أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية وآفاق المستقبل (ج2)















المزيد.....

التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية وآفاق المستقبل (ج2)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3557 - 2011 / 11 / 25 - 10:47
المحور: الادب والفن
    


رؤىً ومقترحات جديدة يقدّمها الدكتور عبّاس الفيّاض لإنعاش الاقتصاد العراقي

نظّمت رابطة الأكاديميين العراقيين بلندن ندوة اقتصادية بعنوان (التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية وآفاق المستقبل) وقد شارك فيها د. عبّاس الفيّاض وهو باحث ومتخصص في العلوم الاقتصادية. درسَ الاقتصاد في العراق وموسكو وأنجز العديد من الأبحاث الاقتصادية الرصينة. استهلّ الفيّاض محاضرته بالقول: (إن التحوّل من النظام الشمولي أو المركزي إلى اقتصاد السوق يقتضي منّا أن نتوقف عند العام 2003 لكي نشير إلى دور الاحتلال الأميركي للعراق ومشروع الإصلاح الاقتصادي الذي تبناه بول بريمر) بوصفه رئيساً للإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق، كما يُعّد خبيراً ضالعاً في مكافحة الإرهاب، وقبلَ ذلك كان يرأس شركة استشارية للأزمات تقدّم خدماتها للدول المعنية للتعافي من أية أزمة تعاني منها مثل الكوارث الطبيعية والإرهاب وما إلى ذلك. يا تُرى ما الاستشارة التي كان سيقدّمها السفير بول بريمر للعراق لكي ينقذه من سلسلة الكوارث التي حلّت به بسبب الاجتياح الأنكلو_أميركي؟ أن أولى التوجهّات التي كان يحملها بول بريمر في ذهنه هي تجربة تحويل القطّاع العام إلى قطّاع خاص، وهذا يعني قلب هيكلية المجتمع العراقي الاقتصادية رأساً على عقب، فلا غرابة أن يفكِّر بريمر بعلاج قد يبدو غريباً وشاذاً هو (العلاج بالصدمة) حيث كان يفكِّر بكيفية خصخصة المشاريع الخاضعة للقطّاع العام أو الحكومي التي بلغت (192-200) مشروعاً ومؤسسة وينطلق من خلالها إلى بناء عراق بمواصفات اقتصادية جديدة. إن ما يعنيه العلاج بالصدمة كما هو موضح في الرسم البياني الذي عرضه المحاضر يشير إلى تحرير الاقتصاد كله عبر أربع مراحل وهي: (البدء بتحويل ملكية المشروعات الحكومية وذلك باعتماد سياسة نقدية صارمة وتحرير الأسعار وضبط الموازنة والمرحلة الأخيرة هي أن تكون الأسعار ومعدلات الفائدة لتحرير المصارف والمشروعات التي تحولت إلى القطاع الخاص على أن تدار السياسة النقدية على وفق آلية العرض والطلب).
إن ما يراه بريمر كان ينحصر في تقليص هذه المشروعات من ملكية الدولة ووضعها تحت تصرّف القطاع الخاص، وهو لا يعني بطبيعة الحال القطاع الخاص الوطني، وإنما القطاع الخاص الأجنبي، ذلك أن الإمكانيات التي يتوفر عليها القطاع الخاص الوطني هي إمكانيات بسيطة ومتواضعة. وإذا أخذنا اقتصاد السوق الذي يدعو بالدرجة الرئيسة إلى مسألة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وحرية تحرّك رؤوس الأموال حيث تحقق مفردة المنافسة هذه الأطر كلّها فإن القطاع الخاص الوطني غير معني بعملية التحوّل المصحوبة بعدد من النصائح والإرشادات التي تُقدّم من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لكل الدول النامية على شكل وصفات طبية يرَونها ناجحة من زاوية نظرهم الخاصة. هذه الوصفات الطبية (prescriptions) لا علاقة لها بما جرى من تغيير في العراق، فجذور هذه الوصفات المحددة تمتد إلى سبعينيات القرن الماضي لأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد أُسِسا للحفاظ على الأزمات التي تحصل في النظام الرأسمالي، وليس في الدول النامية، آخذين بنظر الاعتبار أن كلا المؤسستين المذكورتين قد تأسستا من خلال النظام الذي وُضع عام 1944 إثر الأزمة العالمية الثانية حينما كانت معظم الدول النامية غير مستقلة، وبالتالي فإنه لم يخطر في البال وجود تنمية في تلك البلدان.

