أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - محمد رياض اسماعيل - بريد وهمس/ خاطرة واقعية تم تدوينها عام 2004/ من مذكرات موظف متقاعد…















المزيد.....

بريد وهمس/ خاطرة واقعية تم تدوينها عام 2004/ من مذكرات موظف متقاعد…


محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)


الحوار المتمدن-العدد: 7010 - 2021 / 9 / 5 - 14:05
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


الساعة العاشرة صباحاً، أنهى مدير قسم في شركة نفطية عراقية مداولاته، واستلم البريد اليومي ليبدأ بالعمل على تصريف الأمور اليومية التي تتعلق بقسمه، ومد يده الى قطعة قماش صغيرة لتنظيف نظارته، وبدأ بمسح زجاجها السميك ويوجهها الى النور ويرمقها بعينيه الصامتتين ليتأكد من إتمام تنظيفه بكمال … لَبْس النظارة وفتح حافظة البريد وتناول قلماً، والقى بثقل بدنه على منضدة المكتب وجاءه همسٌ من اعماق نفسه يقول (ياللا لنبدأ).
تناول الورقة الاولى، كتاب امر اداري بترقية الموظفين في الشركة، تمعن في الأسماء ليرى عدد المشمولين من قسمه بالترقية، وجاءه همس، ما هذا! هل يعقل ما أراه! أهو زحفٌ مقدس! انه امر بترقية الموظفين بالجملة وبدون ضوابط، على اعتبارها مكرمة من الوزير!! ما الذي يحصل هل يعقل ان يكون في قسم واحد أكثر من ثلاثون رئيس سواقين! ثم لاحظ ان جميع الموظفين ممن هم بدرجة ملاحظ في قسمه أصبحوا رؤساء ملاحظين ! جاءه همس اخر، ما الذي يحصل في قيادة الوزارة! وهل يعقل ان تكون غافلة عن التوصيف المهني والدرجات في ملاكات الوزارة! أم انه الانحدار نحو الهاوية؟ فكر قليلاً بماذا يهمش على الامر الاداري المقرون بموافقة (معالي) الوزير، فإذا اعترض سيثير ضده مجاميع الموظفين اللذين ترقوا، وكل مجموعة منهم تنتمي لحزب نافذ ، لن تكون العواقب حميدة … جاءه همس "ياللا" ، عمم ذلك على الشُعَب وبارِك لهم الترقية و أعطي نسخة لموظف الملاكات لاتخاذ ما يلزم وتحديث سجل الملاكات المتخم بالدرجات خارج متطلبات العمل، وتوقف مع نفسه برهةً، قد يعترض موظف الملاكات ويأتي لأشرح له كيف نتصرف مع غياب الهيكلية الهرمية للعمل في ظل التخمة على الدرجات الوظيفية، جاءه همس، ليكن كذلك فان مسؤول الملاكات مشمول ايظاً بهذا الزحف ! … يترتب على هذه الترقيات تضخم غير مبرر في الكلف التشغيلية وعجزا في الموازنة السنوية… جاءه الهمس انت مأمور، ياللا مَشيها …
