أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - المرأة في رواية -ثمنا للشمس- عائشة عودة















المزيد.....



المرأة في رواية -ثمنا للشمس- عائشة عودة


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4977 - 2015 / 11 / 6 - 10:57
المحور: الادب والفن
    



كاتبة بمستوى "عائشة عودة" تستحق أن تقرأ وبتمعن ليس لأنها دفعت ثمنا من حياتها في سبيل وطنها وحسب، بل لأنها وضعتنا أمام عمل أدبي بكل معنى الكلمة، بصرف النظر عن محتواه، إن كان يناسب البعض الذين ما زالوا متمسكين بمواقفهم ومحافظين على مبادئهم، أم من أولئك الذين يجدون في عملية النضال (موضة قديمة) تتنافي وروح العصر.
رواية "ثمنا للشمس" عمل أدبي رائع، تغلب فيه المشاعر الإنسانية على كل شيء، فنحن أمام نسوة قدمن لوطنهن الشيء الكثير، وفي ذات الوقت يحمل مشاعر الأنثى، التي تتوق إلى الحياة الاسرية وما فيها من اطفال وزوج، ويحملن حب الحياة بعيدا عن القيود وجداران المعتقل وشراسة الجلاد.
أهم ما في الرواية طرحها لقضية الإنسان، وما يجب أن يكون عليه، ونجدها تعري الجلاد الذي يمارس ساديته على المعتقلات، وتظهر لنا كيف ينقلب من وحش كاسر يتجبر بالضعفاء، الى إنسان
(وديع/مسالم) يتعامل مع المعتقلات بطريقة إنسانية، بعد أن شعر بأن أيامه اصبحت معدودة أثناء حرب أكتوبر 1973، وتقدم لنا الكاتبة صور من التحالف العالمي مع القضية الفلسطينية، حيث تعرفنا على العديد من المناضلات اللواتي جئن كافة انحاء العالم وساهمن وشاركن الفلسطيني نضاله ضد ألاحتلال، ونجد حضورا لعبد الناصر الذي كان يمثل أمل العرب في الوحدة والتحرر والتحرير.
ونجد حضور الأم بشكل بارز وواضح والذي يؤكد على المشاعر الإنسانية والعاطفة التي يحملنها المعتقلات للأم، وأيضا على قوة وفاعلية وتأثير الأم عليهن، فهي شيء/حاجة لا يمكن الاستغناء عنها، كما نجد تركيزا من الكاتبة على أهمية الكتاب ودوره في رفع المعنويات وأيضا تقديم المعرفة الأزمة لكل إنسان، وهناك صورة عن حلم المواطن العربي وكيف يريد أن تكون حياته، بعيدا عن الحدود المصطنعة وعن القيود التي تنغص حياته.
هناك مجموعة من الحكم تعبر فيها الكاتبة عن رؤيتها للحياة في المعتقل وفي خارجه، فالرواية هي رواية المرأة، والمرأة المناضلة، الحالمة، المفكرة، فهي هنا تتجاوز وتقلب النظرة السلبية التي يتعامل بها المجتمع، فتريدنا أن نحترمها ونعطيها ما تستحق، فهي لا تقل عطاءا على الرجال.
مشاعر المرأة
الكتابة الادبية دائما تعكس شيئا من نفسية الكاتبة، ففيها شيء من العقل الباطن، كما فيها شيء من الوعي، ويمكن أن يكون العقل الباطن هو الأهم، وهي الذي يسير الأحداث ويجعلها تسير حسب رغبته، لا حسب الوعي الذي يظهر الكاتب/ة، "سأهرب الى الأردن سأغير اسمي وأغير لبسي وأتزوج وأنجب أطفالا، سأقوم بالأعمال التي لا تحتاج الى حركة تلفت ألانتباه ص10، حالة من الصراع بين الواجب الوطني والجانب الإنساني، الغريزة، عاطفة الأنثى، فهي توضح لنا ما تريده داخليا، وما يجول في نفسها من إحساس وطموح، فهي ليست قاتلة أو تسعى للقتل، بل تطمح من وراء مقاومتها أن تكون أما وزوجة، تعيش حياة عادية بعيدا عن الاحتلال وما يحمله معه من سلبيات.
مشاعر المرأة التي تحب وتعشق لم تكن بعيدة عن المناضلة كبيرة، فهي ككل ألنساء تحمل ما يحملن، وتسعى الى ما يسعن، "ليس من السهل تخطي السد المقام في وجه الحب في ذلك الزمن، كان فتح القلوب حتى تعبر عن مكنوناتها من اعواطف عملا جبارا، .. كان عليها أن تحافظ على حبها كبؤبؤ عينها، يمدها بالحياة والأمل دون أن تجرؤ على كشفه" ص95، ليس المرأة المناضلة قطعة صماء، لا تعرف إلا الحرب والضرب والقتل ومقارعة الاحتلال، بل هي امرأة بكل معنى الكلمة، تحب، وتفكر بالحب، بالحياة، بالأطفال، لكن الواقع الاجتماعي والسياسي كان يفرض عليها أن تكتم ذلك الحب، وتحجب تلك المشاعر بحيث لا تظهر للعيان، لكنها موجودة وحاضرة وفاعلة ومأثرة في كيان المرأة.
فتحدثنا عن بدايات تعرفها للحب أيام الدراسة وكيف كانت مشاعرها عندما تقابلت مع حبيب القلب في ألحافلة "في عين يبرود، حيث كنت أدرس نزل ليفسح لي المجال للنزول، وقفنا قبالة بعضنا، وجها لوجه، لحظة كانت كافية لنتأكد أننا روح واحدة.
كيف قطعت المسافة ما بين الشارع العام ومدرسة بنات عين يبرود؟ هل لامست قدماي الأرض؟ لا، لم اشعر قط أني أطأ الأرض، لقد تحولت إلى فراشة ترف بأجنحتها وتتنقل بين البساتين.