العلاج بالصدمة
يرى الدكتور عبّاس الفيّاض أن عملية التنمية في تلك البلدان قد جرت بعد الاستقلال وأن النجاح الذي حققه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي استحوذ على عملية فورة النفط التي حدثت في عام 1973 وتكريس هذه الفورة لمصلحة الرأسمالية الأمر الذي أفضى إلى كيفية صياغة أنموذج الوصفات الطبية للبلدان النامية. أشار الفيّاض إلى أن مؤسستي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللتين أُنشئتا على أساس الحفاظ على النظام الرأسمالي من الأزمات التي تصاحب هذا النظام كانتا تبادران إلى ضخّ الأموال في الظروف العصيبة. وقد أخذ بريمر بعد احتلال العراق هذه المسألة بنظر الاعتبار حينما أراد التعاطي مع الاقتصاد العراقي بواسطة الصدمة المُشار إليها سلفاً، لكنه اصطدم باعتراض آخر مفاده أن مجلس الأمن الدولي الذي شرعن احتلال العراق على وفق القرار 1483 فرضَ بالمقابل عدم إمكانية اتخاذ أي موقف إستراتيجي يخص العراق ما لم تكن هناك حكومة مُنتخَبة الأمر الذي دفع بريمر إلى التوقف عن مسألة العلاج بالصدمة، لذلك توجّه إلى اقتصاد السوق الذي يعني بدرجة أو بأخرى أن الدولة يجب أن ترفع يدها من كل الجوانب الاقتصادية، أو أنها لا تتشجّع في أفضل الأحوال أن تأخذ أي مشروع اقتصادي في ظل الظروف الحالية التي يمر بها العراق، أو تلك الظروف التي شهدت فشل عملية الإصلاحات الاقتصادية التي قادها بريمر في حينه.

اليد الخفيّة
يطعّم الفيّاض حديثه بذكر بعض الأسماء الاقتصادية المهمة من قبيل المفكر الاقتصادي جوزيف ستكلز (Joseph Sticlitz) المعروف بانتقاداته المتواصلة للعولمة والسوق الحرة وبعض المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund) والبنك الدولي (World Bank) وما إلى ذلك، فهو يرى أن (الصندوق) والبنك الدولي قد أُنشئا على أساس أن الأسواق لا يمكن أن تعطي نتائج ناجحة في توجهاتها ولذلك فهي تحتاج بشكل أو بآخر إلى منْ يقدّم لها نصائح عن توجهات السوق. والمفكر الاقتصادي جوزيف ستكلز هو شخص غني عن التعريف حاصل على جائزة نوبل عام 2001 وعلى ميدالية جون بيتس كلارك عام 1979. تقلّد مناصب إدارية عديدة من بينها بروفيسور في جامعة كولومبيا، ورئيس البنك الدولي ومستشار بيل كلينتون. ولديه كتب وإصدارات عديدة أهمها العولمة ومساوئها (Globalization and Its Discontents) يشير فيه إلى أن السوق لا يمكن أن يضبط عملية التوازن. ثم عزّز الفيّاض رأيه بطروحات آدم سميث (Adam Smith)، الفيلسوف والباحث الاقتصادي الأسكتلندي الذي يُعّد واحداً من منظّري العلم الاقتصادي المعاصر وصاحب كتاب (ثروة الأمم) الذي ينطوي على جمع وتلخيص لأهم آراء وأفكار الفلاسفة والاقتصاديين الذين سبقوه أمثال فرانسوا كيناي وديفيد هيوم. لا شك في أن آدم سميث شخص ألمعي قدير في إشاراته ومداخلاته الفكرية وحتى في المواقف المحرجة التي يتعرض لها بين أوانٍ وآخر، فعندما سألوه: (كيف لا يستطيع السوق أن يحفظ التوازن)؟ أجاب من دون تردّد: (من خلال اليد الخفيّة). يتساءل الفيّاض: ماهي اليد الخفيّة؟ ويجيب في الوقت ذاته: (أنها تلقائية السوق). ويرى الفيّاض بأن العلماء أنفسهم ينظرون بنفس المنظار إلى الاقتصاد العالمي ويشاركون سميث في هذه النقطة تحديداً مثل الاقتصادي البريطاني دافيد ريكاردو، في حين يعارض جون ستيوارت ميل هذه المسألة كلياً. ومعروف أن (ميل) كان يؤكد على حرية الفرد والتنوع والعدالة وصولاً إلى السعادة البشرية. وقد ذاعت في حينه مقولته الشهيرة (أن كل ما يقيِّد المنافسة الحرّة هو الشرّ المطلق، وكل ما يُطلقها هو الخير العميم). يشدّد الفيّاض على أن الجانب الأساسي في محاضرته هو أنه (لا الخصخصة ولا اقتصاد السوق ينفعان لمعالجة الاقتصاد العراقي المتدهور) الذي يشير إلى خطل المعالجات والتوجهات التي لجأ إليها ليس بريمر وحده، وإنما كل الحكومات المتعاقبة التي جاءت بعده ومشت على المسار الذي اختطّه.

