كلمة " بافوميت " بالسحر والشعوذه هذه الكلمة الغامضة والتي زاد غموضها عبر العصور و التي وردت في إعترافات فرسان المعبد ورافقتها الكثير من التضارب التخمينات حول فرسان المعبد وتم ربطها بالاوثان والرؤوس التي وجدت في بيوتهم الذين أقروا بعبادته تحت التعذيب كما نجد أنهم لم يذكر أي شكل أو أوصاف لهذا الوثن كما يقترح البعض أن الاثار الموجودة اليوم لهذه الرووس المذكورة في الإعترافات كلها مزورة تعود للقرن 18 م بعد عودة القضية والإعترافات للظهور للعلن مرة أخرى وأنها ليست اصيلة بالتالي ماهي حكاية الشكل الذي نراه في كثير من الصور اليوم؟

في الحقيقة تصور وضعه الرسام الفرنسي السريالي إيليفاس ليفي في كتابه "السحر المتعالي: مذهبه وطقوسه" وذلك سنة 1856 م حيث صوره انطلاقاً من الفكرة التي تقول بغنوصية التنظيم فإقترح ليفي شكل " بافوميت" بشكل خنثى مجنحة مع شعلة بين القرنين وهذه الشعلة حسب ليفي هي شعلة الذكاء الكوني الذي يؤمن التوازن بين المكونات المادية المختلفة والذي يسمو عن المكونات المادية بالتالي كان صورة للروح المنزهة عن المادة بالإضافة إلى نجمة خماسية تعد رمز للفيثاغورثية التي تعتبر من الرموز الإلهية للإبداع الكوني عن طريق تمثيلها للعناصر الأربعة المادية بالإضافة للأثير فكان بالتالي قلب النجمة يحولها من دلالة الخير الى دلالة الشرور المادية .
وعلى أذرعه الكلمات اللاتينية SOLVE " وحيد " والذراع الأخرى COGULA " ضمهم معا"
كما نلاحظ ان هذا الرسم يجمع بين الأضداد فنجد أن جسده جسم إنسان ورأسه رأس تتيس والجسد البشري يدل على الذكورة والانوثه وأصبعان نحو الأعلى في اليد اليمنى دلاله على السماء والقيم الروحية وإصبعان نحو الأسفل في اليد اليسرى في دلالة على الأرض القيم المادية فنجد جلياً في هذا العمل الفني ل ليفي تأثره بالأسرار الهرمسية التي كانت لها شهره في عصر النهضة وخصوصاً أننا نجد عصا هرمس " الگاديسيوس" مرسومة على بطن بوفميت وهذا دلالة على التوازن الكون في إجتماع الاضداد أيضاً.
أما الأجنحة نجد ليفي قد تأثر بفكرة الشيطان الملاك الساقط حيث صور بافومت بشكل ملاك شيطاني.
عموماً كانت فكرة ليفي خلق رمز سحري يستخدم الدلالات القديمة للمدرسة الغنوصية في تفسيره تطور فيما بعد ليعتبر رمزاً للشيطان وعبادة الشيطان في العالم حيث إتخذوه رمزاً لهم على مايبدوا في ردة فعل على الكنيسة ومحاكم التفتيش التي إتخذته ذريعة لإرتكاب الجرائم بحق فرسان المعبد وغيرهم من المعارضين لها .
أما بالنسبة للرمز الشهير المكون من النجمة الخماسية الشهيرة المقلوبة التي تحتوي بداخلها رأس العنزة والمشهورة بإسم عنزة السباتي ومحصورة بداخل دائرة وتحوي كتابة وهي samael وهي شخصية تلمودية تعبر عن زعيم الشياطين ثمائيل كما نجد كلمة lilith المرأة المتمردة زوجة أدم الأولى الموروثة من التقاليد السومرية كما نجد كلمة برؤوس النجمة أحرف عبرية تفسر على أنها Leviathan لوياثان الوحش التوراتي الأسطوري الموروث من الثقافة الكنعانية أي وحش "يم" لوتان بالتالي هي توسع في نجمة " بافوميت " التي رسمها ليفي في 1856 م وقلب النجمة يعني قلب مفهومها و أول إستخدام لهذا الرسم كان في كتاب الكاتب الفرنسي Stanislas De Guaita في العام 1892 م وأصبحت رمزاً لبافومت فيما بعد وتستخدمها حتى اليوم كنيسة الشيطان وأعضائها رمزاً لهم .
وبعد الإطلاع على تاريخية هذه الرموز ومفاهيمها وزمن إستخدامها يجب أن نكون قد صوبنا بعض المفاهيم التي تم تحميلها للرمز بشكل مبالغ فيه وإعطاء المعتنقين لتلك الرموز القدرة والسيطرة التي هي في الحقيقة قدرة خلبية لا تقدم ولا تؤخر وخصوصاً نجد هذا التهويل عن العاملين في مجال نظرية المؤامرة التي تعشق " بافوميت " كمحرض للمؤامرة وتعتبره رمزاً للشر وهو في الحقيقة رمز أو وثن كغيره من الرموز له اصل وحكاية وتاريخ يعود لل 800 سنة و وله دلالات ومفاهيم لا تقدم ولا تؤخر إنما أوجدها أشخاص على مدى 200 سنة و وضعوا لها مفاهيم ودلالات من الإرث الحضاري الإنساني للعالم القديم حتى يعطوها مصداقية ويلهبوا العقول ويشغلوها بسحر الغموض.