سألتني المعلمات: أين بشرى تنقلينها لنا يا عائشة الفرح منك يفيض؟" ص99، قد يسأل البعض: هل هذه المشاعر من امرأة مناضلة؟ ويمكن أن يقال: بأن هذا افتراء عليها، فلا يمكن أن تكون المناضلة "عائشة عودة" بهذه الصورة، لكن الكاتبة هي من قالت عن نفسها وليس كاتب آخر، هي امرأة، ولها أن تظهر مشاعرها، فهي ليست قطعة كاو تشك، بل امرأة.
مثل هذه المشاعر هو ما يجعل الرواية تأخذ البعد الإنساني، البعد الذي نحتاجه جميعا، فلسنا نحن إلا بشر، وفينا من الاحاسيس والعاطفة ما هو عند الآخرين، فنحن نحب، ونريد أن نعيش حياتنا كما الآخرين.
وبعد أن استشهد حبيبها "عبد السلام" في الأردن كانت الكاتبة بهذا الوضع، "أنفجر بكائي كما لم ابكه من قبل، لم ابك استشهاده بما يكفي، إذ كنت أحذر من البكاء الواضح فأنا لا املك تبريرا، أنتظر نوم الجميع لأبكي بتكتم تحت ستار أللحاف، سمعتني أمي مرة فاعتقدت أني في كابوس فنبهتني" ص118، بهذه الصورة الانسانية كانت المناضلة "عائشة عودة"، تؤكد لنا إنسانيتها من خلال وصف هذه المشاعر الصافية والنقية، فهي تحب، وأي حب؟، حب مزودج، ثنائي، حب الفتاة لشاب، وأيضا حب المرأة للمناضل، للبطل، لرجل الأحلام، فهو ليس حبيبا عاديا، بل حبيبا استثنائيا، متميز، يتجاوز الرجل العادي، من هنا كانت مشاعرها بهذه الاندفاع والحساسية، وفي ذات الوقت الحرص على عدم تبيانها للآخرين.
وتقول عن الحب وهي المعتقلة والمحكوم عليها مؤبدين وعشر سوات عن ألحب: "فتحا ملفات احلام ألحب ومع أحلام الحب يرهف القلب ويطير على انغام شفيف، وتصبح تجربة الماضي مهما كانت بسيطة ذات قيمة تحتل حيزا مهما من فراغ القلب" ص، 274 بهذا الشكل يكون الحب مسألة مهمة جدا في حياة ألكاتبة، رغم أنها محكوم عليها عمليا بالموت داخل ألمعتقل، لكن الحب تجاوز جدران الزنزانة وجعلها تعيش هذا السلوك الإنساني بكل ما فيه من أحاسيس ومشاعر.
المرأة الغربية
الثورة الفلسطينية فتحت ابوابها لكل المناضلين في العالم، فهي لم تقتصر على الفلسطينيين وحدهم، بل شارك فيها العديد من احرار العالم، فنجد الفرنسي والاسباني والأمريكي كلهم جاءوا ليساهموا في ازالت الاحتلال، ولم يقتصر العمل الفدائي على الرجال وحسب، بل هناك مجموعة من الفدائيات اللواتي شاركن في العمل المسلح ومنهن "نادية بريدلي" والتي تقول عنها الكاتبة: "فتاة مغربية الأصل تحمل جوازا فرنسيا، وعمرها خمسة وعشرون عاما.
أحلوت:عربية تقود مجموعة فدائية، هذه ثورة حقيقية، المجموعة مكونة من نادية بريدلي، وإيفلين الفرنسية ابنة العشرين عاما، ومارلين بريدلي شقيقة نادية، وأوديت بوخهلتر في الستين من عمرها، أما الخامس فو زوج بيير اوديت وكان في السبعين من عمره" ص166، من المؤشرات التي تؤكد الإيمان والقناعة بعدالة القضية الفلسطينية عند شعوب العالم، من هنا وجدنا صبايا في ذروة الشباب يقدمن للمشاركة في ضرب الاحتلال، ونجد ايضا شيوخ، مقتنعين بعدالة القضية ويشاركون في تحرير فلسطين من الاحتلال.
صورة مثالية للثورة الفلسطينية، وللعنفوان الذي استطاعت ان تحققية ليس على الساحة العربية حسب بل على الساحة العالمة.
وتحدثنا الكاتبة أيضا عن الهولنديات المشاركات في دعم النضال الوطني الفلسطيني فتقول: "مع بداية العام 1972 دخلت إلى السجن فتاتان هولنديتان بتهمة حمل رسائل لأحد فصائل منظمة التحرير! قلنا جميل، هولندا تأتي إلينا بعد باريس، الفتاتان هما: باولا، طالبة جامعية تدرس الفلسفة، وماركوت، تدرس علم الاجتماع" ص170، صورة أخرى لحجم الامتداد الذي وصلت إلية الثورة، فهي استطاعت أن تتجاوز الدعاية الغربية المناهضة لحركة التحرر العربية ومنها الفلسطينية، وأن تجعل المرأة الغربة تشارك وبفاعلية في نضالنا ضد الاحتلال.
وتقدم لنا الكاتبة المناضلة الامريكية "تري جانسون" والتي لم تكن مناضلة وحسب بل مفكرة أيضا، فقدمت رؤيتها عن الحزب الواحد، في زمن كان التعرض لهذا الامر يعد خرقا للمنطق الثوري، لكن "تري جانسون" استطاعت أن توضح هذا الأمر "عدم صلاحية نظام الحزب الواحد وتعارضه مع حقوق الإنسان وكرامته وحريته، الثانية، المقاومة الأعظم هي المقاومة السلبية المطلقة" ص253، بهذه الافكار استطاعت أن تؤثر "تري" على "عائشة عودة" فكانت كلماتها صائبة تماما بعد ما شهدنه الانظمة ذات الفكر الشمولي وصاحبة فكرة الحزب الواحد.