فتح الآفاق
يرى الفيّاض أن نمو السكّان يفوق النمو الإنتاجي في الأعوام 2001 إلى 2004 وبالتالي لابد أن نتوجّه في هذا الجانب توجّهات أخرى تعالج هذه المسألة تحديداً لأنه من المفترض أن يكون النمو الاقتصادي من خلال المنتوج الاجتماعي الإجمالي أكبر من النمو السكاني، ولكن هذه المعادلة لم تحصل في العراق لأن عامل الخصوبة فيه 3% ولم يرَ الفيّاض أية موازنة من هذه الموازنات تشير إلى أن هناك نمواً في الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على قطاع واحد وحيد الجانب وهو النفط، وهذا القطاع هو الذي تعتمد عليه موازنات العراق منذ عام 2003 ولحد الآن ويشكِّل نسبة 95% من الميزانية العامة للعراق. يعتقد الفيّاض بضرورة فتح الآفاق لكي نخلق عراقاً فيه اقتصاد وطني، وفيه برجوازية وطنية تستطيع أن تنهض بمهمات الاقتصاد العراقي المتدهور.
يقسّم الفيّاض نسب تخصيصات الموازنة من عام 2003 إلى 2011 إلى قسمين رئيسيين وهما نسبة النفقات في الجانب التشغيلي ونسبة النفقات في الجانب الاستثماري، ويصل إلى القول بأن نفقات الجانب التشغيلي تشكِّل نسبة 82%، فيما تشكِّل النفقات في الجانب الاستثماري نسبة 18%. يتوصّل الفيّاض إلى أن العراق في الوقت الراهن يعيش وضعاً مأساوياً خطيراً، فقبل بضعة أيام صرّح الأستاذ مظهر محمد صالح، مدير البنك المركزي العراقي بأن دخل الفرد قد ارتفع من (4000) إلى (4500) دولار أميركي، فيما أشار د. كمال البصري إلى (4600) دولار أميركي، فيما ذكرَ مقدّم الأمسية الدكتور كاظم شبّر أن ربع العراقيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وربما تصل هذه النسبة إلى ثلث السكّان!
ذكرَ الفيّاض بأن هذه الأرقام يجب أن نقارنها مع أرض الواقع، وليس مع التخيلات أو التصورات غير الدقيقة. ويجب أن ننظر إلى العراق نظرة واقعية، وليس نظرة أرقام أو خطوط طول وعرض تشبه اللعب الأكاديمي بالمنحنيات كما يذهب توماس سينتش في ردّه على ألفريد مارشال بصدد التعاون بين الدول.