تناول الورقة الثانية على مضض وألم الاولى، انه امر اداري اخر لترقية الموظفين القياديين في الشركة، وتمعن اسماء القياديين في قسمه وبدأ بتدقيق عدد المهندسين الأقدمين فوجد بوناً شاسعا بينها وبين عدد المهندسين، ويفترض ان يكون عدد الاقدمين اللذين هم بدرجة مدراء اقل من المهندسين وليس العكس! يا إلهي ما الذي يجري، هل يمكن ان يصل التخريب الاداري الى هذه الوقاحة؟ ستقصم الأعباء المالية الناجمة عن هذا الزحف الوظيفي ظهر الموازنة التشغيلية في الشركة، وتضيف عليها كلفا خيالية لا مبرر لها، وارباكاً ادارياً حين يكون جميع الموظفين القياديين بدرجة رئيس مهنة أقدم وهي اعلى درجة في السلم الوظيفي… وينهي حافز الابداع، وتتحول الترقية بدون معايير الى روتين يقتل فكرة تطوير العاملين… جاءه همس اخر يقول هل تريد ان تقف امام إرادة الوزارة وتسبح ضد التيار! انت أضعف من ذلك، فالقلم الذي أتى بهذه الأوامر تستطيع ان تزيلك من سجل الوظيفة بسطرين، او كلمتين (يعفى من المسؤولية)! فنظر الى هامشه السابق واستنسخه على هذا الامر الاداري أيضا، وهو يخشى ان تُحَوِل إدارة الدولة ما تبقى من موظفيها القدماء الاكفاء الى مطايا مثل القيادات التي جاءت بها…
أطلق المدير زفيراً طويلاً وتناول الورقة الثالثة، كتاب وزاري يحذر بالعقاب الصارم على تسمية أية لجنة باسم النزاهة لكونها حكراً على مفوضية النزاهة وفروعها في المحافظات والدوائر وتشكيلات الدولة، كما يحذر منظمات المجتمع المدني لنفس الغاية، جاءه همس آخر لماذا الاحتكار! ياللا، لصوص واختلفوا بينهم في الاستحواذ على الغنيمة التي تسبغها طابع (الوجاهة)، نفاق، واداة تسقيط سياسي، كلام حق يراد بها باطل… متى يرن جرس العدل في ضمير هذه الأمة؟
مد يده الى الورقة الرابعة وقد أخذ منه التعب النفسي واقلقه كثيراً ، تشكيل لجنة وزارية للنظر في أولويات الطلبيات الخارجية لصرف مليار دولار خلال ثلاثة أشهر حتماً. جاءه همس اخر، الا يستحي هذا الوزير (المسكسك)، بقي على الدورة الحكومية ثلاثة أشهر، يستغلها بهذا الشكل المفضوح لإبرام العقود، واغتنام ما يمكن اغتنامه من نسب، لإرسائه على المتعاقد المطلوب منحه الطلبية، تدفع من قوت المساكين والأبرياء من هذا الشعب المبتلى… ان لهثه على ما يغتنم من الطلبيات جعلت اعمال اللجنة التي تفترض ان تجدول على طول السنة المالية، جعلها نافذة للمدة المتبقية من حكم هذا الوزير!! ترى هل ينام الوزير جائعاً؟ ياللا وكما يقال، ان لم تستحي فاصنع ما تشاء، وإن أبحرت السفينة الشراعية بلا هدف فلا يهمها اتجاه الريح. لنكتب الى المقر لإعداد الطلبيات فوراً وتثبيت المواصفات بدقة تحدياً للوقت المختزل، ثم وجه بهامشه للشراء من المصادر الرصينة للتجهيز حصراً، عسى ان تكون لتلك المصادر شرفاً مهنياً يغنيها عن المساومات…ان التوحد الذي نعيشه هو نوع من الاضطهاد أيضا.
مّد يده وسحب الورقة الخامسة بعصبية وقوة، سمع ضجيجاً ودق السكرتير الباب ليخبره ان أحدهم ينتظر مقابلته ولم يفصح عن سبب المقابلة، وجه بالاعتذار لان المقابلات لها توقيتاتها، وللبريد اليومي قدسيته وحرمته ويتطلب فيه التركيز وحسن التصرف درءاً للعواقب الوخيمة التي لا تحمد عقباها!!