وبعد هذه النماذج من المشاركات من اوروبا وأمريكيا، تنقلنا الكاتبة إلى الحديث عن فتيات اسرائيليات وجدن/اكتشفن الكذبة الكبيرة التي ينشرها الاحتلال، فقررن طلاق هذا الكيان الغاصب والعودة من حيث جئن، "أوديت" فتاة يهودية جاءت من فرنسا الى (أرض الميعاد) وبعد أن تعرفت على حقيقة ما يجري في فلسطين قررت العودة الى وطنها وترك كذبة ارض إسرائيل: "جئت اليوم فقط لأودعكن وأعلمكن أني قررت العودة إلى وطني فرنسا، لقد تحققت من صدقكن، واكتشفت الأكاذيب التي تضخها الدعاية الاسرائيلية، لا يمكنني أن اكون مواطنة في دولة قائمة على الكذب وعلى ظلم شعب آخر، اشكركن على كل شيء واعتبر نفسي محظوظة لأني التقيت معكن" ص70، كل من يعرف حقيقة هذا الكيان لا بد أن يقف ضده، فهو قائم على الكذب وتشويه الحقيقة ونصب العداء لكل ما هو فلسطيني.
وتحدثنا عن "فليستا لانجر" الشيوعية اليهودية المدافعة عن الفلسطينيين، "... فكيف لمن هم اعداء أن يدافعوا عن المناضلين منا؟ وكان التفسير: لأنها شيوعية، وأن الشيوعيين الفلسطينيين يتواصلون معها، تزورهم ويزورونها" ص73، فهذه المرأة اصبحت مثلا لكل المناضلين الحقيقيين فهي لم تكفي بالدفاع عن الفلسطيين وحسب، بل قررت ترك هذا الكيان المحتل والعودة الى وطنها ألمانيا.
الفلسطيني
تقدم لنا الكاتبة كيف يفكر الفلسطيني، فهو رغم ما مر به من ظلم وقهر وتشرد وحرمان نجده يحمل مشاعر إنسانية، تظهره برحمة السيد المسيح اتجاه أعدائه ألم يقل المسيح "أحبوا أعدائكم" وكأن هذا الكلام لم يأتي من فراغ، فهو أرث ثقافي في المجتمع الفلسطيني، ممتد منذ أن كان المسيح إلى غاية الآن، "فاجأتني عايدة سعد بقولها: قلن ما تشأن عني، لكني أشفق على هؤلاء الفتيات!ّ وأقول أكثر من ذلك، إني لا أرغب أن ينهزم أو يذل إنسان على هذه الكرة الأرضية، لماذا على الناس أن يعيشوا إما منتصرين وأما منهزمين؟ أنا لا أحب أن أرى أحدا مهزوما وذليلا، حتى لو كان عدوي! الذل لا يليق بالبشر" ص237، جاء هذا الكلام بعد أن استطاع الجيش المصري اختراق التحصينات في خط بارليف وحقق انتصارت على جيش الاحتلال، فانتشرت اقول بأن الجيش المصري سيصل خلال يوم او بضعت ايام الى فلسطين المحتلة وستنقلب الاحول في المعتقلات، حيث سيكون السجناء سجانين، والسجانين سجناء، حتى أن احدى السجانات كانت تتوسل للمعتقلات الفلسطينيات لكي يعاملنها بالحسنى وأن يغفرن لها اعمالها السابقة، لكن وجدنا الفلسطينية المعتقلة "عائد سعد" والتي وجدت من الاحتلال الشيء الكثير، بهذه العاطفة الانسانية وهذا العفو، الذي يؤكد بأن الفلسطيني لا يريد الشر بأحده، وكل ما يرده هو الحياة الكريمة في وطنه.
وها هي "أم محمد أبو كرش"، "تريد أن تذبح لهم وتكرمهم في حال عودتها إلى قريتها!" ص288، فهذه المشاهد حتى لو كانت لا تنسجم مع اتجاهات البعض منا، إلا انها تبين حقيقة التسامح والإنسانية التي يتمتع بها الفلسطيني، فهو إنساني حتى مع أعدائية ومضطهديه.



الحلم العربي

ما يحسب على حركة التحرر العربية أنها وضعت فكرة واضحة عن المستقبل الذي يريده، مستقل تجاوز النظام القطري والكيانات التجزئة، التي وضعها الاستعمار الغربي، من هنا كان اعضاء الاحزاب والحركات القومية يتعرضون لاقسى اشكال القمع والاضطهاد على يد النظام العربي الرسمي، الكاتبة توضح لنا تلك الأفكار، الأحلام، الآمال الوطنية والقومية التي لعبت دورا اساسيا في تشكيل الوعي النضالي في تلك الحقبة، "حلمنا بالحب وبتحرير فلسطين وبوحدة عربية تسمح لنا بالسفر دون جوازات سفر او مرور على الحدود، خرجنا في مظاهرات، وهتفنا لفلسطين وللوحدة العربية" ص11، بهاتين العبارتين كان يتمثل الهم/الحلم/الطموح لكل الاحرار في الوطن العربي، لم يكن حلمهم خياليا بل بسيطا ومتواضعا، لكنه يعبر عن حقيقة القوة التي سيكون بعد الوحدة وبعد تحرير فلسطين.
عندما كان العمل الفدائي في بداياته، أي بعد حرب 1967، وبعد الانتصار الذي تحقق في معركة الكرامة، وأثناء حرب الاستنزاف التي خاضها الجيش المصري، كل هذا المد الجماهيري والتوسع في العمل الفدائي الفلسطيني، جعل حتمة النصر قريبة وقريبة جدا، فلم يكن أحد يتوقع بأن النظام الرسمي العربي سيقوم بالانقضاض على الثورة الفلسطينية في الاردن ثم في لبنان لاحقا، "كانت المقاومة بعد هزيمة 67 قد أنبتت لنا اجنحة، وخلقت فينا إرادة كفيلة بأن تحرك الجبال، حينها قلنا: سوف نهزمهم، وإن بقائهم فوق أرضنا لن يدوم أكثر من بضع سنوات، هكذا كانت الاستهانة بالاحكام التي سيصدرونها حتى لو كانت مؤبدات" ص76، هل كانت حركة التحرر العربية تحلم احلام يقضة، غير مستنده على حقائق وتحليل للواقع؟ أم أن هناك انقلابات قاتلة حدثت في الساحة العربية؟، اعتقد بأن الاحلام لم تكون إلا معتمدة/مستندة على الواقع، لكن حجم الردة بعد مقتل عبد الناصر، سمح/هيئة للجهات الرجعية أن تسرح وتمرح في المنطقة العربية دون أن تحسب حسابا لأحد، فهي مدعومة من امريكيا والغرب، من هنا وجدنا انهيار اتفاق القاهرة بين منظمة التحرير والانظام الاردني، الذي خرق أهم بنود الاتفاق بعد أن اكتسح احراش جرش وعجلون وتم تصفية المقاومة الفلسطينية نهائيا من الساحة الاردنية.