تهجين القطّاعات
يعتقد الفيّاض أن الاقتصاديين يجب أن لا ينظروا إلى العراق نظرة أحادية الجانب مفادها حينما يكون القطاع العام فاشلاً فلابد أن نتركه ونتخلى عنه، وحينما يكون القطاع الخاص ناجحاً فعلينا أن نسير خلفه. وتساءل الفيّاض قائلاً: إذا كان القطاع العام يعاني من هذه الأزمة الخطيرة فلماذا لا تتم عملية مزاوجة أو تهجين بينه وبين القطاعات الأخرى؟
تقتضي عملية النهوض بالاقتصاد العراقي تبني هذه المقاربات التهجينية بين مختلف القطاعات ونبذ التوجهات أو الوصفات الجاهزة التي تأتي من خارج العراق. فالعلاج، بحسب الفيّاض، يجب أن يأتي من داخل العراق، وليس من خارجه، كما أن الأيادي المساهمة في هذا التغيير والإصلاح الاقتصاديين يجب أن تكون أيادٍ عراقية خالصة غير مستوردة من الخارج. شكّك الفيّاض بالموازنات الكبيرة ووصفَ أرقامها بأنها (خيالية)، وإذا كانت كبيرة كذلك فلماذا يشكو المواطن العراقي من الفقر المدقع والجوع والفاقة المتواصلة على مرّ السنوات التي أعقبت الاحتلال في الأقل.
عرّج الفيّاض على نسبة البطالة التي ذكرَها الدكتور كمال البصري في القسم الأول من المحاضرة وقال بأنها قد انخفضت إلى 15% بينما يشير واقع الحال إلى أن نسبة البطالة قد يصل إلى 30% أو أكثر. ذكرَ البصري أن نسبة البطالة في مدينة البصرة (التي هي مدينته ومدينة الدكتور كمال ) هي 15% ويعتقد جازماً بأن هذه النسبة قد جُمِّلت كثيراً وأبعدت بهذا التجميل الرقم الحقيقي للواقع المرزي للبطالة في هذه المدينة العراقية تحديداً.

خطورة إلغاء الدعم
يعتقد البعض أن مشكلة الاقتصاد العراقي يمكن أن تُحل إذا ما ألغيت البطاقة التموينية، وأُلغي معها دعم المشتقات النفطية، وخطورة هذا التصوّر تكمن في أنهم يريدون استهداف الشريحة الواسعة من المجتمع العراقي، وهي للأسف الشديد، الأكثر تضرراً كونها مسحوقة وتعاني من شظف العيش، بينما يقتضي واقع الحال دعمها في الكثير من مرافق الحياة الاقتصادية.
شكّك الفيّاض في حجم الديون العراقية وقال بأن الرقم (120) مليار دولار أميركي هو رقم خيالي، ولن يستطيع العراق، إذا كان الرقم كذلك، أن يسدِّد ديونه على مدى سنوات طويلة على الرغم من وجود النفط الذي تتحكم به أيادٍ خارجية، ويعتمد على سعر البرميل الذي يؤثر تأثيراً مباشراً على مداخيل الخزينة العراقية، فعندما يرتفع سعر البرميل ترتفع الميزانية، وحينما ينخفض تنخفض الميزانية كما حدث في عامي 0200 و2009. انتقد الفيّاض وزير المالية العراقي الذي صرّح في أحد لقاءاته بأنه مُحرَج من نادي باريس، ولكنه ليس محرجاً من الشعب العراقي الذي انتخبه ووضعه في هذا المنصب الكبير. فعندما تتأخر الميزانية ينعكس هذا التأخير سلباً على المواطنين العراقيين الذين يتطلعون إلى إقرار هذه الميزانية وعدم تأخيرها، ويبدو أن الإحراجات التي يعاني منها المسؤولون العراقيون خارجية وليس داخلية.
وصفَ الفيّاض بأن ديون العراق هي ديون بغيضة على الرغم من أن نادي باريس قد خفّض نسبة 80% منها وكان المفروض أن تُسقَط وخاصة تلك التي تذهب إلى الكويت الجارة الأبدية للعراق، وكذلك المملكة العربية السعودية، صاحبة الاقتصاد الرصين، حيث تستلم الكويت لوحدها نحو ملياري دولار كل عام وتنهك موازنة العراق المالية، هذا إضافة إلى بعض المشكلات العويصة بين العراق والكويت التي لم يجتهد الطرفان في إيجاد حلول مناسبة لها، آخذين بنظر الاعتبار أن مجموع ما استلمته دولة الكويت الشقيقة من تعويضات مادية قد وصل إلى (27) مليار دولار أميركي.