ارتشف من القدح الذي أمامه قليلاً من الماء، ثم نظر الى الورقة، وهو طلب مقدم الى المدير العام من مدير قسم لتحويل القسم الذي يرأسه الى هيئة! … وجه المدير العام الى تشكيل لجنة ورشحه الى عضوية اللجنة المكلفة بالدراسة والتوصية… وجاءه همس اخر، سيترتب على ذلك إنفاق مال سنوي غير مبرر، ويتحول بعض مسؤولي الشُعب الفاسدين الى مدراء أقسام ببطالة مقنعه، وتتضخم مخصصاتهم دون مسوغ، لان حجم أعمالهم لم ولن يتغير، هل يحتاج هذا الى تشكيل لجنة! جاءه في تلك اللحظة نداءاً هاتفياً على الخط الخاص، ويحدثه أحد زملاءه في تلك اللجنة المزمع تشكيلها ويستغرب كذلك من تشكيل هكذا لجنة دون مبرر لتحويل ذلك القسم الى هيئة، وكان ملماً بطبيعة عمل القسم، وقال ان عليه ضغوطاً من الوزارة بالتوصية على التحويل، وهو يرغب في التكاتف مع أعضاء اللجنة للخروج بالرفض المطلق بحسب المبررات التي سَتُسَوق فيما بعد، اتفقوا على ذلك وانتهت المكالمة. يبدو بان الوزارة غير آبهة بمستقبلها، ولا ترغب في ارساء أسس بناءة لنظام ادارة الثروة النفطية بقدر بحثها عن اللصوص لإسكانهم في المواقع القيادية وتسهيل النعمة عليهم! ومن يدري فمن الممكن ان يتحول هذا القسم الى شركة مستقبلاً لأغراض سياسية!!
كنّا نقرا في القصص والحكايات والأساطير، بان أحدهم حين يُقلد بمنصب رفيع او يرقى الى درجةً حساسة بمساس مع مصائر العباد، يقول (لقد ذُبِحت بغير سكين)، وأصبح في زماننا (اذبح بغير سكين لترتقي).
آه يا قلمي واصل كتابة الهوامش، واياك ان تعصى فحوى التوجيه الوزاري، لقد أصبحت هوامش المدراء في الوزارة نسخ عن طبق الأصل، فقدت اقلامنا حرية النقد للارتقاء، فنحن مأمورين يغيرنا كلمتين! وعاد لقراءة ما دوَّنه، ثم مد يده وسحب الورقة السادسة بتثاقل وقد اخذ منه التعب الشديد، وكأنه يحمل جبلاً على ظهره، اِدخال مادة الى خزين الشركة من قبل أحد الأقسام، وطلب توسيع المخازن واضافة الانارة لها، اويللاخ، جاءه همس اخر، هل سنبقى نضيف موادا الى الخزين المتخم أصلاً، دون سحب او حاجة لها! ليتزايد كلفة الخزين دون مبرر، حيث يتم شراء مواد موجودة أصلاً في الخزين المتضخم للاتجار من قبل الفاسدين المتنفذين، ولكي تكون عملية الشراء شرعية، يفترض ان تكون غير متوفرة في الخزين، لذلك تم تغيير رمزها المخزني بأمر المتنفذين أيضا، واضافتها للخزين باعتبار تلك المادة (محسنة)! لذا فقدت السيطرة المخزنية الترميز والترقيم الصحيح، وأصبحت الفقرة المخزنية الواحدة مبعثرة على ارقام مخزنية مختلفة، ولما ملئت تلك المادة ساحات المخازن، واثار جدلاً، تم دمج هذه الفقرات المخزنية وفقرات أخرى غير مناظرة لها في رمز مخزني واحد! وجاء هذا الفعل تحت مبرر (تقليص الخزين بالبدائل)، وحصل المتنفذين بسبب (هذا التخريب) كتب شكر وتقدير ومكافئات مجزية!! وأصبحت إدارة المخازن فيما بعد أشبه بدكان لبيع الخضراوات والفواكه! بفارق عدم التفريق بين السلق والخس، فالكل من الملفوفات، وبين البرتقال والليمون كونها من الحمضيات! بهدف استدامة عمليات الشراء وما يلازمها من فساد. وفي معترك هذا التفكير، اخرج السكرتير المدير من عالم الهمس، لتوقيع ورقة جواز مرور لمواد من المخازن الى مواقع العمل، ثم عاد الهمس مع البريد، حسناً لتدخل المادة الى الخزين المتخم بملياري دولار ولننير ساحاتها! …
دخل السكرتير مرة أخرى، أخبر المدير بان أحدهم يصر على رؤيته، حسناً ليدخل، بدأ يتأرجح في مقعده، فدخل موظف كفوء ووقور كبير السن يعرفه الجميع لتلك الصفات ونزاهته المطلقة، وبدأ يتوسل بحرقة لتعيين ابنه، لانه سيحال على التقاعد ولا يملك مكان سكن بعد ان قضى في خدمة الشركة أربعون عاماً، وحين يعين ابنه، وبحسب الضوابط يتمكن ان يسجل دار الشركة باسمه وبعكسه سيتشرد! عصر المدير راسه بيديه وشعر بنبض الألم فيه، وطلب من الموظف ان يقدم طلباً بذلك لرفعه للمراجع ووعده خيراً، وهو يعلم بان الإجابة ستكون آلية خالية من اللمسة الإنسانية ويختزل قصة موظف كفوء ونزيه بعبارة "حسب الضوابط"، بينما المليارات تهدر بالفساد، أية مفارقة! انتهت المقابلة وعاد لهمس البريد اليومي...