وتحدثنا عن "تريز هلسة" الفتاة ذات الجذور الاردنية التي بقية مع عائلتها في عكا كيف كانت تفكر عندما قررت المشاركة في العمل العمل الفدائي، "تضحك تريز حين تتذكر لهفتها واستعجالها الوصول الى قواعد الفدائين للتدريب والعودة سريعا، خشية أن تتحرر فلسطين دون مشاركتها هي!" ص174، هذا يؤكد بان الحلم العربي كان يعتمد على الكثير من المعطيات الواقيعة التي توكد حتمية النصر، لكن كما قلنا، حجم المؤامر كان اكبر وخطر من أي تصور، فالتحرير ما زال بعيد المنال، والتقسيم ما زال يتفشى اكثر، وعقلية القطرية تترسخ عند الطليعة وعند العامة.
الاسرائيلي
من الطبعي أن يتم تناول الطرف الآخر، الاحتلال، وكيف يفكر، و ما هي الاسس التي يعتمدها في التعامل مع الفلسطيني والعربي، وهل هو دائما يبدو شرسا وقويا وصلبا؟، أم أن هذه الصفات والمظاهر هي متعقة بالظرف ليس أكثر؟، الكتابة تجيبنا على هذه الاسئلة وغيرها بصورة شافية ووافية، فهي من عاشت معه ما يقارب العشر سنوات، وتعرف الكثير عنه، وها هي تقدم هذه المعرفة لنا بصورة عديدة وأوضاع متباينة.
"أنتن لستن سياسيات، أنتن مجرد قاتلات للاطفال، أعمالكن الحقد وكره لليهود الذي تبثه إذاعة "أحمد سعيد" والإذاعات العربية لقتل الأطفال اليهود!" ص 38، هذا الكلام جاء على لسان مديرة السجن، فهي لا ترى في المعتقلات سوى مجرمات قاتلات، وتتجاهل الطريقة والكيفية التي قامت بها دولة الاحتلال، فهي لا ترى إلا بعين واحدة، وتتناسى الماضي القريب.
وترد "رسمية" على ما جاء من مديرة السجن من خلال هذا الكلام: "ـ يريدون إلا نحقد عليهم؟ يريدون تجريدنا من انفعالاتنا كما جردونا من بيوتنا وأرضنا وكرامتنا؟ هل كنت بحاجة إلى أحمد سعيد كي يقول إننا تشردنا من "لفتا" وإننا عشنا مرارة التشرد وقهره وجوعه وذله؟ وإن ما منعنا من الإنهيار والضياع هو أمل العودة إلى بيتنا وقريتنا؟" ص40، الإسرائيلي سعى دائما لتجاهل طبيعة وجوده في فلسطين، وكأنه إبن هذه الأرض وولد فيها، علما بأن العديد منهم الآن، ومنهم وزراء ليسوا من هذه الأرض وجاءوا حديثا علينا، ويردوننا أن نتجاهل وجودهم، وأن نعتبر أنفسنا ضيوف عندهم!.
وتستنتج ما يريدونه الإسرائيلي من خلال هذه الكلمات: "..هناك تعاملوا معنا كأعداء وحالوا تددميرنا، أثناء التحقيق حاورني الحاكم العسكري على قاعدة ساسية، وكان معترفا بأهدافنا، لكنه كان يرى أن عليه منعنا من الوصول إليها، أما هذه المرأة، فنسفت كامل حقوقنا وأهدافنا النضالية، وتحولنا إلى مجرد مرضى بشيء اسمه كراهية اليهود!" ص41، ليس هذا التغير/الانقلاب في طريقة التفكير عند الاسرائيلي مجرد حادثة شخصية، بل هي نهج عام ومتصاعد ومتنامي باستمرار، فكلما وصلوا/أنهوا مرحلة يعملون لتقدم إلى مرحلة جديدة، ليس على مستوى تغير معالم الجغرافيا والتسميات للأرض، بل أيضا على تغير، تشويه، تحريف التفكير اتجاه الفلسطيني، وعند الفلسطيني أيضا، بحيث يبدأ التشكيك بمفاهيمه وتفكيره، فكثرة الكذب والتزوير ـ أحيانا ـ تجعل المرء يشك بصحة تفكيره.
وها هي السجانة "تسيونة" مديرة السجن تتحدث بالمنطق الإسرائيلي وكيف فتقول: "لا تحاولن مناقشتي حول الحق، لو أردت اتباع الحق، لحملت أمتعتي ورحلت من هذه البلاد، أنا أومن بالقوة فقط، القوة هي التي تحدد الحق وتخلقه" ص71، صورة أخرى من المكونات الاساسية في التفكير الإسرائيلي، فهو يعتمد على القوة التي يقدسها أكثر من أي شيئا آخر، وهذه الفكرة ـ تقديس القوة ـ سنجدها لاحقا , أثناء حرب 1973 كيف تحولت تلك الوحش الكاسرة إلى أحمال وديعة، تعمل وتتحدث بلطف وهدوء مع المعتقلات، وهذا يؤكد المثل العربي :ما بجيب الرطل إلا الرطلين".
