أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد رياض اسماعيل - رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة الخامسة















المزيد.....

رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة الخامسة


محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)


الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 11:10
المحور: القضية الكردية
    


رحلت عنك يا وطني كوردستان ولَم تفارقك قلبي ووجداني، وكلما كنت ابتعد عنك مسافةً كانت انفاسي تعود للخلف الى سمائك، فروحي تأبى ان تفارقك، وبدأت برحلة الغربة رغماً عني، اردد بيتا من الشعر، وطني والحب سينجده مازلِت عبداً أعبده، وتعلمت العشق في أروقته فكيف تقلعوني من جذوري! ابكيك يا وطني بحرقة وبحزنٍ يمتد بطول هذه القافلة من الشهداء الأحياء التي تراصفت دوني الى الأفق، ابكيك بعمر شهيد كوردي يمتد دون الزمن، تركتك في حراسة لص غازٍ ابن عاهرة.
مضينا في المسير ببطء شديد ومعنا سجاد نقص عليه ما جرى لنا، وكان يستغرب كيف تترك الحكومة أناس متعلمين أطباء ومهندسين مثلكم لهكذا قدر! فقلت له ان حكومتنا ومن يسيرها ترى ولا تشعر، والذي لا يشعر لن يحب، وحين يغضب الرئيس القائد يختزل البشر والكفاءات الى مجرد دمى ويسحقهم بالدبابات ويبعثر أشلاءهم بالمدافع، وتسير فوقهم البساطل العسكرية … تعجب الرجل لكلامنا وأشك بانه صدق بأننا أطباء ومهندسين، لما لهذه الطبقة من منزلة لديهم كما حدثنا بذلك، ولكننا كنّا نشعر بالطمأنينة والأمان في حراسة البدلة العسكرية لسجاد. وعلمنا بان قوافل الاغاثة ستصلنا قريباً، واستمررنا في التقدم حتى وصلنا مدينة صغيرة اسمها ناوسود، احدى جنائن الله على الارض، حيث تشق السواقي وعيون الماء جسد الجبل لتنهمر على طبيعة ساحرة خلابة، وعبرنا جسراً عتيقاً تسمعك خرير ماؤها الجاري اجمل الألحان، بتناغم مع اصوات الطيور في كل حدب وصوب، وكنا نرى مئات البيوت التي تهدمت بفعل قصف القوات العراقية التي احتلتها في الحرب المشؤومة، وسألنا عن سبب عدم اعادة بناءه وإعماره، علمنا بأنهم تَرَكُوا المدينة شاهداً على بربرية ووحشية السلطة في العراق، وكنا خجلين امام مرأى هذا الخراب وسط الطبيعة الساحرة، نعم تَرَكُوا المدينة لتحاكي التاريخ يوماً.
كان سجاد إنساناً بسيطاً على الفطرة، لا يعرف اللف والدوران، ويرغب في مساعدتنا بكل اخلاص ودون مقابل، وقد فارقنا في ناوسود وعاد الى النقطة الحدودية بعد ان اعطانا عنوانه في طهران ورقم هاتف الدار، ووعدنا بانه سيتصل بِنَا في أقرب فرصة. وعلمنا بان الحرس الثوري اصدر اوامره لنا بالتوجه الى قرية اخرى اسمها هيرو، او ما يسمى (دوو ئاو)، حيث من المزمع نصب الخيام في تلك المنطقة، ليسهلوا وصول قوافل النجدة للاجئين، وفِي طريقنا من ناوسود الى هيرو رأينا سيارة لاندكروز مفتوحة الأبواب ومليء بالبطاطا المقلية والخبز و التمر وقد اكتظ حولها اللاجئين بكثافة شديدة، كان الحرس الايراني يرمي الخبز و أكياس البطاطا على اللاجئين المندفعين بهياج في حالة هرج و مرج، فتقع على الرؤوس تارة وعلى الأرض تارة ليتهافت عليها الجموع، وكان الناس تندفع بشراسة نحو المؤن و كأنهم في يوم حشر. ودخلنا مع (ح ف) بين الجموع فحصلنا على بعض البطاطا والخبز ورأيت سجاد بيده اكياس برتقال وتفاح ناولها لنا بشق الانفس، وخرجت من بين الجموع بأعجوبة بعد ان بدأ الحرس بضربنا بالعصي وبوحشية. المهم حصلنا على ما لم نكن نحلم به رغم ألم العصي. وجلبناه الى سياراتنا وكنا فرحين حين رأينا اطفالنا يلتهمون الفواكه والبطاطا، ولا يتوسلون بنا بالجوع، كما هي حالهم منذ ان تركنا حلبجة، ثم انطلقنا نحو هيرو.
التقينا في الطريق ابن أخت نسيبي (ر)، وكانت اختي تودع لديه اثاث بيتها عندما خرجنا من السليمانية، وقد أخبرها بانه وضع بعض من اثاث بيتها مثل التلفزيون والغسالة والثلاجة في مكان في قرية بيارة، وجاء للبحث عن اهله وعند عودته لأخذها وجدها مسروقة! اغاضت الحكاية شقيقتي، واشتدت الملاسنة بينهما، ثم عاد (ر) مؤلفاً قصة اخرى حيث افاد بانه باع الاثاث الى ضابط إيراني بستمائة دينار، وقد اثار هذا التصرف والتلاعب حفيظة شقيقتي وتشاجرت معه لأنه لا يحق لأحد ان يتصرف بأثاثها دون علمها واشتد الجدال العنيف، وتدخلت وكذلك فعل اهلي لنهدئ الوضع، ونحن في هكذا حال مزري وقد تركنا بيوتنا بكل محتوياتها ليغتنم بها الجيش، وان المسالة استفزازية لا يستحق اعارة الأهمية لها... وقبل ان نصل الى هيرو انفجر اطار عجلة سيارتي الخلفية وابدلته بالاحتياطي، وقد أقلقني وضع السيارة ومسؤولية ثمانية ارواح التي في عاتقي، وبدأت امضي ببطء شديد، ومع المسير يزداد قلقي وتشتد كآبتي حتى حل علينا المساء، وواجهنا منحدراً شديداً، بدأت ارى انواراً مضيئة من بعيد وكأننا مقبلين على مدينة، انه الكهرباء الذي حرمنا منه منذ أسابيع، ياترى هل سنرى نور الكهرباء، البيوت، الدكاكين، المعلبات، المشروبات الغازية، المعجنات، المطاعم، المتنزهات، الفنادق، الحدائق، السينما، الشوارع، الأرصفة واعمدة الكهرباء ……… هل سنرى ذلك قريباً؟ نحن نرى نور الأعمدة المضاءة من بعيد، وسنصلها قريباً، ماذا سنقول لهم هل نحن سياح، أم زوار، أم ماذا! هل سنجد هاتفاً ونتحدث مع اخي (م) لكي نبشره بأننا بخير وسوف نصل اليه في إنكلترا، للتبرع بالنخاع الذي كان ينتظره بلهفة بالغة، لأنه كان من المزمع اجراء عملية نقل النخاع له من شقيقتي بسبب مرضه العضال (اللوكيميا) قبل احداث غزو الكويت. وكانت والدتي تحتفظ بمبلغ من المال اللازم للوصول اليه بالباون الإسترليني جمعناه بشق الانفس. سنفي بالعهد الذي قطعناه عليه، سنأتي قريباً يا (م) يا رحيق العمر والفؤاد، سنتحدث اليه وسنجد الهاتف ونجد بيتاً للإيجار وسوف نغتسل وسنرى الحمام، سنرى ماء إسالة، سنغسل ملابسنا ونتبضع من الاسواق ونشتري ما نشتهي، سيزودوننا ببطاقات الإقامة بسهولة. سوف نلهو ونلعب مع الاطفال في هذه المناظر الخلابة ونعود ادراجنا مساءاً للبيت ونبدأ ليلاً بالتزاور مع الاحبة و الأقرباء … انه الكهرباء يلوح في الأفق ، لنمضي على بركة الله ، وبدأنا المسير وطال الى الساعة التاسعة مساءاً، ووصلنا مفرقاً وجسراً على نهر سيروان وقطعة دالة مؤشر عليها ( الى پاوه ) ، وأردنا الذهاب الى (پاوه)، منعنا الحرس الايراني، وأخبرونا بان حدود إقامتنا هو هذا المفرق وجنوباً خلال طريق اخر يفضي الى الوادي الكبير فيه قرية صغيرة من عشرة منازل يطلق عليها هيرو، وذهبنا الى تلك القرية ووصلناها ولا اثر فيها للكهرباء، فالأنوار التي رأيناها من بعيد لم تكن لأعمدة الانارة، بل كانت مشاعل من حطب تستخدم من قبل اللاجئين المتناثرين في الوادي، كان قد جمعها الناس للتدفئة وكانت تتلألأ من بعيد وتبدو كأعمدة انارة الشوارع ، لقد كان خداع بصر، سبحنا في أوهامه ثم صدمنا بواقعه، وركنت السيارة قرب الشارع المتاخم للجبل ، ونزلنا وإذا بشجار عنيف قد دب بين شقيقتي وحماتها، ولَد هذا الشجار انقساما بين العائلتين، والدتي وأختي وعائلة نسيبي (أخوه وأمه)، وبدأوا بشجار كلامي عنيف، كان شقيق نسيبي يشجعه على رمي الطلاق، وتألمت كثيراً لما نحن عليه من حال فهل الوقت مناسب لتجتمع حولنا كل هذه المشاكل ؟
وحاولت تهدئة الطرفين رغم صعوبة إقناع النساء اللاتي تؤججن بعضهن الاخر، وقمت منادياً بأعلى صوتي على اخواتي ووالدتي ووالدي متسائلاً الجميع، هل هذا هو الوقت المناسب لمناقشة مصير اطفالكم! لنؤجل ذلك الى ان تهدأ النفوس ويستقر الحال، ثم تكلمت مع (ح ف) الذي أصغى لكلامي، وقلت له أنك وعدتنا ان نأتي معك وتتولى امرنا ولن تتخلى عنا، فهل هذا جزاء سماعي كلامك؟ شد (ح ف) بيدي وقال، لأجلك استحمل هذا الكلام الجارح من اهلك، وهدأت النفوس… ثم خلوت بنفسي وأحسست بغربة شديدة وخارت قواي في وضع لا املك فيه اي بارقة أمل او حل قريب. وقمت باستبدال ملابسي، ولبست لأول مرة منذ خروجنا من السليمانية ملابس نوم (بيضاء ونظيفة) وتنفست الصعداء، وركنت خلف السيارة لأقضي حاجتي في الظلام الدامس، وما ان انتهيت حتى وجدت ملابسي مبللة من الخلف! وتأففت من الحال بصوت عال فإذا بأحدهم يصيح هل هناك أحد في الأسفل؟ ويبدوا بانه اتخذ من سفح الجبل مكانا ليفرغ مثانته للأسفل فسالت على ملابسي! وعدت الى السيارة واستبدلت الملابس، وذهبت للنوم لليوم الرابع في السيارة، كانت ابنتي تنام في حضن والدتها وابني في الخلف مع اخواتي (ا) و (ر)، والاخيرة كانت على شجار دائم مع ابني، لأنه كان يتمدد ويمدد رجليه الى المقعد الأمامي … وكان الحال يسوء يوما بعد الاخر بسبب الاوضاع وقلة النوم. لقد كانت ليلة كئيبة، تمكنت من إقناع كل الاطراف للخلود الى السكينة والعقل، ومر الليل، وفِي الصباح بدأنا نفكر بالاتصال مع أولاد عمومة نسيبي الساكنين في مدينة سنندج الايرانية، من خلال الحرس الايراني، اما أنا فقد ذهبت مع ابن خالتي (م) لأقابل مسؤولاً ايرانيا يقال بانه مسؤول اللاجئين ، ووجدت طابوراً طويلاً يقف عند باب خيمته وبيدهم دفاتر الجنسية والنفوس المطلوبة لاستلام خيم، ولَم تكن الخيمة هاجسي، فرافقت زوجتي وشقيقتي الى المستوصف للتبرع لخدمة اللاجئين ووجدنا بعض الأطباء والطبيبات العراقيين، ووعدنا الإيرانيين بتزويدنا بخيم مناسبة للإسعاف والعلاج، وجئنا بسياراتنا وركنا قرب المستوصف.