مد يده الى الورقة السابعة، كتاب من المشتريات يبلغهم باستبعاد (الشركة الفلانية) من المنافسة على التجهيز، وعند تدقيقه وجد استبدال أحد حروف العنوان البريد الالكتروني لتلك الشركة، حيث أصبحت (n) بدلاً من (m)، وعند مراجعته الأوليات المرافقة وجد اسم الشركة المرسلة من قبل قسمه صحيحاً في جميع المراسلات، من الذي غير الاسم إذن!! جاءه همس اخر، يبدو بان قسم التجهيز يريد ان ينفرد احدى الشركتين المقترحتين من قبله بالعقد دون منافسة! هل نحن امام مافيا منظمة أم هي لعبة شخص واحد! ان كان واحدا او عشرة، فهم يريدون ان يبنوا سعادتهم على استهلاك الضمير، ميزة الانسان، وحين يستهلك الضمير، يبقى حال الشعب مترديا، ينتظر الكهرباء والماء لسويعات في اليوم الواحد، يرتجف في الشتاء ويتصبب العرق في الصيف، بعد ان رأى انواعا من الحروب والترهيب وذاق الجوع والحصار والتشرد، ولا يزال يجادل مضنى الحياة، ويسعى للعيش والبقاء حياً…
هذا السلوك الاداري الارعن هو نتاج سنوات الحصار والحروب التي خاضتها البلاد … همش على الكتاب بتعليق من الآية الكريمة (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلين). أدركه الوقت وجاءه همس اخر لا يزال الله موجوداً وهو نعم الوكيل …
مد يده الى الورقة الثامنة، كتاب يحث على قدسية الحفاظ على المراسلات السرية وخصوصاً المراسلات التي تتعلق بالمال العام لأنه واجب وطني! كلام حق يراد به باطل، ما الضير في تعميم مراسلات المال العام؟ ان المجاهرة غالباً تعكس نزاهة العمل الاداري. فتذكر ما قاله له والده حين وبخته امه في أحد المرات ببيت شعر فارسي، حيث كان في ضيق لم يسعفه أقرب اصدقاءه، (گورگه زاده گورگه شيڤ---ات، ئاگر آدمي بازورگي شيڤ---ات)، اَي ان الذئب هو ذئب ولو بدى بهندام البشر. جاءه همس ، ياللا عمم ذلك والامر لله.