وقبيل المحاكمة تكتشف الكاتبة هذه الحقيقة وكيف يريدنا الإسرائيلي أن نكون: "إنهم لا يريدوننا إلا مخبرين! وهنا أستحضر تعليق صبحية شعبان على برنامجهم الإذاعي "من المستمعين العرب"، بقولها، إنهم لا يريدوننا إلا مستمعين!" ص75، بصورة العميل الخادم لسيده يريدنا الإسرائيلي، وثم علينا أن لا نكون إلا مستمعين لما يصدرنه من تعليمات وأوامر ونقول: لهم حاضر، تحت أمركم!، ليس هذا مقتصر على المعتقلات وحسب، بل مطلوب من كافة العرب والفلسطينيين أن يكون بهذا الشكل، فهم شعب الله المختار!.
وأثناء المحكمة وبعد أن استطاعت "عائشة عودة" أن تلم أنفاسها وتتحدث عن الاعترافات التي انتزعت منها تحت التعذيب نجد الكذب والتزوير ونفي كل ما قام به الجلادون ضدها، تحدثنا عن حجم هذا الكذب والتزوير الذي يمارسه المحتل بهذا الوصف: "لم أكن أصدق حتى ذلك الحين أن البشر يمكنهم أن يكونوا كاذبين ووقحين إلى هذا الحد!... قال إن يعقوب لم يتعرض لأي نوع من التعذيب، أما الجروح في رأسه من فعله هو، المتهم حاول الانتحار بضرب رأسه بالحائط، فأنقذوه بمنعه من إيذاء نفسه، والواجب عليه شكرهم لا اتهامهم والإساءة إليهم!" ص81، كما قلنا سابقا، مسألة قلب الحقائق لا تتعلق بالأفراد فقط، بل هي نهج عن دولة الاحتلال، فهي من تقلب الحقائق رأسا على عقب، وتجعل الضحية جلاد ومن والجلاد ضحية، هذا ما تمارسه دولة الاحتلال حتى يومنا هذا، فلا نستغرب مما قاله ممثل السجن أمام المحكمة وبعد حلفه اليمن بقول الصدق.
ومن الصور القاسية التي يتعامل بها الاسرائيلي مع الفلسطيني هذه المشاهد، "ولم تتصور قط أن يزج بها في السجن لسبب مجنون، هو كونها أخت رندة النابلسي" ص89، فهنا الاعتقال ليس بسبب تهمة، بل بسبب أخر تعذيب وقهر الأهل، أقرباء المناضل/ة لكي ينتقموا من كافة أفراد الأسرة.
"أخذت "يعل" تشد الطفل كما تفعل ذئبة" ص104، معاملة الطفل الذي جاء لزيارة عمته في المعتقل، يمنع من يرؤتها بهذا الأسلوب الوحشي، ومن قبل من؟ امرأة من المفترض أن تكون عندها حنان وعطف على هؤلاء الأطفال، لكن الإسرائيلي لا يعرف سوى كلمة واحدة، الفلسطيني الصغير مشروع ارهابي في المستقبل.
وتستخلص الكاتبة رؤيتها عن الإسرائيلي قائلة: "اغتيال فرحتنا كان سياسة ثابة عندهم، ...كم مرة تدخلت السجانة لتنغص فرحتنا حين ترانا نلعب أو نضحك أو نناقش رواية أو كتابا أو ننشد أو نغني أو ندبك،... لكننا اكتشفنا أنهم يخافون فرحتنا" ص284، هذه نتيجة سياسة الحقد والكره التي يبثها المحتل على اليهود، فنتيجتها هذا الحقد الأعمى على أي سلوك يمكن أن يفرح الفلسطيني، ومن هنا نجدهم يفعلون أي شيء، فقط لعدم حصول هذا الفلسطيني على أي مقدار من الفرح، أو الحياة العادية.
من عرف الحواجز الإسرائيلية التي أقاموها بين قرية وقرية، والبوابات الحديدية على مداخل المدن، يعرف كيف يفكر ويعمل الإسرائيلي، فهو موجود فقط للتنغيص علينا وسلب الفرحتنا.
وقبيل أن يتم الافراج عن المعتقلات بعد عملية تبادل الأسرى بين "القيادة العامة" وإسرائيل وصفت لنا الكاتبة شكل السجانات بهذا الوصف: "كان وجهها شاحبا، أما وجه نائبتها حياة شوهم فكان يعبر عن حاجة ماسة إلى عملية إنعاش، أكد لنا سوء الوجوه أننا ذاهبات على الحرية" ص294، إذا ما قرنا ما قلته المناضلة "عايدة شعبان" عن الطريقة التي ستعامل بها السجانات بعد أن يتم تغير الأحوال ـ بعد أنتصار العرب في حرب 73 ـ نعلم حجم الهوة السحيقة التي تفصل تلك السجانات عن الطبيعة الإنسانية، فهن لسن إلا سجانات، لا يعرف سوى السجن، لا يفكر إلا به وبما فيه من تعذيب وقهر للفلسطيني، وهذه الصورة توضح حقيقة المجتمع، الكيان الذي أسمه إسرائيل.

حرب 73
هذه الحرب كسرت مفهوم أمن دولة إسرائيل، وقلبت فكرة الإسرائيلي عن العرب، خاصة فكرتها عن الجيوش النظامية، فهي كانت تعي بأن الشعوب العربية قادرة على لحاق الأذى بها، فما زالت العمليات الفدائية قائمة، ومعركة الكرمة حاضرة في الذهن، فهي تعي بأن النظام العربي الرسمي عاجز عن (كش الذباب عن وجهه) من هنا كانت دولة الاحتلال مرتاحة تماما، وكان كل جهدها متعلق بمراقبة والرد على العمل الفدائي فقط. فالحرب النظامية لم تكن متوقعة بالنسبة لها، وعندما قامت وتم اختراق الجبهة الشرقية في خط بارليف والجبهة الشمالية في الجولان، علم الإسرائيلي بأنه أصبح في مهب الريح، وأخذ الجبروت والعنجهية التي تتحكم فيه منحى آخر، وكأن الإسرائيلي لم يكن قبل أقل من يوم يتبجح ويتمطى، فأول إشارة عن تأثيرات هذه الحرب عليهم ما جاء على لسان احدى السجانات: "هذه المرة، طلع العرب جدعان" ص231، بهذه النظرة يتأكد لنا الأسس التي تقوم عليها دولة الاحتلال، فهي تعتمد على القوة كعامل اساسي لبقاءها.
