أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الساعدي - سعد العبيدي في -حفل رئاسي-.. توثيق الواقع روائياً















المزيد.....

سعد العبيدي في -حفل رئاسي-.. توثيق الواقع روائياً


سعد الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 6959 - 2021 / 7 / 15 - 18:58
المحور: الادب والفن
    


من بين ثنايا الكثير من القصص تبرز صور متعددة تشير لوقائع مختلفة، تحمل بين طياتها المعاني المقصودة من كتّابها بمستويات وأطرٍ آنية، كحالة انفرادية، وحين تجتمع مع غيرها تشكل ظاهرة أدبية ضمن مسيرة الأدب العام وثقافة كل عصر، تبحث مرة في التاريخ، وأخرى في تشخيص الظواهر السلبية ونقدها، وأحيانا تطرح أفكاراً متباينة، أو متناقضة، لا يُستبعد أن يكون منها الشاذ مثلاً. وتارة لا تبغي غير إمتاع القارئ كونه العنصر الثالث الفاعل في القضية، مع عنصرين آخرين، هما الكاتب والنص.
في رواية "حفل رئاسي" للباحث والكاتب العراقي الدكتور سعد العبيدي، نلاحظ حالات مشخّصة تفسّر معاناة ما، باستعراض دراميّ نقدي وواقعي كوثيقة تاريخية، تغطي حقبة من تاريخ العراق المعاصر، وهذا ما يسهّل على المتلقي فهم المغزى والمناورة التي أرادها الكاتب وهو يصف الموقف المحكي عنه بين يديه.
استهل الكاتب بعد عنوانه الأول بعنوان فرعي لاحق: "وقائع غير مرئية من أحداث مجزرة قاعة الخُلد عام 1979" وهو ما نعدّه البؤرة الرئيسية التي تمحورت عليها الرواية الصادرة بطبعة اولى عن دار ضفاف، والثانية عن مطابع شبكة الاعلام العراقي عام 2021. ملخص الرواية يشير لمؤامرة مفتعلة خطط لها الرئيس الجديد؛ صدام حسين بعد عزله للرئيس البكر، قضى بسببه الكثير من قادة حزب البعث موتاً رمياً بالرصاص، أو شنقاً حتى الموت، أو بطرق أخرى وصف منها العبيدي كشاهد عيان ما يفعله الجلادون تنفيذاً لأوامر الجهاز الصادرة أصلاً من الرئيس:
"اللعنة على جاسب (سجان المعتقل الرهيب).. اللعنة على هذا الطبيبب.. كان ينتظر هذه اللحظة انتظاراً مرهوناً بفاعلية الحبة التي أعطاها سماً فاعلاً بالثاليوم".
جاسب هو الوحش المسلط من جهاز المخابرات، المتفنن بشتى طرق التعذيب خصيصاً للمعتقلين السياسيين ومنهم الكادر المتقدم في الحزب والدولة، من اتُهموا بمؤامرة عام 1979 ضد الحزب والثورة من وزراء وقادة عسكريين وسفراء بتصانيف بشرية اختارها الرئيس الجديد كمحرقة لأكباش الفداء في تدجين القيادات العليا أولاً، ومن هناك لاحقاً يُدخِل جميع العراقيين في قفص التدجين وبالتالي زجهم لاحقاً في حروب مدمرة فاشلة؛ خطة رهيبة أذهلت رفاق الأمس في سجن رقم واحد حين كانوا يفترشون الأرض سوية مع رفيقهم الرئيس الجديد الذي وعدهم في حالة استلام السلطة سيلغي جميع السجون إلّا واحداً فقط للمجرمين القتلة، ولن يبقى سياسيّ في أي معتقل حتى اعداءه من الشيوعيين وغيرهم، لكنه فعل العكس حين لم يزح طابوقة من جدار أي سجن قديم، بل كثرت السجون والمعتقلات في شتى انحاء البلاد حين كشفت واحدة من محاورات الرواية بين الزوجة وزوجها المسؤول قبل اعتقاله بتهمة المؤامرة!
وصل الرئيس الجديد لقاعة الخلد تحفه قطعان الحماية، مدججين بأسلحتهم وملابسهم الزيتونية كعلامة فارقة ظلت طوال الحكم البائد تغطيهم، وتزرع الرعب في النفوس. ظل الرئيس واقفاً ينظر نظرة المنتصر المنتقم وأمامه القيادات العليا في الحزب والكادر المتقدم الى أن جلس وأشار اليهم بالجلوس، ومن هناك بدأ الحفل الرئاسي بتقديم القرابين فداءً للرئيس لأنهم خونة عملاء، يخططون مع حافظ الأسد لقلب نظام الحكم، والقصة معروفة لمن عاشها أو سمع بها.