سحب الورقة التاسعة وقد أنهكه التفكير والهمسات، تقرير حريق يتحدث عن سقوط قذائف في إحدى مجمعات العمليات النفطية، ويوصي بتكثيف الحماية حول المجمعات. رفع الهاتف وتحدث مع مدير المنطقة وأفاد له ان العمل تخريبي جاءت بفعل زرع العبوات من الداخل ولضخامة الحريق نفذ الماء من المجمع، وزادت قدرة النيران بسبب تاخر وصول سيارات الاطفاء لبعد المسافة عن المركز. وجاءه همس اخر، كان التقرير منصفاً حين برأ الكهرباء من السبب! ياللا لنهمش على الكتاب ونوجه بتقدير الأضرار النجمة عن الحريق التي قدرت ب 35 مليون دولار، إضافة الى توقف تصدير 400 ألف برميل باليوم من ذلك المجمع لعام كامل. وعاد اليه الهمس ، كيف يتداول المدراء هكذا مسائل حساسة ومهمة بهذا البرود والرتابة ! أوهوووو الم تسمع ما يقال (الى الماء يجري من يغص بلقمة، الى ما يجري من يغص بالماء!) فهي للأسف لاتعني شيئاً لأي مسؤول طارئ… وهمسٌ كان يطارده في هذه الأثناء، كان إنتاجنا قبل سنتين 960 ألف برميل في اليوم، وهبط الى 660 ألف برميل في اليوم، ثم انحدر بعد الحريق الى 275 ألف برميل يوميا. الم يكن ذلك مفتعلاً! حيث صرحت احدى الشركات النفطية الأجنبية العملاقة بعد خمسة أعوام من الحادث، بانها اجرت دراسة (للحقول) لرفع الإنتاج من 275 ألف برميل باليوم الواحد الى 660 ألف برميل في اليوم بكلفة 300 مليون دولار!!! وفعلا تحقق الهدف، ولكن ليس بتطوير الحقول من قبل تلك الشركة العملاقة، بل بإعادة اعمار وتشغيل المجمع النفطي الذي استهدف بالتخريب المتعمد، ومن ثم تم اعادته للعمل بجهود وطنية خالصة، والتي اضافت تلك الزيادة، ولم تأت الزيادة مما تمخضت عنها الدراسة من توصيات تخص الحقول، كما أعلنتها الوزارة والشركة النفطية العملاقة!
مد يده الى الورقة العاشرة ومعدته تحدثه بان الساعة توشك على الثانية عشر، انه حادث قطع قابلو كهرباء ضغط عالي اثناء الحفر في احدى المواقع بسبب إهمال إصدار ورقة السماح لاعمال الحفر مصدقة من الجهات ذات العلاقة، وجاءه همس اخر، أين نظام العمل ومراعاة الأصول الفنية التي توارثته الشركة جيلا بعد جيل؟ من يتحمل كلّف الأضرار؟ هّمَش بعصبية الى القسم القانوني لتحميل المسبب جميع الأضرار التي سببها… رن الهاتف، أحد مدراء الأقسام يتوسط لنقل عامل، انتهت المكالمة بالوعد خيراً، جاءه همس اخر، النَّاس تبحث عن العيش الرغد السهل دون أي عناء او جهد!! وتبقى الوساطة غير المشروعة، تلك التي لا تهدف لرفع الظلم وإحقاق الحق، آفة تهدد بناء المجتمع الرصين ومصالح العمل…
مد يده التي بدأت ترتعش، الى الورقة الحادية عشر، كان موضوعها اعادة اعلان طلبية شراء خارجية للمرة الخامسة، جاءه همس اخر على الفور، لا تتعب ولاتدقق سيعيدونها للمرة العشرين من اجل ان يفوز بها (أم العيون السود)! تكلفنا اعلان طلبية في كل مرة ثلاثمائة دولار، ناهيك عن الأضرار التي تسببها تأخر التنفيذ على ارض الواقع…
