|
الثورة هدم و بناء ، و علينا أن نهتم بالعمليتين
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 22:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الثورة هي عملية تغيير ، و بالتالي لكي تنجح أي ثورة ، أكانت سياسية ، أو تقنية ، أو إجتماعية ، يجب أن تقوم بعمليتين : هدم ، و بناء . هدم النموذج القديم ، و بناء نموذج جديد . لا يشترط في ذلك أن تسبق عملية منهما الأخرى ، و إن كان يمكن أن القول أن هناك قاعدة تكاد تكون عامة للثورات التقنية ، و الإجتماعية ، هي أن عملية البناء تسبق غالبا عملية الهدم . في الثورات التقنية ، و الإجتماعية ، تولد النماذج الجديدة أولاً ، ثم تبدأ في إثبات وجودها ، لتقوم بعد ذلك بإحلال نفسها محل النماذج القديمة ، مع إختلاف سرعة الإحلال بإختلاف الظروف . حدث هذا من قبل في ثورات تقنية عدة ، مثل الثورة الصناعية ، و في الثورة الزراعية . و بالمثل حدث في ثورات إجتماعية سابقة ، مثل في تعليم النساء في مصر ، حيث تم بناء النموذج أولاً ، و الذي أخذ بعد ذلك في الإنتشار ، ليحل محل الأفكار القديمة المناهضة لتلك الفكرة ، أو ما يمكن تسميته بعملية هدم الفكرة القديمة . الثورات السياسية تختلف ، فغالباً - أو يكاد أن يكون دائما - تسبق عملية الهدم ، أي هدم النموذج القديم المرفوض ، عملية البناء ، أي تقديم نموذج جديد تفصيلي ، و إنزاله للواقع . لأن غالبا ما يكون النموذج المطلوب موضوع في شكل خطوط عريضة جداً ، مثل الديمقراطية ، حقوق الإنسان ، و غير ذلك من الأفكار السامية العريضة . أعتقد أن غياب النموذج السياسي التفصيلي الذي يحل محل النموذج القديم ، في معظم الثورات السياسية ، يعود لطبيعة تلك الثورات ، لأن الثورات غالبا ما تقوم بها مجموعات سياسية عدة ، غالباً ما تكون متباينة ، لبعضها بالفعل نماذجها التفصيلية التي تريد تطبيقها على أرض الواقع ، يضاف لذلك غالبية المشاركين في صنع الثورة من الجمهور الذي لا ينتمي لمدرسة سياسية معينة ، و كل هذه المجموعات ، بالإضافة للغالبية من أبناء الشعب ، لا يوحد جهودها إلا الشعارات الشديدة العمومية ، وهذا ما حدث في ثورة 2011 في مصر . لا يعيب ثورة مصر في 2011 أن عملية هدم النموذج القديم ، أي النظام الذي أسسه حسني مبارك ، سبقت عملية البناء . عملية الهدم في أي ثورة ، ضرورة ، و ليست تخريب . لا يمكن أن تزرع محصول جديد في نفس الحقل قبل أن تطهر الأرض من النباتات النامية بالفعل فيه ، خاصة لو كانت ضارة . لا يمكن أن تبني في نفس قطعة الأرض بينما هناك بناء قديم ، غير مرغوب فيه ، قائم فيها ، خاصة عندما يكون أساسه منخور ، متهالك ، أو غير مطابق للمواصفات . إزالة النموذج القديم ، أو النظام الذي أسسه مبارك ، بما في ذلك إسقاط مبارك ، و حل الأجهزة الأمنية القمعية ، و محاسبة أعضائها ، و تعقب مجرمي حقبة مبارك ، و تقديمهم للعدالة المصرية المدنية النزيهة ، و على رأسهم حسني مبارك ذاته ، كل هذه الخطوات تدخل في عملية الهدم ، و كلها ضرورية جداً ، و لم يتم معظمها . لكن علينا أيضا أن ننتبه لعملية البناء ، لأن الإهتمام بعملية الهدم وحدها ، سيسمح لبقايا النظام القديم ، و للإنتهازيين من المعارضة ، بفرض نموذجهم علينا ، و هذا ما حدث ، و يحدث ، و أعني ما جرى في عملية تعديل الدستور ، و ما سيحدث في إنتخابات الرئاسة ، و البرلمان . الدستور يدخل في عملية البناء ، لأنه