تحدثنا الإسرائيلية "جينا" المصرية الأصل كيف أخذت تفكر أثناء الحرب: "بدأت تسحب شريط ذكرياتها في الاسكندرية، كأنها طازجة، كأنها لم تعرق السعادة إلا هناك! ولاحظنا مبالغتها في تأكيد حبها لمصر وطنها الذي لا تنساه! ..مصر أم الدنيا"،...ربما سيصل الجنود العرب إلى السجن الليلة أو غدا، ويفتحون الأبواب ويخرجونكن من السجن، وربما يضعوننا نحن مكانكن، وتحملن المفاتيح بدلا منا، لي طلب واحد منكن، أن تعاملننا مثل معاملتنا لكن، أنا لا أذكر أني أسأت لأي منكن، ... كنت دائما أحسب حساب مثل هذا اليوم."ص233و234، بهذا المشهد يتبين لنا حقيقة المجتمع الإسرائيلي والكيفية التي يفكر فيها، فهو يعيش على بركان، يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وكل ما يظهره من قسوة ووحشية هي مجرد شكل، يمارسه فقط على الضعفاء، أما عندما تكون هناك قوة فيمسي هذا الوحش المتجبر مجرد أرنب يتخفى هاربا عند مشاهدة أي خطر.
وإذا ما تمعنى فيما قالته اليهودية المصرية "جينا" نلتمس بأن وجودها في دولة الاحتلال وجود طارئ، من هنا أخذ تمجد مصر وطنها الأصلي، أما دولة إسرائيل فهي بالنسبة لها مكان غير آمن لا تشعر بالاستقرار والأمن كما كانت في مصر.
أما اليهودية المغربية (راحيل) فكانت تفكر بهذا الشكل، "أن تعود وعائلتها إلى البلاد التي أتت منها (المغرب) أو تسافر إلى أستراليا" ص235، إذن كافة المشاهد التي قدمتها لنا "عائشة عودة" تشير إلى عدم وجود أي فعل مقاوم أتجاه (حرب العرب على دولة إسرائيل) فأي مجتمع/شعب هذا الذي لا يفكر إلا باعودة إلى الدول التي جاء منها أو بالهرب إلى دول آخرى؟ أين مفهوم الدفاع عن الوطن عند هذا التجمع القوي؟، أعتقد بأننا أمام حقيقة هذه الكيان القائم، فهو معتمد أساسا على ضعف العرب ليس إلا.
الانقلاب في التفكير اقترن بالانقلاب في السلوك، فأصبحت السجانات الشرسات يتعاملن مع المعتقلات بهذا الشكل، "أصحبت كل السجانات والسجينات الإسرائيليات بدون استثناء، يخطن ودنا كما لو كنا نحن من يتحكم في مصيرهم" ص236، ما يحسب على الرواية أنها الوحيدة التي تقدم صورة المجتمع الإسرائيلي من الداخل أثناء حرب 73، فحسب قراءتي لم أجد أي عمل روائي تحدث عن تأثير هذه الحرب على المجتمع الإسرائيلي. وهذه سابقة تحسب للكاتبة.
وتختصر الكاتبة هذا الكيان/المجتمع/التجمع بهذه الكلمات: "أصبح الجميع يتحدث معنا بتواضع! أصبحوا بشرا لا آلهة متجبرين! إن هزيمتهم حق أعادة لهم إنسانيتهم قبل أن يعيد لنا إنسانيتنا" ص237، بهذا الشكل كان (شعب دولة إسرائيلي) الجبار يتصرف.
قبل أن أنهي هذا الجانب أحب ان اشير إلى كيفية التفكير عند الفلسطيني إثناء هذه الفترة من الزمن، كتأكيد على الإنسانية الأقرب إلى الربانية برحمتها على الظلام والقتلة والمتوحشين، فتقول أم محمد أبو كرش: "يا بناتي، إرجعوني ع بيت جرجيا ومستعدة أعزمهم وأذبحلهم خروف!" ص237، تكمن أهمية هذا المفارقة بين طريقة التفكير والتصرف عند الفلسطين الذي يعمل لتحرير وطنه من الاحتلال، وبين كيان غاصب محتل قائم على اقتل والترهيب. من هنا وجدنا الجانب الإنساني عند الأول موجود بشكل طبيعي/عادي لا يخضع للظروف، بينما وجدنا الآخر لا يقوم/يفكر بطريقة إنسانية إلا بعد أن يشعر بالخطر، فيكون هذا التصرف غير أصيل/ طارئ، يمكن أن يتراجع عنه عندما تتغير الظروف، وهذا ما كان.
"بدأ ميزان الحرب يتغير، بدأت أجواء اللطف معنا تتراجع" ص238.
الصراع الداخلي
الانسان النبيل الذي يخضع الاعتقال يفكر بأهله وكيف سيتصرفون من بعده، فالهم الاقتصادي والنفسي الذي يتعرضون له يترك آثرا سلبية على المعتقل، وطبعا هذا يبين العلاقة الحميمة التي تربط المعتقل بأهله، "عائشة عودة" تفكر بأهلها قبل نفسها، فلا تريد لهم أن يحملوا عبء أكثر، فيكفيهم ما حل بهم بعد أن تم نسف البيت الذي يؤويهم، من هنا نجدها تحمل هم تأمين مصاريف أتعاب المحامي الموكل للدفاع عنها، "سألته عن التكاليف
ـ خمسون دينارا للجلسة أو الزيارة الواحدة.
أجفلت، هذا يعادل ضعف معاشي الشهري الذي كنت أتقاضاه من مهنتي في التدريس، لاحظ ارتباكي فتدخل: على الأرحج أنها لن تدفع من قبل أهلك.