فشل الخصخصة
اعترض الفيّاض على أن تكون الخصخصة هي الحل الناجع لمشكلة الاقتصاد العراقي المتدهور، واستشهد بالدراسة التي أُجريت من قبل صندوق النقد الدولي على (160) دولة اتجهت باتجاه الخصخصة، ولكنها فشلت جميعاً، ولم تنجح منها حتى ولو تجربة يتيمة واحدة. قام الدكتور الفيّاض نفسه باجراء ستة أبحاث لستة بلدان حول موضوع الخصخصة وهذه البلدان هي فنزويلا والمكسيك من أميركا اللاتينية، وأنغولا وأثيوبيا ومصر والجزائر من قارة أفريقيا، وقد توصل الباحث إلى أن عمليات الخصخصة في البلدان الستة المذكورة كانت فاشلة مئة بالمئة حيث خرجت أنغولا وفنزويلا من سطوة صندوق النقد الدولي، فيما بدأت دول أميركا اللاتينية تجد المناخ الصحي لتوجيه اقتصاداتها صوب الجانب الأمين الذي يخلو من عناصر المجازفة غير محمودة العواقب.
ختم الفيّاض حديثه بالقول إن هناك صياغات ومعايير وتوجهات جديدة حول اقتصاد السوق والخصخصة تصفها دوائر محددة بأنها صالحة لكل بلد ولكل اقتصاد، ولكنه يعتقد أن معايير وأهداف الاقتصاد العراقي معروفة ولا تحتمل هذا الجدل الطويل. وحدّد الفيّاض بعض النقاط الرئيسة التي يجب أن يأخذها الاقتصاديون في التعاطي مع المسألة الاقتصادية ومن بينها طبيعة الاقتصاد العراقي الذي شرحنا جوانب محددة من أبعاده، وضرورة عدم مقارنته باقتصادات دول متقدمة جداً مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إذ لا يجوز عقد مقارنة بين دولة متقدمة جداً ودولة نامية ما تزال تحبو صوب التقدّم والمدنية. وضربَ الفيّاض مثلاً حول الخصخصة التي جرت فيما يتعلق بنفط بحر الشمال حيث رفع مكتب الاستثمار الكويتي أسهمه إلى (21) سهماً، الأمر الذي أقلق أعضاء مجلسي اللوردات والبرلمان وكثير من الشخصيات السياسية الأخرى التي تدخلت بقوة وأرغمت المكتب المذكور على بيع أسهمه الإضافية والعودة إلى ما كان عليه قبل الوصول إلى هذه الزيادة المروّعة وهي نسبة 9% لا غير!
أشار الفياض إلى أن موضوع الخصخصة لوحدة يحتاج إلى ندوة خاصة ومع ذلك فقد اضطر إلى القول بأن الخصخصة لا تعني القطاع الخاص، وإنما تعني نقل ملكية الدولة إلى القطاع. وعندما يجري الحديث عن القطاع الخاص من قبل بريمر فهو لا يعني به القطاع الوطني العراقي، لأن هذا القطاع يعاني من ضعف كبير وأمكانيات محدودة جداً، لذلك فهو يعني القطاع الخاص الأجنبي. إن نصائح البنك الدولي ومجلس الحكم حيث حلّ بريمر الجيش العراقي الذي كان عدده (400,000) ألف عسكري وبالإضافة إلى حلّ وزارة الإعلام وعدد كوادرها (150,000) ألف كادر يضاف إلى ذلك أن نسبة البطالة تتراوح ما بين 60_70% أمام هكذا واقع اضطر بريمر إلى التوقف عن مبدأ العلاج بالصدمة.
أكدّ الفيّاض بأن هيئة الاستثمار الوطني والمجلس الاستشاري للسيد رئيس الوزراء يشيران إلى أن 30 من المشاريع الاقتصادية ناجحة، وأنهم يقدّموا تمويلاً لثلاثين مشروعاً آخر، ولكنهم يصرّون على خصخصة (167) مشروعاً. كما استشهد بما قاله وزير الصناعة الحالي الذي صرّح غير مرة بأنهم قد موّلوا العشرات من المعامل وهي في طريقها إلى النجاح. أنهى الفيّاض محاضرته بخلاصة مفادها أن الاقتصاديين العراقيين يجب أن يجدوا مقاربة فكرية اقتصادية تدمج بين القطاعات العامة والخاصة والمختلَطة والتعاونية لخلق أرضية لاقتصاد متطوِّر يستطيع من خلاله العراق أن ينهض بإمكانياته الذاتية خاصة وأن العراق يمتلك مصادر خام أخرى غير النفط وهي الكبريت والفوسفات إضافة إلى المعطيات الاقتصادية التي يمكن أن توفرّها الزراعة والصناعة والسياحة بمختلف أنواعها.
لابد من التنويه إلى أن محاضرة الدكتور عباس الفياض كانت طويلة وتنطوي على محاور شديدة الأهمية، ولكن الوقت لم يسعفه مع الأسف الشديد لتغطية أبرز محاورها، لذلك نتمنى على القائمين على رابطة الأكاديميين العراقيين أن يفردوا مستقبلاً ندوة خاصة لكل محاضر كي يتاح له الوقت المناسب لعرض بحثة ومناقشته مع الحضور، خصوصاً وأن غالبيتهم أكاديميين مهمين ولديهم الكثير مما يريدون قوله للمتلقين العراقيين على وجه التحديد.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن د. عبّاس الفيّاض قد أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في العراق، ثم واصل دراسته العليا في معهد العلوم الاجتماعية والمعهد العالي للمالية والاقتصاد في موسكو. عمل الفيّاض في العديد الصحف والمجلات في لبنان واليمن. كما أصدر العديد من الكتب نذكر منها (المبادئ الأولية في الاقتصاد السياسي، الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي، بحوث اقتصادية معاصرة). ويعمل حالياً تدريسياً في الأكاديمية المفتوحة في الدنمارك.




