عائشة التاج
الحوار المتمدن-العدد: 1938 - 2007 / 6 / 6 - 12:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
العرب والقراءة :أية علاقة ؟
قد يكون من البديهي أن نسجل بأن علاقة الإنسان العربي عموما بالقراءة ليست بحميمة و لا طيبة .
أرقام و مؤشرات صارخة تشي بطبيعة هذه العلاقة المتنافرة حد الطلاق البائن في أغلب الأحيان : ذلك أن كل 300 ألف عربي يقرأون كتابا واحدا ونصيب كل مليون عربي هو 30 كتابا ومعدل ما يخصصه المواطن العربي للقراءة الحرة سنويا هو عشر دقائق فقط ومعدل القراءة السنوية للشخص الواحد في العالم 4 كتب وفي العالم العربي ربع صفحة.
يحدث هذا في حضارة أسست من خلال دينها الحنيف على صرح كلمة : اقرأ كأول ما نزل به الوحي على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .،وتلك قمة المفارقات !
وضع مشين و مخجل لا محالة ،ويفسر إلى حد بعيد مستوى الانحطاط الذي نحن غارقون فيه
و إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للإنسان العربي عموما فإن الوضع بالنسبة للشباب يدعو فعلا للقلق وبالتالي للاهتمام البالغ ..
ذلك أن التحديات المطروحة على الأجيال القادمة هي بالتأكيد أكثر إلحاحا و تعقيدا .
فما هي إذن الأسباب التي يمكن من خلالها تفسير الظاهرة ؟
الأسباب :
_ انتشار الأمية والجهل و القيم الاستهلاكية الهجينة 1
لا زالت الأمية الأبجدية والإعلامية تسيطر على الفضاء العربي بنسبة تتراوح ما بين 40 و 65 % حسب البلدان .
رغما عن أموال البيترودولار الضخمة التي هدرت في هذا المجال .
و لا زال حوالي 70 مليون عربي خارج التغطية الأبجدية و لا يتعاملون مع العالم الرمزي إلا عبر وسائط جماهيرية تستبلد عقولهم وإحساسهم في أغلب الأحيان . بل تزيد الملح على الجرح و تتحول إلى عامل منتج للسخافة المركبة .
ذلك أن متوسط القراءة لكل فرد في العالم العربي يساوي 6 دقائق في السنة حسب بعض التقديرات و يمكن تفسير ذلك بانتشار الفقر ليس فقط في بعده الاقتصادي لكن أيضا في بعده المعنوي .علما أن الفقر في القيم البناءة هو أخطر أشكال الفقر .
ذلك أنه حتى في البلدان العربية ذات الدخل المادي المرتفع كبلدان الخليج لا تشكل القراءة ولا حب المعرفة هاجسا ملحا بين الناس إسوة بنظرائهم الغربيين . والسبب ليس ماديا بالتأكيد .
ثم إن انحسار عدد الكتب المقروءة لا يرتبط فقط بتدني المستوى الدراسي و لا المعيشي علما أن السلوكات الاستهلاكية قد تغطي العديد من البضائع ذات الطابع الثانوي انطلاقا من أهمية الحاجة إليها و لا تمس الكتاب أو الجريدة أو أي منتوج فكري أو ثقافي جاد . ولنأخذ مثالا على ذلك كون الطالب أو الطالبة قد يصرف على لباسه أو زينته حتى ما يتجاوز لباس أستاذه و آبائه ولكنه يتلكأ أمام ضرورة اقتناء مرجع أو كتاب لأنه ببساطة لا يدخل ضمن أولوياته .
2 .: السياسات الثقافية و التربوية لإعلامية :
هل تلكؤ شبابنا تجاه القراءة وحب المعرفة عموما مجرد سلوك شخصي ومعزول ، يعطي للكبار مشروعية ترديد انتقادات ذات طابع نمطي توجه لليافعين والشباب أينما حلوا وارتحلوا وتكرس تمجيدنا لماض على حساب الحاضر والمستقبل في كل تفاعلاتنا وسلوكاتنا ؟
أوليس هذا الغصن من تلك الشجرة ؟
و هذا الخبز من عجينة أيدينا كما نقول في الدارجة المغربية ؟
لنعبر عن روح المسئولية ونقر بكل شجاعة بأن المسئولية الكبرى تقع على عاتق منظومتنا التنشيئية والتربوية بكل أجهزتها وآلياتها
فالقراءة عادة يتم العمل على استبطانها منذ نعومة الأظافر ، تثبت للطفل في سنواته الأولى عبر لعبه والعديد من أساليب رعايته حتى تتحول إلى حاجة ملحة تتوازى مع باقي الحاجيات البيولوجية و النفسية والروحية .
القراءة أيضا مناخ اجتماعي عام يعمل على ترويج حب المعرفة و تحويلها إلى سلوك اجتماعي ذي طابع عمومي . و يؤكد المكانة الاعتبارية للعالم والمثقف باعتباره يستحق كل الاحترام والتقدير وحتى التبجيل .
من المؤكد بأن المكانة الاعتبارية لهؤلاء عرفت انحدارا ملحوظا أمام ارتفاع أسهم القيم المادية ذات الطابع الهجين في البورصة الاجتماعية .
وراح المرتشي ومروج المخدرات والمتاجر في السياسة بمعناها الرديء وما إلى ذلك من النماذج الوصولية ذات الطابع الرديء أجدر بالاحترام والتقدير في مجتمعات الانحطاط القيمي هاته .