تداعيات كثيرة بشخوصها الفاعلة سردياً، والمؤثرة سلباً، أو إيجاباً، سجلته قصة حقيقية واقعية، أو تصف واقعاً أقرب كثيراً على سطح الزمان، وليس في باطن أعماقه؛ السعي بانشداد القارئ أن يكون أكثر قوة في تحمل المشاهد، لاسيما حين يروي الكاتب مواقف التعذيب الرهيبة المتغيرة حسب منهج يومي واسبوعي وشهري، يمليه (لامع) ضابط المخابرات لجاسب المتعطش للدم يومياً، ليكون نقل صورة المشهد أشدّ وقعاً على المتلقي بمؤثراته، وهذا ما سار عليه العبيدي في سرد قصة مأساوية لتصفية من وصفهم المخلصين في تحقيق حلم الجماهير في العدالة والحرية، لكنهم كانوا جميعاً في دوامات الوهم والخديعة بعد أن صارت السجون مأواهم أو قبورهم وهم في الحياة، حينها عرفوا أن ما قاله الرئيس الجديد فيما مضى لم يكن غير خداع وتضليل سعى به الى السلطة والتفرد بالحكم، وتصفية كل أصحاب الخبرات والعقول المفكرة، فنال رفاقه نصيب العذاب بعد تصفية كل الخصوم والمعارضين حينما كان نائباً للرئيس مع أخوته وبطانته وأقربائه، ولاحِسِي قصعته الدموية مثل جرذان المزابل.
جاءت اللغة النقدية التوثيقية في الرواية مشبعة بالوصف حين وظّف الكاتب اشتغاله الواقعي والخيالي السردي انطلاقاً من محور تسجيل الواقعة، أو وقائع تتسع بشكل تدريجي بنائي محبوك عام لتلك الواقعة ترابطياً. تبتعد شيئاً فشيئاً عن الحالة التصورية الأولى للكاتب في حوارات قليلة وقصيرة يُفهم منها أنها تعجبيّة استفهامية، ليصل الى حقيقة يبتغيها في الكشف السردي وتصارع الأحداث، مستفيداً أيضاً من دراسته المتخصص بها في علم النفس، اضافة للعلوم العسكرية التي بها شغل منصباً كبيراً في الدولة يومذاك، لكن لم يفلت من قبضة الجلاد، فصار ضحية مع بقية ضحايا هذا البلد المسكين المستكين حين يتقلب بأيدي الظلمة أنّى كانوا، ومن أينما أتوا.
كتب العبيدي بأسلوب حواري لا يخلو من الغموض الى حدّ الوقوف كثيراً عند اسماء كثيرة، ومع كل جملة تخيلية واصفة، وبذا أراد اشراك القارئ وجعله كما لو أنه المُحاوَرُ الآخر، أو تنصيبه الحَكَم المُنصف للنظر في قضية الاتهام التي لم يتجاوز النظر في قضية كل متهم غير دقيقة أو اثنتين: أنت متهم بالاشتراك بالمؤامرة، هل لديك ما تضيفه؟ المسألة محسومة، والحكم قطعي جاهز بلا تمييز أو استئناف كما يتضح من شاهد العيان الراوي. بعد ذلك تُقاد السبايا المتهمة إما للنحر، أو للمصير المجهول في صراع مع النفس أدى ببعضهم للجنون، أو الموت من ألم التعذيب. قائد عسكري أو سفير يهان من سجّان لا يجيد ربما كتابه اسمه، يا لها من مفارقة عجيبة في زمن دولة البعث التي تسلط بها الجهلة والقتلة على مقاليد الحكم أمثال برزان وعلي حسن المجيد (رتبته عريف مطوع في آليات الجيش) وعزة الدوري الذي لم ينطق كلمة (أمريكا) بشكل صحيح طيلة حياته بل يلفظها أمريكيا!
إنّ تحليل مضامين قصص كل من ورد اسمه في الرواية كأبطال لها يُمْكِن الاشارة اليها من خلال منهجية متّسِقة وقف عندها العبيدي بصورة تأملية ـ واقعية ليسجل التاريخ، وخيالات استشرقها من عمق الثقافة العامة لديه، بوصف وتحليل حالات وظواهر مجتمعية، جاءت أغلبها موضوعية (سلبية وايجابية)، وأحياناً ضمن سيكولوجية متأثّرة بخزين القراءة القصصي والمعرفي، بمثيرات سبرت أغوار النفس الانسانية، وصولاً لتحريك مشاعر المتلقي، مع ما أضافه الكاتب من متعة تشويقية مُرّة مليئة بالحزن، و أخرى تَعْرضُ المشكلة بعيداً عن تفصيلات الحلول، تاركاً القارئ أيضاً يفسّر ويحلّل ما يراه هو حين تجواله مع ما كتب.