#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)       Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثا عن الحرية/ الحلقة الثالثة
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات ...
- رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية// معايشة حقيقية شخصية لتداعيا ...
- ما السبيل الى التنوير
- بريد وهمس/ خاطرة واقعية تم تدوينها عام 2004/ من مذكرات موظف ...
- الاديان وخدعة الصور الفكرية للعقل في البقاء والانتفاع
- مدينة كركوك كما وعيتها/ من خواطري الشخصية
- عبارة عمي / خاطرة شخصية
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- هل يمكن التغيير بهدف التعايش السلمي؟
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- الى متى محاربة ( الاٍرهاب ) !
- وجهة نظر في الاقتصاد النفطي العراقي
- الوعي هو السبيل الى الحرية والاستقلال!
- غياب الإرادة الدولية سينهي الحياة على الكوكب الأزرق!
- السلاح الإعلامي الأمريكي والغربي يستهدف عقولنا
- استدراك النفس في ميلودرامية الحياة والموت
- الليبراليون الغربيون دعاة حرب!
- جدلية الانسان والخالق


المزيد.....




- بعد عقود من وقف تنفيذه.. تقرير يرصد ظروف اعتقال محكومين بالإ ...
- هيئة الأسرى: إدارة سجن عوفر تتعامل مع الأسرى بدون ضوابط
- -ندوب تستمر مدى الحياة-.. أزمات نفسية تطارد المدنيين وعمال ا ...
- الأمم المتحدة: لا بديل لمعابر غزة البرية لإدخال المساعدات ال ...
- -الأغذية العالمي- يفرغ حمولة أول سفينة مساعدات تصل رصيف غزة ...
- انتهاكات بالجملة تجاه الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.. ...
- إدارة معتقل -ريمون- تتجاهل متابعة أوضاع المعتقلين المرضى
- -الأغذية العالمي- يفرغ حمولة أول سفينة مساعدات تصل رصيف غزة ...
- اجتماع للمجموعة العربية في الأمم المتحدة لحشد التأييد الدولي ...
- أم كينية تسابق الزمن لإنقاذ ابنها من الإعدام في السعودية


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمد رياض اسماعيل - رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة الخامسة