جاءه همس بهيئة شبح ينبعث من الماضي يحثه على المقارنة بين الامس واليوم، وتذكر حين كان مهندسا لحقل كهرباء المنطقة الثانية ، وقع نظره في احدى الاضابير القديمة التي تعود الى بضع سنوات خلت (زمن الإنكليز)، حين كانوا يملكون امتياز عمليات استخراج وتصدير النفط من حقولنا، بان نقابة العمال طلبت نصب مروحة هواء سقفية في معمل المنطقة الثانية، تم ردّ الطلب من المشرف كونه غير مبرراً… ويبدو بان النقابة عادت وطلبت نصب المروحة بعد انقلاب 17 تموز1968على طريقة ( حقنا نريد و حق ما ننطي )، و رُد الطلب أيضا، الا ان النقابة اصرت على مطلبها وذهبت به الى المدير العام، الذي بدوره شكل لجنة من فنيين وماليين لتقييم الطلب ، جاءت توصية اللجنة بالرفض، لان العمال لا يتواجدون في ذلك المعمل باستمرار، بل لفترة قصيرة اثناء الحاجة الى التصليحات التي تتعذر إجراؤها موقعياً، كما انها تفرض على الشركة أعباءاً مالية غير مبررة ، فالتكلفة لا يقتصر على شراء مروحة ب18 دينار، بل يتعدى ذلك الى كلّف الصيانات الدورية لها والصيانات الطارئة و صرفيات الكهرباء وهناك كلّف مخفية وهو فقدان ساعات عمل لان المروحة توفر بيئة مناسبة لنوم العمال اثناء الدوام…. ثم تأمّلَ وضع المعمل حالياً، فيها عدد من مكيفات الهواء والمراوح والمبردات الهوائية! ومساحته لا يتعدى 16×8 متراً! ومصاطب خشبية ينام عليها وتحتها العمال اثناء الدوام الرسمي. كما تأمل في كلفة استخراج البرميل الواحد الذي كان لا يتعدى (2 سنت امريكي) بسبب الإدارة الواعية التي كانت تدقق مصاريفها ومبرراتها وتدرك مصلحتها في تلك الأيام، وبين كلفة استخراجها اليوم البالغة أكثر من 7 دولارات بيد مأجورين لا يهمهم اية مصلحة عامة بقدر مصالحهم الشخصية! (بين أمس قبل ثلاثة عقود من الزمن، واليوم 2004)) … أيقظه من التأمل همسٌ اخر، انه بريد يوم واحد، كم بريداً سترى في القادم من الأيام!!
وفجأة فَّزَ من غفوة الهمس، ووجد البريد قد تحول الى اشلاء وطن مذبوح، والقلم سكيناً يقطع ما تبقى منه إربا ارباً …



#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)       Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاديان وخدعة الصور الفكرية للعقل في البقاء والانتفاع
- مدينة كركوك كما وعيتها/ من خواطري الشخصية
- عبارة عمي / خاطرة شخصية
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- هل يمكن التغيير بهدف التعايش السلمي؟
- معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي ال ...
- الى متى محاربة ( الاٍرهاب ) !
- وجهة نظر في الاقتصاد النفطي العراقي
- الوعي هو السبيل الى الحرية والاستقلال!
- غياب الإرادة الدولية سينهي الحياة على الكوكب الأزرق!
- السلاح الإعلامي الأمريكي والغربي يستهدف عقولنا
- استدراك النفس في ميلودرامية الحياة والموت
- الليبراليون الغربيون دعاة حرب!
- جدلية الانسان والخالق
- الكاظمي امام تحدي الدولة العميقة
- تداعيات انسحاب أمريكا من أفغانستان والعراق
- الدستور العراقي في ضوء المعطيات والنتائج
- المعاناة في العلاقات الزوجية
- السعادة على طريقة ابو خضير
- متى تنال الخرفان حريتها؟


المزيد.....




- السعودية.. 28 شخصا بالعناية المركزة بعد تسمم غذائي والسلطات ...
- مصادر توضح لـCNN ما يبحثه الوفد المصري في إسرائيل بشأن وقف إ ...
- صحيفة: بلينكن يزور إسرائيل لمناقشة اتفاق الرهائن وهجوم رفح
- بخطوات بسيطة.. كيف تحسن صحة قلبك؟
- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - محمد رياض اسماعيل - بريد وهمس/ خاطرة واقعية تم تدوينها عام 2004/ من مذكرات موظف متقاعد…