انطلق الكاتب الى مشروع كتابته بأسلوبه الأدبي الذي يريد، ومعرف أنَّ كتابات سعد العبيدي ناقدة محللة في غالبها، ومن هناك يشتغل على وظيفة انتاجية تخرج أخيراً أمام العيان على شكل منجز أدبي، أو اعلامي معين، يقرر مستواه الإبداعي أو العدم مَنْ يقع بين يديه ذلك الانجاز، سواء كان ناقداً، أو قارئاً متابعاً لما يُنشَر في أية وسيلة اعلامية متاحه أمامه؛ هنا وصلتنا الرسالة الاتصالية على شكل رواية فيها من الأسرار الحقيقية الكثير، تشرح ما وصل إليه العراقيون من يأس ومرارة فيما بعد وصول الرئيس الجديد، حتى أضحت بلدان المهجر ملاذهم الآمن ومنهم كاتبنا الذي ضاعت كل منجزاته حينما أراد الرئيس ذلك بإلغاء أي أثر لأي رفيق قديم له مآثره الحزبية، فاستبدل القائد بالجندي، والوزير بموظف الخدمة، وأعطى لنفسه أعلى رتبة عسكرية في العالم وهو هارب طيلة حياته من الخدمة العسكرية الالزامية التي فرضها سنوات طويلة على ابناء الشعب المغلوب على أمره حينما سنَّ قانون الحروب المتوالية.
حالة التغريب القسري، أو الأُمنية بهجرة عاجلة رسخها ذلك النظام كما تشير المضامين المضمرة في الرواية، مع وجود اشارات علنية واضحة أحياناً. لذا جاءت بعض نصوص الكاتب في الرواية قريبة من كونها خاطرة، قصيدة نثرية أو سردية، تبوح عن مكنونات وخلجات نفسية دفينة، نابعة من أرض خصبة للكتاب، ترسبت فيها المعاناة التي عاشها هو بالذات طيلة سنوات في بلده العراق، وهي بالتأكيد الى الآن باقية تحز في نفسه.
في رواية حفل رئاسي فرض الزمن والمكان نفسيهما نظرياً، وعملياً في حقيقة السرد الموضوعي الذي لا يميل الى تراكيب مجزأة تستدعي نظرة كلية للتأمل وفك الرموز، أو محاولة سبر أغوار الكاتب ولماذا اختار هذا العنوان؛ حتى العفوية فإنها واضحة كسرد فني معتدل أو بسيط من خلال استلهام القيم والموروث الحضاري والانساني استحضاراً للواقع رغم تداخل الأسماء الكثيرة في الرواية التي قد يختلط بها على المتلقي ماهيّة الشخصية. هذا التشكيل يدعو القارئ للمتابعة والسير مع حبكة نصية متوازنة، من فصل لآخر بكل ما حَمَل كقارئ من خلفية ثقافية ومعلومات تاريخية، وبكل ما يحمل النص من بُنى تتراوح مفاهيمها وأدواره بدأً من المجتمع، والسياسة، والاقتصاد؛ مروراً بتاريخ و جغرافيا تلك الطبيعة، وذلك الواقع، الى آخر جملة فيها:
"نظرت أم نداء ملياً، صرخت من فرط شوقها، رمت نفسها عليه، وكذلك فعلن الأربع بنات". أم نداء زوجة طارق المقرب من الرئيس واخوته سابقاً، لكنه لاحقاً أصبح أحد المشاركين بالمؤامرة، المتهمين بتغيير نظام الحكم حسب السيناريو الذي اُعِدَّ من قبل لتصفية من هم أكثر علماً وحنكة سياسية من قادة التشكيل الجمهوري الجديد. منهم مهندسو تأميم النفط الذين قضوا بنفس يوم ذكرى التأميم، ومنهم القادة الأوائل في الدورات العسكرية خارج القطر، ومنهم من هم أقدم انتماءً في الحزب من الرئيس الجديد الذي اختار له جحراً بعد سقوط حكمه، فأُخرج منه كجرذ خائف قيل أنه (بال) على نفسه حين اقتادوه للمقصلة رغم نطقه الشهادة أمام الكاميرات، في حين منعها عن رفاقه ساعة تنفيذ حكم الموت بهم بتكميم أفواههم حسبما تصف رواية حفل رئاسي.