وتحولت بالتالي إلى نماذج عليا يتم السعي إلى اتباع خطواتها لتحقيق هكذا نجاح .
من البديهي أن السياسات الثقافية و التربوية و الإعلامية تتأثر بالتوجهات الاسترتيجية العامة ,
ما هي مواصفات المواطن الذي نسعى إلى صياغته عبر الآليات التربوية و التنشيئة ؟
إن طبيعة علاقتنا بالقراءة والمعرفة عموما ترتبط بنوعية نظامنا التربوي سواء منه الرسمي أو الاجتماعي .
من هنا يمكن التساؤل هل يسعى حكامنا و مسيرو شأننا العام إلى إنتاج عقول تفكر وتبدع وتنتج أم إلى كائنات تتقن فنون الولاء والطاعة والاستكانة ؟
هل نريد مواطنين أحرار أم مجرد رعايا على المقاس ؟
الجواب على هذا السؤال الجوهري يحدد بالتأكيد التوجهات التربوية والتنشيئية العامة ؟ وصرح القيم و المهارات التي نسعى إلى تثبيتها في وجدان الساكنة عموما وأهم شريحة فيها الأطفال والشباب .
من هذا المنظور نسجل بأن نظامنا التربوي يعتمد على الاستذكار عوض شحذ ملكة البحث التي تعتمد على الاستفادة من تجارب الآخرين و القراءات المتراكمة .
و جل برامجنا التعليمية تعتمد على مضامين ذات طابع ماضوي وتقدم بأشكال تثير القرف في نفوس ناشئة تتجاذبها أمواج العولمة بحسناتها وسيئاتها .
بموازاة هذا نجد قنوات تلفزية و فضائيات في أغلبها ذات خط تحريري يعتمد على الفن المبتذل و المنتوج الإعلامي السطحي و السخيف ؟
آليات ووسائط ضخمة ،لكن نادرا ما تقيم ندوات وبرامج قيمة وجادة تحترم عقل المشاهد وتسمو به من عالم الابتذال والإثارة إلى عالم التفكير والنبل والسمو .
من هنا يعلن المناخ العام عبر سطوته التكنولوجية المعاصرة عن السيطرة الهجينة للرأسمال المادي على الرأسمال الرمزي بل ابتلاعه والتنكيل به ...و إذلاله في بعض الأحيان .
.ذلك أن صاحب رأس المال الذي قد يكون وصل إليه عبر مختلف الأساليب الانحرافية يملك إمكانية استعمال المثقف والعالم والأكاديمي حسب أولوياته و أهدافه ،بل حتى نزواته .
علما أن انحدار القيمة الاعتبارية للعلم والعلماء تكون عاملا مؤثرا في حب المعرفة والعلم الذي يبدأ بالتأكيد من القراءة .
3_ تراجع النشر الورقي امام النشر الإلكتروني
هناك أيضا عامل آخر يواجه شبابنا الحالي ويؤثر على كيفية تعامله مع الكتاب .
ذلك أن ازدهار الشبكة العنكبوتية وانتشارها يبيح بالتأكيد وصول المعلومة إلى قعر الدار وبدون أي مجهود .
لكن هل يتم اسغلال هذه النعمة بشكل إيجابي وفعال ؟
إحصائيات العديد من المواقع الكبرى تدل على أن أهم نشاط داخل الشبكة هو الدردشة وتبادل الصور والأغاني والكليبات .
ويشي بأن الرهانات الكبرى للمتحكمين في وسائل الاتصال تتجاوز بالتاكيد نشر المعلومة الجادة والهادفة .
وباعتبارنا مجرد مستهلكين فإننا نركب القارب داخل بحر متلاطم الأمواج . وقاربنا لا زال بالتأكيد مرتبكا و يفتقد للبوصلة بل أيضا للربان .
و لعل الإدمان على الدردشة و مواضيع الجنس هو في حد ذاته مؤشر على مكامن الخلل في التربية .
إذا علمنا بأن المتعاطين للدردشة ليسوا فقط شبابا بل كهولا وحتى عجزة في بعض الأحيان ندرك بأن هناك بالتأكيد حلقة مفقودة داخل ثقافتنا تفسر هذا اللهاث المحموم
نحو ما هو محظور وفق منظومتنا .
الحلول : كيف نشجع شبابنا على القراءة ؟
- أن نحترم عقولهم بتقديم منتوج ذي راهنية و مصداقية و تجيب عن تساؤلات عصرهم لا عن أمور ماضوية
-أن نعيد الاعتبار للثقافة الراقية و المثقف الحقيقي الذي يجب أن يتم الترويج
لأفكاره و أعماله عبر كل القنوات الإعلامية حتى يصبح مثلا أعلى يعوض نجوم الغناء الرديء و الفن الهابط الذي يستحوذ على أغلب الفضائيات العربية .
-أن نجعل من القراءة عادة تلازمنا في مختلف الفضاءات ولن يتم ذلك إلا من خلال قرار سياسي في هذا الاتجاه تتم أجرأته تربويا و اجتماعيا و إعلاميا
- أن نعمل على تقريب الكتاب من القاريء وذلك بجعله في المتناول
- أن نجعل مضامين كتابتنا تتماشى مع الحاجيات الملحة والمؤرقة لشبابنا و لا نتركهم يبحثون عن المعلومة في الأماكن المظلمة .
-
وبالتالي لا بد من القيام بخطة عربية شمولية تعمل على النهوض بالقراءة ومن خلالها بالعلم والمعرفة باعتبارها بوابتنا نحو المستقبل .
#عائشة_التاج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