شجرة الميلاد تفكيك الرمزية والأسرار


أمجد سيجري
الحوار المتمدن - العدد: 6087 - 2018 / 12 / 18 - 13:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

تعد شجرة عيد الميلاد "الكريسماس" واحدة من أشهر الرموز والتي نراها اليوم وبكثرة وخصوصاً في هذه الأيام منتشرة في البيوت والشوارع و مطبوعة على بطاقات المعايدة والإعلانات وغيرها في حين أن الاحتفال بعيد الميلاد يرتبط عادة بالمسيحية وولادة المسيح فإننا نجد تحديداً في الهلال الخصيب ومصر الناس من الأديان الأخرى يضعون هذه الشجرة في منازلهم ويشاركون المسيحين إحتفالهم بها وهذا أمر طبيعي ناتج عن الرمزية القديمة للأشجار دائمة الخضرة المترسخة في ثقافة تلك المنطقة.

تم إستخدامها الشجرة الدائمة الخضرة التي غالباً ماتكون من الصنوبر أو السرو في عيد الميلاد لأول مرة في عام 1605م في ألمانيا حيث أرجعها البعض إلى المصلح الألماني مارتن لوثر الذي يعتبر بالمصادر المسيحية هو أول من إستخدم شجرة خضراء في الإحتفال بعيد الميلاد المسيحي حيث يُقال أن لوثر قد إستوحى زينتها من جمال النجوم في ليلة عيد الميلاد فقام بوضع الشموع المضاءة على الشجرة المثلثية الصاعدة لتمثيل السماء المرصعة بالنجوم فوق مستقر الليل الذي ولد فيه يسوع.