قلت في نفسي: حتى لو كانت من قبل الجبهة أو من أي طرف آخر، لماذا أكلفهم هذا المبلغ؟" ص49، النبل والمسؤولية تجعل المناضلة ترفض توكيل هذا المحامي بسبب ارتفاع الاتعاب التي سيتقاضاها، بصرف النظر عن الجهة التي ستدفع، فمثل هذه المبالغ يمكن أن تستثمر في مجال آخر، خاصة وأنها تعرف بأن المحامي لن يقدم أو يؤخر في قضيتها.
وبعد أن عرفت بأن زيارة الأهل للمعتقل ستكون قريبة، أخذت تفكر بالعبء الذي سيتكلفونه من خلال هذه الزيارات التي تتطلب مصاريف مواصلات، واحضار بعض الحاجات للمعتقل، والمعاملة غير الائقة التي سيجدونها من المحتل، وطول السفر. كل هذا كانت تفكر فيه "عائشة عودة"، "داهمني أسى شديد بسبب المعادلة التي نشأت، والتي قد قبلت الماضي رأسا على عقب، كنت المنتجة والمساعدة الرئيسية للأسرة، وها أنا أتحول إلى عبء عليها" ص58، كل هذه الدلائل تبين حجم المسؤولية التي تقع على كاهل المعتقل، فهو لا يهتم بنفسه قدر اهتمامه بالأهل.
الأم
الأم تأخذ حيز كبير لما لها من مكانة خاصة عن الابناء، "عائشة عودة" تؤكد هذه المسألة من خلال حديثها عن الأم، أكثر من خمسة عشر موضعا تحدثت عن الأم، وفيها كلها كانت الأم هي سيدة الموقف، "... أما اللحظات التي سأضم فيها أمي، فهي شوق الحياة، ومرفأ الأمان، وطعم الحرية، وأجنحة الطيران، ولون الفرح، لم أعد قادرة على تحمل الدقائق التي تفصلني عنها" ص56، لا مجال للحديث اكثر من هذا عن الأم فهي كل شيء جميل، هي الحياة الممتعة، وهي الفرح.
ومن تأثيرات الأم على الكاتبة قولها عنها: "وهناك سر خاص بي أطلعتني أمي عليه، أثناء حملها بي، توحمت على تراب احمر وأكلته بمتعة غريبة" ص67، وكأن الكاتبة من خلال هذا الكلام تشير إلى أن سبب تعلقها بفلسطين يرجع إلى أمها، التي أورثتها هذا الحب وهذا العطاء، بمعنى أن كل ما تقوم به يرجع فضله للأم.
وعندما قررت "عائشة عودة" الخوض في اضراب عن الطعام، احتجاجا على الطريق غير السوية التي تعاملت بها مديرة السجن، بعد أن قامت بضرب أحدى السجانات، لما بدر منها من معاملة سيئة لأبن اخيها، راودتها نفسها تناول الخبز الساخن الذي يثير شهوة الطعام، لكن ما منعها من كسر إضرابها هذا الأمر: "تصورت أمي تراني وأنا أكلم قطع الخبز، فتضرب كفا بكف وتقول: "انجنت بنتي، ياحيف يا عيشة، كان عقلها بوزن بلد، بس اليهود جننوها" انشغلت بمحادثة أمي لأطمئنها وأهدئ من روعها كما لو كانت تجلس معي!، ويا للغرابة! توارى الإحساس بالجوع، وفقدت قطع الخبز جاذبيتها" ص116، هذا المشهد يذكرنا برواية "أم سعد" لغسان كنفاني حينما تم محاصرة المجموعة الفدائية لمدة ثلاثة أيام، وتخيل "سعد" بأن أمه جاءت تحمل لهم الطعام، وفعلا تم هذا الأمر، واستطاعت المجموعة العودة سالمة إلى مواقعها، وهنا نجد أم "عائشة عودة" تقوم بدور المساعدة لابنتها، وتجعلها تصمد وتتجاوز حالة الإغواء التي يثيرها الخبر الساخن.
الام لم تكن فقط حاضرة وقت الشدة بل في كل الاوقات من هنا تذكرها لنا الكاتبة بهذا المشهد، "تراني أمي ساجدة فتدعو لي بالهداية والخير! فأسر بدعائها" ص144، كل ما يصدر عن الأم هو مصدر فرح للأبناء، ذكراها تجعلنا نفرح حتى لو كان الواقع بائس.
وبعد الوعكة الصحية التي ألمت "بعائشة عودة" كلمتها رفيتها "عفيفة" على ضرورة شرب الشاي الساخن، فتكون الأم حاضرة، "للحظة رأيت عفيفة بثياب أمي تجلس أمامي! فلو كانت أمي لما قالت غير ما قالت عفيفة" ص271، لا أبالغ أن قلت أن الأم مصدر من مصادر القوة لأنسان، فهي من يمنحهم القوة والقدرة على تجاوز المحن، ولسنا هنا في مجال مقارنة حال الأم بين ما جاء في رواية "شرق المتوسط" لعبد الرحمن منيف ما جاء في "ثمنا للشمس" فكلاهما جعل الأم مصدر القوة والصمود، في الأولى كانت أم رجب إسماعيل هي التي تمنح رجب القدرة على تحمل كل ما يتعرض له في المعتقل، وهنا كانت الأم أيضا تقدم لإبنتها كل عناصر واسباب الصمود والثبات.
الانجليزي
العديد من كتاب الرواية العربية والفلسطينية يستحضورن صورة الانجليزي، سبب نكبتهم وما هم فيه، إن كان على صعيد التجزئة أم على صعيد زرع دولة الاحتلال، الكاتبة تحدثنا عن شخصية الانجليزي بصورتها السلبية، وكأن الانجليز لم يكتفوا بما قاموا فيه في فلسطين بل جاءوا ليزيدوا من اوجاعنا، "خاطبا اللورد: أرى أن إسرائيل رحيمة بكم، إذ لا تحكم على الذين يقومون بعمليات (تخريبية) ضد جيشها ومواطنيها بالإعدام!" بهذا المنطلق الاستعماري الداعم لقوى الشر يتكلم الانجليزي، وكأنه لا يدري كيف قامت دولة الاحتلال التي زرعها في فلسطين وفي قلب المنطقة العربية.