#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)
- إلى السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
- شركة الناصر للطيران
- الأحزاب الدينية والسينما العراقية
- الشخصية المنشطرة وتعزيز الأمكنة الافتراضية
- الحقوق المائية
- رواتب البرلمانيين العراقيين
- القرصنة والابتزاز
- مُحفِّزات أعمال الشغب والعنف في بريطانيا
- الجادرجي في أمسية ثقافية بلندن يتحدث عن تأثير ثورة 14 تموز ع ...
- صلاح نيازي يرصد التغييرات التي طرأت على الأدب والفن بعد ثورة ...
- عبد المنعم الأعسم يتحدث عن ثقافة التسامح


المزيد.....




- -أنتم أحصنة طروادة للفساد الاجتماعي-.. أردوغان يهاجم مسابقة ...
- آخر مرافعة لترامب في قضية الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز الأ ...
- طريقة تنزيل تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 نايل سات لمتابعة ...
- نتنياهو عن إصدار مذكرة اعتقال ضده من الجنائية الدولية: مسرحي ...
- كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال ...
- ما الأدب؟ حديث في الماهية والغاية
- رشيد مشهراوي: مشروع أفلام -من المسافة صفر- ينقل حقيقة ما يعي ...
- شاهد الآن ح 34… مسلسل المتوحش الحلقة 34 مترجمة.. تردد جميع ا ...
- مصر.. تأييد الحكم بالسجن 3 سنوات للمتسبب في مصرع الفنان أشرف ...
- بعد مسرحية عن -روسيات ودواعش-.. مخرجة وكاتبة تواجهان السجن ف ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية وآفاق المستقبل (ج2)