بعد هذه المقدمة البسيطة حول المعروف في إستخدام شجرة الميلاد المسيحي لابد من العودة البسيطة إلى الماضي الغابر لتبيان ماتخفيه هذه الشجرة من دلالات وإشارات ونبحر معها في رحلة التاريخ والمعنى ....
تعتبر الأشجار كما نعلم مفيدة للإنسان فهي تؤمن الحماية والظل والطعام والإستطباب والوقود ومواد البناء اللازمة لبناء المنازل والسفن الأثاث وغيره لكن في الحقيقة نحن نجد بعض الأشجار مقدسة أكثر من غيرها ويتعداه إلى إستخدام بعضها في العبادة حيث يختلف تقديس كل شجرة حسب أماكن إنتشار كل نوع ومن أشهر الاشجار المقدسة كان البلوط والسرو و الصنوبر والنخيل والأكاسيا .
في وقت مبكر إستخدم آباء الكنيسة في بعض الأحيان الشجرة كرمز للمسيح حيث كانوا يعتقدون أن المسيحية في نهاية المطاف سوف تنمو مثل جميع الأديان الأخرى البشرية وتسيطر في النهاية لأنها تتخلص سنوياً من أوراقها كما كان ينظر إلى الشجرة كشعار مناسب للموت و للقيامة والتناسخ وخصوصاً نجد هذا المثل عند الأشجار الموسمية التي تموت كل سنة في الخريف و تزهر مرة أخرى مع الخضرة المتجددة معلنةً الحياة في كل ربيع لاحق.
اما بالنسبة للأشجار دائمة الخضرة وأهمها في الحضارات القديمة كانت أشجار البلوط والصنوبر والسرو والأرز والأكاسيا " السنط أو الطلح " والنخيل ذات أهمية رمزية كبيرة وغالبا ما كان تستخدم لترميز الإله الأب لمعظم الألهة الشمسية المختلفة فكانت تعبد على أنها رمز للأب الإله من خلالها يتم إعادة الشمس للحياة من جديد فهي ذات الخضرة الدائمة التي تمثل أبدية الإله الأب أما الاشجار الموسمية هي التي تمثل الأبن الشمس التي تعاني الموت في الخريف والقيامة والحياة في الربيع .
بالتالي يمكن أن اقول أن الشجر دائم الخضرة الذي يظن الكثيرون أنه تمثيل للإله النباتي الشمسي هو تمثيل للإله الأكبر الأب الذي سيعيد الحياة للإله الشمسي الزراعي الإبن المخلص الذي يسعى للأبدية فإرتبط الإله تموز مثلاً بالنخلة والإله ميثرا إرتبطت ولادته بشجرة و الإله أوزوريس إرتبط بشجرة الأكاسيا " السنط، الطلح " وبالنسبة لموضوعنا الرئيسي شجرة الكريسماس تعد شجرة أوزوريس حتى اليوم من أهم مصادر التي إستقوا منها شجرة الكريسماس كونها ترتبط بعدة دلالات رمزية لا ضرر أن نذكرها.
شجرة الأكاسيا "السنط" وهي ذاتها شجرة العزى التي عبدها العرب نمت هذه الشجرة الخضراء الشائكة حول جسد اوزوريس المقتول بالتالي كانت هذه الشجرة تمثيلاً لقبر أوزوريس معلنة عن قيامة أوزوريس من بين الأموات.
كما صنع منها التاج الشوكي الذي وضع على رأس يسوع في مسيره للصليب فشكل الدائرة اللامتناهية دائمة الخضرة التي إختارها كتبة الإنجيل لتمثيل فكرة الخلود بعد القيامة.
بالتالي كانت رمزية الأكاسيا تتبع ثلاثة تفسيرات مميزة:
1- هي شعار الاعتدال الربيعي القيامة السنوية للإله الشمسي.
2-يعتبر الأكاسيا نباتاً حساساً ينكمش من اللمسة الإنسانية بالتالي فإن الأكاسيا يدل على النقاء والبراءة .
3-يجسد الجوهر الابدي من الإنسان بالتالي، يعتبر ممثلاً لفكرة الخلود البشري والتجدد كونه دائم الخضرة بالتالي هي القسم الخالد من الإنسان بعد الموت اي تدمير الطبيعة المادية.
أما بالنسبة للإله أتيس attis الذي يعتبر نسخة مطابقة للإله أدونيس إرتبط بشجرة الصنوبر التي كانت تعبر عن رمز ذكوري التي تمثل الإله الاب المرتبط بالألهة الام الارض و ينتج عنهما مخروط الصنوبر المرفق بغصن الذي نراه بكثرة في التمثيلات القديمة الاشورية والبابلية ويعبر عن رمز قضيبي يمثل الطاقة الذكورية الشمسية الناتجة من هذا الزواج المقدس .
بالعودة للإله أتيس كان الإله أتيس Attis أحد الإله الشمسية المطابق للإله السوري أدونيس حيث كانوا في اليونان القديمة وروما يبادلون بأسمائهما لتطابق حكايتهما كونهما إلهان نباتيان مرتبطان بالرعي والماعز و مرتبطان بالجمال الشديد وحب الألهة لهما وكلاهما يموتان بسبب خنزير بري وكلاهما يعيشان الموت والقيامة .
يموت أتيس تحت أغصان شجرة الصنوبر دائمة الخضرة في إشارة إلى موت الشمس في الإنقلاب الشتوي ويستمد هذا الإله الشمسي قيامته من الشجرة دائمة الخضرة التي تمثل هذا الإله الأب الذي سيعيد الحياة للشمس أتيس ويبشر بقيامته مما جعل قدسية الصنوبر تنتقل إلى اسرار ديونيسوس وأبولو.
بالتالي لعبت شجرة الصنوبر دوراً مهما في تمثيل حكاية هذا الإله حتى في ظل الإمبراطورية الرومانية التي استمدت فيما بعد قوانين مجمع نقية وقراراته من العبادات القديمة التي قامت عليها هذه الإمبراطورية بالتالي يمكن ان نعتبر شجرة أتيس الصنوبرية هي المصدر المباشر لشجرة الكريسماس الحالية مع التأكيد على أهمية المصادر الأساسية لهذه الرمزية وهي رموز نخلة تموز وأكاسيا اوزوريس.
ولا تتوقف تشابهات أتيس والمسيح هنا فأم أتيس هي العذراء نانا التي حبلت نتيجة قيام مجمع الألهة في جبل الأولمب بقطع العضو الذكري للإله المخنث Agdistis اجديستيس ورموه فنمت منه شجرة لوز وفي يوم من الايام قطفت إبنة البحيرة نانا من شجرة اللوز بضعة حبات ووضعتها في حضنها فإختفت الحبات فحملت منها العذراء بأتيس الأبن وعند ولادته تخلت عنه فربته الماعز و أسمه أتيس من كلمة " تيس" وعندما شب وكبر أصبح شاباً بغاية الجمال وقعت بحبه الأله سبييل ومات ببناب الخنزير الممثل لطاقة الشتاء كما اسطورة ادونيس.
بالتالي يمكن أن يمكن أن نقول أن كل إله من الاسرار القديمة كان له شجرة خاصة به مقدسة دائمة الخضرة تمثل قبر إله الشمس الميت وتمثل دور الأب الخالد الذي سيعيد حياة الشمس بعد موتها في أطول أيام الشتاء الثلاثة 22و 23 و 24 كانون الأول بعد الإنقلاب الشتوي ليعلن القيامة من جديد والولادة في 25 كانون الأول حيث يبدأ الليل بالتناقص أمام النهار فيتم الإحتفال بولادة الشمس من جديد تمهيداً لقيامتها الفعلية في الإنقلاب الربيعي " عيد، القيامة " .
بالتالي فقد نشأ المعنى الرمزي لأشجار الكريسماس الدائمة الخضرة في الثقافة التي يسمونها وثنية حيث تمثل الخضرة الحياة والولادة والشجرة المثلثية الصاعدة تمثيلاً للقدرة الذكورية الممثلة للإله الاب الذي سيتحد من الأرض الأم لتكون قيامة الإله الشمسي الذي سيؤمن بزواجه من ربة الخصب إنانا أو عشتار أو أيزيس او افروديت أو فينوس أو أياً يكن إسمها الحياة والخصب والفرة للمجتمع الزراعي لذلك توضع نجمة للصباح كوكب الزهرة في القمة الذكورية لتلك الشجرة الخضراء .
كما يمكن أن نعتبر هذه النجمة هي النجمة الشعرى اليمانية "سيروس " الذي كان مرتبطاً بقدوم وولادة المخلص مع الملوك الثلاثة من مجموعة نجوم الجبار " اوريون " والذي يعلن قدوم المخلص كما في الحضارة المصرية فقدومه يعلن عن مجيء الفيضان والخصب مع الإله أوزوريس و نفسه من علائم ولادة المسيح حسب الرواية المسيحية الشهيرة.