عبد الناصر
شخصية عبد الناصر لعبت دورا حيويا في الاحداث القرن الماضي، خاصة ما يتعلق منها بنهضة مصر والعرب، وأثر ذلك على القضية الفلسطينية، فهذه الشخصة تركت إرثا نضاليا لا يمكننا تجاهله أو التقليل من حجمه، من هنا نجد العديد من كتابة الرواية الواقعية يتناولون شخصية عبد الناصر، "وكان جمال عبد الناصر ملهما لهم وباعثا الأمل فيهم، يحرصون على الاستماع إلى خطاباته بالسر، خوفا من ملاحقة الشرطة" ص87، تذكير بدور عبد الناصر والطريقة التي تعامل بها الأنظمة الرجعية مع الموطنين، فقد كان كل من يستمع لخطاباته يعرض نفسه لخطر الاعتقال، فخطب عبد الناصر كانت من المحظورات، منها هنا وجدنا الفرحة العارمة عند العديد من حكام المنطقة العربية فرحوا برحيله، كما فرح الاحتلال وأكثر.
وعندما رحل هذا القائد وصفت لنا الكاتبة خوفها من القادم بهذا الوصف: "كان موت الرئيس جمال عبد الناصر، فأي فراغ سيغزوا زماننا؟" ص147، لا شك أن قائد بمكانة عبد الناصر ترك وراءه فراغا كبيرا لم يستطع أيا ممن جاءوا بعده تعبئة مكانه.

الحكم
"في ظل الحرمان المطلق والحاجة الأكيدة للحب، قد نخلق لأنفسنا أوهاما تساعدنا من تخفيف قسوة الواقع" ص100، مكاشفة الذات بالعجز عن القيام بما تريده، والتخلي عن حاجاتنا لصالح المجتمع.
"لا إنسانية لمن لا يرفض الظلم والقهر، وأن كل من يقبل الظلم يقبل التخلي عن إنسانيته، ما كان أجملني وقد تحررت مما سود نفسي!" ص108، تأكيد على حق الرفض للظلم، وربط ذلك بالمسائلة الإنسانية.
"إن البندقية بلا ثقافة، تتحول إلى بندقية مأجورة" ص138، ربط فعل المقاومة بالثقافة.
"لمحة سريعة لم تزد عن نصف دقيقة لم أر فيها الجريحة، بل أرادة شعب يأبى أن يموت" ص173، ربط الفرد بالشعب والوطن، فكلا منهما يتغذى ويغذي الآخر.
"كانت الهزيمة أغلالا تشدنا إلى الأرض، وأثقالا نحملها على أكتافنا، وصخرة تثقل على صدورنا، وها نحن بلمحة عين، نتحرر منها ونخف كالفراش" ص232، بعد حرب 73 والانتصارات التي حققها الجيش المصري والسوري، شعر المواطن العربي بازالت الاحمال الذل التي خلفتها الحروب السابقة.
"كانت فلسفتي أن الأسوأ هو ركود الحياة على الوضع نفسه دون جديد" ص264، ضرورة التجديد في الحياة والابتعاد عن النمطية القاتلة التي تميت الابداع والفرح.
"ما اصعب أن تجد نفسك عاجزا عن تقديم المساعدة لمن هو في أمس الحاجة إليها" ص291، فهنا يكون العجز مزدوج، الطرف المقابل، وأنا المشاهد.
نذكر بأن الرواية من منشورات مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، رام الله، طبعة 2012.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسطيني والاحتلال في رواية -أحلام بالحرية- عائشة عودة
- دوافع المقاومة في رواية -أحلام بالحرية- عائشة عودة
- النخب العربية
- الطاعون
- التعريف والتنوع في ديوان -طقوس المرة الأولى- باسم الخندقجي
- مجموعة -امرأة بطعم الموت- أماني الجنيدي
- إلى من يتجنى على مفتي فلسطين
- دفاعا عن مفتي فلسطين
- الصراع في مسرحية -بيجماليون- توفيق الحكيم
- بجامليون في رواية -العطر- باتريك زوسكيند
- حل المشلكة اليهودية
- الشاعر منصور الريكان وألم المخاض في قصيدة -الأماني الضائعة-
- الواقع الفلسطيني بعد أوسلو في رواية -آخر القرن- أحمد رفيق عو ...
- التجربة الأولى في ديوان -سجينيوس- جمعة الرفاعي
- إلغاء الأخر في رواية -أمهات في مدافن الأحياء- وليد الهودلي
- هيمنة الثقافة الشخصية في رواية -الشعاع القادم من الجموب- ولي ...
- عبور الزمن والجغرافيا في رواية -بلاد البحر- احمد رفيق عوض
- الهروب من الماضي في رواية -القادم من القيامة- وليد الشرفا
- الابداع النثري في -من طقوس القهوة المرة-
- مسرحية -الهنود- أرثر كوبيت


المزيد.....




- طريقة تنزيل تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 نايل سات لمتابعة ...
- نتنياهو عن إصدار مذكرة اعتقال ضده من الجنائية الدولية: مسرحي ...
- كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال ...
- ما الأدب؟ حديث في الماهية والغاية
- رشيد مشهراوي: مشروع أفلام -من المسافة صفر- ينقل حقيقة ما يعي ...
- شاهد الآن ح 34… مسلسل المتوحش الحلقة 34 مترجمة.. تردد جميع ا ...
- مصر.. تأييد الحكم بالسجن 3 سنوات للمتسبب في مصرع الفنان أشرف ...
- بعد مسرحية عن -روسيات ودواعش-.. مخرجة وكاتبة تواجهان السجن ف ...
- بقضية الممثلة الإباحية.. -تفاصيل فنية- قد تنهي محاكمة ترامب ...
- مصر.. القبض على فنان شهير بالشيخ زايد بتهمة دهس سيدتين


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - المرأة في رواية -ثمنا للشمس- عائشة عودة