يعد أساس الدولة ، و سورها أيضا ، و عندما تركنا المسألة لبقايا النظام الذي أسسه حسني مبارك ، أو ما يمكن أن نقول عليه الأن : نظام عمر سليمان ، و لحلفائه الجدد ، أي الإخوان ، فإننا تركنا لهما عملية البناء ، لنجري وراء هدف تافه - عندما يقارن بما جرى بشأن الدستور - و هو إسقاط حكومة شفيق . و من أمثلة الإنشغال بأفكار تافهة ، محاولة نظام عمر سليمان أن يشغلنا بسؤال تافه ، هل تسبق الإنتخابات البرلمانية ، الإنتخابات الرئاسية ، أم العكس ، بينما العمليتان برمتهما في ظل الظروف الحالية لا يساويان شيئا ً . نحن نساعد نظام عمر سليمان ، و حلفائه الجدد ، على سرقة الثورة لحسابهم ، بإهتمامنا فقط بعملية الهدم ، و التي للأسف هي أيضا لم تسر في الطريق الصحيح على طول الخط ، كما نوهت آنفا ، و كما ذكرت بالتفصيل في مقال : لص الأراضي وزير للداخلية ، هذا ما تحقق . المطلوب الأن هو أن نوازن جهودنا بين الهدم ، و البناء . أن نسير في الطريقين المتوازيين ، في نفس الوقت ، فعملية الهدم لم تكتمل ، و لم تأخذ حتى مسارها الصحيح ، فالنظام الذي أردنا إسقاطه لازال قائم ، يقبض على زمام السلطة بقوة ، و هو يريد أن يبني نموذجه الذي هو في الحقيقية مشابه للنموذج الذي رفضناه ، كذلك علينا أن نهتم بالبناء ، فنقدم نموذجنا ، و نطالب بتطبيقه . علينا ألا ننسى أبداً أن أي ثورة لكي يقال إنها نجحت ، يجب تتم عمليتي الهدم ، و البناء ، بحسب الرؤيا المرغوبة ، و بالكامل .
09-03-2011
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لص الأراضي وزير للداخلية ، هذا ما تحقق
-
ليبيا ، أو أسبانيا العربية ، تحتاج إلى متطوعين و سلاح
-
عمر سليمان إختصر مصر في إخوان و أقباط
-
عمرو موسى مرشح عمر سليمان
-
الإخوان لا يريدون إسقاط النظام
-
مصر أولى بذلك الدور نحو شقيقتها من حلف الأطلنطي
-
كالفرنسية ، ستطول ، بالفعل دامية
-
النظام البرلماني قادر على الإصلاح و البناء
-
ستة أعوام للفترة الواحدة خطر في ظروفنا الحالية
-
حسني مبارك مطمئن لأن أتباعه في السلطة
-
هل قرروا البقاء لمدة غير محددة ؟
-
هكذا سيتصرف الإنقلاب العسكري الحقيقي
-
الشعب و جيشه ، أب و ابنه
-
يجب إحتلال مبنى مجلس الشعب
-
الإقتصاد نقطة ضعف نظام مبارك
-
يا أهل الصعيد ، سيخجل منكم أحفادكم
-
الثاني من فبراير يحمل بصمة جمال مبارك
-
لم يبق إلا القليل ، فإلى مزيد من التصعيد
-
كيف يتعامل الإعلام الروماني مع الثورة المصرية ، تجربة شخصية
-
حمداً لله إنه غبي ، الخوف هو من طعنة في الظهر
المزيد.....
-
لدرجة لا يمكن التعرف عليها.. شاهد مقدمة حفل تخطئ بشدة في نطق
...
-
مسؤول أمريكي يكشف عن أهم مطلب لولي العهد السعودي خلال اجتماع
...
-
إطلاق النار على فلسطيني عند نقطة تفتيش إسرائيلية قرب القدس
-
عوامل جذب جديدة.. آخر صيحات الموضة على شواطئ السعودية
-
باير ليفركوزن يطمح إلى -غزو الكرة الأوروبية- بعد تسيد البوند
...
-
نائبة مصرية: مشاركة القطاع الخاص -يوم أسود في تاريخ الصحة ال
...
-
سياسية ألمانية تنتقد استراتيجية بلادها تجاه أوكرانيا: ستدفعن
...
-
مسؤول دفاعي ردا على دعوة سموتريتش للسيطرة على جنوب لبنان: هل
...
-
هنغاريا.. اصطدام سفينة مع زورق في نهر الدانوب يسفر عن مقتل
...
-
علييف يرفض تدخل الدول غير الإقليمية في شؤون جنوب القوقاز
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|