#سعد_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ الذي تكتبه قصيدة.. الكواز مؤرخاً
- حضورية التحليل النقدي التجديدي في -لوحة صامتة ترسمها الضوضاء ...
- رسالة لصديقي عِبرَ الفيسبوك
- الشاعرة والناقد فوزية أوزدمير تكسر حواجز الألم في -السبابة-. ...
- رثاء لشاعرة العراق لميعة عباس عمارة
- قصيدة كرسي الاعتراف
- قصيدة عفو عام للشاعر أحمد مطر ترجمها سعد الساعدي
- Poem: The Blind Child(قصيدة: الطفل الأعمى)
- عبد الجبار الفياض شاعر الفلسفة وفيلسوف الشعر التجديدي (قراءة ...
- أسيادُ الرذيلة
- Lost
- ديماغوجية الحمير..!
- مِطرقةٌ خرساء
- Be Clear
- Seek
- وقفةُ تأمّلٍ مع الذات..
- نظرية التحليل والارتقاء النقدية.. ما الضرورة اليها اليوم؟
- القيم الأخلاقية والصورة الفنية في القصيدة الجاهلية.. مقاربة ...
- القيمة التجديدية الابداعية المضافة في عملية نقد النقد استناد ...
- ما هي نظرية التحليل والارتقاء النقدية التجديدية؟


المزيد.....




- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...
- دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
- شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع ...
- مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي ...
- وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما
- بسررعة.. شاومينج ينشر إجابة امتحان اللغة العربية الشهادة الا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الساعدي - سعد العبيدي في -حفل رئاسي-.. توثيق الواقع روائياً